أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - المنصف رياشي - -النهضة- تتحدى أهداف ثورة تونس















المزيد.....


-النهضة- تتحدى أهداف ثورة تونس


المنصف رياشي

الحوار المتمدن-العدد: 3943 - 2012 / 12 / 16 - 20:53
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    




لم تهدأ الساحة التونسية منذ أن هرب بن علي وأعلن هزيمته أمام ثورة شعبية قادتها قطاعات عريضة من الجماهير، كما لم تهدأ نفس الشوارع من تظاهرات ضخمة واعتصامات ومواجهات حادة تقودها نفس الجماهير منذ أن اعتلى التيار الإسلامي المعتدل متمثلا في حركة النهضة سدة الحكم في أكتوبر العام الماضي.

ولأن الثورة التونسية ألهمت البلاد من حولها باكتساح جماهيري ضد عروش الديكتاتورية، فإن ازدياد نقاط التظاهر وانضمام قرى وبلدات أخرى بقوة أكبر مما شاركت بها في الأيام الأولى للثورة قد يشير إلى اتساع أفقي وثورة جديدة على وشك الاكتمال، بل قد يعاود الكرّة من جديد ليشمل اتساع أكبر للبلاد المحيطة وخاصة إذا تشابهت الظروف الاقتصادية والاجتماعية للنظم الحاكمة.

ومع تطور الأوضاع التونسية بشكل متصاعد ضد حكومة النهضة، أجرت جريدة "الاشتراكي" حوارا مع الناشط الماركسي التونسي المنصف رياشي*.

في افتتاح المؤتمر التاسع لحركة النهضة دعا راشد الغنوشي إلى «المصالحة الوطنية والوفاق» بين الفرقاء السياسيين بعد الاستعانة بشخصيات اقتصادية من فلول النظام السابق أمثال الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي كما تم ترقية العجيمي المتهم بقتل المتظاهرين كملحق بديوان وزير الداخلية القيادي البارز بالنهضة. في ظل تلك الاجراءات ما الذي تحقق من أهداف الثورة في رأيك؟

لم يتحقق من أهداف الثورة شيء, الثورة كان مضمونها اجتماعي بالأساس وقوى الثورة الحقيقية الفاعلة والتي تصدت لآلة الدولة القمعية لم تتحسن أوضاعها المادية بل تدهورت لما هو أسوأ مما قبل 17 ديسمبر 2011. التيارات السياسية الليبرالية وحتى اليسارية الإصلاحية تتبجح بتحقق ثلاث مكاسب تخص الحريات الفردية والحريات السياسية وتحرير الإعلام، لكن إذا نظرنا إليها من منظور ماركسي مادي نجد أن هذه المكاسب التي يتحدثون عنها ليست إلا ترهات وأكاذيب، وفي واقع الأمر لا تخدم إلا أصحاب الثروة والسياسيين ممن ينحازون إليهم. فحرية التظاهر والاحتجاج التي كانت من المحرمات في عهد بن علي والتي انتزعتها جزئيا الجماهير بدمائها وصدورها العارية وفرضتها بسواعدها وحناجرها ولم تكن هبة من البرجوازية وممثليها السياسيين المتشدقين بها بقيت غير مفعلة على الأرض بل وعرضة للتراجع الصريح في خطابات وممارسات وزراء الحكومتين السابقة والحالية منذ 14 جانفي (يناير) 2011 بإسم هيبة الدولة وحيث كثفتا من اعتدءاتهما على المتظاهرين والمعتصمين، بل إن حزب النهضة الإسلامي قد أضاف إلى جانب وزارة الداخلية ميلشيات إسلامية تساند قوات الأمن في قمع المسيرات وسحل المتظاهرين في الشوارع والاعتداء على الشباب والنسوة وعلى الصحافيين، هذا بالإضافة إلى الاعتقالات للناشطين والتعذيب الوحشي الممارس عليهم في مراكز الإيقاف ثم التهم الكيدية التي يوجهها إليهم القضاء الفاسد.

أما في مجال الإعلام فيمكن أن نقول أننا انتقلنا من مرحلة الكبت الإعلامي في عهد بن علي إلى مرحلة التضليل الإعلامي بعد 14 جانفي حيث توسع ليصبح بانوراميا لمصالح البرجوازية وممثليها السياسيين من ليبراليين وإسلاميين ويساريين انتهازيين متذيلين لسلطتها، حيث بقى هذا الإعلام بعيدا عن مضامين الثورة الاجتماعية ومطالبها الحقيقية وأهدافها المركزية وما تغطيته للواقع الاجتماعي البائس إلا بطرق سطحية وتحاليل مضللة ومشوهة لحقيقة الصراع الطبقي في حين لا يتهاون في الدفاع عن الملكية الخاصة وهيبة الدولة والسلم الاجتماعي وفضل الاستثمارات الأجنبية ووطنية رجال الأعمال التونسيين وشرعية الحكومة والمنظومة الحاكمة واحترام المؤسسات التي انبثقت عن انتخابات والديمقراطية التي ننعم بها. كما لا يتردد هذا الإعلام في إدانة ردود الفعل العنيفة للجماهير على قمع السلطات ويصفهم بالمخربين وأعداء تونس وأزلام التجمع. إنها مهام الإعلام في ظل نظام البرجوازية التابعة .

بالنسبة إلى الحريات السياسية فهي محدودة ومنتقاة حيث لا يرخص إلا للأحزاب المستجيبة لشروط وزارة الداخلية كالتعهد باحترام المنظومة البرجوازية للعمل السياسي وآليات التي تحفظ سيطرة المالكين لأدوات الإنتاج واحترام علوية الدولة ومؤسساتها. وجميع الأحزاب المرخص لها شاركت في تلك الوليمة الانتخابية على نخب الثورة المضادة وعلى دماء الشهداء وآلام المستعبدين في تونس. هذه الأحزاب نالت حريتها بفضل القوى الاجتماعية الفاعلة في الثورة لتنكر عليها فيما بعد حقها في التحرر من الاستغلال وإدارة مجتمعها بأسلوب تشاركي وديمقراطي قاعدي في نظام اشتراكي وتطرح نفسها وكيلا عنها في إدارة الشأن العام والمجتمع خدمة لحساباتها الفئوية الضيقة ومصالح المتملكين لوسائل الإنتاج.

أما الحديث عن الحوار الوطني الذي يطرحه الحزب الحاكم بعد كل أزمة تتخبط فيها الحكومة مع فرقائه السياسيين شركائه في الغدر بالثورة التونسية ليس إلا حديثا للمغالطة والمراوغة ولاستدراج خصومه السياسيين للهدوء وانتظار فتح باب الحوار الذي لم يفتح لهم ولن يفتح. أما مع الشعب فكانت سياسته هي لغة التكفير والتفرقة وسياسة الاستقطاب وافتعال النعرات العشائرية للتغطية على الأزمات الاجتماعية وعلى الفضائح المدوية التي تظهر من حين إلى آخر. هذا الحزب الإسلامي كان فاشلا في تسيير أبسط دواليب الدولة لذلك استعان بعتاه بن علي وأكثرهم فسادا وإجراما بعد أن خدموا حملته الانتخابية هم وقواعد حزب التجمع المنحل الذين التحق جزء كبير منهم بهذا الحزب.

الاستعانة برجال بن علي كان كذلك يبرره حاجته إلى وقف المسار الثوري عبر ترقية مجرمي التعذيب في السجون وسفاحي الثورة الملطخين بدماء الشهداء والجرحى لإرهاب الجماهير وخفض مستوى حركيتها النضالية. في الإدارة سعت النهضة للسيطرة عليها عبر تنصيب أنصارها لأسباب إيديولوجية متوسطة المدى (دحر العلمانيين الكفار من مفاصل الدولة لتصفيتهم فيما بعد مثلما قام الخميني في إيران حسب التصريحات المسربة وحتى العلنية لقيادات حزب النهضة أمام حشود مناصريهم) وأسباب آنية وهي ضرورة تزوير الانتخابات القادمة .

وماذا عن السياسات الاقتصادية للإسلاميين، فقبل أيام أعلنت اليابان موافقتها على قرض يقدر بقيمة 600 مليون دولارللمساعدة في إنعاش الاقتصاد الذي عانى الانكماش كثيرا حيث رصدت الحكومة مبالغ إضافية لتنمية الجهات مع وعود بتوفير آلاف من فرص العمل، في حين رصدت التقارير تضاعف عدد الإضرابات إلى خمس مرات في ظل أزمة بطالة متزايدة؟

السياسة الاقتصادية للإسلاميين هي الليبرالية وفتح البلاد أكثر للشركات العابرة للقارات ومزيد من التنازلات السيادية في الاقتصاد لصالح الاتحاد الأوروبي وقد أبدت الحكومة انبطاحية مفرطة في طلب القروض من الدول الامبريالية والتسول المذل لها ولمماليك الخليج. الديون الخارجية هي الحل السحري الذي تدافع عنه الحكومة في مواجهة الأزمة الاقتصادية رغم ما ينتج عنها من تخبط في سدادها على حساب الاستحقاقات الاجتماعية وتوريث الأزمات الاقتصادية والفقر والبطالة والاستغلال المضاعف للأجيال القادمة.

هذه السياسات الاقتصادية والمالية لحكومة الالتفاف على الثورة كان لها أثر حيني على الواقع المعيشي للفئات الشعبية حيث ارتفعت أسعار المواد الضرورية بصورة جنونية وأحيانا مضاعفة وانتشرت ظاهرة احتكار المواد الأساسية كما ازدادت أعداد العاطلين وظاهرة الطرد التعسفي من المؤسسات الشغلية. من ناحية أخرى وتمشيا مع هذه الليبرالية المتوحشة تم تجاهل ديون رجال الأعمال والعائلات المتنفذة التي نهبت الأموال العمومية في العهد السابق بل وتم تدعيمهم بمزيد من الأموال والاعفائات الجبائية, كل هذا من الثروة التي ينتجها الكادحون ودون التفكير في معالجة حالات البطالة التي تكتسح أوساط الشباب والكهول والمرأة.

أما الوعود بتوفير مواطن الشغل للمناطق المحرومة عبر مشروع الميزانية التكميلية فهي ظلت حبرا على ورق إضافة إلى كونها ميزانيات زهيدة لا تغني ولا تسمن من جوع. الحكومة وبعد الوعود الخيالية الكاذبة لحزب النهضة أثناء الانتخابات فقد تنكرت لتلك الوعود وتنصلت منها وادعت أن التشغيل ليس من أولوياتها وليس من مشمولاتها مثلما عبر عن ذلك وزير التشغيل حين قال أن وزارة التشغيل ليست مهمتها التشغيل ودعا المعطلين من أصحاب الشهائد العلمية إلى الهجرة إلى ليبيا والمعارك فيها لم تهدأ بعد. حزب النهضة وبعد الوعود بتوفير 400 ألف موطن شغل في ظرف سنة أثناء حملته الانتخابية ولإدراكه صعوبة الملفات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة تهرب من وزارات المالية والتشغيل والشؤون الاجتماعية والاقتصاد وتركها لشركائه في الترويكا ليتحكم فيهم من وراء الستار ولتقع المسؤولية عليهم، مع الإشارة إلى أن حزبي الترويكا المجهولين لأغلب التونسيين كان صعودهما في الانتخابات يعود فيه الفضل إلى أصوات أعضاء حركة النهضة الانتخابية التي مع اطمئنانها للصدارة قد انتبهت إلى ضرورة أن تمكن حلفائها الانتهازيين من المركز الثاني والثالث لتجنب شريك في الحكم يفسد عليها أحلام السلطة.

تواصل النظام الرأسمالي الطرفي في تونس وحماية ملكية البرجوازية للثروة فيها رهينان بسياسة التداين من المراكز الرأسمالية نتيجة الأزمة الهيكلية للاقتصاد المرتبط بظروف نشأة البرجوازية المحلية العاجزة عن بناء اقتصاد قومي مثلما تمكنت من ذلك البرجوازيات الأوروبية منذ قرنين على الأقل والمرتبطة بهذه الأخيرة بعلاقة تبعية تاريخية فرضتها مرحلة الامبريالية التي تمنع تكون اقتصاديات وطنية في الدول المتخلفة , لذلك فإن نجاح الثورة في تونس لا بد وأن يمر بإلغاء سياسة التداين والذي سيفضي إلى انهيار ملكية البرجوازية ونظامها الرأسمالي وحتى رأسمالية الدولة التي فقدت صلاحيتها التاريخية منذ بداية السبعينات لن تنجح في تفادي سقوط النظام الرأسمالي لذلك سارعت القوى الامبريالية وعبر حكومتي الباجي قايد السبسي ثم النهضة إلى فرض هذه السياسة المالية. الجماهير الكادحة والعاطلة لن تستطيع البرجوازية الصمود أمامها لو لم تكن تحظى بالدعم المالي الذي يصلح بعضا من أزماتها ليزيد من حدتها بعد حين .

أطماع الاتحاد الاوروبي في مزيد استغلال البلاد لم يقف عند حدود الشراكة مع تونس التي بدأ فيها بن علي منذ 1995 بل قد أضاف إليها اتفاقيات أخرى مع حكومة النهضة في ظل تكتم على بنودها من هذه الأخيرة وهي اتفاقيات تهدف إلى مزيد من تحرير قطاعي الفلاحة والخدمات ومزيد من الاعفاءات الجمركية والضريبية على الاستثمارات الأوروبية ومزيد من التشريعات الهادفة لحمايتها عبر ضرب الحقوق النقابية للعمال واعتصارهم أكثر .

هذه الحكومة المدعومة بما يسمى الشرعية الانتخابية وهذا كذب لأن لا شرعية للانتخابات والمهام الآنية للثورة لم تفعل, هذه الحكومة واصلت تسديد الديون القديمة ورفضت تعليقها رغم كل الضغوطات التي مارستها القوى اليسارية التي طالبتها بتخصيص أقساط الديون لفائدة مشاريع اجتماعية توفر فرص عمل للعاطلين عن العمل بل إنها لم تسعى حتى إلى استرجاع الأموال المنهوبة لبن علي وعائلته ولا حتى للرأسماليين المحليين .

وأمام هذا الاستخفاف بمشاكل اجتماعية حارقة والتنصل من مهامها التشغيلية التي وضعت حلولها الوهمية الدعائية على عاتقها قبل الانتخابات فقد إلتجأت الجماهير ومبكرا وبعفوية وحس سليم إلى الاحتجاجات والاعتصامات للمطالبة بحقها المشروع في الشغل الذي يحفظ كرامتها مدركة أن لا مكاسب تحققها إلا تلك التي تفرضها على السلطة عبر نضالاتها الميدانية في الشارع وليس بالانتظار والترقب. لذلك شهدت تونس موجة احتجاجية قوية لم تهدأ بعد منذ صعود هذه الحكومة تجاوزت احتجاجات فترة ديسمبر 2010 أوكتوبر 2011 ما يدل على استفحال الأزمة ودخول الجماهير لساحة الصراع من أوسع الأبواب وإمكانية تواصل المد الثوري لفترة طويلة خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها المراكز الرأسمالية.

مع ازدياد حجم الاحتجاجات الشعبية في عموم البلاد وتطورها من إضرابات العمال واعتصامات أهالي الشهداء إلى قطع الطرق واقتحام مقر الولايات أصبح لافتا للنظر مهاجمة مقار حركة النهضة وإحراق محتوياتها بتالة والمنستير، كذلك دعاوى الإضراب العام بجندوبة وهي نفس الدوائر التي أعطت أصواتها للنهضة في اكتساح مقاعد المجلس التأسيسي. ما هو تقييمك حول شعبية الإسلاميين؟

الإسلاميون في تونس وجدوا الفرصة في الفراغ الذي تركه اليسار الستاليني والماوي في تونس ذلك اليسار النخبوي المتعالي على الجماهير والذي ترك الساحة لأكثر من عقدين واكتفى بالبحث عن المناصب والكراسي لزعماته المصابة بداء النرجسية. حزب حركة النهضة اعتلى السلطة بفضل الدعم الامبريالي وبفضل توظيف الدين والمال السياسي القذر لشراء أصوات الفقراء والطامعين من البرجوازية الصغيرة بالأموال المتدفقة عليه من الخليج والعدد المهول من الجمعيات التي فرخها في ظرف وجيز ونشطائها الذين هيمنوا على مراكز الاقتراع وبمنطق تكفير الآخرين وربط الازمات الاجتماعية والاقتصادية بأسباب لاهوتية وأخلاقية انطلى على فئات كثيرة من التونسيين البسطاء الذين لم يطلعوا يوما ما على حقائق الشأن العام والممارسة السياسة في ظل حكم ديكتاتورية النوفمبرية هذا بالإضافة إلى أن أكثرية من قواعد حزب التجمع المنحل وبحكم منطق الانتهازية والنفعية وعدائهم للثورة التي حرمتهم من امتيازاتهم قد أدركوا أن مصلحتهم تكمن في ذلك الحزب الذي يمثل أكبر الأحزاب في الساحة السياسية ما يحميهم من المحاسبة ويعيد إليهم تلك الامتيازات. بأساليب الخديعة والمكر المعروفة عن الإخوان المسلمين تمكن حزب النهضة من تأمين أكبر قاعدة انتخابية.

لكن الجماهير بدأت تستفيق من أوهامها وبدأت تكتشف حقيقة الحزب الحاكم وفضائحه المدوية التي لم تنتهي منذ اليوم الأول للحكم والميليشيات التي يحركها كلما تحركت الجماهير في مطالبها الاجتماعية أو كلما نظمت الجمعيات المدنية مسيرة سلمية وخاصة تراجعها وإنكارها لكل الوعود الاجتماعية التي قطعتها ونعت المحتجين والمتظاهرين بالخونة وقطاع الطرق والمجرمين إضافة إلى السجون والقمع الذي تسلطه عليهم. الكثير من الذين انتخبوا هذا الحزب أصبحوا يجاهرون بندمهم وبالخديعة التي أوقعتهم بها النهضة. ما هو مؤكد أن هذا الحزب خسر ثقة الشارع وتوسعت حالة الاستياء من آدائه والخوف على مصير البلاد من قبل التونسيين ولا أدل على ذلك من الحجم المتقلص للمظاهرات التي ينظمها لتأييد الحكومة وسب خصومه وسب الإتحاد العام التونسي للشغل. ولكن كذلك فإن المؤكد أن هذا الحزب لن يترك السلطة إلا بحمام دماء وأن الانتخابات القادمة ستكون مزورة بدليل سعيه المحموم للاستيلاء على كل مفاصل الدولة الحساسة وتأجيله للانتخابات وتلكؤه في بعث هيئة مستقلة تشرف عليها رغم الضغوط التي يبديها خصومه السياسيين منذ اليوم الأول لانعقاد المجلس التأسيسي. لكن يبقى أن الجماهير المنتفضة في المناطق المحرومة لا تتحرك لدوافع حزبية أو سياسية وإنما لدوافع اجتماعية بالأساس وهي في حراكها ليست معنية بالتجاذبات الحزبية التي تحدث في بنية الدولة الفوقية بين شركاء المسار الديمقراطي.

وهل استطاعت الجماهير المنتفضة تكوين سلطة بديلة لتحفيز الدفع الشعبي باتجاه ثورة جديدة في ظل مطالب اجتماعية متصاعدة؟

الجماهير من الفئات الشعبية الكادحة والعاطلة لم تستهويها التجاذبات السياسية واللغة الخشبية للحكومة ولا الوعود الكاذبة لأحزاب المعارضة بل إنها حتى قبل الانتخابات أكثر من نصف الذين يحق لهم الانتخاب لم يشاركوا ولم تستوعبهم الدعاية الإعلامية والحزبية حول الانتقال الديمقراطي والآمال في تحسن يأتي به الساسة من كل تلويناتهم اليمينية واليسارية.

فمع اشتداد الأزمة الاجتماعية تضاعفت الاحتجاجات إلى خمس مرات حيث وصل المعدل إلى 15 إضراب يومي وثلاثة حالات قطع طريق يوميا , الاحتجاجات شملت العاطلين العمال والموظفين وعائلات الشهداء وجرحى الثورة. هذه التحركات تقابلها السلطة غالبا بالقمع العنيف والايقافات العشوائية ومداهمة البيوت والاعتداء على ساكنيها والتعذيب والاغتصاب داخل السجون. الجماهير من جانبها لم تهدأ بل زادت من مقاوتها لإرهاب السلطة وأبدت مقاومة بطولية وصلت أحيانا إلى طرد قوات القمع وفرض الانسحاب المذل عليها من المدن والقرى وحرق مراكزها وعرباتها ومقرات الحزب الحاكم الذي أصبحت مراكز للوشاية والتحريض وقاعات عمليات للميليشيات التي تساند قوات القمع. حالة اللاتجاوب من السلطة بغير القمع أو التسويف والمماطلة جعل الاحتجاجات تتطور إلى اقتحام مراكز السلطة وطرد ممثلي السلطة فيها كالولاة المعتمدين، بل أنه أحيانا تقوم الجماهير بطرد وزراء وفض اجتماعاتهم وهذا يدل على وعي عميق لها بأن هذه النخب الحاكمة هي سبب تعاستها ومصدر شقائها بحراستها على التمايز الطبقي الذي يصب كل ثروة البلاد في جيوب الرأسماليين والحكام .

و ما يلاحظ في الحركة الجماهيرية بالإضافة إلى عودتها بقوة بعد الانتخابات ودون توقف ( مثل ولاية سيدي بوزيد وخاصة قلعة النضال والصمود قرية منزل بوزيان التي لم تهدأ منذ ديسمبر 2010) هو توسعها لتشمل كل البلاد من مدن وقرى وأرياف لتكسر العزلة عن بعضها البعض وتفضح ديكتاتورية التي يخبؤها المسار الديمقراطي الذي ترعاه القوى الامبريالية, وتطور المطالب المرفوعة من القطاعية إلى مطالب شاملة كمطالب التنمية للجهة أو تحسين البنية التحتية أو تخصيص جزء من عائدات الثروة التي تنتجها الجهة كالفسفط في قفصة أو البترول في تطاوين هذا دون أن ننسى الاضرابات القطاعية الوطنية والاضرابات العامة الجهوية والمحلية التي أصبحت تعبر عن مطالب عامة تخص كل مواطني الجهة وكذلك احتجاجات عمالية لمناطق صناعية بأكملها.
ما نراه في الواقع هو أن الجماهير وهي القوى الفعلية للثورة متقدمة بأشواط على الأحزاب والنخب الواهمة بالتوافق والسلم الاجتماعي وهي كذلك متقدمة على أحزاب اليسار النخبوية التي وضعت نظام الديمقراطية البرجوازية أفقها الذي تعمل لأجله .

الحركات الاحتجاجية في تونس رغم الطابع العفوي والتلقائي المهيمن وغياب القيادة الثورية الممثلة في حزب ثوري تتطور كل يوم وتتجذر أكثر فأكثر والجماهير تراكم دروسها وتتخلص من أوهامها وتطور أشكالها النضالية والصدامية مع النظام الرأسمالي الجاثم على صدورها وتتجاوز كل الاستقطابات المطروحة كالعلمانية والدين أو المعارك الفوقية بين الخصوم السياسيين .

هذا لا يمنع من الإشارة إلى بعض النواقص التي لا تزال تعاني منها الحركة الاحتجاجية في تونس وهي غياب التواصل والتنسيق والبرامج النضالية المشتركة بين جماهير الجهات المختلفة وتشتت التحركات مكانا وزمانا واقتصارها على المطالبة السلبية وليس الافتكاك ووضع اليد على موارد الثروة والعمل. كذلك نلاحظ غياب الدعاية الثورية ولعمل الثوري المنظم وغياب الحزب الثوري ما عدا بعض المناضلين الثوريين المشتتين والمنظمات الصغيرة وهيمنة البيرقراطية النقابية على التحركات العمالية وكبحها لها وتوظيفها لصالح أطماعها وحساباتها الخاصة حتى أن القيادات النقابية القاعدية ظلت حبيسة للوعي الاصلاحي لليسار التقليدي الستاليني والماوي واليسار القومي. وهذا ما جعل الطبقة العاملة الطبقة الثورية الوحيدة لم تنزل بعد بكل ثقلها الطبقي وعاجزة عن ضم الفئات الشعبية الأخرى لها من المهمشين والفلاحين الصغار والعاطلين خاصة أصحاب الشهائد العلمية الذين ظلوا حبيسي وعيهم البرجوازي الصغير تستهويهم الأجندات الحزبية وحملاتها والأوهام الاصلاحية التي تبثها في أوساطهم.

الجماهير مدعوة إلى تأسيس نواتاتها الثورية المحلية والجهوية كمرحلة أولى من أجل تأسيس مجالسها العمالية والشعبية لفرض إدارتها للمجتمع ورفض ممثلي السلطة وإسقاط مؤسساتها البرجوازية والنظامية وطرد الأجهزة القمعية .

* المنصف رياشي: معارض ماركسي من تونس



#المنصف_رياشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المأزق الإصلاحي لجبهة اليسار ( فرنسا )
- الثورة السورية و خيانة اليسار الستاليني و الماوي
- تونس و مصر : غاب الحزب الثوري وغابت المجالس العمالية
- الثورة التونسية دون قيادة ثورية
- في تونس حزب محاكم التفتيش يتسلم قيادة الثورة المضادة
- المؤتمر 22 للإتحاد العام التونسي للشغل


المزيد.....




- مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...
- تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال ...
- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - المنصف رياشي - -النهضة- تتحدى أهداف ثورة تونس