|
شهادات بدون قيود من أجل الحقيقة
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 1139 - 2005 / 3 / 16 - 10:19
المحور:
حقوق الانسان
1- تقرير حول أول جلسة استماع منظمة من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في إطار أنشطتها المستمرة الهادفة إلى طي صفحة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على قاعدة الحقيقة و النضال ضد الإفلات من العقاب و من أجل بناء مغرب بدون خروقات جسيمة لحقوق الإنسان قررت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن تنظم بين 12 فبراير و 14 مايو 2005 أنشطة متعددة مفتوحة للعموم تشمل ما يلي: أربعة جلسات لشهادات الضحايا أو أقربائهم تنظم بكل من الرباط و خنيفرة و الحسيمة و مراكش جلسة شهادات للنساء ضحايا القمع تنظم بمناسبة تخليد اليوم العالمي للمرأة جلسة استماع لشهادات الضحايا بالمنفى تنظم بباريس جلسة استماع لشهادات المحامين الذين آزروا الضحايا أثناء المحاكمات السياسية غير العادلة التي عرفها المغرب إن هذه الجلسات للاستماع و التي ستنتظم تحت شعار 3 6 شهادات بدون قيود من أجل الحقيقة 6 ستتعرض للخروقات الجسيمة المرتبطة بالقمع السياسي الذي عاشه المغرب من 1956 إلى المرحلة الحالية. و ستكون مفتوحة لوسائل الأعلام الوطنية و الدولية. الجلسة الأولى تمت يوم السبت 12 فبراير بقاعة باحنيني التابعة لوزارة الثقافة و قد وجه المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في بلاغ له لجميع مكونات حركة حقوق الإنسان، الهيئات السياسية و النقابية و المنظمات النسائية و الشبابية و الجمعوية و ممثلي وسائل الإعلام الوطنية و الدولية و المواطنات و المواطنين لحضور هذه الأنشطة من أجل مساندة الضحايا و دعمهم من أجل حل عادل و شامل لملف الانتهاكات الجسيمة من قاعدة مبادئ حقوق الإنسان الدولية و فعلا يوم السبت 12 فبراير قبل الساعة الثالثة زوالا كانت قاعة با حنيني تستقبل وفود جميع شرائح المجتمع و الهيئات السياسية الديمقراطية و الهيئات النقابية المناضلة و هيئات المجتمع المدني و ممثلي وسائل الإعلام الوطني و الدولي، المرئية منها و المسموعة و المكتوبة كان حضور مناضلي حركة حقوق الإنسان معبرا و يغطي التراب الوطني و جميع الفئات العمرية و الجنسية و جميع القناعات المناضلة إن التميز الذي طبع هذه الجلسة هو إعطاء الكلمة لكل التوجهات الفكرية المناضلة التي عانت من الاعتقال التعسفي و التعذيب و حوالي الساعة الثالثة و النصف تناول الكلمة بنعبد السلام عضو اللجنة الإدارية للجمعية لتذكير الحضور بالإجراءات التنظيمية حتى يسود الهدوء و تمر الشهادات في جو يعطي للحظة قيمتها و الاحترام الواجب للضحايا الذين كان على كل واحد منهم أن يدلي بشهادة عن سنوات من التعذيب في مدة زمنية هي ثلاثون دقيقة و هي فعلا لم تكن كافية و لكن الضحايا الشهود التقطوا اللحظة و ركزوا على بعض المحطات السوداء في رحلة العذاب التي عاشوها سواء كأفراد أو كعائلات أو كهيئات مع الارتباط بالاحتقان الذي كان يعيشه الشارع المغربي كانت شهادات غطت تاريخ المغرب السياسي المعاصر، لاسيما المرحلة الممتدة من 1956 إلى الآن، كانت وجوه المناضلين الضحايا تبدو شامخة رغم عذابات سنوات الجمر، كان شموخهم بشموخ صمود أبناء هذا الوطن من أجل الغد الأفضل. و هكذا تناوب على منصة الشهادات المناضلون و عائلات الضحايا الآتية أسماؤهم:
• أحمد المرابط
المزداد بتطوان سنة 1937 اعتقل مباشرة بعد الاستقلال سنة 1956 من أجل حيازة الأسلحة و محاولة قلب النظام بينما كان تلميذا بالثانوي و سيطلق سراحه و سوف يختطف خلال شهر غشت 1973 بمدينة تطوان و يقتاد إلى درب مولاي الشريف حيث سيقضي أكثر من 6 أشهر و سينقل بعدها إلى الكوربيس و سوف لن يطلق سراحه إلا خلال يوليو 1974 وبعد ذلك سيحرم باستمرار من حقوقه و خصوصا حقه في مغادرة التراب الوطني
• أحمد بنجلون
المزداد سنة 1942 بعين مطهر ناحية وجدة. أول لقاء له مع الاعتقال التعسفي يرجع إلى سنة 1962 بمناسبة أول دستور ممنوح سوف يختطف من مدريد باسبانيا بتاريخ 29 يناير 1970 و سلم إلى السلطات المغربية بتاريخ 15 فبراير 1970 احتجز لمدة تسعة أشهر بالمركز المسمى دار المقري ثم نقل إلى السجن العسكري بالقنيطرة بعد المرور بالعديد من المراكز السرية حيث تعرض لمختلف أنواع التعذيب الرهيبة حوكم في إطار محاكمة مراكش بعشر سنوات و سوف يتم العفو عنه بتاريخ 12 ديسمبر 1975 و سيعتقل من جديد بتاريخ 27 يناير 1980 لمدة أربعة أيام بالمركب و يطلق سراحه بعد تعريضه لجلسات التعذيب الجهنمي و اعتقل مجددا بتاريخ 10 يوليو 1981 على اثر الإضراب العام ليوم 20 يونيو 1981 و سيحكم بالبراءة من طرف محاكم الرباط و سيطلق سراحه بتاريخ 16 أكتوبر 1981 ثم اعتقل بتاريخ 10 مايو 1983 بعد أحداث 8 مايو 1983 و حكم عليه بسنة حبسا نافذا و كمدير لجريدة المسار الممنوعة سنة 1987 و جريدة الطريق سوف يتابع و يحكم عليه بخمسة أشهر حبسا نافذا.
• السيدة مريم شرف
المزدادة بمراكش بتاريخ 3 يوليو 1958 كانت ضحية اعتقال تعسفي رفقة زوجها يوم الأحد 27 أكتوبر 1985 بسلا. حيث اقتيدت معه إلى مركز درب مولاي الشريف و قضت به 14 يوما. و سوف يطلق سراحها يوم 11 نوفمبر 1985 حين علمت بوفاة زوجها أمين التهاني تحت التعذيب بتاريخ 6 نوفمبر 1985 و كانت بعد ذلك ضحية للتعذيب النفسي الممارس عليها من طرف السلطات التي حرمتها دوما من حقوقها
• محمد غلول
المزداد بالقنيطرة سنة 1938 كان ضحية اختفاء قسري لمدة 18 سنة و كان قد حوكم بخمس سنوات حبسا نافذا من طرف المحكمة العسكرية خلال شهر نوفمبر 1972 بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة لسنة 1971 و سوف يختطف من داخل السجن المركزي بالقنيطرة يوم 7 غشت 1973 مع الساعة الثانية صباحا حيث نقل إلى المعتقل السري تازمامارت و لن يطلق سراحه إلا يوم 29 أكتوبر 1991
• محمد الرحوي
المزداد بنواحي تازة بتاريخ فاتح يناير 1952 كان ضحية اختفاء قسري لمدة تسع سنوات, اختطف من الرباط يوم 12 أبريل 1976 و احتجز بالمركب لمدة 16 شهرا سوف ينقل إلى العديد من المراكز السرية، مركز أكدز قلعة مكونة و سكورة و لن يطلق سراحه إلا بتاريخ 30 ديسمبر 1984 مع مجموعة من الشباب الضحايا المعروفون بمجموعة بنو هاشم
• السيدة ايد جمي
الغالية المزدادة باكدز بتاريخ 25 مايو 1961 كانت ضحية اختطاف و اختفاء قسري بتاريخ 20 نوفمبر 1987 أثناء التهييء لمظاهرة بمناسبة زيارة لجنة من الأمم المتحدة مكلفة بالبحث و إيجاد حل لتسوية نزاع الصحراء. و قد مرت من عدة مراكز سرية للاعتقال PC CIM و ثكنة البير على شاطئ العيون و سوف يطلق سراحها بتاريخ 19 يونيو 1991
• فؤاد المومني
المزداد ببركان بتاريخ 20 فبراير 1958 عرف الاعتقال التعسفي بداية من مراهقته يوم 31 مايو 1977، محاكمة الطلبة لسنة 1977، احتجز لمدة ستة أشهر بدرب مولاي الشريف ثم تباعا بسجون عين برجة و لعلو أطلق سراحه يوم 8 مارس 1980 و اختطف مجددا خلال سنة 1983 حيث قضى أربعة أيام بالمعتقل السري درب مولاي الشريف و سوف يطلق سراحه يوم 21 ديسمبر 1984 و سيبقى محروما من جواز سفره إلى حدود سنة 1992
• عز الدين حورى
المزداد بالدار البيضاء بتاريخه فاتح ديسمبر 1963 اتهم من أجل محاولة قلب النظام ضمن مجموعة 71 و حكم بعشرين سنة سجنا يوم 31 يوليو 1984 تنقل بين العديد من مراكز الاعتقال درب مولاي الشريف سجن أسفي السجن المركزي بالقنيطرة و أطلق سراحه يوم 21 يوليو 1994
• السيدة خديجة آنا لوسيا ييغيزيني،
إيطالية زوجة المعتقل بريطل أبو القاسم المزداد بالدار البيضاء سنة 1967، هاجر إلى ايطاليا منذ1999 اعتقل أول مرة بالباكستان يوم 10 مارس 2002، عذب و استنطق من طرف الأمن الفدرالي الأمريكي ف بي آي بإسلام أباد. سلم للسلطات المغربية من طرف الأمريكان ليلة 24 إلى 25 مايو 2002 و نقل إلى مركز تمارة من عناصر مديرية المحافظة على التراب الوطني حيث قضى في العزلة تحت التعذيب و الاستنطاق 8 أشهر إلى حدود يوم 11 فبراير 2003 أطلق سراحه دون متابعة لكن دون جواز سفره الإيطالي و سوف يعتقل يوم 16 مايو 2003 في حدود باب مليلية رغم توفره على وثائق المرور مسلمة من طرف السفارة الإيطالية حوكم في إطار قانون الإرهاب يوم 3 أكتوبر 2003 بخمسة عشرة سنة سجنا نافذا و خفضت استثنائيا إلى 9 سنوات يوم 7 يناير 2004 و قد رفض النقض المقدم من طرفه خلال شهر أكتوبر 2004 و يوجد الآن معتقلا بسجن سلا.
لقد كانت الحصة الزمنية المخصصة لشهادات الضحايا لحظات أعادت أمام أعين الحاضرين معاناة المواطنين و المعتقلين طيلة فترة الاستقلال حيث أبشع أنواع التعذيب خارج نطاق القانون إن المعاناة التي وصف الشهود جزءا يسيرا منها لا يمكن أن تعوض بثمن و هي فوق أن تستطيع هيئة مثل هيئة الإنصاف و المصالحة أن تعوضها. لقد كان جميع الشهود واضحين في ضرورة كشف الحقيقة كاملة أولا قصد تحديد المسؤوليات الجماعية و الفردية و اعتراف الدولة بما ارتكبته خلال سنوات الرصاص و تقديم اعتذار للشعب المغربي و للضحايا.
كما أن الضحايا أثناء شهاداتهم، إضافة إلى التعذيب الذي تعرضوا له في مخافر الاعتقال ركزوا كذلك على أدوار خطيرة كان يقوم بها المهنيون الطبيون سواء من حيث المساعدة على التعذيب أو إعطاء المشورة لمدى قدرة تحمل أي شخص للتعذيب ثم غياب الضمير المهني حين يعرض المعتقلون لدى بعض المهنيين الطبيين إضافة إلى بعض القضاة سواء قضاة التحقيق أو قضاة الحكم أو النيابة العامة و المعاملات التي يتلقونها منهم ليس بخصوص الأحكام و إنما المعاملات و الاستفزاز إلى غيره.
إنها لحظات فعلا كانت فيها الحقيقة تخرج من هذه الشهادات بدون قيود. و قد ذكرت العديد من الأسماء للمسؤولين عن التعذيب و مسؤولياتهم و منهم طبعا من لازال يمارس وظيفته على مستويات عليا و كأن شيئا لم يتغير في هذا الوطن
2- شهادة الأستاذ أحمد بنجلون
أوّلا أتساءل لماذا استدعتني الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أنا شخصياً، للأداء بشهادة من بين آلاف المناضلين في هذه البلاد السعيدة والذين تعرضوا إلى عدّة أنواع من الإنتهاكات الجسيمة. … أنا شخصيا كنت مناضلا، له أهداف نبيلة لصالح هذا الوطن ولصالح هذا الشعب. ربما ارتكبت جريمة في حق القانون الجاري به العمل آنذاك. وبعد اعتقالي كان عليّ أداء الثمن، وكان من الممكن أن يحكموا عليّ بالإعدام (كنت متهماً ب 3 تهم عقوبتها الإعدام)، وأنا أعتبر نفسي محظوظاً عدّة مرّات لأنه كان في الإمكان أن أكون من مجهولي المصير. لكن الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضدنا نحن عليهم هم كذلك أن يُحاكموا ويؤذوا هم كذلك الثمن.
• صعوبة الإدلاء بالشهادة
… تريدون شهادتي أمام العموم، ولكن لا أدري هل تعلمون ما هو مدى قسوة تواجدي أمامكم. فلا يمكن أن تتصوروا حتى ولو شاهدتم كل أفلام الرعب ولو يأتون بإميل زولا أو ببالزاك أو المنفلوطي أونجيب محفوظ... لأنه يعز نهائياً وصف ذلك دون معايشته. وفي هذا الصدد ألاحظ أن مختلف الشهادات تمرّ مرّ الكرام على وصف المعاناة وأساليب التعذيب والتنكيل، أما أنا سأحاول الوقوف على النزر منها لكن عليكم إخراج الأطفال من القاعة [... ضحك في القاعة] لأنه لا يجب على الأجيال المقبلة أن يمتلكها الفَزع والرعب حتى يكونوا مثلنا، حيث كنا نواجه المجهول ولم نكن نعرف ماذا سوف يصيبنا، ولكن واجهناه. وهذا لم يُرِد أن يفهمه المخزن رغم أنه يتوفر على مستشارين في هذا المجال... لي يُرِد أن يفهم أن الذئب إذا أصبته الضربة في اليوم الأول لم يَعُد يخاف، إنّه يخاف حينما لا تصبه الضربة.
• حذاري من البكائيات و" الكاتارسيس..."
… قد تبدو جلسات الاستماع كنوع من البكائيات. علماً أننا كمغاربة لنا نوع من الحشمة لذكر ما جرى لنا وحديث المرء على نفسه. وفي هذا الإطار أدعو من له الوقت والإمكانيات الفكرية والمال أن يتفرغ للقراءة والكتابة والتدوين والنشر فيما يخص هذه الإنتهاكات. إن الإدلاء بالشهادة في هذا المجال ليست بالعملية السهلة كما قد يعتقد البعض. إنها على العكس من ذلك عملية صعبة للغاية. فليس من السهل الجلوس أمام الجمهور وحكاية مآسيك ومآسي الآخرين، رغم أنني من بين الآلاف الذين اختطفوا وعذبوا وبعضهم اغتيل، وتعرضت حقوقهم لأشرس الانتهاكات. … وأوّل ما وضعت على نفسي الإشارة إليه هو التحذير في مثل هذه الجلسات من السقوط في نوع من البكائية الجماعية حول ذلك الماضي الأسود لبلادنا وحول ما تعرضت إليه الجماهير الشعبية والمناضلون الشرفاء في هذا البلد. أي السقوط في نوع من "الكاتارسيس"، كما كان الأمر عند اليونان القدامى، إذ كانوا يجتمعون في ساحة "لاكورا" بآتينا، للتباكي على الذنوب وعلى الشوائب التي تشوب نفوسهم، أو مثل الشيعة الذين يقيمون كل سنة "المندبة" على أهل البيت. أو نسقط في إزالة ذلك الطابع الدرامي حول تلك المآسي التي عاشها الشعب المغربي. أو نسقطها في الابتذال. ويبدو لي هذا ما يهدف إليه (ثانوياً) "براين تروست" المخزن حالياً. وربما قد يكون المقصود هو أن نأتي ونحكي ما جرى حتى يخاف الآخرون. يعني أن هناك جملة من المسائل والأفكار توحي بهذا. وتحوم في نظري حول هذه القضية مغالطة كبرى. وهي أوّلا الإيحاء بأن نظام الحكم في هذه البلاد كان ديمقراطياً أو مستعداً أن يكون ديمقراطياً ولكنه على كل حال ارتكبت بعض الأخطاء والانتهاكات يمكن إصلاحها وجبر الضرر المحيط بها، إلى آخر تلك اللهجة التي أضحت متداولة في الآونة الأخيرة. بل هناك من قدماء المعارضين أنفسهم مَن يروجون للفكرة القائلة أن المعارضين والشعب المغربي والجماهير الشعبية هي التي دفعت النظام إلى ارتكاب تلك الأخطاء، وهاهي بعض الأمثلة:
ـ شهداء "الكوميرا" كما وصفهم إدريس البصري في البرلمان في مظاهرات 20 يونيو1981 ـ تلاميذ 23 مارس 1965 الذين أراد يوسف بلعباس طردهم من المدارس ـ فقراء يناير1984 الذين نعتوا بالأوباش ـ كادحو أولاد خليفة بالغرب في السبعينات والقائمة طويلة، وهذا كله بدأ بمجزرة الريف سنة 1958
إذن الشعب المغربي وقواه الحية هي التي كانت على خطأ والمخزن هو الذي كان على صواب، وفي هذا الصدد تحضرني تلك المقولة السخرية لبرخت، ذلك المسرحي الألماني الشهير، الذي قال: " عندما يفقد الأمراء الثقة في شعوبهم ينتخبون شعوباً جديدة".
• الحقيقة الأولى...
إن النظام كان قائماً على القمع والتعذيب والاغتيالات والاختطافات والفساد ونهب الأموال وثروات الشعب وعلى إمتيازات الريع وعلى الاستبداد المخزني. وبطبيعته لا يمكن أداء وظيفته إلا بهذه الوسائل اعتباراً لنهجه اختبارات لا ديمقراطية ولا شعبية قائمة على التبعية وعلى الاستغلال الطبقي وعلى التجويع والتجهيل وعلى تفقير الفقراء وإغناء الأغنياء. وبالتالي فإن الشعب وقواه الديمقراطية في نهاية المطاف كانت في حالة دفاع شرعي، دفاع ضد الاعتداءات اليومية على الأفراد والجماعات. وإذا كنا نتحدث فِعلا عن الحقيقة، فهذه هي الحقيقة الأولى. ففي السياق التاريخي للعقود الخمس الماضية وجب القول بصراحة أن النظام هو المسؤول الأول عن تلك الانتهاكات ولا يمكن إلصاقها بهذا الشخص أو ذاك, العشعاشي أو الحمياني أو العنيكري أو إدريس البصري … إلا أن هذه المسؤولية لا تلغي مسؤولية الأفراد والأجهزة. وهذا ما يسميه البعض بحشمة مسؤولية الدولة. علما أن الدولة ستظل لكن عليها أن تكون دولة ديمقراطية, لكن نحن نتحدث عن طبيعة هذه الدولة والتي هي المخزن, وهذا صرحنا به من قبل منذ زمن بعيد, قبل أن تتاح مساحات حرية الرأي القائمة حاليا. وبالطبع هناك مسؤولية الأفراد كذلك لأن هناك أفراد ارتكبوا جرائم شنيعة ووحشية ضد مناضلي القوى الديمقراطية لفائدة النظام ولفائدة الاقطاع والأوليغارشية المالية التابعة لهم ولفائدة الإمبريالية, لاسيما في زمن الحرب الباردة. وهؤلاء الأفراد كانوا يجتهدون في " تبيين حنة أيديهم" كما يقال. وفي هذا الصدد أتذكر جيدا أنني تعرضت لعدة جلسات للتعذيب الوحشي لمجرد التعذيب فقط ولكسر المعنوية وكسر الشخصية ومكانة الفرد. وكان الجلادون يقولون لي "هذا فقط لتعرف من هو المخزن ؟ " وفعلا عرفناه … وفي هذا الصدد تحضرني تلك المقولة الميكافيلية الشهيرة " لاتقتل يا أيها الأمير إذا وجدت يدا أخرى لتضرب مكانك"
• المصالحة...طيب...مرحبا...لكن...
هناك دعوة للمصالحة … طيب ....مرحبا بالمصالحة ولكن مصالحة بين من ومن ؟ فهاهم الذين نسميهم ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان معروفين أو مجهولي المصير. فهناك العديد منهم مدفونين في المقابر الجماعية بالدار البيضاء في 1965و 1981 وفي الناظور وفي تطوان وفي سيدي يوسف بنعلي بمراكش لا نعرف عنهم أي شيء ومن حين لآخر يظهر واحد منهم. إذن هؤلاء معروفين ولكن المسؤولون عن تلك الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أين هم؟ يجب معرفتهم كذلك حتى نتصالح معهم لأنه لا يمكن أن نتصالح مع الأشباح … وهؤلاء المسؤولون, هل هم أفراد أم أجهزة؟
• الاعتقال … الرحلة إلى الجحيم …
اعتقلت بمدريد باسبانيا وسلمت للسلطات المغربية, وكان من الممكن أن أكون مجهول المصير مثل المهدي بن بركة أو الحسين المانوزي ومناضلين آخرون لازالوا مجهولي المصير إلى حد الآن. إلا أنني علمت بعد ذلك أن الصفقة كانت هي إبقائي على قد الحياة ومحاكمتي في ظروف جد مؤثرة. والشهادة لله لم ألي:لو صفعة واحدة وفي الديار الاسبانية عندما كنت ضيفا عند الأمن الاسباني رغم النظام القائم كان فاشستيا ورغم أن الاسبان كانوا يشكون في وجود علاقة بيني وبين تنظيم "ايطا" ETA آنذاك, ولو صفعة واحدة.ماعدا أنهم قالوا لي: "سوف نسلمك لمن سيتفاهم معك, هو الجنرال أفقير". وفعلا نقلت إلى المغرب على مثن طائرة عسكرية يوم الأحد 15 فبراير 1970 بعد أن قضيت أياما بسجن كرامنصيل بمدريد. في ذلك اليوم أخذوني رفقة خالي موح (سعيد بونعيلات) من السجن إلى إدارة الأمن ومن ثمة إلى المطار. وكان المحامي قد زارنا بالسجن يوم الجمعة 13 فبراير وأخبرنا برحيلنا إلى المغرب. من مدريد بدأت الرحلة إلى الجحيم على طائرة عسكرية, وكان يقودها حسب ما سمعت, عبد المالك الباروكي وهو من دمنات, قبطان آنذاك. وبالطائرة وأنا مسلسل من عنقي إلى رجلي قال لي محمد العشعاسي, طيب الله تراه(0ضحك في القاعة … ): "....إيوا دروك راك غايه..." وسأظل مسلسلا 15 يوما في دار المقري. عندما وصلت إلى دار المقري,آتيا من مدريد ,استنطقني محمد أفقير شخصيا. خلال تلك اللحظة صفعني أحدهم باليدين معا, فانزلقت العصابة السوداء شيئا ما, فتعرفت على الجنرال, لكنني طأطأت رأسي توا وبسرعة ولم يلاحظ أنني رأيته. وإلا كان من الممكن أن أكون مدفونا بجنان دارالمقري, علما أن الجنرال محمد أفقير كان هو الرجل الثاني آنذاك بالمغرب.
• آليات التعذيب والتنكيل وسحق الصفة الآدمية …
(في خضم حديثه عن المآسي, ومن حين لآخر, كان الأستاذ أحمد بنجلون يعرض وصفا كاريكاتوريا للرعب السائد, وكل مرة كان الضحك يسود في القاعة ) … اضحكوا... لأن الضحك غير ممنوع, لأنه في قاع الجحيم كنا كذلك أحيانا نضحك. وفي هذا الصدد أحكي لكم أقصوصة. كان هناك جلاد كبير اسمه عبد المجيد القباج, أصيب في نهاية مطافه بمرض هايزيمر, وبعد أن تعفنت رجلاي بعد شهر و 17 يوما من الجحيم. وقام بوبكر الحسوني (الذي كنا نسميه الدكتور) بجرحهما لإفراغهما, فأغمي على أحد الحجاج(الجلادين) لأنه في تلك اللحظة كنت ميتا اكلينيكيا. وكان عبد المجيد القباج من مراكش سليط اللسان وعندما أفرغ الحسوني قدماي وفاض الدم الأسود والقيح على الأرض وظهرت به ديدان تتحرك, قال لي القباج: " عَنْدَاكْ تَحْسَبْ دِينْ مُّوكْ صَافي رَاهْ سْلَكْتي … هَادْ المرة غادي نَخَرْجو لك الجْرادْ من رْجْلَكْ..." لم أشعر … فضحكت, وفعلا كانت نكتة رعب في ذلك الجو. ولم ينته الأمر عند هذا الحد. كنت فعلا في وضعية سيئة جدا ولم أكن أقوى على تحريك أطرافي. ورغم ذلك علقوني من جديد, تعليقة الديك, الرجلين إلى الأعلى والرأس إلى الأسفل, وبدا الضرب, القباج يضرب والحاج السيرين يضرب, والجبيلو الطيبي يضرب وكان رئيس المكلفين بالضرب. وبين الفينة والأخرى كان عبد المالك الحميري يأتي ليتفقد هل اعترفت بالسلاح وبباخرة السلاح التي تبخرت في محاكمة مراكش كما قال المرحوم الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد, والتي لم يعثروا لها على أثر إلى حد الساعة. … لحظة أخرى من التعذيب … كنت معلقا, « تعليقة الطيارة" آنذاك كنا نسميها "أبولو" وحاولوا الضغط علي نفسيا … وأنا معلق … منهك منخور القوى … قال لي عبد المجيد القباج: " غَادي تْكَلّمْ وَلاَ غَادي نْجيبو أمك وْغادي نْفَعْلو لْها كذا … وكذا... " ورغم الألم الفظيع, التفتت في اتجاه مصدر الصوت وقلت:" كُون ما كُنْتيشْ وَلْدْ القَحْ... ما تْقولش هادْ لَكْلام..." ساد الصراخ ثم صمت رهيب … بعد ذلك أنزلوني وذلك اليوم انتهى بدون مزيد من التعذيب. وكان معنا الأستاذ عبد الله بومهدي, وكان ابنه الرضيع اسمه معاد... جاؤوا بدمية وغلفوها بملابس حقيقية وقالوا له:" … دين أمك غير تكلم ولاَّ رْميوْ ولدك … " ومن ثمة فقد المسكين عقله حتى مات. وعودة إلى فصل من فصول المحنة … بعد وصولي إلى دار المقري مكثت بها شهرا و 17 يوما, قضيت منها أسبوعا بالمستشفى العسكري بعد أن نقلوني إليه نظرا لتدهور صحتي. ومن شرف على فحصي هناك؟ إنه إدريس عرشان, رئيس هيئة الألهم:المغاربة بحضور بوبكر الحسوني.آنذاك غضب الجنرال الطبيب وقال لهم: " si vous voulez le garder il faut le ménager" ولازلت أتذكر حرفيا هذه العبارة. وخلال هذا الأسبوع " علفوني " جيدا كنت أتناول أقراصا تحدث لي جشعا رهيبا في الأكل. وفي نهاية الأسبوع حضر بوبكر الحسوني وصرح: "bon pour le service " ثم نقلت من جديد إلى دار المقري وبدأت مسيرة التعذيب من جديد والتي دامت 4 شهور إضافية. وبعد 9 أشهر قدموني لقاضي التحقيق والضمادات لازالت برجلي. في الواقع إن الجلادين عندنا مدربون على جملة من الأساليب والطرق, ويعملون كأنهم في مصنع. فهناك مهندسو وتقنيو التعذيب و " التكرفيص" على عباد الله. وتجب الإشارة أنه كانت عدة جلسات تعذيب, يكون فيها سائدا صوت واحد يتكلم فقط, بالعربية أو الفرنسية, ونشعر أن هناك شخصية كبيرة حاضرة, ونحن نتعرض للتعذيب.
• شهادة جريئة من قلب الجحيم...
وبخصوص الشهادة وكشف المسؤولين, أنا بعثت بشهادة حول دار المقري في سنة 1972 وكنت لازلت في قبضة الجلادين وذكرت فيها أسماء الجلادين.وهي الرسالة التي أذيعت في صوت التحرير بإذاعة ليبيا ونشرت في الصحف الأجنبية. ولم أوقعها باسمي لكنهم سيعرفون بسهولة كاتبها من خلال الأسلوب وبعض العبارات مثل "l’enfer c’est les autres « حيث فعلا الجحيم ليس هم الجلادون وإنما نظرة الآخر إليك, هل ستصمد أم لا؟ نظرة رفاقك إليك, وهنا تحضرني مقولة اندري مالرو في مرثية جون مولان عندما نقلوا رفاته إلى الباتييون إذ قال:" تحية لجون مولان, تحية لكل الذين لم يتكلموا وتحية للذين تكلموا" فنحن لا نحكم على أي أحد, لأنه في تلك الظروف لا يمكن مطالبة المرء أن يكون بطلا, ولكنني كنت بطلا.
• تكرار الجحيم …
بعد مرور 10 سنوات تكررت التجربة ثانية. وفي سنة 1980 اعتقلت من جديد … وقع هجوم في غفسة بتونس فاعتقلوا بعض الذين صعدوا إلى الجبل بالمغرب سابقا … وبدأ التعذيب والسؤال عن السلاح … ونفس الأشخاص … سي محمد العشعاشي وزي وغيرهما. فكيف والحالة هاته سأقتنع أن هذا لن يتكرر مرة ثالثة ورابعة … بالمغرب؟ ومن يمكنه أن يقوى على إقناعي بذلك؟ هل الذين يعتقدون أنفسهم أنهم " براين تروست" المخزن في امكانهم إقناعي بهذا؟
• كلمة … حول التعويض وجبر الضرر
هل تتصورون أن هيأة الإنصاف والمصالحة هي التي ستقيم مدى الأضرار التي لحقت بي لتحدد كم سأتقاضى من الدراهم؟ وهل يمكنها أن تتصور ذلك الجحيم ؟ وهذا دون الكلام عن ظروف السجن الدامية وحياة الدواب التي تعرضنا لها حتى في السجون العلنية.
• … وخلاصة القول …
يقال أن الذي يرقص لا يحجب وجهه … إن أردتم الديمقراطية يجب التوجه إليها مباشرة وبدون لف ولا دوران … دستور ديمقراطي … وإذا أردتم فعلا تكريس واحترام حقوق الإنسان عليكم الكشف على المسؤولين على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان … وهيئوا لمصالحة وطنية عبر ضمان حقيقي لحقوق الإنسان ومن خلال دولة الحق والقانون ومن خلال الاستقلال الحقيقي للقضاء... دستور ديمقراطي يضمن فصل السلطات … ومن خلال سياسة شعبية واقتصاد متحرر … اقتصاد تنموي حقيقي الذي يخلق فرص الشغل ويقضي على الفقر والحد من البطالة … والتحرر من العولمة ومن قبضة أمريكا وإسرائيل … هذه هي المصالحة الحقيقية لأننا على هذه الأشياء ناضلنا وضحينا … وبسببها تعرضنا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على امتداد السنوات الرصاصية … وإذا تم توفر هذا " الله يسامح في التعويض"
3- شهادة أرملة أمين التهاني
قتلوا زوجي و ضغطوا علي للتعامل
في منتصف ثمانينات القرن الماضي كانت حملة واسعة من الاختطافات والاعتقالات مسّت مناضلي "إلى الأمام" ومن ضمنهم زوجي أمين التهاني الذي كان إحدى قادتها آنذاك. وأنا كنت فقط زوجته وفِعلا كنت متعاطفة مع الحركة التقدمية وتواجدت في مكان اعتقاله. واعتقالي كان لأنني كنت زوجته. ففي 27 أكتوبر1985 ألقي عليّ القبض رفقة زوجي من طرف البوليس السري، وضعوننا في "الفاركونيط" وفي الطريق شرعوا في ضرب زوجي أمامي وأخذوني رفقته إلى درب مولاي الشريف. وبعد يومين سألتهم... وقلت أشعر أن أمين لم يعد في الدرب... فقالوا لي أنه شعر بمغص فنُقِل إلى المستشفى. فقلت مع نفسي من الأحسن له أن يكون بالمستشفى عوض الدرب. أُطلِقَ سراحي بعد أيام وسأعلم باستشهاد زوجي من جراء التعذيب الذي مورس عليه من طرف جلادي درب مولاي الشريف. وفي الواقع إنهم لم ينقلوه إلى المستشفى إلا بعد فوات الأوان [ كما حدث مع الشهيد عبد اللطيف زروال قبله] حتى يُقال أنه مات بالمستشفى وليس بالدرب. كان عمري آنذاك 27 سنة ولي رضيع في سن 8 أشهر وخبر وفاة زوجي نزل عليّ كالصاعقة في ظل جوّ من المحاصرة... المنزل محاصر... المراسلات مراقبة... الزيارات مراقبة... الأصدقاء معتقلين... والباقي منهم امتلكهم الرعب ويخافون الاقتراب منك إلا القلّة القليلة جدّاً. لكن في عملي شعرت بدفء تضامن أصدقاء العمل بشركة لاسمير حيث أعمل كمهندسة في وقت قام النظام فيه بقتل زوجي وحاول تضييق الخناق عَليّ حتى في لقمة العيش. إذ أن عامل المحمدية آنذاك، العفورة، تدخل لدي مدير لاسمير عبد الرفيع منجور وأوصى له أن يطردني من العمل لأن زوجي من قادة إلى الأمام. فكان رد المدير حاسماً وجريئاً حيث قال له: تلك السيدة تربطني معها علاقة عمل ومادامت تقوم بوظيفتها فهذا هو المطلوب منها، وإن صدرت منها أخطاء مهنية آنذاك يمكن النظر في القضية. وضروري في مثل هذه المناسبات الإشادة بمثل هذه المواقف، والتي ولولا لفكر المرء في الانتحار بفعل الحصار من كل جانب. آنذاك منعت على نفسي البكاء حتى تفادياً للتأثر على رضيعي، لكن طفلي لم يعرف معنى الأبوة. عندما كان صغيراً يسمع الأطفال يقولون بابا فاعتقد أن كل الرجال اسمهم بابا، وفعلا كان ينادي عليهم ببابا. وعندما بلغ سن الخامسة بدأ يتساءل فيأتي عندي ويسألني وكان عليّ أن أجيبه، قلت له أبوك مات ولم أقو على إخباره بالحقيقة كاملة. وبعد حين اتصلت بي مديرة الروض وقالت لي أن طفلي عنده مشكلة، ففي كل مرّة يقول حاجة عن أبيه، فمن هوّ أبوه وماذا يعمل؟ وبعد أن شرحت لها الأمر قالت سأربط لك اتصال بطبيبة نفسانية ويمكنها أن تنصحك. وهذا ما كان، ونصحتني الطبيبة بضرورة كشف الحقيقة لابني، كان الأمر عسيراً جداً، وبعد تفكير طويل بدأت الحديث معه بنكثة وقلت له، كان 3 جواسيس، أمريكي، ياباني ومغربي... أطلقوهم في الغابة وقالوا لهم عليكم الإتيان بالغزال في أقرب وقت. وبعد ساعات قليلة رجع كل من الأمريكي والياباني بالمطلوب. حل الظلام ولم يظهر للمغربي أثر، وبعد البحث وجدوه وسط الغابة... علق الذئب وأخذ يضربه طول النهار حتى يعترف له أين الغزال... هكذا شرحت لابني لكي يفهم أن المرء يمكنه أن يُعذب بدون سبب وذلك التعذيب قد يؤدي به إلى الموت. وفي الحقيقة ابني أيمن ضاع في أب خاص. وبعد أسبوع من علمي بخبر موت أمين كتبت تقريراً وأرسلته إلى فرنسا ونشرته الجرائد هناك وانكشف الأمر [Le c v d’un militant] وبعد ذلك زاد الضغط وتضاعفت المضايقات. فعلاً كنت أتعاطف مع الحركة التقدمية ولكن لم يكن لدي أي انتماء سياسي. وكنت مثل العديدين متعاطفين لأن الواقع لم يكن يعجبنا... ثروات ممركزة بين أيدي قلة قليلة... الأمية متفشية... المحاكم تحكم لفائدة أصحاب الأموال والنفوذ... دستور ممنوح يتضمن بنود غير متفقين معها... لهذا كنا نتعاطف مع الحركة التقدمية التي تسعى إلى تغيير هذا الواقع المزري. ولمجرد أنني متعاطفة وزوجة أحد قادة إلى الأمام أتحمل كل مخلفات الضغوطات و أنكوي بتضييق الخناق والمحاصرة فهذا أكبر ظلم يمكن أن نتصوره. منعت من جواز السفر بدون سبب وهذا المنع حرمني من إعادة بناء حياتي واضطررت إلى التخلي عن مشروع زواج. وراسلت الديوان الملكي في الموضوع وتوصلت بجواب مفاده أن طلبي أحيل على وزارة الداخلية للاختصاص. اتصلت بوزارة الداخلية فكان التملص من طرف جميع المسؤولين الذي قابلتهم. وفي الأخير طلبت مقابلة مع إدريس البصري. وفي الموعد المحدد قال لي مسؤول، إذا أردت جواز السفر عليك التعاون معنا، فكان جوابي: مهنتي مهندسة وكل واحد يقوم بعمله... وحتى لو قلت لك يوماً أنني سأتعاون معكم فلا تصدقني. والآن أتوجه إلى أعلى الهرم لأقول هاهي القضية الآن ستعرض على المحكمة، وننتظر صدور الأوامر ليكون التحقيق بصددها تحقيقاً حقيقياً والمساءلة، مساءلة حقيقية وذلك لكي يأخذ الملف مجراه العادي والكامل من أجل تحديد المسؤوليات. وهذا إذا كانت سنوات الرصاص فعلاً قد ولّت. وهذا هو المحك الحقيقي لكي نرى هل نحن الآن في سنوات فضة أو سنوات ذهب أم أننا مازلنا في سنوات الرصاص؟. وكذلك هو المحك الحقيقي لكي نقتنع بأن مآسي سنوات الرصاص سوف لن تتكرر، لأنه لازالت هناك جملة من التساؤلات قائمة. فهل يمكن القول اليوم أن التعذيب لم يعد يمارس في المخافر و بتمارة وغيرها؟ كما أنه لابد من ضمانات حتى لا تبقى هناك مساومات الناس في مبادئهم. علما أنني تعرضت إلى العديد من الضغوطات إلى حدود سنة 2004، وقد بلغت المساومات إلى حد لقمة العيش، كما تعرضت مرتين لمحاولات غامضة، مرّة وأنا في سيارتي في الطريق من مراكش إلى الدار البيضاء وأخرى بمنزلي، وكادت أن تؤدي حياتي، علماً أنني لا انتماء سياسي لي، وإنما لدي مواقف ومبادئ تجعلني لست مستعدة للتعامل مع الذين قتلوا زوجي، هذا كل ما في الأمر، وأدعوهم أن يتركوني ويكفوا عن مضايقتي، كما عليهم أن يبتعدوا عن ابني الذي أودع ملف القضية في المحكمة قصد النظر فيها. عليهم أن لا يضغطوا عليه، لأنه إذا كان أبوه شهيد سنوات الرصاص، وإذا كنت أنا زوجته تعرضت إلى مختلف المضايقات، فهو لا ذنب له نهائياً فيما جرى. ولم يختر أن يكون ابن شهيد. فإذا كنتُ أنا اخترتُ أن أكون زوجة مناضل، فهذا اختياري، وإذا كان أبوه اختار أن يكون في إلى الأمام اعتباراً لمبادئها، فذلك اختياره، لكن ابني لم يختر أن يكون ابن شهيد. وسنرى اليوم في 2005 كيف ستتعامل الدولة مع هذا الملف؟ بقلم إدريس ولد القابلة
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تازمامارت آكل البشر
-
ذلك الشباب
-
أداب مهنة الطب و حقوق الإنسان
-
الخط الأحمر الفعلي
-
مغرب ـ جزيرة ومغرب ـ محيط
-
ملف الشهيد عمر بنجلون لازال مفتوحا
-
مشروع قانون الأحزاب السياسية خطوة إيجابية وجب إغناؤها
-
ملف الاختفاء القسري من الصمت إلى طرح الإشكالية
-
هذا هو حال المثقفين المغاربة
-
ما زالت شركة التبغ تستبلد المواطنين بمباركة وتزكية الحكومة
-
ثقافة المواطنة وتجلياتها
-
الشهيد عمر بنجلون.... لابد من جلاء الحقيقة
-
هل حقق المغرب القفزة المنتظرة
-
مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير
-
لقاء مع السيد محمد الحراثي
-
هجوم على مكتسب الحق في التطبيب بالمغرب
-
مجتمع المعلومات بالمغرب
-
اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وأمريكا
-
الوحدة الترابية والدبلوماسية المغربية
-
الحكامة
المزيد.....
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
-
بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
-
بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
-
مذكرة توقيف بحق نتانياهو وغالانت: ما هي حظوظ تطبيق قرار المح
...
-
مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ترحب بالقرار التاريخي للمحكمة
...
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|