أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليمان سمير غانم - شخصيات فكرية من التراث السوري قبل الاسلام (الهوية السورية المغيبة).















المزيد.....


شخصيات فكرية من التراث السوري قبل الاسلام (الهوية السورية المغيبة).


سليمان سمير غانم

الحوار المتمدن-العدد: 3944 - 2012 / 12 / 17 - 08:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لوقيان السمسياطي:(c.120.180) في اللغة اللاتينية Lucianus Samosatensis ، في الاغريقية : Λουκιανὸς ὀ Σαμοσατεύ من مواليد سمساط Samosata شمال سورية على الضفة اليمنى للفرات.
من أهم فلاسفة و أدباء القرن الثاني و الثالث الميلادي، ذائعي الصيت في العالم الكلاسيكي (الاغريقي الروماني)، أحد أعمدة الفكر الأفلاطوني الحديث، و من مطوري أفكاره في الشرق. تروي المصادر الكلاسيكية أيضا؛ أنه كان من المتعاطفين مع الفكر الفلسفي الأبيقوري في بدايات شبابه.
كان السمسياطي لاهوتيا عظيما و مؤلفا للكثير من الكتب، في موضوع الأدب و الكتابة، كان مصنفا بين الكتاب الساتيريين (الساخرين) أو المنتقدين للوضع الاجتماعي و السياسي، هذا النمط الأدبي، كان شائعا جدا في العالم الاغريقي الروماني في الحقبة الكلاسيكية.
قدرات لوقيان الفكرية و الفلسفية و الأكاديمية، أهلته لمناصب و لمواقع ذات أهمية في الامبراطورية الرومانية، فلقد عمل في بداياته كقاضي في أنطاكية، من ثم عمل كمحاضر و كفيلسوف في أكاديمية أثينا في اليونان مثيرا الكثير من العواصف الجدلية في القضايا الفلسفية. من ثم تسلم مناصب ادارية رفيعة من قبل الاباطرة الرومان في مصر الرومانية التي تشير المصادر أنه توفي فيها.
أهمية لوقيان الفكرية تدل عليها روائعه الأدبية التي خلفها و التي بلغت الثمانين عملا تدور مواضيعها في الفلسفة و الحوارات الجدلية حول القضايا التي تهم المجتمع و تشكل جزءا من مشاكله كالدين، السياسة و التخلف.
صنفت أعماله ضمن مخطوط في الفاتيكان من القرن العاشر يحمل الرقم 90 و قسمت أعماله فيه أصناف كالفلسفة و الأدب ورسائل تحوي حوارات و أمثلة.
نذكر بعضا من مؤلفاته الكثيرة التي تعطي صورة بسيطة عن أهميته الأدبية نبدأ من؛
Bacchus باخوس؛ عبارة عن رسالة تتحدث عن رحلة الاله ديونيسيوس في الهند و تتحدث عن الحكمة و الفلسفة بين فكر الاله ديونيسيوس و الشرق.
Herccles هرقل؛ رسالة أدبية تتحدث عن الحكمة.
Juppiter confutatus جوبتير؛ رسالة تتحدث عن انتقاد مجمع الآلهة اليونانية و على رأسها زيوس.
Timon تيمون؛ و يتحدث عن مجادلات فلسفية و حوارات متناقضة، في موضوع كتاب تيمون من المعروف أن شكسبير تأثر فيه و كتب كتابات مقتبسة عنه.
De Syria Dea عن الآلهة السورية؛ كتب باللهجة اليونانية الأيونية و فيه حديث عن الآلهة السورية و خاصة الآلهة السورية Atargatis.
تجمع المصادر الكلاسيكية بأن أهم أعمال لوقيان Verae Histoiae التاريخ الحقيقي؛ يشرح فيه القواعد و المناهج العلمية لكتابة التاريخ بمنهجية و موضوعية.
تصف المصادر المعاصرة لوقيان السمسياطي، بأنه واحد من أهم المفكرين في عصره، و أنه واحد من الفلاسفة و الكتاب القلائل في زمنه ممن أعادوا صياغة الأفكار الفلسفية و الأدبية، خصوصا اسهاماته الفكرية من خلال مؤلفاته الأدبية الاغريقية.
نسطوريوس: ( 381.451c.) في اللغة اليونانية Νεστόριος , في اللاتينية Nestorius, مواليد مدينة مرعش في شمال سوريا. أسقف سوري، و أب من آباء الكنيسة العظام في أنطاكية. عين في 428 ميلادية بطريركا للقسطنطينية عاصمة الامبراطورية البيزنطية.
تثقف الأب نسطوريوس على يد اللاهوتي الأنطاكي السوري تيودور المصيصي Teodori Mopsuesteni، الذي كان من الرواد اللاهوتيين المشكلين لوعي المدرسة الأنطاكية، مع كل من (ديودور الطرسوسي، يوحنا فم الذهب، ثيودوريطس القورشي). على الرغم من هجوم المصادر التأريخية الدينية على نسطوريوس و التحريض الذي تم ضده في الامبراطورية البيزنطية من خلال الكرسي البطريركي القسطنطيني و الاسكندري، لكن الواقع لم يكن مماثلا لما و صف به، خصوصا وصفه بالمهرطق، هذا الهجوم الذي توج بالشكوى المقدمة ضده الى مجمع أفسس وصدور حرمان ضده من المجمع عام 431، فجميع الدراست اللاهوتية الصادرة اليوم تؤكد أو تقترب من التأكيد على أن مهاجمي نسطوريوس في زمانه لم تكن لديهم القدرة على فهم فلسفته بعمق و هو المتشبع بالأفكار الأرسطوطاليسية، التي تراهن على المرئي الواقعي، و التي كانت عميقة في مدرسة أنطاكية الفلسفية اللاهوتية العظيمة. حتى أن الصراع الذي جرم نسطوريوس و كان ضحية له، لم يكن في حقيقته الا صراعا فكريا بين مدرسة سوريا الأنطاكية صاحبة التقاليد الفلسفية التراكمية العريقة، مع أصحاب مدرسة الاسكندرية، الكرسي الرسولي الآخر، صاحب الفلسفة أو المتأثر بالمدرسة الأفلاطونية الحديثة. فتعاليم نسطوريوس لم تكن الا وجهة نظره أو خلفيته الفلسفية المستندة على مدرسة أنطاكية الفكرية. نلاحظ في قضيته الجدلية الأهم عقيدة (العذراء مريم) و الجدل الدي أثاره حولها معتبرا أنها ليست أم للطبيعة الالهية في المسيح و انما أم للطبيعة البشرية فقط، العقيدة المسماة في المراجع الاغريقية Theotokos (أم الله)، بينما أصر نسطوريوس على عبارة Christotokos (أم الانسان) فقط، هنا في مرحلة الصراع اللاهوتي نستطيع القول؛ أن أفكار نسطوريوس لم تكن الا مرحلة من مراحل تأطير بنية الحضارة السورية في تطوراتها الدينية و نظرتها الى الثالوث و عقيدة التجسد بكل مراحلها الزمنية من بابل الى أغاريت. بذلك لم يكن نسطوريوس مهرطقا في تعاليم الايمان، بل كان عقلانيا في مقاربته للايمان القريب الى العقل و المنطق، كحال الفلاسفة و الآباء السوريين اللاهوتيين. فالنظر الى فلاسفة سوريا من خلال الدائرة الضيقة للمراجع الدينية هو أكبر خطأ، خصوصا أنها كتبت من قبل المخالفين فكريا، على رأسهم الكنيسة الرسمية. يجب دوما النظر الى قيمتهم الفكرية عن طريق المنطق الثقافي و الموضوعي لفكرهم العميق، بعيدا عن تشويش رجال الدين أسرى العقيدة المسطحة للفكر.
يوحنا الذهبي الفم : (c.345.407 ( في اللغة اليونانية Ιωάννης ο Χρυσόστομος, في اللاتينية Ioannes Chrysostomus, من مواليد أنطاكية في سوريا، لاهوتي سوري و قديس في الكنيسة الكاثوليكية، من أهم الشخصيات اللاهوتية في الامبراطورية البيزنطية في عصره. كان اللاهوتي يوحنا الأنطاكي أو الملقب يوحنا ذهبي الفم، مريدا للأكاديمي و الفيلسوف اللاهوتي الأنطاكي ليبانيو، درس علم اللاهوت على يده فترة من الزمن في بدايته، بعد تشربه لأفكار و فلسفة معلمه ليبانيو مر بفترة من التشويش و الاضطراب في حياته انتهت به الى الحياة النسكية في ريف أنطاكية. بعد قضاء فترة من الزمن في الحياة النسكية و الزهد، وصل الى مرتبة كاهن في الدين المسيحي عام 386 ميلادية. من بعدها تدرج في السلك اللاهوتي حتى أعلى المراتب. اكتسب يوحنا ذهبي الفم شهرته الأدبية و الفلسفية، عبر قدرته الخطابية الكبيرة التي امتلكها و القدرة على التواصل مع الجمهور و ايصال الأفكار اللاهوتية بيسر و سهولة الى عامة الناس.
مقدرات يوحنا الأدبية الخطابية، مع غزارة معرفته اللاهوتية، عبر قدرته على الاقناع في العظات، أدت الى انتشار صيته في أرجاء الامبراطورية، حتى وصل الى الامبراطور أركاديوس نفسه، الذي عينه في397 ميلادية أسقفا للكرسي الرسولي للامبراطورية البيزنطية.
بعد اعتلاء الأب يوحنا الكرسي القسطنطيني، بدأت الصراعات الفكرية اللاهوتية تجتاح أرجاء الامبراطورية البيزنطية، حتى أنها طالت الكرسي الرسولي، عبر الهيئة الدينية التي كانت دوما ضد فلسفة المدرسة الأنطاكية و ممثليها في سوريا و منهم يوحنا ذهبي الفم، الذي وضع حدود الكثير من الهرطقات المنتشرة في الجسم الديني، و خلصها من الأفكار الدخيلة عبر استخدامه لفلسفته السورية الأنطاكية، هو ما ألب عليه الجهاز الديني الامبراطوري، حيث قام بالتحريض عليه عند الامبراطورة التي كانت صاحبة نفوذ كبير في الهيئة الدينية، فقامت بالدعوة الى مؤتمر كريشيا في عام 403 لعزل يوحنا ذهبي الفم عن الكرسي الرسولي عبر اتهامه بالهرطقة، بالفعل تم عزله عن الكرسي القسطنطيني و نفيه الى بيتنيا في عام 403 ميلادي، من ثم تم نفيه الى منطقة مهجورة في ضواحي كبادوكية حيث توفي فيها عام 407 ميلادية.
أجريت الكثير من الدراسات و الأبحاث عن يوحنا ذهبي الفم، أجمعت أغلب الدراسات على غزارة معرفته اللاهوتية و الفلسفية، التي عبر عنها في خطاباته، التي قسمت من قبل الباحثين الى عدة أصناف منها الأدبية، و منها الدينية الوعظية، و كذلك هدفها المكرس لبلورة الشخصية الأخلاقية للفرد، التي كانت مدرسة أنطاكية دوما تركز عليه، و هو ما وصلت حقيقة الى صياغته عبرخطابات يوحنا ذهبي الفم. بعد دراسة ارثه الفكري اللاهوتي، أكدت الدراسات على أنه كان من أهم الخطباء و الأدباء اللاهوتيين في العصور المسيحية الأولى.
أبوليناريوس اللاذقاني: (310.390. (cفي اللغة الاغريقية Apollinaris της Λαοδικείας, في اللاتينية Apollinaris Laodicenus, لاهوتي سوري، أسقف مدينة اللاذقية في العصر الروماني المتأخر. تلقى تعليمه على يد والده أبوليناريوس العجوز، الذي علمه قواعد اللغة الاغريقية و الأدب، كما تلقى عنه مبادئ الفلسفة و اللاهوت. كان أبوليناريوس مدرسا للغة الاغريقية و اللاهوت في عدة مدارس شهيرة في ذلك الزمن و تنقل فيما بينها من اللاذقية الى بيروت، و غيرها من مدن العالم المهمة في العالم الكلاسيكي. منع من التدريس في زمن الامبراطور جوليان الجاحد الملقب بالمرتد، الذي حظر المدارس المسيحية و منع تعاليم الديانة في مؤسسات الامبراطورية. في فلسفته اللاهوتية، تشير المصادر الكنسية الى أنه كان أول من بلور مفهوم الطبيعة الواحدة (Μονοφυσιτισμός) في الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، و أن فلسفته في روؤية المسيح، كانت تقول؛ بأنه لا يرى في تجسد المسيح لطبيعة انسانية عبر نفس و روح انسانية كما تقول العقيدة المسيحية الرسمية، بوجود طبيعيتين حسب المجمع النيقاوي، انما رأى فيه فقط تجسد لاله، و أن التجسد كان ذا طبيعة الهية واحدة، عبر روح الهية من دون روح انسانية، و لا وجود لطبيعة بشرية فيه. هو ما أدى الى وقوفه في وجه مداراس لاهوتية أخرى كالأريانية و الأورجينية و حتى الكنيسة الرسمية نفسها. يشار الى أن تيار الطبيعة الواحدة انتشر في الشرق خلال القرن الرابع و الخامس الميلادي، و سيطر على الفكر في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الأرمنية، السريانية و القبطية. و دخل في صراع طويل مع بيزنطة و كرسي القسطنطينية و كان الموحدين أصحاب الطبيعة الواحدة يدعون اليعاقبة في سوريا نسبة الى يعقوب البرادعي.
ان الأعمال الأدبية التي خلفها أبوليناريوس اللاذقاني فقدت بأغلبها، لم يبقى منها الا بضعة أعمال؛ أولها: عمله الشهير le Parafrasi dei Salmi (عبارات من المزامير). من ثم De unione corporis et divinitatis in Christo ( الاتحاد الجسدي و الالهي في المسيح). و عمله الأكثر أهمية Demostratio incarnationis divinae ( مظاهر تجسد الطبيعة الالهية). كانت أعمال أبوليناريوس و مؤلفاته الفلسفية و الأدبية، من أهم أعمال اللاهوت في عصره، و التي استمر أثرها طويلا في الشرق، كانت معبرة بشكل أو بأخر عن روؤيته الفلسفية للمسيحية. نشير أيضا الى أن أنصار الطبيعة الواحدة في سوريا، لم يكونوا بشكل أو بأخر، الا معبرين عن وعي وطني، لتشكيل كنيسة وطنية سورية في وجه الكنيسة الرسمية البيزنطية. هو ما يبدو واضحا في توجهات الغساسنة في سوريا الى تأسيس الدولة الوطنية و الاستقلال عن بيزنطة. فلقد كانوا زعماء للحركة الدينية لأصحاب الطبيعة الواحدة سياسيا و دينيا، هو ما يفسر أيضا سوء العلاقات بين الغساسنة و البيزنطيين، عبر اندلاع المواجهات بينهم في القرن الخامس و السادس الميلادي. فلقد كان تشكيل كنيسة وطنية مستقلة جزءا أساسيا من بناء دولة قومية سورية مستقلة الطموح الأول لدى الغساسنة زعماء العرب قبل الاسلام، أيضا كان السبب الأول و الأخير للنزاع مع بيزنطة.
يوحنا الدمشقي: (676.749 c. ( منصور بن سرجون، أو يوحنا بن سرجون، في اللغة الاغريقية Ιωάννης ο Δαμασκηνός, في اللاتينية Iohannes Damascenus, مواليد القرن السابع الميلادي لأسرة عربية مسيحية في دمشق، كان جده عاملا في جباية الضرائب لمنطقة دمشق زمن الامبراطور البيزنطي هرقل. أيضا استمر والده و أسرته في العمل لدى الأسرة الأموية خلال عهد الخليفة معاوية، هو أيضا عمل في نفس المهنة في بدايات حياته، من ثم تركها و ذهب للترهب في دير مار سابا قرب القدس. يعتبر يوحنا الدمشقي آخر لاهوتي الشرق، و أكبر فلاسفة و لاهوتيي القرن الثامن الميلادي. تتلمذ على يد البطريرك يوحنا الرابع متعلما على يده مبادئ اللاهوت، الفلسفة، الفلك و قواعد اللغة الاغريقية، اضافة للهندسة و الحساب.
في زمن اللاهوتي يوحنا الدمشقي، بدأت أزمة الأيقونات داخل أراضي الامبراطورية البيزنطية، في عهد الامبراطور ليو الثالث الدي أصدر مرسوما يحظر تقديس الأيقونات، وقف يوحنا الدمشقي ضد هذا القرار، مما عرضه الى مشاكل كبيرة مع الكنيسة الرسمية في بيزنطة بسبب موقفه. خلال حياته وقف أيضا بشكل صارم ضد مدارس فكرية أخرى مختلفة في الديانة المسيحية كالنساطرة و المونيتيليين في سوريا. في موضوع المؤلفات الفكرية للدمشقي، نلاحظ غزارة في انتاجه اللاهوتي خصوصا فيما يتعلق بمصنفات آباء الكنيسة، الذي يعتبر كنزا من قبل أتباع الكنيسة لما يخص العصور المسيحية الأولى. لديه أيضا كتب كثيرة نستطيع أن نذكر منها؛ حوار مع من يرفضون، (مقدمة في العقائد المسيحية). في الايمان؛ (مؤلف يواجه فيه الفكر النسطوري). في الارادتين؛ (مؤلف يفند فيه التيار المونيتيلي المدعوم من قبل الامبراطور هرقل). لكن أهم كتابات يوحنا الدمشقي بنظرنا هو كتاب الهرطقات De Haeresbius فيه يعدد الدمشقي مئة هرطقة في تاريخ الكنيسة من القرن الأول لظهور المسيحية حتى القرن الثامن الميلادي، اللافت أن الاسلام أتى في الرقم مئة لترتيب الهرطقات، حيث كان يرى يوحنا الدمشقي، أن الاسلام ما هو الا هرطقة مسيحية جديدة، أتت نتيجة تأليف أو ترجمة كل من الراهب بحيرى و ورقة بن نوفل للأناجيل المنحولة أو المنبوذة من قبل الكنيسة الى السريانية و العربية. على الرغم من نقض الكثير من المؤرخين لتلك الادعاءات خصوصا حول امكانية وجود تلك الشخصيات حقيقة أو عدم وجودها، الا أننا لا يجب أن نهملها، خصوصا أن الأسقف اللاهوتي يوحنا الدمشقي، كان ضليعا في اللاهوت المسيحي، و معاصرا للاسلام الأول و تعقيداته، بالاضافة لاتقانه لغات العصر بطلاقة كالسريانية، العربية و فيما بعد اليونانية.
هذه الأسطر في الأعلى، ما هي الا رؤوس أقلام عن شخصيات ثقافية سورية قبل الاسلام، غائبة أو مغيبة بقصد في حاضرنا، مع العلم أنها حاضرة بقوة في مكتبات و أبحاث العالم الغربي، لكن مغيبة من التاريخ و الثقافة السورية فقط. المفارقة أن التاريخ السوري هو الأحق بها ثقافيا و حضاريا. لماذا تغيب عن الشعب السوري هذه الشخصيات التي لعبت دروا في ثقافة العالم و لمصلحة من ؟
سنتحدث بثلاثة نقاط مبسطة عن هذه المشكلة؛
أولا: اللاهوت: ليس دفاعا عن هذه الشخصيات المغيبة، لكنها مشكلة ثقافة و فكر مغيبة من حق كل سوري أن يعرفها، و أن يرفع رأسه عندما تحضر. هذه الشخصيات كانت قمة ما توصل اليه العالم الكلاسيكي ( الاغريقي الروماني) من فلسفة و لاهوت ديني و انساني. كانت فلسفة مؤثرة و بزخم في الحضارة الغربية، حتى على عروش الامبراطوريات القائمة والمعاصرة له. اللافت أنه كان فكرا لاهوتيا سوريا خالصا، له وجهة نظره في الدين الذي كان الشرق مصدره الأساسي و مصدره للعالم في نفس الوقت، فالسوريين و العراقيين هم مخترعي و مطوري الفكر الديني من بابل الى أوغاريت، و كما يقال تاريخيا بين سوريا و العراق ولد العالم، فلم يكن أحد أحق من السوريين بتفسيره و اعطاء وجهات نظرهم به. فاتهام هذه الشخصيات بالهرطقة بالاعتماد على المراجع و المصادر الدينية الرسمية، ما هو الا قصور في فهم المشكلة. فاعمال العقل في القضايا الدينية من قبل تلك الشخصيات هو قمة الابداع و الحياة، عبر نكران جمود و صلابة النصوص الدينية في نظر الكنيسة الرسمية البعيدة عن روح و ثقافة المنطقة. أيضا يعكس فكرة أخرى؛ تتجلى في أن أصحاب الدين و اللغة و الأرض المقدسة سوريا، كانوا أحق من الكنيسة الرسمية في بيزنطة صاحبة اللغة اليونانية البعيدة عن لغة السيد المسيح السريانية السامية في تفسير رسالته، فمهما بلغ الغربي من فهم باللغات الشرقية، سيبقى على قصور في مايخص اللغات السامية، خصوصا في اللفظ. هذه المشكلة نراها أيضا في تخلف الأقوام التي تبعت الاسلام و كانت لغاتها مغايرة للعربية كالأفغان، الأتراك، و كمية التخلف و التعصب الديني الذي خلفوه بسبب قصورهم عن فهم النص و التعاطي معه بجمود غير مسبوق. خصوصا عندما استولوا على الحكم في العالم الاسلامي و بداية عصور الانحدار على أيديهم. على العكس مما نراه عند وصول الاسلام الى سوريا التي كانت متكلمة للغات السامية و خصوصا السريانية و العربية، استطاع السوريون تطوير اسلام و مذاهب اسلامية عدلت في الدين الاسلامي، منتجة دينا من الممكن له العيش في بيئة متحضرة على الرغم من بدويته و صحراويته. كذلك الأمر مع الكنيسة، فسوريا بحضارتها الراسخة تستطيع الاضافة دوما لللاهوت الديني المتخلف و تعديله و مناقشته و تطويره و ليس ابقائه محشورا في النص بعيدا عن المجتمعات و تطورها. هذا ما يلخص المشكلة بمجملها في التعاطي مع شخصياتنا اللاهوتية قبل الاسلام و بعده يضا التي يتم دوما التجني عليها، من قبل أقوام غريبة لم تفهم يوما دين المنطقة و لم تفهم لغة المنطقة مع ذلك تقوم بالتنظير على ثقافة المنطقة و فلاسفة المنطقة !
ثانيا: مناهجنا الدراسية: لماذا تغيب هذه الشخصيات من كتبنا المدرسية و مناهجنا ؟؟ في كتبنا المدرسية اليوم لا تجد ذكرا واحدا لشخصيات قبل الاسلام، ان كان لابد تجد رؤوس أقلام في كتب المختصين، أيضا ليس كما يجب ! لماذا ؟؟
هل كانت سوريا صحراء قاحلة قبل الاسلام ؟ كلا لم تكن سوريا صحراء قاحلة قبل الاسلام، بل كانت بارثها الحضاري أهم من الديانات جميعها بما فيها اليهودية، المسيحية و الاسلام و شخصياتهما. هل قدر عراقة و ثقافة سوريا التاريخية أن يبتلعها اللاهوت الديني و يقضي عليها ؟ لماذا يجب علينا أن نتمسك بالأمويين أو العباسيين و نترك الآكاديين و البابليين و الآراميين و الفينيقيين ؟ هل المقارنة بحاجة لجهد كبير لمعرفة الفرق الكبير بالحضارة و الانسانية ؟! لماذا علينا أن نبادل تاريخنا الآرامي و الفينيقي العريق و بشهادة العلم المادي الحديث مع المماليك و الأتراك و الأفغان ؟!
لماذا يجب علينا أن نتمسك بالنواجز بفكر متخلف، تهرب كل دول العالم المتحضر من الانتساب اليه ؟! و أن نترك فكرا حضاريا عريقا تسعى كل أقوام الأرض للانتساب اليه و التقرب منه و البحث عنه، مع أنه يخصنا في العمق و نحن في الحقيقة ورثته ؟!
ثالثا: شخصياتنا، مدننا، هويتنا السورية: الأهم في الموضوع، “القضية المغيبة “ و تجاهل هذا التاريخ بشخصياته الثقافية و أماكن تواجدهم في مدن كانت المشكلة للهوية التاريخية السورية، بطريقة مقصودة. سنذكر بعضا من هذه الشخصيات و بعضا من هذه المدن هنا، فلا يتسع مقال و لا آلاف الكتب لوجودهم، لكن على الأقل حضورهم في الذاكرة؛ لوقيان السمسسياطي، لونجينيوس الحمصي، نسطوريوس، أبوليناريوس، ديودور الطرسوسي، يوحنا فم الذهب، ثيودوريطس القورشي، مار أفرام السرياني، يوحنا الدمشقي، برصوما النصيبي، بطرس القصار، يعقوب الرادعي، سويويرس الأنطاكي، مار أدي، مار آحى، مار أجاي، مار ماري و غيرهم الكثير من الآباء السوريين. قضية هؤلاء الآباء تقودنا الى قضيه مهمة و مغيبة أخرى و هي من أهم القضايا المكونة للهوية و الشخصية الثقافية و التاريخية السورية، ألا و هي قضية المدن السورية المحتلة من قبل الأتراك، مدن الفكر الفلسفي و التراث العالمي اللاهوتي كماردين، نصيبين، مرعش، ديار بكر، الرها، أنطاكيا، اسكندرون، المصيصة و غيرها الكثير من المدن و البلدات الكبرى. قمة العار تغييب هذه القضية المهمة من الوجدان السوري و من مناهج الدراسة السورية، بغض النظر عن الأنظمة التي حكمت سوريا منذ الاستقلال و موضوع العلاقات السياسية الذي يعرفه الجميع. هل يحق للسياسيين المتاجرة بهكذا قضايا ؟ هل يحق للسياسة تغيير الخريطة متى شاءت؟ هل يحق للسياسيين تشويه الثقافة و الوعي الشعبي؟ هل يجب أن يترك الشعب السوري من دون وجهة نظر أو رأي في ارثه الثقافي و الحضاري، عبر معرفة هذه الشخصيات و الارتباط بمدنها أو الأصح مدننا ؟ هذه الحواضر التي كانت و لا زالت مدنا سورية في كل المراحل التاريخية، حتى التواجد الديموغرافي و الجغرافي اليوم فيها هو سوري صرف. لقد عملت تركيا في سبعينيات القرن الماضي على اختلاق أسماء تركية جديدة مخالفة لأسماء هذه المدن السورية بشقيها السرياني و العربي، لتشويه و طمس هويتها السورية العريقة. من أين للأتراك البرابرة الاهتمام بارث هذه المدن الحضاري و هم البرابرة المنحدرين من أواسط آسيا مع التغول العثماني المدمر لارث المنطقة الثقافي بكل أطيافه حتى الاسلامي، عبر تدمير بنية العقل العربي الاسلامي، من خلال تطبيق فهمهم المشوه للنصوص الدينية، في ظل غياب معرفتهم بالعربية، و عدم جود خلفية حضارية لهم. اذا كانوا قد اقترفوا هذه الجريمة الثقافية بحق الاسلام من التطرف الى الحرملك، معتقدين بأنهم يطبقون الدين. من أين لهم يعترفوا بالارث الديني المسيحي السوري لتلك المدن ؟!
ليست المشكلة في هذه المسألة مسؤولية الأتراك، فهم بطبيعة الحال محتلين، لكن المشكلة الحقيقية توجد لدى الطبقة السياسية السورية التي تتلاعب أو تغض الطرف عن هذه القضية لمصالح سياسية ضيقة. أيضا صمت النخبة الثقافية لدينا يشارك في تحمل المسؤولية، فان كانت هذه النخب وطنية سورية أصيلة سياسيا و ثقافيا، كيف تغيب هذه القضية السورية من الوجدان و من المناهج السورية، بينما تحضر العروبة بكل مشاكلها حتى البعيدة منها في صلب حياتنا اليومية ؟! يجب أن تفعل هذه القضية بضمير وطني خالص، عبر العمل على ادخال هذه القضية في وجدان السوري منذ الطفولة و مقاعد الدراسة الأولى الى مقاعد الجامعات و البحث العلمي. فالمدن السورية المذكورة هي مكون أساسي في الشخصية الثقافية والهوية الحضارية السورية، يجب أن تبقى في الضمير السوري، فالسوري من دون تلك المنطقة و تلك الثقافة، يعاني من نقص في مكون هويته و شخصيته السورية. لأن الثقافة التاريخية المشرقة من أهم مكونات الشخصية لدى الأمم. لذلك يجب علينا تحمل المسؤولية عبر العمل على مراكمة القضية ثقافيا و أخلاقيا بعيدا عن السياسة و الدين. ان كنا لا نستطيع حاليا العمل على استعادة المنطقة جغرافيا، يجب علينا و من واجب أخلاقي وجودي صرف، أن نجعلها حاضرة دوما و أن نحافظ عليها ثقافيا و وجدانيا !
قمة العار؛ أن يتنكر من يمتلك ارثا ثقافيا و حضاريا عريقا كالسوريين لتاريخهم، أو أن ينسبوا أنفسهم لما هو أدنى منه !

مراجع المقال:
L’enciclopedia dell antichità classica, Luciana Saetti, Roma, 2000.
L’enciclopedia del Medioevo, Grazanti , Roma , 2007.
La chiesa nel medioevo, Claudia Azzar, Bologna , 2004.
Storia dell’impero bizantino, Georg Ostrogorsky, Torino, 1993.



#سليمان_سمير_غانم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انعكاسات مرايا الشرق
- نظرية الله المتهم البرئ.
- الإله المتناقض في الإسلام (الله)
- حكم المرتد بين وحشية المسلمين وهشاشة و تناقض عقيدتهم
- معيار الأخلاق بين الثابت و المتحول (الدين و المجتمع)
- يحصل في الشرق
- المنتصر في التاريخ هو المقدس ( بيزنطة مثلا)
- أبو لهب، أبو جهل، أصوات العقل في قريش و المصير المأساوي للأم ...
- ملاحظات بسيطة على العلمانية في العالم العربي
- ميثرا و طقوس العبادة الميثرائية في الإمبراطورية الرومانية
- بين اقرأ واسأل يوجد قبر الأمة الفكري
- عندما يصبح دين الشعب أهم من وجود الشعب (من نحن،عرب أم مسلمون ...
- حنين إلى عقل القرن الثاني و الثالث الهجري (المعتزلة)
- أدلجة المجتمع و عبثية الاسلام السياسي
- الإله المتجسد بين الوسط الاغريقي الهيليني و الديانة المسيحية
- الشرق الأدنى من عبادة المرأة الى استعبادها


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليمان سمير غانم - شخصيات فكرية من التراث السوري قبل الاسلام (الهوية السورية المغيبة).