|
ليبرالية التعدد وديكتاتورية التوحيد ( من اخناتون الى مرسى )
هشام حتاته
الحوار المتمدن-العدد: 3949 - 2012 / 12 / 22 - 08:45
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تقديم : ازعم اننى من الدارسين لتاريخ مصر الفرعونى والدينى منه على وجه الخصوص ، وأأومن بمقولة ( ان التاريخ يكرر نفسه فى بلاد الاغبياء ) لان الاغبياء لايتعلمون من التاريخ لأننا ومن الماضى نستطيع ان نحلل الحاضر ، ومن تحليل الحاضر نستطيع ان نرى خيوط المستقبل . قلت مرارا ان الاخوان اذا تولوا الحكم فانهم لن يستمروا ، لانى كنت اعرف ان المخزون الثقافى والحضارى للمصرى لن يقبل الاسلام بصيغة الاخوان او السلفيين الحقيقية والتى اختفت طوال الاعوام الماضية وراء انهم اهل الدين واهل السنه والجماعه والفرقة الناجية وحراس العقيدة، وكنت اعلم ان وصولهم للسلطه ستسقط معه جميع الاقنعة ، فهم جماعات اقصائية وان تدثروا بالدين ، وحتى مرجعيتهم الدينية نفسها ليست كما صورةا لنا الازهر باعتداله الظاهرى طوال الالف عاما الماضية عندما تماهى مع الشخصية المصرية والارض المصرية والتعددية المصرية ، فبالرغم من ان المصرى اول مؤمن بالله والعالم الآخر فى التاريخ ، الا ان ايمانه فطرى ليس فيه تعصب تجاه الاديان الاخرى بل انها الليبرالية داخل الدين الواحد والتى تسمح بتعدد الرؤى للآله الواحد فى الدين الواحد . ولهذا كنت ارى ان الشعب المصرى لو رآهم على حقيقتهم عندما يسفرون عن وجوهم البغيضة بعد الوصول لسدة الحكم لن يقبل هذه الصيغة الديكتاتورية فى الاسلام الذى يريدون ان يفرضوها عليه . وكان امامى دائما قصة اخناتون وديانته الآتونية وكيف رفضها المصريين وثاروا عليه واسقطوه علن العرش رغم مايتمتع به من قداسة دينية يستمدها اما بكونه الها او ابنا للاله . فتعالوا نستعرض موجزا للتاريخ المصرى مع التدين . ـــــــــــــــــــــــــــــــــ منذ البدايات الاولى للوعى الانسان عندما تكونت فيه احباله الصوتيه وبدأ مرحلة الكلام والتى تلتها مرحلة الكتابة التى بدات تصويرية ثم انتهت صوتية ، بدأت فى العقل اول قوانين الجدل وهى ثنائية ( الله – الشيطان ) او ( الخير – الشر ) ومع ملاحظة الطبيعه من حوله بين زمجرة الطبيعة وبين صفائها ، بين شرها فى البراكين والاعاصير وبين خيرها فى الامطار اوفيضان الانهار التى تولد الزرع والنماء ، اعتقد بعقله البدائى ان هناك ماوراء الطبيعه من يحرك كل من حوله وهنا كانت البدايات الاولى لظهور الآلهة ، فكانت آلهة لخير التى يتقربون اليها حيا واستدرارا للمزيد ، وآلهة الشر التى يتقربون لها ايضا ولكن اتقاءا لشرها ، ومن هنا ايضا ظهرت القرابين والتى اختلفت من مجتمع الى آخر . ولاننا فى مصر فسيكون حديثنا عما كان فى وادى النيل فى سالف العصر والزمان ......... يقول الراوى ياساد ياكرام : انه ومع بداية المشتركات القروية الاولى على ضفتى النهر اتخذت كل قرية الهها الخاص بها ، ومع توحد القرى ثم بداية الاقاليم ومملكتى الجنوب والشمال ثم اول مملكة موحدة فى التاريخ الانسانى على يد الملك مينا ( نارمر – 3200 ق.م ) كان لابد من وجود اله للدولة المركزية وكان لابد من وجود شرعية للجالس على العرش ( قبل شرعية السيف والدبابة ثم الوصول الى شرعية صندوق الانتخابات ) .
لم يدخر الكهنة جهدا فى دمج الجالس على العرش مع ابيه السماوى اله الدولة المركزية ( آمون ) لبستمد منه شرعيته ، ونلاحظ انه من آمون جاء الامن والآمان والتأمين ودخلت فى الاديان السماوية الثلاثة كلمة ( آمين ) للتامين اما على آيات الكتاب المقدس لكل دين او التأمين على الدعاء ، فى نفس الوقت ترك لكل قرية او اقليم الهه الخاص به فى تسامح دينى لم يعرفه التاريخ الا منذ خمسون عاما فقط مع الفكر الليبرالى وليد العلمانية . استمر الحال فى التعددية الدينية فى صيغتها الليبرالية تحت اله الدولة المركزية ( آمون ) لمدة الف وخمسمائة عام ، حتى جاء ( امون – حتب ) الرابع ( 1369 – 1336 ق.م ) وكان الأبن الأصغر للملك أمنحوتب الثالث من الملكة تيي التي كانت الزوجة العظمى المفضلة لديه ، وهوعاشر فراعنه الاسرة الثامنة عشر والتى فى عهدها كانت بداية الامبراطورية المصرية . جاء (آمون – حتب ) بديانته الجديدة وهى عبادة الاله ( آتون ) المرموز اليه بقرص الشمس وكرس نفسه لعبادته وغير اسمه الى ( اخن – آتون ) ليجعل آتون بدلا من آمون ، ويهجر عاصمه اجداده فى الجنوب ويشيد عاصمته الخاصة فى تل العمارنه شمالا ويدمج الاله آمون ضمن الهه الجديد آتون ، ويلغى كل عبادات الآلهة الاخرى بداية من آلهة القرى الصغيرة وانتهاءا بآمون نفسه ، بل الاكثر انه الغى عبادة اله الشعب الطيب رب الخضره والخير والنماء ورب العالم الآخر ( اوزيريس ) واستغرق وحده وحاشيته والمنتفعين من حكمه بالاضافة الى المؤمنين بديانته والتى جلبهم معه الى مدينته فى تل العمارنه فى عبادة آتون وانشغل عن رعاية مصالح مصر العليا وامبراطوريتها الواسعه التى ورثها عن اجداده وكان كل همه تكريس آتون والغاء كل الاخرين ، وامر بهدم كل معابد الآلهة الاخرى ليكون آتون وحده (أنه واحد لا شريك له) . هناك الكثير من الآراء حول سبب هذا التحول ومنها ان زواج والده امنحوتب الثالث وام اخناتون ( تى ) كانت من عامة الشعب وهذا لايعطى الشرعية لابنه اخناتون ولذا قام بابعاده الى بلاد مدين بجزيرة سيناء حيث اخواله هناك ليحتمى بهم فترة طفولته وعندما كبر استدعاه ليجلس بجواره الى العرش سنتين او ثلاثه قبل ان ينفرد بالعرش وحده ، ويقال انه نقل هذه العباده منهم بالاضافة الى طقوس اخرى لهذه العباده ادخلها اخناتون ومنها عبادة الجنس ( فمن المعروف ان المصرى لم يعرف العبادات الجنسية طوال تاريخه ) ولهذا نرى كل صور اخناتون وهو بملابس نسائية شفافه ، وانه كان على علاقة جنسيه بوالدته ويقول بعض الباحثين انه اصل اسطورة ( اوديب ) الذى تزوج مه وقتل ابيه . مايهمنا هنا هو انه قام بفرض الهه آتون والغاء التعددية الدينية التى عاش عليها الشعب منذ بداية التاسيس ، وفرض رؤيته الدينية على كافة الرؤى الاخرى ومن هنا قام بتوسيع قاعدة معارضية من الفلاح البسيط حتى كهنة المعابد ، ومن هنا نرى ان ديكتاتورية اخناتون فى فرض رؤيته الخاصة التوحيديه والغاء الصيغه المتوارثة فى اللاوعى الجمعى والمتمثلة فى ليبرالية التعدد تحت لواء اله واحد للدولة المركزية كانت سببا رئيسيا فى سقوطه عن العرش رغم ماكان يتمتع به فراعنه مصر من قداسه دينية تجعلهم ابناء للآلهة والحاكمين بأمرها على الارض ، وبسقوطه عن العرش تولى ابنه توت عنخ آتون الحكم واعاد مصر الى سيرتها الاولى فى التعددية الدينية وغير اسمه مكرسا نفسه الى امون مرة اخرى ليصبح مايعرف فى التاريخ بـ ( توت - عنخ – آمون ) وعادت آلهة القرى والاقاليم ليتنقل بينهم المصرى جميعا ويحترمهم جميعا دون اى عصبيات دينية . حتى وبعد ان دخل الاسلام مصركان من الطبيعى ان يتماهى مع محتليه بمرور الزمن فنراه يستثمر ذكائه ودهائه المعروفين عنه عبر التاريخ لتلبية رغبات مخزونه الثقافى فى اللاوعى الجمعى باحلال اولياء الله الصالحين وآل البيت الذين احتموا بمصر ويقيم لهم الاضرحة والمزارات ويعلن يوما محددا فى العام اختفالا بمولد هذا الولى او ذاك الصحابى . فى قريتنا شيخ وولى يقام له مولد يأتيه الناس من كل القرى المجاورة ويختفلون به ، وفى القرية المجاورة نفس الشئ ومن اولياء الله فى القرى الى الاقاليم ، كنا نعرف ميعاد مولد ابراهيم الدسوقى والسيد البدوى والحسين والسيده زينب ونتنقل بينهم جميعا ونحتفل بهم جميعا ، دون ان نعرف ان هذا شرك وهذا بعد عن التوحيد ، فالتبرك بهم جميعا لاينفى التدين الشعبى البسيط ولاينفى وحدانية الله فى نظرهم . فمن آلهه الاقاليم الى رب الدولة المركزية آمون قديما ـ ينتقل المصرى حديثا من اولياء الله الصالحين الى اله الاسلام ( الله الواحد الاحد الذى لاشريك له ) حتى جاءت ديكتاتورية التوحيد مع الوهابيين التى تنفى ايه رؤيا لله سوى رؤيتهم الشخصية والتى يريدون فرضها على الناس ، فالتوحيد فى نظر المصرى لاينفى الآخر ، ولكن التوحيد الوهابى يريد فرض صورة كربونية يؤمن بها كل الناس . وبعد ثورة 25 يناير جاء الاسلاميين الى الحكم وبدأت تتضح للمصريين انهم يريدون فرض رؤيتهم على الناس ، وفرض تدينهم السياسى على الناس ، وانشغلوا ( كما انشغل قبلها اخناتون بفرض الآتونية ) الى أخونه الدولة وجميع مرافقها ومؤسساتها ، وكما ترك اخناتون شئون الدولة وفرط فى سيادتها واراضيها فعل الاخوان والوهابيين ذلك حتى ضاعت سيناء ، واتهموا كل معارضيهم ( كما فعل من قبل كهنة اخناتون ) بالكفر والالحاد والشرك بالاله الواحد . وكما جاء اخناتون بديانته التوحيدية من الصحراء الشرقية فى مدين جاء الاخوان والسلفيين برؤيتهم التوحيدية ايضا من الصحراء الشرقية فى جزيرة العرب . وكما انتمى اخناتون الى المؤمنين بديانته فقط ونبذ الاخر فعل نفس الشئ الجالس على الحكم فى مصر وجماعته ، وكما استعدى اخناتون المعارضين قام الاخوان ايضصا باسعداء وتكفير كل من لايؤمن برؤيتهم الدينية فى السياسة . ومن هنا يعود التاريخ ليتكرر بعد 3500 عام ، وكما سقط اخناتون عن عرش مصر بكل مايحيط بهذا الرمز من الوهيه وتقديس سيقط حتما الاخوان والسلفيين بكل ما يرفعونه من شعارات دينية ، لانه وان كان الشعب المصرى اول مؤمن فى التاريخ فان ايمانه لاينفى ابدا التعددية الدينية ولاينفى ان ارى انا وانت وغيرك الله نفسة برؤيا مختلفة ، قد يراه المسلم البسيط فى ( لكم دينكم ولى دين ) ويراه المتشدد فى ( ان الدين عند الله الاسلام ) لامانع ... ولكن لنعيش جميعا فى دولة تحترم القانون وتحترم حرية الايمان وحرية العقيدة وحرية العبادة وحتى حرية ان يرى كل مسلم الله على طريقته ..... بين التدين الشعبى او التصوف او التدين الازهرى او التدين السلفى او حتى التدين الوهابى . انها الصيغة الليبرالية التى عرفها المصرى القديم واسقط من اراد ان يقوم بتغييرها قديما ويسقط من يحاول ان يقوم بتغييرها الآن .
#هشام_حتاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضيحة مرسى والنائب العام الجديد
-
نيرون الاخوانى يحرق مصر
-
صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر
-
تأملات فى الشخصية المصرية : الابن العاق 1/2
-
احكام الاعدام وعودة مسرور السياف
-
الديمقراطية بين الحمامة والغراب والطاووس
-
مرسى بين ديكتاتورية العسكر وديكتاتورية الاخوان
-
تأملات فى الشخصية المصرية : المرأة المتسلطة 2/2
-
قديمة يامرسى ... !!
-
صنع فى اسرائيل
-
تأملات فى الشخصية المصرية :(1) المرأة المتسلطة 1/2
-
الدستور الاخوانى وحظر المساس بالذوات المصونه
-
فنكوش النهضه الاخوانى وفناكيش اخرى .. !!
-
ثلاثية الثورة المصرية : امريكا ، الاخوان ، العسكرى 3/3
-
ثلاثية الثورة المصرية: امريكا، الاخوان ، العسكرى 2/3
-
ثلاثية الثورة المصرية : امريكا ، الاخوان ، العسكرى 1/2
-
قراءة فى انقلاب مرسى على العسكرى
-
مرسى بين شجاعة ميدان التحرير والهروب الكبير
-
فى زمن الاخوان : استباحة الدم والحدود والارض المصرية
-
زمن الاخوان والكيل بمكيالين بين احداث دهشور ونايل سيتى
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|