أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ليث العبدويس - أغلى رَغيفُ خُبزٍ في العالم














المزيد.....


أغلى رَغيفُ خُبزٍ في العالم


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3952 - 2012 / 12 / 25 - 16:31
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لانسِكاباتِ الدَمِ السوريَّ خَطٌّ بيانيٌّ نَشِط، ما فَتئَ يَجنَحُ نَحوَ ارتِفاعٍ جُنونيّ مُنفَلِتٍ مِنْ أدنى حُدودِ التَعَقُّلِ مُنذُ تَعَطَّلَتْ إبرَتُهُ قَبلَ عِشرينَ شَهراً واقتيدَ عَدّادُهُ رَهينَةَ مُتلازِمَةٍ دَمَويَّةٍ تأبى الهُبوطَ عَنْ رَقمٍ ثُلاثيَّ المَراتِب، الموتُ في الشّامِ مَبذولٌ بِدَمغَةِ مَكتَبةِ الأسَدِ لأرشَفَةِ الموتى، وَفيرٌ فَلا يُخشى مِنْ شُحّهِ أو نَفاذِه، مَقصودٌ فَلا داعٍ لافتِعالِ مُناسَبَةٍ لِلُقياه، لَكنّهُ بَعدَ "حَلفايا" نَجَحَ في تَرسيخِ مَفهومِ "الموتُ العابِرُ للرَغيف"!!
الموتُ في "حَلفايا" جاءَ بِنَكهَةِ الخُبزِ الساخِنِ الخارِجِ لِتوّهِ مِن الفُرن، في عَوالِمَ أخرى غَيرَ عالَمِ الموتِ العَرَبيّ المَجّانيّ الباذِخِ يأتي الخُبزُ الطازَجُ عَلى أجنِحَةٍ مِنَ الاستِرخاءِ الحالِمِ والخَدَرِ الرومانسيّ اللَذيذ، فالباريسيونَ وَهُم عائِدونَ إلى أحضانِ حَبيباتِهِم اللائي ينتَظرَنَّهُم في مَنازِلِهِمِ الدافِئة لا يَنسونَ المُرورَ على الفُرنِ الكائِنِ في ناصيةِ الشارِع لابتياعِ رَغيفِ خُبزٍ وَقِطعَةِ جُبنٍ وَزُجاجَةِ نَبيذ!!
بينَما يُمشّطُ السوريُّ السَماءَ بَحثاً عَنْ "ميغٍ" مُتواريةٍ خَلفَ سُحُبِ الشِتاء المُخادِعة قَبلَ أنْ يَنطَلِقَ في جَولَةٍ جَديدَةٍ مِنَ "الروليت" مَعَ واقِعِ الحَربِ العَمياء، خَيارُ جَلبِ الخُبزِ لِعائِلَتِكَ المُحاصَرَةِ يَخلَعُ القَلبَ أمامَ ألفِ خَيارٍ لِميْتاتٍ شَديدَةِ البَشاعَة والعُنْف، مَناجِلُ الموتِ الاسوَدِ تَزرَعُ كُلَّ الزَوايا والمُنعَطفاتِ والأزِقّة، عَزيفُ أشباحِ الأسَدِ يَصفِرُ بينَ أطلالٍ أضحَتْ بِرُكامِها مَيدانَ اصطيادٍ مِثالي للقَنّاصَةِ المُرتَزَقَةِ وفِرَقِ الإعدامِ الميدانيّة الجوّالة.
وَحَدهُمُ السوريّونَ يَستشعِرونَ نِعمَةَ الخُبزِ إلى أقصاها بَعدَ أنْ صارَتْ العودَةُ سالِماً بِكيسِ أرغِفَةٍ ساخِنَةٍ يُعادِلُ في عُرْفِ أهلِ الشامِ حياةً جَديدَةً او وِلادَةً أُخرى طالما أنَّ الطَريقَ إلى الفُرنِ القَريبِ الذي كانَ سالِكاً وقَصيراً في يومٍ ما قَدْ انبَجَسَ عَنْ صُفوفٍ مُتزاحِمَةٍ مِنَ المُقاصِلِ القابِعةِ في انتظارِ "طابورِ الخُبز".
تَدَخَلَتْ "ميغُ" الأسَدِ لِتُشوّهِ تِلكَ الأُلفَةِ الطَويلَة التي تَربِطُنا بِالخُبْز، قَمَعَتْ بِداخِلِنا ذَلكَ الحَنينَ الفِطريَّ الذي وَرِثناهُ عَنْ الإنسانِ الغابِرِ يومَ اكتَشَفَ دَهشَةَ التَذوّقِ الأولى لِدَقيقِ قَمحٍ مَبلولٍ لَوّحَتهُ النارُ فأكسَبَتهُ تِلكَ السُمرَةَ الشَهيّة الأخّاذة، أعادّتْ الميغُ رَسمَ حُدودِ العَلاقَةِ بينَ رَغائِبِنا الدَفينةِ وبينَ ما نُصِرُّ على اعتِبارِهِ "قوتاً" وَ "عيشاً" بحيثُ لَنْ يَعودَ للخُبزِ بَعدَ "حَلفايا" مَذاقَهُ المَعهود، تَباطَأتْ الثواني قَبلَ "حَلفايا" ليَتسَمّرَ ضَميرُ البَشَرِ عَلى فَضاءِ فاجِعَةٍ هَطَلتْ مَعَ رُذاذِ ديسَمبَر.
لَمْ يَعُدْ أحَدٌ مِنْ مخبَزِ "حَلفايا"، بَقي اهلوهُم جَوعى وَنامَتْ الصِغارُ طاوية، لَمْ تَمتَلئ أكياسُ المُتَبضعينَ بِغير دِمائِهِم، يومانِ بَعدَ المَجزَرة، كَتَبَ أحدُهُم على اطلالِ المَخبزِ: بيعَ هُنا أغلى رَغيفُ خُبزٍ في العالم!!
ليث العبدويس [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيرا الصَغيرة... والطائِراتُ المُغيرة
- كُلُّ الطُرُقِ تؤدّي إلى دِمَشْق
- ذَبحَةٌ أَبَويّة
- الحَبلُ السُرّيُّ العَرَبي
- اعترافاتُ مُثقّف مُرتَزق
- الدخُولُ إلى صَبرا وشاتيلا
- إنْ عُرِفَتْ حَلَب... بَطُلَ العَجَب
- العَروسُ والكلاشينكوف
- وقائِعُ انتحار كاتبٍ غاضِب // ليث العبدويس
- نوري.. نوزاد.. وحُلُم الأكراد
- قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج
- مملَكَةُ الأيمو
- في تأبينِ مُتسوّلة
- يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة
- مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم
- إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
- السيّابُ لَمْ يَكُن رَكيكاً يا وَطني
- مُذكرات لاجئ سياسي 2
- مُذكّرات لاجئ سياسي
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن ...
- خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
- الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
- م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل ...
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل ...
- غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف ...
- النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ ...
- أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل ...
- احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
- فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ليث العبدويس - أغلى رَغيفُ خُبزٍ في العالم