|
هل أتاك حديث الدستور الذي قسم المصريين
الكبير الداديسي
ناقد وروائي
(Lekbir Eddadissi)
الحوار المتمدن-العدد: 3951 - 2012 / 12 / 24 - 05:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
يعد الدستور الوثيقة التي تجتمع حولها مختلف آراء مكونات الأمة أو الدولة ، وترهن مستقبلهم لسنين ، لذلك يتم تمييز الدستور الذي يضم المبادء العامة المتفق عليها عن باقي القوانين الخاصة ، وكان من المفروض أن يشكل دستور الجمهوية الثانية في مصر ، بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك هذا المطمح ، لكن مضامين هذا الدستور وظروف طرحه للاستفتاء لم تزد المصريين إلا تفرقة ، تفرقة لم ينجح الاستبداد التركي ولاحملة نابوليون ولا الاستعمار الإنجيليزي في فرضها يوما على المصريين ، وهي تفرقة تبين بوضوح الاختلاف في صورة الدولة المراد تكوينها مستقبلا ، فمعظم المصريين لم يطلع على الدستور ، ومعظمهم لم يصوت على الوثيقة في حد ذاتها ، وإنما أدلى بصوته بحسب التوجه الذي يميل إليه . والنقاش حول نقاط خلافية في وثيقة الدستور ظل نخبويا لم يهتم به إلا المثقفون والسياسيون ، وكان من الطبيعي في بلد معظم سكانه من المسلمين و الأميين و البدو والتقليدين.. أن يتعاطفوا مع فكر الإخوان المسلمين بالفطرة والطبع . فيما وقف في الصف الرافض للدستور أغلب الأقباط والعلمانيين والمتعلمين وسكان المدن وخير دليل على ذلك نتائج القاهرة التي اقتربت فيها نسبة الرافظين للدستور من %57 وهي نسبة تتعكس بالملموس أن مرسي لا يسيطرعلى العاصمة ، كما أنها ليست المرة الأولى التي يخسر فيها مرسي معاركه في القاهرة فقد خسرها عندما احتل المرتبة الثالثة في الجولتين في الانتخابات الرئاسية ، وخسرها في الانتخابات التشريعية ، ويخسرها اليوم في الاستفتاء على الدستور إن دستور 2012 جعل المجتمع المصري لأول مرة يبدو منقسما على نفسه بين فريقين متساويين تقريبا إذا يفهم من النتائج الأولية أن حوالي 54% من أصوات المشاركين في الاستفتاء كانت مع الدستور ، ونسبة 46% صوتت ضده ب" لا" وهي نتيجة تفرض أخذ وجهة نظر الأقلية بالاعتبار ، لأنه لا يمكن أن يُحكم حوالي نصف المجتمع بدستور يرفضه ، وعلى الرغم من كون النتيجة جزئية و لا تهم إلا المرحلة الأولى فقط ، فإن النتائج التي رشحت عن هذه الجولة تستحق الدراسة والتحليل ، فحسب دراسية إحصائية قدمها الناشط السياسي وائل غنيم فور الانتهاء من فرز النتائج لم يتجاوز عدد المشاركين في هذه الجولة 8 ملايين ناخب من مجموع 25مليون و800 ألف مما يعني أن من كل مائة مصري 69 مصري لم يشارك في هذه الجولة وأن 18 من كل مائة قالوا "نعم " و13 صوتوا ب "لا" ، وقد شدد بعض المتتبعين على أن تدني نسبة المشاركة ، وتزايد أعداد الرافضين للدستور مقارنة مع الاستفتاء على التعديل الذي قدمه المجلس العسكري في مارس 2011 الذي لم يتجاوز رافضو تعديل دستوريومئذ 27% على أن نسبة التدني تعكس بحق وجود أزمة بين الحاكمين والمحكومين في أرض الكنانة وفي مقارنة بين هذا الاستفتاء وباقي الاستحقاقات التي شهدتها مصر بعد سقوط نظام مبارك يبدو التراجع الخطير في الاقبال على المشاركة واضحا في دلالة على أن المصريين بدأوا يملون من دواليب سراب الديموقراطية ، بعد أن شعر عدد من الذين تزعموا الثورة ، أن الثورة سرقت منهم عبرالصناديق إن مصر اليوم تعيش صراعا فكريا شبيها بما عاشته مع مطلع القرن العشرين ، بين الفكر الليبرالي المتحرر والفكر التقليدي السلفي، مع فارق كبير كون صراع النهضة ظل صراعا فكريا تزعمه مفكرون كبار مَثّل الجانب السلفي فيه محمد عبده وجمال الدين الأفغاني .. ومثل الجانب اللبيرالي المتحرر فيه جيل طه حسين وسلامة موسى وقاسم وأمين.. ، أما اليوم فالصراع غدا صراع ميادين كل فريق يحتل ميدانا وسط القاهرة ويدعي أنه يمثل الشعب ، صراع قدم الفكر منه الاستقالة ، وسمح للعنف والإقصاء بالتسب وسط المصريين ، فبدل محاجة الفكر بالفكر ، أصبح التوجه نحو العنف وإحرق المقرات هو الأسلوب الجديد ( الهجوم على مقر المحكمة الدستورية ، وإحراق جريدة حزب الوفد ، وإحراق مقر الإخوان المسلمين ...) وهي أساليب الديموقراطية منها غالبا ما يؤدي التصويت على الدستور في دول العالم إلى إشباع تطلعات الشعوب ، وتحقيق الرضى على وثيقة توافقية تضمن لكل أفراد الشعب بسلام ، لكن حلم المصريين بدستور يجني منه الشعب ثمار الثورة أجهضته النتائج الأولية لما بعد الاستفتاء في مصر.فما أن أعلن عن ضعف المشاركة التي لم تتجاوز 33% ، فما أن بدأ الإعلان عن النتائج الأولى ، واتضح أن الاتجاء يسير نحو التصويت بقبول الدستور حتى بدأت ردود الأفعال الأولى محليا ودوليا : دوليا تدولت الصحف العالمية انخفاض اختياط العملة الصعبة بمصر بشكل ينبئ بأزمة اقتصادية وتراحع صندوق النقد الدولي عن القرض الذي كان مقررا تقديمه لمصر ،وأعلنت سويسرا رفضها الكشف عن أرصدة مبارك ،كما طالبت ألمانيا بتسديد ديونها المستحقة على مصر، وداخليا تكرس تقسيم الشعب المصري بطريقة لم تنجح كل الخطط الاستعمارية التي تكالبت على أرض الكنانة عبر تاريخها الطويل في تحقيق مثل هذه التفرقة بين المصريين في الاحتكاك العنيف بين الرافضين والقابلين للدستور والهجوع على المقرات وإحراق بعضها ، كما تقوى الهجوم على الإعلاميين والقضاة كان آخرها الاعتداء على أحمد الزند رئيس نادي القضاة مباشرة بعد إعلان النتائج الأولية للمرحلة الثانية ، وقبيل ذلك قدم كل من نائب الرئيس ومحافظ البنك المركزي استقالتهما من منصبيهما كما تراجع النائب العام عن استقالته بدعوى أنه قدم استقالته تحت التهديد وامعظم المؤشرات تنبئ بأن ما القادم في الاقتصاد والسياسة إلا الأسوأ حفظ الله مصر من أي انقاسم ينتظره أعداؤها بفارغ الصبر ، ولكي تعود وتؤدي وظيفتها في الربط بين المشرق والمغرب العربيين
#الكبير_الداديسي (هاشتاغ)
Lekbir_Eddadissi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة متهمة بقتل الفكر الإنساني مع سبق الإصرار
-
دستور مصر العجلة والاستعجال
-
مصر تصنع فرعونها الجديد
-
عيد عاشوراء الثنائيات المتناقضة
-
أغرب توصية في مناظرة
-
مناظرة أصلاح عدالة المغرب بآسفي
-
من حق العودة إلى حق الرؤية
-
إعصار ساندي: علمهم اقتصادهم وقراءتنا الدينية
-
الهوية والشعر في المغرب
-
الهوية المغربية في الدستور الجديد
-
مقامات الداديسي الائتلاف والاختلاف في خطاب نقابي أصيب بالاجت
...
-
من البنية التبيعية إلى البنية العبودية
-
الاعتقال السياسي من خلال رواية السحة الشرفة
-
موسمية الأسواق بالمغرب
-
مذكرات وزارة التعليم تثير جدلا واسعا في المغرب
-
الحكومة الجزائرية الجديدة أو إعادة إنتاج الحكومة
-
حرب الطرق : الحرب الصامتة في المغرب
-
ماذا بعد الربيع العربي تقدم وتطور أم انحطاط وتخلف ؟؟؟
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|