|
تاسيتي
أحمد أمين نصر
الحوار المتمدن-العدد: 3950 - 2012 / 12 / 23 - 21:34
المحور:
الادب والفن
تاسيتي في قديم الزمان يحكي أن .... يحكي أنه في المملكة السوداء .... كان هناك معلما حاذقا يربي أطفال القرية و يجد متعته في تعليمهم تلاوة كتاب الأخلاق إلي جانب قواعد اللغة و الحساب. تعود أن ينتظرهم بعد صلاة منتصف النهار من كل يوم من أيام السنة. أما أيام الجمعه فكانت مخصصة لمجموعته المفضله من الأطفال و هي سبب شهرته في وسط المعلمين. خمسة أطفال بكم و ثلاثة عمي و طفلان قادران يقومان بمساعدته في تدريس الثمانية الأخرين. حبه لهذه المجموعة فاق كل شيئ فكانت كالإبنه الثالثة له بعد توأميه تاهوت و تاسيتي. تاهوت و تاسيتي كانتا من أجمل و أرق بنات القريه، و يضرب بهما المثل في حسن الخلق و حب الناس. أما تاهوت فكانت تحفظ كتاب الأخلاق عن ظهر قلب و تتلوه للاطفال حتي يصل أباها بعد فراغه من صلاته بالناس وسط النهار في المعبد الكبير.و تاسيتي كانت مولعة بتحضير الطعام و مساعدة أمها في الإعتناء ببقرتهم الحلوب فتأخذها للحقل لترعي ، ثم تعيدها للمنزل فتحلب لبنها ، و تصنع منه الزبده والجبن فتأخزهما الأم للبيع في السوق. أما الأم فهي سيدة فاضله ترعي زوجها و تقدر عمله و تتابع توأمتيها و تدللهما و تدعوا الرب دائما أن يرزقها مولود يحما إسم المعلم. في أول النهار تنهض مع زوجها الي الحقل حاملة معها طعام افطاره ، ثم يعودان حين ينتصف النهار مارين بالمعبد الكبير حيث يقودان أهل القرية في الصلاة. و بعد إنتهاء الدرس يتناول الجميع طعام الغذاء و ينهض المعلم للعمل في الحقل و يعود في الليل فيصلي الجميع صلاة الغروب ثم يلتقون علي مائدة الطعام يأكلون و يتسامرون و يحكي المعلم قصصا قرأها علي جدران المعبد الكبير و يستمع لحكايات توأميه و ينصت لهمسات زوجته و يقودها لغرفتهما ثم يصليان سويا و يرتلا دعاء الليل من كتاب الأخلاق قبل ان يستسلم كل منهما للأخر شغفا و مودة و حبا و أخيرا يسدلا ستار النوم حتي يآتي الصباح.
اليوم المشهود؛ و لما تبين لهما الخيط الأبيض من الأسود من فجر الجمعه أخذا يتلوان صفحات الكتاب و نهضا سويا للصلاة و همس المعلم قائلا “يا أم البنات طلبتني السماء ، علني أقيم الصلاة بالغار و أبتهل للرب طلبا للبركه و الزرية الصالحه و أن يحل السلام علي القرية.” بادلته الهمسات قائلة “ بإسم الرب أبشرك يا معلم بأني حامل وقد أخبرتني السماء بأنه يرثك يا أبا هوسين و يقيم في الناس أخلاق المعلم الأول” فتهلل المعلم و دمعت عيناه مناديا رب السماء “ الغار الغار إذا و الصلاة و التعبد”
ركب المعلم حماره و قبل زوجته و أوصاها بما في رحمها و البنات و البقرة و الأطفال القادمون للدرس وواعدها اللقاء بعد صلاة منتصف النهار. قبلت يداه و علقت زاده علي الحمار ، و أخذت تتمتم بكلمات داعية لله بسلامة العوده. قصوا أثارهما فوقفوا علي باب الغار و نظروا لما نسجه العنكبوت فقطعوه بسيوفهم قائلين “لا يلدغ المؤمن من غار مرتين”، و إذا بالحمار يفصل بينهما دفاعا عن المعلم الذي أخذ يتلو الفصل الأول من كتاب الأخلاق “أنا الله”. عشرة رجال ملثمون علي أحصنة ضربوا الحمار بالسيوف فسقط رأسه عند قدمي المعلم . رفع المعلم رأسه للسماء محدثا فشقه سيف إلي نصفين فخرجت “أنا” من ناحية و “الله” من الناحية الأخري و سقط كتاب الأخلاق في بركة من الدماء. أخفوا الدماء و رفعوا اللثام ثم ولوا عائدين، منتصرين، مكبرين. هبت عاصفة رملية هوجاء و إهتز البيت فقالت الأم “مالها” و نادت توأمتيها و إحتضنتهما و صرخت “ سأذهب إلي الغار و أعود مع المعلم و الحمار، وأنت ياتاسيتي فلتأتي بالبقرة من الحقل، و لتنتظري بالبيت يا تاهوت تراعين هؤلاء الأطفال العشره حتي نعود جميعا” أغلقت تاهوت أبواب الدار و أجلست الأطفال في وسط الصحن و صعدت لحجرتها و فتحت النافذة المطلة عليه و أخزت تتلو للأطفال حكايات كتاب الأخلاق و تنظر من النافذة الأخري علي الطريق علها تلمح القادم من بعيد. و هالها مارأت و فزعت حينما إغتصبوا الباب عنوة و وقفوا في صحن الدار وسط ذهول الأطفال و بكائهم ، عشرة ملثمون يعيثون في البيت خرابا، وقفذت من النافذة إلي الصحن لتحتضن الأطفال فإنقضوا عليها كالذئاب المفترسه فقنصوها و صعدوا بها للغرفة و هي تصرخ و تأن، وتركلهم برجليها وتعضهم بفكيها، وتعلق الأطفال بكوة مخفيه بنافذة غرفتها و تناوبوا عليها منفعلين بما يحدث. أغلقوا النافذتين و باب الغرفة و سط صياحها و عويلها ، فصلبوها أربعة منهم حيث إعتلاها كبيرهم فيعلو صراخها، فيآتيها الثاني و هي تولول، ثم ثالثهم يقذف بها فيرج صياحها البيت. و فجآة ضاع صوتها و بردت أطرافها و تجمد فيها الإحساس وإلتفت عيونها و سقطت جفونها فتناولها الأخرون ضاحكين ساخرين و لكتاب الأخلاق ممزقين و لما إنتهوا منها جميعا إمتطوا أحصنتهم ثم ولوا عائدين، منتشين و مكبرين. همت الأم في السير حتي مدخل الغار فراعها أثار الحمار و حوافر الأحصنة العشرة و الأرض المخضبة بالدماء، وأخذت تتلو من الكتاب” أنا الله “ و الغار يردد معها حتي رأت المعلم نصفين و الكتاب مشبعا بالدماء فإختفت فيه الحروف و الكلمات ، فوضعته علي قلبه الدافئ ثم دفنت الجميع وتوجهت عائدة نحو البيت .ذلك أخر عطاياه لنا “ياأماه، ياأماه وضعت البقرة عجلا بعد مخاض طالت أوجاعه”، قالت تاسيتي و هي تجري ناحية أمها، فإحتضنتها و قبلتها و حمدت الله علي السلامة.و فجأة سألت “أين أبي يا أمي؟ ، أين المعلم؟” “ذهب للقاء رب السماء والمعلم الأكبر ، صرع الشر الخير حينما تغلب الحقد علي الحب” قالت الأم واضعة يد تاسيتي علي بطنها لتحس مابها و أضافت “ ذلك أخر عطاياه لنا يا أخت هوسين” ثم أسرعا ناحية الدار بعيون دامعة و قلوب واجفه و أقدام متردده.
علا صريخ الأطفال و إحتشد أهل القرية جميعا ، و عاينوا الدار و حملت الأمهات أطفالهن ، و رأي الرجال تاهوت مسجية علي الأرض ، هامدة عارية تخفي عورتها بكتاب الأخلاق الممذق فإنتشلوه منها وأشاحوا وجوههم بعيدا ثم خرجوا يتنادون و ينتظرون حكماء المملكة السوداء. إنتصف اليوم و بدت الشمس شاهدة في وسط السماء غاضبة متحفزة لأبناء الأرض و نورها أسئلة ملتهبة عن خير ضاع و حب خفت ، و عيون أهل القرية شاخصة حائره تبحث عن الحقيقة الساطعه و روح تاهوت الضائعه. وصلت الأم و تاسيتي ورأت الشر في العيون فصرخت مدوية في عنان السماء “تاهوت، تاهوت، تاهوت” و إذا بعشرة حكماء علي أحصنتهم يتقدمون الناس متوشحين السواد و علي رؤسهم عمامات مرصعة بكتاب أخلاق من ذهب و منقوش عليها “ الحق فوق الخير و الشر” ثم نادوا جميعا “ الشهود ، الشهود، المحاكمه” إنبري الطفلين القادرين دفاعا عن تاهوت وصراعها مع الذئاب البشريه و خاصة كبيرهم و من تلاه، فإبتدأ الحكيم الأول و الثاني بحكم الفضيلة و البراءة. ثم جاء دور العميان، فبدأ أولهم بصراخ تاهوت و إنتزاعها إلي غرفتها ورجة البيت في المرة الثالثه، فأمن ثالث الحكماء علي ماسبق من الحكم. ثم حكي ثانيهم و ثالثهم عن صمتها و ضحكاتهم، فظهر الغضب علي الحكيمين فقررا أنها الرزيلة و الحفرة. و ختم البكم الخمسة الشهادة بحركات أياديهم، يد فوق تتحرك ذهابا و إيابا و تحتها يد ثابته ، خمسة مرات فكان ذلك دليل الحكام الخمسة علي أنها الرزيلة و الحفرة. إصطف الحكماء العشرة، وتحسسوا عماماتهم و لمسوا بها كتاب الأخلاق الذهبي و وجم الناس وأنصتوا لسماع الحكم. أمر كبيرهم مساعده بأن يأتي بالزانية و يضعها علي حصانه فتأخذها أمها إلي الحفرة. عشرة شهدوا ان عشرة اغتصبوا و عشرة حكموا، سبعة بآنها ملعونة و ثلاثة ضاع حكمهم و تاهت “لأ”هم حينما أختفي صوتها و مات جسدها وخافت الأم علي تاسيتي و هوسين فأخذت تبكي و تتلوا من كتاب الأخلاق “ و إذا الموؤدة سؤلت بأي حق أُغتصبت، و ضاع صوتها ونهبت و بأي ذنب في التراب وضعت و في وسط النهار روحها صلبت” و هي تهيل التراب علي تاهوت و علي وجهها . وتاهوت تقبل و جهها و تزيل عنه التراب ناظرة للحكماء العشرة و مشيرة إليهم. و عند خروج أخر أنفاس تاهوت إنفض الجمع وهم واجمين و الحسرة تملأ قلوبهم و إنطلق الحكماء العشرة عائدين منتصرين و مكبرين. حينئذ لمحت الأم أثار الدماء علي ذيول الأحصنة وأرجلها فبادرت تاسيتي قائلة “سيعودون ليلا ،فلنترك الدار ونذهب للغار،و بعد الغروب نعود و نحضر زيتا فإذا دخلوا سيغلقون الباب من ورائهم فنقوم بإشعال النار في المنزل و الزيت فيعرف أهل القرية الحقيقة و ينفذ فيهم حكم السماء”
#أحمد_أمين_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حينما يطلع النهار
-
يا فيلیكس العظيم !!!
-
صابرين............
-
رسالة من القلب في وادي النيل إلي القلب و قلوب وادي الشام
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة كراميش للأطفال 2024 على القمر الصناعي
...
-
جيمس كاميرون يشتري حقوق كتاب تشارلز بيليغريمو لتصوير فيلم عن
...
-
كأنها خرجت من أفلام الخيال العلمي.. ألق نظرة على مباني العصر
...
-
شاهد.. مشاركون دوليون يشيدون بالنسخة الثالثة من -أيام الجزير
...
-
وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح
...
-
مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد
...
-
أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه
...
-
وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا
...
-
عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب
...
-
موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر
...
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|