|
ذكروهم: التجمع الصهيونى فى فلسطين ومنظومة قيم - الطفرة - (mutation)
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 3949 - 2012 / 12 / 22 - 01:51
المحور:
القضية الفلسطينية
صفات تاريخية: لليهود عبر التاريخ القديم والوسيط ( العصور الوسطى) والحديث ، صفات متصلة ومتواصلة لم ينقطع تواجدها بينهم ، ليس من بينها: التضحية والفداء والإقدام والشجاعة والمواجهة ، فى حين من بينها: الخوف والجبن والكمون والتحسر ورثاء الحال ومأثرة السلامة . وحين نرى منظومة القيم التى قام عليها تاريخ استيطان اليهود المعاصر فى فلسطين وتوطنهم داخل نقاط استيطانية محصنة (مستوطنات) ، نجد أن منظومة القيم التى يتم الترويج لها دعائيا بينهم وداخل وسائل الإعلام الغربية ، تقوم على صورة المستوطن اليهودى الشجاع المقدام المغامر الذى يقتحم العوائق والصعاب ويواجه المخاطر ويقابل المجهول بقلب حديد و إرادة صلبة ، فى حين أن هذا غير حقيقى وغير متسق تاريخيا مع صفات اليهود المعروفة عنهم ، فقد يوصف اليهود بعدة صفات عقلية مثل : ( المكر ، الدهاء ، حسن التصرف ، سرعة البديهة ، القدرة على التلون والتكيف ، استغلال الفرص ، ركوب الموجة ومصادقة الغالب والتخلى عن المغلوب ) ، فى حين لم يوصف اليهود ولم يعرف عنهم عبر مجمل تاريخهم القديم والوسيط والحديث مجوعة من الصفات التى ترتبط بالقوة الجسدية والإقدام فى المعارك والتضحية بالنفس.. الكتب المقدسة: فقديما لم يكن اليهود (بنو إسرائيل) قوم حرب وكر وفر ، بقدر ما كانوا رحل وبدو وتجار فى عهد الأنبياء عليهم السلام مثل : ( ابراهيم ، يعقوب ، ويوسف ) ، وفى مصر كانوا حتى الخروج مع "موسى" عليه السلام ، رعاة وخدم وربما قلة مزارعة ، وحين دخلوا أرض فلسطين (كنعان) ، لم يكن لديهم استعداد للحرب والنضال والفداء ، و لولا المساعدة الإلهية والمعجزات التى منحت لهم ، ما دخلوها مع النبى ( يوشع بن نون ) عليه السلام ، وحتى فى فترة ملك داود وسليمان عليها السلام ، نجد أن المعجزات والتدخل الإلهى فى سير الأحداث والتحكم فى مجراها هو الغالب والسمة الأبرز لفترة ملكهما هذه الفترة التى رغم قصرها الشديد – تاريخيا - يعتبرها المؤرخون أهم فترات الاستقلال السياسى لبنى إسرائيل كأمة مستقلة ، ونجد بعد ذلك أن اليهود تعرضوا لمجموعة من الهزائم العسكرية والحربية ، لم نسمع فى أى منها أنه كان لهم فيها دورا بطوليا يعتمد على الفداء والتضحية – عدا بعض المحاولات التضخيمية لوقائع بعينها مثل أحداث حصن الماسادا - ، فهزمهم وساقهم أسرى أهل العراق القدامى مرة ( السبى البابلى ) فيما يعرف بالشتات الأول ، وكانت آخر الجولات الحربية التى ذاقوا فيها ويلات الهزيمة المرة هو تدمير الهيكل والشتات الرومانى ( الشتات الثانى ) ، فى عهد الإمبراطور الرومانى هادريان بعد ميلاد المسيح بفترة قليلة. العصور الوسطى: ليطور اليهود بعد ذلك وحتى دخولهم فى العصور الوسطى ، مجموعة من الصفات نستطيع التعرف عليها من خلال نتاجهم المكتوب الأدبى والدينى ، تدور كلها حول فكرة الشخص العاجز الذى يتحسر على حاله ويرثى له ، حتى أصبحت فكرة الشعور بالاضطهاد والظلم والشكوى والنواح .. فكرة عبثية عند اليهود لا ترتبط بهدف معين أو غرض بعينه ، والدليل على ذلك أنه على مدار القرون الميلادية الأولى وقبل الدخول فى العصور الوسطى ، كان هناك إمكانية كبيرة وفى مناسبات متعددة لكى تعود جموع اليهود خارج فلسطين إليها ، ولم يكن هناك من سيقول لهم لا ويتصدى لهم بالرفض ، غير أن جل ما تطور عند اليهود من صفات فى تلك الفترة ، هو استمراء فكرة التحسر على الحال ، وتطورت عندهم صفة الكراهية لكل شعوب الأرض التى عاشوا بينها ( الأغيار ) ، وبرعوا فى الكيد والتلون على كل لون للاستمرار فى الحياة بينهم دون أن يحكمهم مبدأ قيمى بعينه ، وفى العصور الوسطى حينما عاشوا فى الأندلس بين المسلمين أزهى عصورهم ، وتعرضوا بعدها للاضطهاد المسيحى ، لماذا لم يعودا للعيش وسط العرب مرة أخرى فى فلسطين وبلاد الشام مثلا ، ولكن اليهود كانوا قد طوروا صفة النواح والشكوى والتحسر على الحال .. بشكل عبثى مطلق فى اللا محدود ، بلا هدف أو غاية . العصر الحديث ومجتمع الطفرة: وفى العصر الحديث لم نسمع عن اليهود عسكريا سوى عندما تم تكوين الفيلق اليهودى فى الحرب العالمية الأولى ليقاتل فى جانب الحلفاء ( بريطانيا ) ، ومعظم ما قيل عنه يندرج فى إطار الدعاية المخطط لها من قبل المروجين لمشروع عودة اليهود لفلسطين واستخدامهم سياسيا ( المشروع الصهيونى ) ضد العرب والمسلمين ، لضمان السيادة للغرب فى واحدة من حلقات الصراع المستمرة بين الشرق والغرب . لذا فإن نقطة الحسم فى هذه المقالة ، أن التجمع اليهودى الحالى فى فلسطين .. يعيش على منظومة قيم مفتعلة ، منظومة قيم مختلقة ، بل وحتى إن تعاملنا معها موضوعيا بعض الشئ ، ونظرنا للإنجازات التى حققوها على أرض الواقع ، فإننا نستطيع أن نطلق عليها " قيم الطفرة " ، فهى تشبه الطفرة الجينية التى تحدث مرة واحدة فقط لا تكرر بعدها ، تمثل الشذوذ عن القاعدة والخروج عن المألوف ، لكن ما يحدث فى تجمع اليهود فى فلسطين الآن هو محاولة تثبيت هذه الطفرة وترسيخها بالقوة الجبرية باستخدام مختلف وسائل الدعاية الموجودة داخل المجتمع هناك ، وهذه هى النقطة الحرجة فى معادلة بقاء التجمع اليهودى قائما فى فلسطين ... !! التجمع اليهودى فى فلسطين قائم على منظومة قيم مفتعلة ، منظومة قيم شديدة الهشاشة وسريعة الكسر وقابلة للزوال ، منظومة قيم يحاولوا أن يقوموا بقراءة انتقائية للتاريخ على أساسها ، ليستخرجوا منه ما يدعم منظومة قيمهم ، التى يريدون غرسها فى النشأ ( أطفال المستوطنين اليهود المولودين داخل فلسطين ) ، وجعلهم يؤمنون بها ، لكن تحدث الصدمة داخل تجمع اليهود فى فلسطين ، عندما يقارن النشأ بين ما يتلقاه من معلومات نظرية ، وما يراه من واقع أمامه ، واقع قائم على الطائفية الشديدة بين أجناس اليهود وتقسيمهم وفقا للبلدان التى أتوا منها ، واقع قائم على القلق والتوتر والخوف ، واقع تزداد فيه معدلات الهجرة العكسية لليهود خارج فلسطين كلما وقعت حرب جديدة .. !! واقع تؤرقه فكرة الخوف على النفس و البحث عن الأمن والسلامة والاستقرار المفتقد .. !! واقع يهرب فيه العسكر ( الجنود اليهود ) من أداء الخدمة العسكرية ، والعديد ممن يوافق على أدائها ، يرفض أدائها فى مواقع قتالية متقدمة نشطة ( أو ما يسمى المناطق المحتلة بعد حرب 67 ) . تحجيم منظومة "الطفرة" والتفوق: لذا فإن هاجس التفوق العسكرى الذى يطارد قيادات اليهود فى فلسطين ، له ما يبرره من ناحية الأسس الفكرية ، فهم يريدون الدفاع عن منظومة القيم " الطفرة " أو المسخ التى قام عليها تجمعهم فى فلسطين , بأى وسيلة كانت وحتى ولو كانت الموت أو الانتحار ، فهم يعلمون ومكمن خوفهم الأعظم أن مشروع توطين اليهود فى فلسطين إذا تعرض لهزيمة عسكرية كبرى ، مجرد هزيمة واحدة ! قد تطيح بجذور هذا المجتمع للهواء ، وتقوض أساسه الهش ، وتكشف زيف منظومة القيم المفتعلة " الطفرة " التى يدافعون عنها ليلا ونهارا فى وسائل إعلامهم المحلية ، والتى يروجون لها أيضا خارجيا فى وسائل الإعلام الغربية .. فكل القيادات السياسية الحالية والتاريخية للتجمع اليهودى الاستيطانى على أرض فلسطين ، تعلم علم اليقين ، ويصيبها بالرعب أن مجرد هزيمة عسكرية واحدة ، كفيلة بأن تعيد للنور منظومة القيم الحقيقية والتاريخية لليهود ، المنظومة التى تقوم على الخوف والجبن والاستكانة والبحث عن السلامة الشخصية والفردية ، منظومة القيم التى ستفكك المشروع الصهيونى من أساسه ، وستجعل كل مستوطن يهودى يفر بجلده وينجو بنفسه ، ويقول أنا ومن ورائى الطوفان ، فسبب البحث والسعى المستمر من قبل قيادات اليهود فى فلسطين عن التفوق العسكرى المطلق ، هو خوفهم من هذه الهزيمة العسكرية ، خوفهم من أن تؤدى هذه الهزيمة ، للتخلص من ذاكرة " الطفرة " والافتعال ، والعودة لذاكرة الواقع ، ذاكرة المسكوت عنه داخل تجمع اليهود فى فلسطين ، بل وفى ظل هذا الخوف يمكن تفسير خيارهم النووى ( الخيار شمشون ) ، فهم يعلمون أن مجرد هزيمة كبرى واحدة لهم ، تعنى نهاية الحرب ، لن يكون هناك معارك أخرى بعدها ، حيث سيتفكك بناء مجتمعهم الهش من تلقاء نفسه ، لذا ففى مقابل التهديد بزوال السلطان السياسى لقيادات اليهود فى فلسطين وتفكك مجتمعهم ، يهددون العالم العربى بالتدمير فى مقابل ذلك ، فى إعادة انتاج للحكاية التاريخية عندما دمر شمشون اليهودى المعبد فوقه وفوق أعداءه ، لذا فإنه من الأفضل أن يكون هناك رادع عربى فى مقابل الرادع اليهودى ، حتى يكون سقف التفاوض عليه عادل ومقبول ، رادع عربى .. قد يعيد للمستوطنين اليهود فى أرض فلسطين ، فكرة الخوف على النفس والحذر من العقاب ، فيتراجعوا عن تشددهم العسكرى المزيف " الطفرة " الذين يصرون عليه فى مواجهة الفلسطينيين العزل والمحاصرين .. منذ أن شعروا بغياب القوة العربية الرادعة القادرة على تهديدهم وعقابهم فى مقابل عمليات القتل والتدمير المستمرة التى يقومون بها ، فطالما لم يطور العرب قدرة رادعة – أيا كان شكلها ووسيلتها - ، سوف يستمر المستوطنون اليهود فى فلسطين فى التصرف ، وفقا لمنظومة قيم " الطفرة " التى تقوم على القتل والإرهاب والحصار والتجويع ، مع تبرير ذلك تاريخيا ودينيا وإعلاميا ، بمساعدة القوى المسيطرة سياسيا على العالم ، والتى فى مصلحتها بقاء الوضع على ما هو عليه .
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فى استراتيجية الثورة: الفرصة والفرصة المضادة
-
الثورة وإرث العلمانية والدين
-
الثورة والأيديولوجيا الشعبية والوعي الانتقائي
-
المسارين الثوري والسياسي: بين التكيف والتمرد
-
-محمد محمود- الماضى والمستقبل
-
الفلسطينى بين: الأيديولوجيا والتاريخ.. حين يكون الموقف مأزقا
...
-
كيف يكون الشعر إنسانيا فى المساحة السياسية!
-
اليسار: المصري، والفلسطيني، والصهيوني و خرافة -الاحتلال التق
...
-
-الصهيونية الماركسية-وجذور: المرحلية والنسبية، فى الفكر الصه
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|