|
-بيت الديب- وفِتنة السرد فى رواية الأجيال
سهير المصادفة
الحوار المتمدن-العدد: 3947 - 2012 / 12 / 20 - 22:03
المحور:
الادب والفن
"بيت الديب" وفِتنة السرد فى رواية الأجيال د.سهير المصادفة
لطالما أعجبنى قانون الطاقة الذى ينص على أن الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم، وجدته منذ طفولتى قريبًا من روحى، واستحضرته من جديدٍ فى الثامن والعشرين من يناير وكنت قد تأكدت مثل الجميع أن ما سينطلق من حناجر أروع جيلٍ أنجبته مصر هو ثورة محددة الملامح ومكتملة، ثم ظللت أستحضر كيف كان أحدُ المبدعين يقبض على جمرة الثورة ــ طوال عقدين ــ ويظل قابضًا عليها حتى يشتعل قلبه قبل أصابعه فيتركها لمبدعٍ آخر إلى حين وحتى يستريح قليلاً وبعد أن تكون المكتبة قد حظيتْ بكتابٍ فاتنٍ، من هذا المنطلق كنت أتابع روايات "عزت القمحاوى" و"محمد ناجى" و"مكاوى سعيد" ونثر وقصائد "عبد المنعم رمضان" و"إبراهيم داود" و"محمود قرنى" وبالتأكيد آخرون. عندما صدرت رواية "عزت القمحاوى" الأخيرة "بيت الديب" عن دار الآداب عام 2010، كان المشهد الأدبى كله يتابع بشكلٍ محمومٍ ميدانَ التحرير، ويلاحق تطورات ثورة لا يمكن لأىّ قلمٍ مستيقظٍ طوال الأربع وعشرين ساعة أن يحتويها، وكانت "بيت الديب" فى الأثناء تُحلِّق وحدها وتسير دون معاونة مؤلفها ــ الذى قال عنها: (لم يكن لدى حتى فضول رؤية غلافها، ولم أشعر بالأسف على مصير رواية تهتم بجانب من التاريخ، فى وقتٍ أعتقد فيه بأننى أشارك بجسدى فى كتابة تاريخ جديد) ــ فى طريقها لكى تحتل مكانتها كمحطةٍ فارقة فى مشوار "عزت القمحاوى" الأدبى على الرغم من رواياته الثلاث اللافتة سابقًا.. "مدينة اللذة" و"غرفة ترى النيل" و"الحارس". تشكل "بيت الديب" تحديًّا أدبيًّا كبيرًا ليس فقط لكونها رواية أجيال وإنما لأنها تمثل فتحًا جديدًا فى طُرق سرد هذا النوع الأدبى، فرواية الأجيال أضحت يومًا بعد يومٍ تؤطر نفسها فيما يُسمى بـ كلاسيكيات الكتابة، وتوجس المبدعين أضحى يزداد يومًا بعد يومٍ من الإقتراب منها وهم يضعون نصب أعينهم "مائة عام من العزلة" لـ "ماركيز" وثلاثية "نجيب محفوظ"، حتى فى المشهد الأدبى العالمى لا يلفت انتباهنا بين الحين والحين عملٌ مهمٌ يندرج تحت هذا النوع، ربما لأن أقصر فترة زمنية قد تستغرقها رواية الأجيال هى القرن ونصف القرن. و"بيت الديب" تحلِّق بالفعل فوق القرن ونصف القرن من تاريخ مصر، ومجد الرواية وجِدّتها أنها لا تتورط فى إعادة إنتاج الأحداث الكبرى بنقلها بتراتبها الزمنى الذى قد يكون مملاً أحيانًا وإنما يقفز الروائى على أهم مفاصله ويعيد تقطيره ليكتبَ نصًا حداثيًّا أيضًا بامتياز، يتناثر فيه أسلوب "عزت القمحاوى" المتسم بسرعة الإيقاع ولهاث الأحداث والاقتصاد اللغوى والسخرية من الشر والانحياز للحق والخير والجمال والغوص فى أعماق النفس الإنسانية التى يتماهى فيها الخير بالشر ويتعانقا لكى تنعتق هى نحو آفاقٍ أرحب. فعائلة "الديب" التى تمثل الطبقة الوسطى فى مصر والتى تسكن محافظة الشرقية ضمن اللائذين بها الهاربين من ظلم جباية الضرائب العثمانية والتى هى مع فلاحى القرية نموذج لشعب مصر كله.. هذا الشعب الذى يتجاوز حكوماته على مدى التاريخ ولا تمثل له هذه الحكومات يد العون بقدر ما كانت دائمًا عبئًا عليه هو مَنْ يزرع ومَنْ ينتج وهى مَنْ تتحايل طوال الوقت على مقدراته لتسلبه عيشه وحريته وكرامته الإنسانية، ستمر عائلة "الديب" كما مصر على حملة نابليون على مصر، وتولى "محمد على" للسلطة، وعلى الحربين العالميتين وعلى هجرة اليهود، وعلى الكوليرا، وعلى الحروب التى خاضتها مصر ابتداءً من 1948 ومرورًا بنكسة 1967 وانتهاءً بانتصار أكتوبر1973، وحتى حرب الخليج وسقوط العراق واحتلاله، وسنتابع مصائر شخوص الرواية وتضحيات أربعة أجيال من عائلة "الديب" طوال القرن ونصف القرن وسنتابع صلف السلطة وتنكيلها بالشعب المصرى أيضًا طوال القرن ونصف القرن دون أن يسمح لنا الروائى بالسقوط فى الملل من محطاتٍ تاريخية بتنا نحفظها عن ظهر قلبٍ. هذا هو زمن الرواية أما مكانها فهو قرية مُتخيلة من قرى الشرقية اختار لها "عزت القمحاوى" اسم "العش" ــ ربما لتجسيد حلم المصرى البسيط للحياة ولو كما يعيش الطير فى عشٍ آمن ــ لن نستطيع بالفعل إيجاد قرية "العش" على خريطة مصر، لكننا وبكل ثقة نستطيع وضع أصبعنا على أية بقعة من قرى مصر لنشير بثقةٍ إليها. فازت رواية "بيت الديب" منذ أيام بجائزة "نجيب محفوظ" للرواية فى دورتها لعام 2012. وكعادة الجوائز العربية، أحيانًا ما تضيف الجائزة للكاتب بريقًا، وأحيانًا أخرى يضيف الكاتب للجائزة مصداقية ويؤسس لعراقتها وهذا ما حدث مع "عزت القمحاوى" فتحية لاسم المانح الكبير "نجيب محفوظ" وتحية للمبدع الفائز "عزت القمحاوى".
#سهير_المصادفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كأنه يعيش
-
يكاد الأدب أن يكون متمردًا
-
-عبد المنعم رمضان- وحنينه العاري
-
إلى الكاتب المصرى
-
طيب يا حلمى
-
اليونانُ.. هنا تعيشُ الآلهة
-
تاء التأنيث
-
إلى محمد عفيفى مطر
-
مانهاتن .. مدينة المرايا
-
ميس إيجيبت الفصل الثاني عشر والأخير
-
ميس إيجيبت الفصل الحادي عشر
-
ميس إيجيبت الفصل العاشر
-
ميس إيجيبت الفصل التاسع
-
ميس إيجيبت الفصل الثامن
-
ميس إيجيبت الفصل السابع
-
ميس إيجيبت الفصل السادس
-
ميس إيجيبت الفصل الخامس
-
ميس إيجيبت الفصل الرابع
-
ميس إيجيبت الفصل الثالث
-
ميس إيجبت - الفصل الثاني
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|