|
من الثورة الى التثوير، حول أطياف 17 ديسمبر والثورة الثقافية
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 3944 - 2012 / 12 / 17 - 00:45
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
" التثوير revolutionnarisation هو أن نكون قادرين على استكمال المسار الثوري بالوسائل الثورية المتاحة وعلى السماح للثورة الثقافية بأن تتجدد" اذا كان الاحتدام بين الطبقات الاجتماعية المسيطرة والمسيطر عليها يصل أوجه في ثورة الجماهير التي تمثل ارادة الشعب في قهر الظلم والعصيان المدني المتواصل والقرار الجماعي بفك الارتباط مع الدولة ترجمتها الفعلية في الواقع الموضوعي فإن احياء الفعل الثوري واستعراض القوة الشعبية بدفع الصيرورة الثورية الى الأمام وإعلان الثورة العقلانية الأخلاقية على الجهل والتعصب والفساد والاستغلال هو التطور التاريخي لهذا التناقض الأبدي بين قوى الشر من كهنة رأسمال وعباد الكراسي والمتزلفين الذين لم ينتابهم النعاس من خدمة مصالحهم من جهة ومن عمال الأرض وعشاق الكلمة الطيبة والوعد الصادق والكادحين في سبيل العدل من جهة أخرى. ولعل الحدث الأبرز هو ذكرى 17 ديسمبر 2011 يوم انطلاقة شرارة الروح البوعزيزية في سيدي بوزيد من الأطلس الصغير التي أبت أن تغادر الجسد إلا آية على اندلاع الهبة الاجتماعية وعلامة على نهاية مرحلة من التاريخ وبداية أخرى. ومهما كانت التداعيات والمآلات التي عقبت تلك الانتفاضة وما أفرزته من خلع النظام القديم والتوجه نحو مرحلة انتقالية تحتكم الى شرعية الانتخابات وفق ديمقراطية تمثيلية برلمانية وتركيز مجلس تأسيسي وكتابة دستور جديد وبناء مؤسسات مدنية تحرص على تنظيم الشأن العام فإنه يجدر بنا طرح السؤال التالي: ماهي الدروس المستخلصة من الحراك الاجتماعي الذي اندلع يوم 17 ديسمبر 2011 ؟ وهل حققت الثورة أهدافها؟ وهل تسير المرحلة الانتقالية على أحسن ما يرام أم تواجه تربص الثورة المضادة؟ ماذا يمكن أن يفعل الفكر مع هذا الحدث الكبير حتى يصبح له معنى اليوم؟ ألا يقتضي الموقف العملي المرور من الثورة الى التثوير؟ وما المقصود بالتثوير؟ وهل تحل الثورة الثقافية الاشكاليات العالقة والتحديات المستعصية؟ الوقوف على أهمية هذا الحدث الثوري يفضي الى الاستنتاجات الأساسية والنقاط المضيئة التالية: - شكلت الثورة التونسية مرجعية حية وإطارا متحركا للفعل السياسي النضالي والدافعية الجماعية للإرادة الشعبية في الظن العربي بالخصوص وبالنسبة الى كافة شعوب العالم التائقة نحو التحرر من الاستبداد وتحقيق العدالة الاجتماعية. - تعتبر الثورة التونسية باراديغما سياسيا ونمطا واقعيا يمكن تعميمه على بقية المجتمعات والشعوب ويدل على استحالة بقاء أنظمة الحكم التي تعتمد على حزب واحد على حالها وإفلاس التجارب السياسية التقليدية وضرورة التخلص من الرؤية القديمة وإبداع طرق جديدة في ادارة الشأن العام والإيمان بالتعددية وتفتيت السلطة والثروة. - الدرس الكبير الذي يمكن الوقوف عليه من الثورة التونسية هو أن المسألة الاجتماعية هو الدافع الأساسي الذي حرك شباب المناطق المهمشة والجهات الداخلية وتونس الأعماق الى الانتفاضة وأدى الى الضغط على المركز وتنظيم اعتصامات القصبة1 والقصبة2 وإسقاط حكومة الالتفاف وفرض الارادة الثورية على الارادة السياسية وقرار الشارع على سلطة القصر. بيد أن هذه القراءة المشرقة من تنزيل الحدث في سياقه التاريخي العام تصطدم بوقائع وحقائق وتطورات في الاتجاه المعاكس وتبعث على التخوف وتسجل تراجعات عن الأهداف المرجوة يمكن أن نذكر منها ما يلي: - معاناة يومية للمواطن البسيط من شظف العيش وغلاء الأسعار وندرة لقمة العيش وقلة الموارد وتدهور العائدات وتزايد النفقات ونضوب المدخرات وثقل التعقيدات الادارية واستفحال الانفلات والتسيب والتهرب والتنصل وعدم توفر الوسائل الضرورية لمجابهة هذه المشاكل والحاجيات. - تنامي ظاهرة العنف الاجتماعي وتدهور مستوى الصراع السياسي الى حد السقوط في الابتذال والتنصل من المسؤولية وتزايد مخاطر الارهاب وتشكل أذرع بدنية موازية للمؤسسات القائمة. - فشل الترويكا الحاكمة في تحقيق مؤشرات مقبولة من التنمية والتشغيل ومقاومة الفساد وصيانة الحريات و تمكن بقايا النظام السابق من التنظم في شكل حزبي قوي وتحولها الى طرف قوي في جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وتحولها الى مركز جذب مضاد للقوة السياسية المنتخبة. - تعثر تحقيق الاستقرار وتواصل الاحتجاجات والاعتصامات والإضربات واستمرار الصراع على السلطة وتوخي الطبقة السياسية اعادة انتاج الأساليب الماكيافلية في الدحض والدفاع واعتماد شعار الغاية تبرر الوسيلة واللجوء الى نوع من البراغماتية الفجة والواقعية المصلحية وتغييب النقد الذاتي والرأي المخالف وشخصنة الزعامات وتقديس القيادات. - فشل القوى التي تدعى الثورية والتقدمية والعلمانية في التحول الى سلطة مضادة في المجتمع وتكون مؤتمنة على استكمال المسار الثوري وخضوعها للابتزاز البيروقراطي ومطامع السلطة وتقديم الولاء الى الحزب والتخندق الايديولوجي الأعمى على الولاء المتبصر للوطن والانحياز للشعب المفقر واستحقاقات الثورة وطموحات الطبقة الصاعدة والجهات المحرومة. - حضور القوى الخارجية بشكل مباشر وأساسي في المشهد السياسي والارتهان الى أجندات سياسية معولمة ومهادنة في القضايا المصيرية والتنازل عن العديد من الثوابت في الصراعات المصيرية بالنسبة للمسألة العربية والإسلامية والدول النامية وتقديم تنازلات للامبريالية باسم الشراكة وتشجيع الاستثمار وتزايد المديونية وتدهور القدرة الشرائية وقيمة العملة الوطنية وتفاقم العجز التجاري والتفريط في مقدرات الاقتصاد الوطني وقدرته على المنافسة والابتكار. فما المطلوب من الفاعلين القيام به من أجل تحقيق القفزة الكبرى نحو بر الأمان وردم الهوة بين الدولة والثورة؟ وهل يمكن الحديث عن تجديد مفهومي وإبداع دلالي وثورة ثقافية للعقل السياسي العربي؟ - يجب أن تكون الثورة في نفس الوقت هي السهم والهدف ، هي الوسيلة والغاية ، هي الأداة والمقصد. - التثوير هو تغيير المستوى الأكثر عمقا من الانسان. - العودة الى قاع الواقع الشعبي مصب الأزمة واستخلاص المشروع السياسي المستقبلي بعد دراسة مستفيضة وتعرف على مستلزماته. - القطع بشكل جذري مع الأشكال السياسية التقليدية ومواجهة حقيقة العالم كما هو والايمان بامكانية سير آخر للأمور نحو الأفضل وإبداع وسائل مختلفة لانعتاق البشرية والتطور الحر. - وضع السياسي نفسه في خدمة الشعب وربط علاقة صداقة مع الجماهير والمثقفين والشباب والنضال ضد الأفكار المغشوشة والآراء الجاهزة التي تشجع على الاقصاء والاستبعاد والتمييز. غاية المراد أن المطلوب اليوم هو الانتقال من الحراك الاحتجاجي الى العصيان المدني ومن الثورة الى التثوير ومن الانتفاضة الشعبية الى الديمقراطية السياسية ومن الاضراب العام الى الثورة الثقافية. هكذا نحتفل اليوم بمرور عامين على اندلاع الشرارة ومن خلال هذا الاحتفال نتذكر جميعا أن فرضية أخرى أكثر تفاؤلا بالثورة هي ممكنة وأن فكرة مختلفة عن التحول الجذرى هي ملائمة وأن عالما سياسيا واجتماعيا خاليا من الشمولية ومن استغلال الانسان للإنسان أصبح في المستطاع بشرط أن نمر مباشرة الى الزمن الثوري أن تقوم جمعيا الى فعل التثوير حتى ننقذ هذا الحدث الجلل من تدنيس الثورة المضادة، الى الثورة الثقافية ضد الثوار الجدد، الى تغيير المستوى الأكثر عمقا في الانسان. كاتب فلسفي
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشذر الخطاب الفلسفي
-
شذرات ثورية في زمن مؤقت
-
شذرات ثورية
-
الإرادة والإختيار والعدل عند الفارابي
-
منهج التربية: من الاستبداد الى الديمقراطية
-
معركة الإعلام بين المعارضة والسلطة
-
ما معنى أن يكون المرء على اليسار حسب جيل دولوز؟
-
ورقة فلسفية عن الثورة العربية
-
ثلاثة نماذج معيارية للديمقراطية عند هابرماس
-
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد في مرآة التراث والذات والآخ
...
-
من التنمية الاقتصادية الى الترقي الاجتماعي
-
وداعا أنور عبد الملك فارس الثقافة الوطنية
-
التنوير العقلي بدل التعصب الايديولوجي
-
الدين دعامة رئيسية للثورة
-
في الفرق بين التمرد والثورة
-
جداريات الثورة والكتابة البركانية
-
الرأي المشترك والتفكير المنطقي
-
فلسفة الصورة بين المنع والإباحة
-
الفلسفة الشعبية والجهل المقدس
-
الأسرة والمجتمع والدولة
المزيد.....
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
«المحكمة العسكرية» تحبس 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«حق ال
...
-
منظمات دولية تدعو السلطات المصرية للإفراج عن أشرف عمر
-
متضامنون مع الصيادين في «البرلس» و«عزبة البرج» الممنوعون من
...
-
تأييد حكم حبس الطنطاوي وأبو الديار عقابًا على منافسة السيسي
...
-
متضامنون مع “رشا عزب”.. لا للتهديدات الأمنية.. لا لترهيب الص
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|