كفاح كيال
الحوار المتمدن-العدد: 3948 - 2012 / 12 / 21 - 22:45
المحور:
الادب والفن
كما تأخذك أقدار الفداء دائما إلى فلسطين وكأنهما صنوان منذ فجر الإنسانية ..ففلسطين التي سكنت ضمير العالم بمفتاح عودة وشارة نصر وكوفية..وأيضا زيتونة وشغاف بندقية تقاتل لإحلال السلام العالمي والعدل الأممي ..تنام فلسطين في درة أحداث التاريخ صاحبة المهد والمسرى ..تتعملق فلسطين في هذه الأيام بجغرافيتها التاريخية الممتدة بين البشارة والمهد والقيامة فلا يستطع إعمال الخرائط في التفافيات طرقها أن يختزل منها مخزون ذاكرة الفداء وبخاصة عندما نتحدث عن أول فدائي في تاريخ البشرية هو الشهيد الأول لفلسطين السيد المسيح عليه السلام .
المدرسة الإنجيلية ..منارة تاريخية
منذ أن دخلت بوابة المدرسة أعادتني جنبات طرقها المرتبة الناصعة بنقاء مظهرها وحسن استقبالها ولباقة طلابها حتى الصغار منهم ومنهن .
ورغم حبي لهذه المدرسة التي شاركتنا لسنوات خلت في نشاطات طوعية مميزة إلا أنها اليوم تتميز بحدث بل وتنفرد به فلسطينيا وقد يكون عربيا أيضا ,فهي أول مدرسة في فلسطين تقيم شجرة عيد الميلاد المجيد من الكتب ..
"فخير جليس في الأنام كتاب.."أضحى أيضا خير زينة الأعياد,يحدث هذا في فلسطين لأول مرة ..في مدرسة كان لها دائما نصيب الأسد في مبادرات ريادية في العلم والمعرفة والنشاط التطوعي ..هي مدرسة الرجاء الإنجيلية الأسقفية العربية في مدينة رام الله.
فيما تعلق الزينة في مهد المسيح في كل طرقات الوطن الجميل وساحاته وميادينه وشرفاته المكللة بالياسمين وبعض نباتات الزينة التقليدية تشع منه أضواء الميلاد في بيوت فلسطين المسيحية والإسلامية حيث ميلاد اليسوع الناصري يحتفل به كعيد وطني للفلسطينيين , تبادر مكتبة المدرسة الانجيلية لشجرة معرفة تزين المكتبة المتميزة بعراقتها وحداثة أدائها وإقبال الصغار عليها ,كما "هو العقل زينة الإنسان " و"العلم تاج المعرفة".. في المدرسة الانجيلية .."الشجرة منارة المعرفة "تعبير بليغ اختصر فلسطين تاريخا وحضارة لتطل على العالم بعد أيام من الاعتراف بها دولة وليدة في الأمم المتحدة لتزهو دائما فلسطين بريادية أبنائها في شتى المضامير.
شجرة المعرفة ...
على منصة دائرية موشى بزخارف الميلاد التي أحيكت بتفاصيل دقيقة بألوان الميلاد وألوان علم فلسطين يرتفع هرم من الكتب المتقن هندسيا ولكنه يبهرك بعفوية شموخه كجبل راسخ فللكتاب هيبة وسطوة حتى شكليا هو صاحب أناقة دون تكلف ويملك من كاريزما الحضور ما يفوق اكسسوارات الزينة ولباقة البشر ..
في هرم المدرسة الانجيلية أكثر من مئة كتاب انتقيت عشوائيا ولكنها كصخرات أهرام مصر التي تشكلت أنواعا وأصبحت موروثا حضاريا تعتز به الأمم , ولكن هرمنا الفلسطيني من عيون الكتب هرما صغيرا كفلسطين في مساحتها الجغرافية ولكنه كبير بتأثيره ومكانته لأنه هرم من صنع فلسطيني يتعملق كجبل الجرمق ويحاكي العالم في تميزه لأنه جاء تعبير حضاري عن موروث ثقافي لشعب أصيل اختصر الحضارة الأممية في معالم تاريخه ونواقيس ميلاده وتكبيرات إسرائه ..
في تورية حضارية بين شجرة المعرفة وشجرة عيد الميلاد فالمعرفة ميلاد ذهني ونورها اللحظي يبدد ظلمات عصور كما هي رمزية شجرة الميلاد ..في أرض الميلاد والقيامة حيث المعذبون في وطنهم يستقدمون أمل الخلاص في تراتيلهم المسبحة لفجر الإنعتاق ويصرون في صلواتهم .."على الأرض السلام وفي الناس المسرة" .
من عيون كتب الشجرة الهرم ..ينتفض التاريخ مذكرا بمعجزات المسيح ويأخذك في قطار المعمورة حيث يطلق سفاراته في الكرة الارضية هناك شجرة ميلاد وهناك صلاة وترتيل لنبي فلسطين ..وهناك تحت كل شجرة في العالم كهف المسيح بعثة ربانية لفلسطين في كل الدول سواء التي صوتت او امتنعت "فما أعطاه الرب لا يقوى على أخذه إنسان".
أيقونات ..رياحين فلسطينية
وفي جنبات الشجرة التقيت برياحين فلسطينية تفوح منها الأصالة والربيع القادم ..وكأنها أيقونات ملازمة لعيد الميلاد .. لارا سبيتاني ريحانة من القدس في الصف التاسع وصفت الشجرة بانها "مميزة ولأول مرة ..فكرة حلوة ..أن نصنع من كتب تنمي قراءتنا ومداركنا زينة وشجرة عيد ..لقد أضافت قيمة جديدة للكتب لم نكن نعرفها .."
أما كاتيا جبران من الصف السابع فأيقونة صغيرة هويتها الجغرافية فيها تورية مع مسار السيد المسيح ..فهذه الزهرة من الناصرة ومقيمة بالقدس وتدرس برام الله ..وافقت زميلتها على أنها فكرة جميلة وجديدة وعبرت عن فخرها بمدرستها التي تصدرت السبق .
كنت وأنا أستمع للزهرات الفلسطينيات الجميلات وهن يتحدثن بعفوية وأدب لافت ,أستحضر عبرهن ملامح البلاد وتضاريس الكرمل وشموخ الجرمق وأشتم عبق بيسان ..فميرا من الصف السابع ابنة رام الله عبرت عن فخرها بمدرستها و"بمس جيدا" التي شكرتها لأنها صاحبة الفكرة..التي أعطت انطباعا جيدا عن المدرسة متمنية "أن تكون الشجرة في العام القادم أكبر وفيها زينة أكثر "..
ميلينا زعرور من الصف الرابع أدهشتها فكرة شجرة كتب واستحسنت الفكرة "حلو ..فكرة حلوة "أضافت بعفوية الأطفال وخجل البنات الجميلات..
أما تالا قواس أيضا من الصف الرابع فأجمعت على ما قالته زميلاتها ولكنها تميزت بإضافة مقترح "أن يعملوا مثل شجرة مدرستنا الإنجيلية في العالم كافة ..واقترحت على مدرستها أن تقدم هدايا العيد من الكتب أيضا "..
هذه الباقة الجميلة من تلميذات فلسطين يشع وعيهن في هذه المدرسة الرائدة المتميزة بهذا الوعي المتشكل في صفوفها لهو مفخرة لكل فلسطيني داخل الوطن وخارجه ..
الأستاذة جيدا ثيودوري أمينة مكتبة المدرسة الانجيلية الأسقفية العربية في مدينة رام الله صاحبة الفكرة ..دائما تبحث عن سبل تحبب الجيل الصاعد بانتهال المكتبة فتبتكر الجديد وغير المألوف ..سرب وراء سرب من الطلاب والطالبات للمكتبة ..خلية نحل ..نادرا ما تجد صغارا يقبلون على الكتب في مرحلة الفيسبوك والشات كما هو الحال هنا ..ففي غرفة أخرى من المكتبة كانت الفنانة ايمان عميرة تعطي درسا في الرسم والفن أيضا ..جو يشعرك بأصالة المكان وعراقته وحداثة أدواته وروحه الفتية الحضارية ..
" فكرة شجرة الكتب جاءت لترسيخ ثقافة القراءة عند الطلاب لأنها تساهم ايجابيا في تشكيل وعيهم وإدراكهم من جهة , وترغيبهم بالكتاب ومد الجسور مع عالم الكتب بشكل محبب ,فالكتب ليست نصوصا جامدة فحسب ,وإنما هي عالم واسع يتجلى حتى في أمور الزينة "..واستطردت ثيودوري أيقونة الثقافة في المدرسة الإنجيلية : "وهل من هدية أفضل من رزمة كتب تغني فكرك ؟"
وعن فلسفة فكرة أول شجرة عيد فلسطينية من الكتب قالت ثيودوري :" الشجرة رمز للعطاء ..للفداء للشهادة ..للوطن للأم ..كذلك الكتب تعطي ولا تأخذ ..تضيء ظلمات العقل والنفس وهي جالسة في عتمة الغرف واصطفاف الرفوف ..شمعة معرفة ..كما هي فلسطين تضيء التاريخ بأيقونات فدائها .."
وتشع وتتناغم من جنبات الكتب وحركة الأيقونات الجميلات الأستاذة ورياحينها الصغار.. مقولات السيد المسيح ونغمات "ليلة عيد " و"على أرضها نزف المسيح ألم ..في القدس في طريق الآلام ..وابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود على أرضها" و" استحليت ثباتك فازددت ثباتا ثبتك الله ..وأحضر في الليل صليب ورفعت عليه فما أحلاك " .."ليلة عيد " أجراس بعيد "وتعصف بروحك تراتيل الكنائس الخاشعة للمشبوح على الصليب والموشى إكليله الشوكي بدماء ضحايا الفداء الذين افترشوا درب اليسوع اقتداء فأمهم في اصطفافات تعج العالم بصلوات الضروع للرب وقبلتهم ..فلسطين "سيدة الأرض"..
"فسلام عليك يوم ولدت ويوم بعثت حيا".. يا نبيا علّمت العالم معنى عظمة المهد والبعث والقيامة ..فكانت فلسطين من نهرها لبحرها تبحر في ملكوت عظمتك وتتوحد بخطى آلامك ودربك لتبسط فلسطين حكمها الروحي والأبدي طواعية على عواصم العالم من أقصاه إلى أقصاه في ترنيمة ناصرية بسطت بأجراسها وإكليل شوكها نفوذا على عواصم تمتلك القنابل النووية والذرية ولكنها أمام الحب الآت كسحابة من أرض الميلاد أسكتت بلاغات الاختراق الجوي وصمتت مدافع المستعمرين المزمجر طيلة العام ,ونصت التاريخ ليستمع لترتيلة البشارة المحمولة من الناصرة العربية المحتلة في كل أيام السنة إلا في 25 كانون الأول ,فهي تسترد حريتها وعروبتها لتعود ناصرة العروبة وتبعث سفراءها من ملائكة الرحمة الى شعوب الأرض..وعلى كل جناح كتبت عبارة "على الارض السلام " ..وإلى فلسطين المسرى والمحج..وهنيئا للمدرسة الإنجيلية أيقوناتها ومبادرتها الريادية ..
#كفاح_كيال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟