احمد هيبي
الحوار المتمدن-العدد: 1139 - 2005 / 3 / 16 - 09:45
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
القسم الثاني
تشدّد اليهود القدماء في علاقاتهم الجنسية, ووضعوا حدودا فاصلة بين الحلال والحرام. فما هو سبب ذلك؟ ماذا قالوا في الاغتصاب؟ وماذا في الاستمناء؟ وماذا رأوا في الزواج من الاجانب؟ وهل صحيح أن التوراة مليئة بقصص الاغتصاب وسفاح المحارم والشذوذ الجنسي؟ ولمحة قصيرة عن الحب في التوراة.
الاستمناء عند اليهود
والرغبة الجامحة في انجاب الاولاد، تحتم على المُشرّع اليهودي أن لا يُذهب سائله المنوي هدرا بدون فائدة، كما يحدث في عملية الاستمناء (العادة السرية) مثلا. وهذا هو أصل التحريم كما أظن في جميع الديانات أيضا. وقد يكون الاستمناء بهدف اطفاء نار الشهوة في حالة العزوبية، وعدم القدرة على الزواج محتملا, ولكن هدر الرجل سائله المنوي، مع وجود الزوجة القادرة على الانجاب, لهو الخطيئة الاعظم. (وبالفعل فان بعض مشرعي الاسلام يجيزون الاستمناء في حالات مخففة، كالمذكورة آنفا).
وبما أن التوراة هي كتاب قصص من الدرجة الاولى، فهي تستدعي في تحريم الاستمناء قصة شخص يدعى "أونان" اضطر ان يتزوج امرأة أخيه الميت، كما تقتضي الشريعة اليهودية (انظر القسم الاول من هذا المقال). ولكن لما كان أونان كارها لهذا الزواج، ولا يقرب امرأة أخيه سابقا, ويضن عليها بمنيه، خشية أن تنجب منه، فقد كان يهدر ماءه على الأرض بالاستمناء.
وكون فعل الاستمناء في العبرية (أ. ن. ن), مأخوذا من اسم أونان هذا، يوحي بفبركة القصة، بهدف شرح معنى التحريم، كما يحدث في الأساطير القديمة، ليس غير.
وعلى أية حال، فان أونان كان ابنا ليهودا بن يعقوب, (والد النبي يوسف الذي نعرفه). مات أخوه "عير" ، فطلب يهودا (الأب) من اونان ان يتزوج امرأة أخيه:"فقال يهودا لأونان، أدخل على امرأة اخيك وتزوّج بها, وأقم نسلا لأخيك. فعلم أونان ان النسل لا يكون له. فكان اذا دخل على امرأة اخيه أفسد منيه على الارض, لكيلا يعطي نسلا لأخيه, فقبح في عين الرب ما فعله، فأماته أيضا".
وكان لعير وأونان أخ آخر هو "شيلة" . فخشي الاب يهودا ان يدخل شيلة على زوجة اخيه، خشية ان يموت هو أيضا: "فقال يهودا لثامار كنته: أقعدي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلة ابني. لأنه قال لعله يموت أيضا كأخويه. فمضت ثامار وقعدت في بيت أبيها."
الزواج من غير اليهود في عرفهم
ورغبة اليهود في المحافظة على تميزهم العرقي, ادى بهم الى كراهتهم الزواج من اجانب. وفي قصة "طوبيا الحلاب"، للكاتب اليهودي المشهور "شالوم عليخم" (سلام عليكم), والذي عاش في أوروبا الشرقية, تحكي قصة يهودي فقير هو طوبيا الذي يرزق بعدد كبير من البنات، دون الاولاد. ويحدث أن ابنة لطوبيا تحب شابا مسيحيا من الجوار وتتزوجه, فيعتبرها أبوها خائنة ومنفصلة عن ملّة اليهود, ولا يعود يربطها به أي رابط.
ولكن حياة اليهود فيما يسمونه الشتات, وتفرقهم في جميع أقطار الأرض، جعل مثل هذا الزواج – زواج اليهوديات بأغيار - أمرا واقعا يستحيل منعه. ولكي لا يضيع الأولاد المتولدين من مثل هذه الزيجات غير المرغوبة, عمدت الشرائع اليهودية ودولة اسرائيل على رأسهم، أن تعتبرهم يهودا. وكان أكثر سؤال تشريعي يتناقش فيه اليهود في دولة اسرائيل – ولا يزالون - هو هذا السؤال، الذي يبدو لغير اليهود ساذجا، وهو "من هو اليهودي؟". حتى أقر الجميع أن اليهودي هو مبدئيا من كانت أمه يهودية. ( وعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن العرب في اسرائيل لا يخدمون في الجيش, ولا تحدث زيجات بين عرب ويهود، الا في حالات نادرة جدا, الا ان الدولة اليهودية تعمد الى اعتبار المتولدين من مثل هذا الزواج يهودا، حتى لو عاشوا مع آبائهم العرب. وغالبا ما تطالبهم بالتجند للجيش على هذا الاساس. وتنشط ضد هذه الزيجات مجموعات يهودية تعمل لفكها، من أجل نخليص اليهوديات من الوقوع في براثن الكفار!)
ويشبه هذا التشريع اليهودي بربط الولد بالام، ما نعرفه في التشريع الاسلامي الجاهلي الاصل - ربما - والقاضي بأن الولد للفراش. ما دام من الصعب التاكد من هوية الأب أحيانا!
ولكن اذا كان هذا هو حكم الزواج والعلاقات الشرعية بين الاغيار الذكور واليهوديات الاناث, فما هو حكم اغتصاب الاغيار ليهوديات مثلا؟ ان سفر التكوين يجيب عن هذا السؤال من خلال قصة اغتصاب يهودية تنتهي بمذبحة بشعة. والانكى من ذلك أن أبطال القصة من جهة اليهود هم النبي يعقوب واولاده. والقصة تروي ما جرى ل"دينة" ابنة يعقوب من زوجته "ليئة". رآها شاب كنعاني هو "شكيم ابن حمور الحوّي"، والذي كان ابوه زعيما في قومه ورئيس الارض كما تصفه التوراة، أعجبته "وأخذها واضطجع معها وأذلها" بلغة التوراة.
ولكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد، فشكيم تتعلق نفسه بالفتاة ويحبها ويلاطفها بعد ان ينتهي من اغتصابها. (وهو ما يوحي أنه لم يكن هناك اغتصاب البتة، بل تعرض شاب لفتاة يحبها). حتى أنه يعود الى ابيه ويفاتحه بموضوع الفتاة اليهودية, ويطلب منه ان يسعى لتزويجه منها. ويعرف يعقوب بالقصة من ابنته، قبل ان يعلم اولاده. "وسمع يعقوب انه نجّس ابنته دينة. وأما بنوه فقد كانوا في الحقل". (انتبهوا الى فعل نجس، وهو ما يدلك على أن المغتصب هو نجس - بعرفهم - حتى قبل أن يقوم بالاغتصاب!)
نهاية فاجعة
ويرضخ أبو شكيم لطلب ابنه, ويذهب الى يعقوب لكي يتكلم معه بشأن دينة. ولكن ابناء يعقوب، وكانوا حاضرين، يغضبون ويغتاظون جدا "لانه صنع قباحة في اسرائيل, بمضاجعته ابنة يعقوب, وهذا لا يصنع". وتكلم حمور (أبو شكيم) معهم قائلا: "شكيم ابني قد تعلقت نفسه بابنتكم، اعطوه اياها زوجة, وصاهرونا. تعطونا بناتكم وتأخذون بناتنا. وتسكنون معنا، وتكون الارض قدّامكم. اسكنوا واتجروا فيها وتملكوا بها. ثم قال شكيم لأبيها واخوتها، دعوني أجد نعمة في أعينكم. فالذي تقولون اعطي. كثّروا عليّ المهر جدا."
"فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر وتكلّموا. فقالوا لا نستطيع أن نعطي أختنا لرجل أغلف، لأنه عار علينا." (والاغلف هو غير المختون)
ويشترط يعقوب وأولاده أن يُختتن شكيم وأبوه وكل الذكور الذين في المدينة، والتي يقف على رأسها شكيم. ويقبل هؤلاء الشرط، وتنطلي عليهم الخدعة. وهذا ما يرويه سفر التكوين:"فحدث في اليوم الثالث، اذ كانوا متوجّعين, أن بني يعقوب ، شمعون ولاوي، اخوة دينة، أخذا كل واحد سيفا وأتيا على المدينة, وقتلا كل ذكر. وقتلا حمور وشكيم ابنه بحد السيف. وأخذا دينة من بيت شكيم، وخرجا.ثم أتى بنو يعقوب على القتلى ونهبوا المدينة، لأنهم نجّسوا أختهم. غنمهم وبقرهم وحميرهم وكل ما في الحقل أخذوه. وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل اطفالهم ونساءهم، وكل ما في البيوت."
والموضوعية التي تحكي فيها التوراة قصة الغدر هذه, مؤثرة. بل ان سفر التكوين ينقل للقراء غضب يعقوب على أولاده، ليس لما اقترفت أيديهم، بل خوفا من ردة الفعل المحتملة: "فقال يعقوب لشمعون ولاوي، كدّرتماني بتكريهكما اياي عند سكان الارض الكنعانيين والفرزين. وانا نفر قليل. فيجتمعون عليّ ويضربونني فأبيد أنا وبيتي. فقالا: أنظير زانية يفعل بأختنا؟"
وعلى أية حال، فان عقاب الاغتصاب في الشريعة اليهودية هو الرجم. الرجم الذي يؤدي غالبا الى الموت. أو هو رجم حتى الموت. وربما نلتفت في هذا المقام الى الأحكام التي يشرّعها "الراب موسى بن ميمون"، الحكيم اليهودي الذي عاش في كنف الثقافة العربية في الاندلس (الرمبام – كما يدعوه اليهود اختصارا), ومؤلف كتاب "دليل الحائرين" بهذا الشأن. ومنها أنه اذا جاء مغتصب، وطلب من فتيات يهوديات أن يعطينه واحدة منهن، ليغتصبها، ويترك الباقيات يذهبن لحالهن, يرفضن طلبه. والأفضل أن يغتصب جميعهن, ولا يتركن له واحدة بالاتفاق. وهذا واحد من المواقف التي ينبغي أن يقبل اليهودي الموت ولا يخطيء. (وهو مثل دارج في اللغة العبرية حتى يومنا هذا: يموت ولا يُخطي. "يهاريج وبل يعبور"
يتبع ..
#احمد_هيبي (هاشتاغ)