أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد مُعِز - نساؤهم لعب














المزيد.....


نساؤهم لعب


أحمد مُعِز

الحوار المتمدن-العدد: 3946 - 2012 / 12 / 19 - 20:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مجموعة من "الفلاحات" في ريف دلتا مصر، منكبّات على مهمّتهن المقدّسة في غرس شتلات أحد المزروعات، أو تنقية شجيرات القطن من دودته، أو جمع أحد المحاصيل .. إلى آخرها من مهمّات الفلّاحات التي واظبن عليها مذ كان اسم مصر "كيمي". الفلاحات تغطين أجسامهن بالكامل، و قد انحت جذوعهن بلياقة تحسدهن عليها نساء الحضر، بدون أن تنثني ركبة أيّهن، العرق يتصبب من جباههن و هن يؤدين العمل تحت شمس مصر الطيّبة أحيانا، و الحارّة غالبا، فتنسى النساء المتعبة - أو تتناسين- إحكام "الطرحة" حول أعناقهن و رؤوسهن أملا في نسمة هواء طرية قد تجود بها الحقول المجاورة فتلطف بعضا من حرارة الشمس. خلفهن ملاحظون رجال يتأكدون من تنفيذ العمل و دقّته.
المشهد معتاد، و التعليق الذي اعتدنا قراءته في كتب القراءة المدرسية: دور المرأة المصرية في الريف حيوي و ضروري مثل دور الرجل، و ربما أكثر.
المشهد "الحديث": شاب مكلوم في عقله لم يرَ في هاته النسوة سوى فاسقات سافرات آثمات. "ما الذي يخرجهن من بيوتهن ليعملن تحت إشراف الرجال و لينحنين بهذا الشكل الخليع الذي تتكشف فيه مفاتن مؤخراتهن، و العرق يبلل جلابيبهن حتى تكاد تكشف أكثر مما تخفي. ما بالهن لا يهتممن بوضع "الحجاب" فوق رؤوسهن! صدق عمرو بن العاص من قال " .. نساؤهم لعب .."، أي و الله! إنهن يثِرن الغريزة و أكاد أقسم أن مصائب و فضائح تحدث بين هؤلاء الرجال و بعض هاته النسوة، و من لا ترضى منهن يتم إجبارها قسرا على الفاحشة و إلا لن يتناول أطفالها الطعام غدا، فالأجر مربوط بالإنتاج و لا حامي لأطفالها من الجوع و المرض إلا العرق المصبوب .. اللهم احفظنا، لا بد لهذه المهزلة أن تتوقف".
يذهب الشاب إلى جماعته "السنّيّة"، سواء من أنصار السنة المحمدية أو الجمعية الشرعية أو غيرها من الجمعيات الدعوية المنتشرة في ريف مصر. يتباحث "القوم" و يقرر أحدهم أن يقلّد القرية المجاورة، التي أُسس فيها جمعية أهلية -بالإخطار، طبقا للدستور- تسمى جمعية "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بقرية كفر الترعة" و مهمتها الحفاظ على "أخلاق و آداب المجتمع" طبقا للدستور. لا يكتمون خبرا، و يذهب أحدهم إلى المركز ليخطر الدولة بإنشاء الجمعية بينما هم جالسون في "طراوة" المسجد يذكرون الله و يحمدونه، حتى إذا ما عاد "صاحبهم" معه و ابتسامته تعلو وجهه يرحبون به و يصلون المغرب جماعة ثم يتجهون لصاحب الأطيان و معهم ما تيسر من العصي و السياط المستخدمة لضرب البهائم. يستقبلهم صاحب الأرض بتوجس و يقدم لهم الشاي، و بعد تحيات و سلامات كعادة أهل الريف، يتحدث كبير الجمع و هو يضع كوب الشاي الفارغ على الصينية المبتلة ماء لتحدث صوتا مكتوما:

"اسمع يا فلان، جئنا لننصحك و الدين النصيحة. ما يحدث في أرضك نهارا جهارا لا يرضي الله و رسوله، و إن لم تنته انهيناه، و قد أعذر من أنذر .."
صاحب الأرض المذهول لا يفهم ما يقصدون، فيعيد أطولهم لحية: "الفلاحات اللاتي يعملن عندك في الأرض يثرن غرائز الشباب و يبدين مفاتنهن. بدلهن برجال أو بأطفال و إلا ..."

ينصرف "الرجال" إلى المسجد لصلاة العشاء و إحساس بالرضى يغمرهم، فهم -و الحمد لله- نصروا الله في الدنيا و بقي لهم صلاة العشاء "يستريحون بها" من عناء التباحث المطوّل في النهار في أمر هذه البلدة الفاسقة. يقررون أن يعلِموا رجال القرية بما فعلوا الليلة في خطبة العشاء ليمنعوا نساءهم عن الحقول "ليقرن في بيوتهن" و إلا تحملوا العاقبة. ينتشر الخبر بين النساء اللائي يتهامسن في حيرة من أمرهن.

صاحب الأرض يذهب بشكواه إلى العمدة الذي يدير وجهه بعيدا قائلا ان ما لديه من "غفر" و سلاح لن يكفي للتصدي لهؤلاء السنّيّين، و "المركز" لن يرسل قوة للدفاع عن بعض فلاحات. فعليه أن يذعن أو يتصدى لقراره وحده. يخرج صاحب الأرض ضاربا كفا بكف و يقرر أن يأمر الرجال الذين يعملون بالمزرعة بالتصدي لهجوم هؤلاء إن هجموا.
صباح اليوم التالي؛ تحتجب أغلب النساء عن العمل في حقول القرية بعدما تناثرت قصص مدى ليل القرية الطويل عن رجال السنّيّين و كيف يتزوجون النساء غصبا و لا يخافون في "الله" لومة لائم، و رأين أن الأصوب الانتظار حتى يأتيهن الخبر "ببلاش" بدلا من دفع الثمن.

صباح اليوم التالي، بعض النساء اضطررن للعمل اضطرارا حتى لا يجوع أطفالهن، فقد رحل الزوج أو مَرِض أو استنذل. صاحب الأرض يقف في جمع من عمّاله يحمون النساء العاملات من هجوم وشيك، يتعالى صراخ غير بعيد و يبدو دخانا في الأفق، و يأتي أحد العمال الباقين في المزرعة مهرولا صارخا أن "السنّيّين" أحرقوا المزرعة عقابا له على محاربة الله و رسوله و الوقوف ضد تطبيق شرع الله، و مسجد القرية الكبيرة يعلن ضرورة التزام الجميع بتعليمات الجمعية الأهلية الجديدة تنفيذا لشرع الله و درء المفاسد، و يُتلى بعدها بصوت أجش بعض من كلام "الله": "أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أمّن أسس بنيانه على شفا جرف هارِ فانهار به في نار جهنم و الله لا يهدي القوم الظالمين".

تدور بعض المعارك بين رجال القرية يقع فيها 8 قتلى من الجانبين، تمتنع فيها "الدولة" عن التدخل حتى يتم الصلح العرفي برعاية أحد شيوخ السلفية الكبار، و مانشيتات الجرائد الآتية من العاصمة تقول "صراع بين أهالي قرية في الدلتا ينتهي بصلح عرفي بحضور الشيخ العلّاني"، و صوت مذياع على قهوة في القرية هجرها أصحابها بعد تعرضها لهجوم مماثل من نفس الجمعية يذكر القول المنسوب لعمرو بن العاص "نساؤهم لعب ، ارضهم ذهب، رجالهم مع من غلب، يجمعهم الطبل وتفرقهم العصي ... ".

الدولة تعلن انخفاض إنتاجية المحاصيل هذا العام بسبب عزوف الفلاحات عن العمل في الحقول و بالتالي عدم زراعة الشتلات في الوقت المناسب، أو تفشي دودة القطن، و مفتي الإخوان يعلن أن ارتفاع الأسعار ابتلاء من الله، و حكم بالسجن على مهندس زراعي حذر من الإجراءات الفاشية في الريف و خطورة ذلك على مستقبل الزراعة في مصر فاتهموه بازدراء الدين الإسلامي



#أحمد_مُعِز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربيع الأمنيات الطيبة
- الزي الكاكي لا يحمي الفاسدين
- لماذا لا ..


المزيد.....




- القبض على -سفاح صيدنايا- ومقتل شجاع العلي في سوريا
- زيارة مثيرة للجدل: رئيس المخابرات العراقية يلتقي أحمد الشرع ...
- ماذا نعرف عن تعيينات الحكومة الانتقالية السورية الجديدة؟
- حقائب مهجورة وزجاج على الأرض.. هكذا بدا مطار صنعاء الدولي بع ...
- بولندا تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي والتركيز على ا ...
- الدرك المغربي يداهم قرية ويحرر 19 شخصا كانوا محتجزين في ظروف ...
- شولتس يعلن اتفاقه مع ترامب على تنسيق المواقف بشأن النزاع في ...
- ريابكوف: موسكو ترى مؤشرات على انطلاق سباق تسلح جديد بالفعل
- الحوثيون يقصفون مجددا مطار بن غوريون
- أوروبا 2024.. هزيمة استراتيجية التصعيد


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد مُعِز - نساؤهم لعب