أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتاح مصطفي - فودكا ليمون للمخرج هنر سليم















المزيد.....

فودكا ليمون للمخرج هنر سليم


فتاح مصطفي

الحوار المتمدن-العدد: 1139 - 2005 / 3 / 16 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


فيلم فودكا ليمون انجز بإنتاج فرنسي وصُوِّر في قريتين كرديتين في ارمينيا وكتبه وأخرجه مخرج كردي، عاش بين كردستان العراق وايطاليا وفرنسا. لعل "فودكا ليمون" تذكير ضروري بين فترة واخرى بمعنى السينما. انه "درس السينما" اذا جاز التعبير، ليس من موقعه الفني بقدر ما هو من موقع اكتنازه لمعنى حرية السينما وتفلتها من اي تصنيف مسبق. لعل هذه المقدمة لم تكن لتصبح ذات أهمية لولا طبيعة العمل نفسه، إذ يحار المتفرج ايهما استعارة للآخر: الحياة الانسانية ام السينما. في معنى آخر، هل السينما اختزال للحالة الانسانية وتعميم كوني لها اينما وُجدت؟ أم ان تلك الحياة تمنح من جوهرها معنىً للسينما؟ في ذلك المكان الذي يضع سليم فيه شخصياته وأحداثه، تنتفي الجنسيات واللغات والحدود، فلا يعود اي منها هو الهوية او التعريف عن المحيط. فقط تلك التجربة الانسانية التي تحياها الشخصيات تصبح هي الخيط الذي يربطها بالحياة ويربطنا بالسينما. والمخرج لا يفعل شيئاً سوى تحسس الحياة من حول اولئك حتى عندما تبدو الاخيرة معدومة. تلاحم عجيب بين إصرار الشخصيات على الحياة وقدرة السينما على الخروج من شرايين تلك الحياة. تفاصيل صغرى تربط شخصيات الفيلم بالحياة كلها بعيدة غير ملموسة: ذكرى حبيب رحل عن الدنيا، مراسلات عزيز بعيد، ذكريات من زمن مضى... إنه الأمل. الأمل بالحياة رغم كل شيء. الامل البعيد غير المحسوس والغامض والمجهول الذي يقوم عليه كنه الوجود الانساني. وكاميرا سليم المتابعة بدون تدخل او كلمة او تعليق تلك الحيوات المعلقة على آمال ورغبات صغرى تقول في نهاية المطاف ان الحياة ليست سوى الشغف بها. فهي، الكاميرا، تطرح باستمرار أسئلة تصب في نهاية المطاف حول العيش والحياة. فهي إذ تتابع الرجل المسن في زيارته اليومية قبر زوجته والمرأة المتوسطة في قطعها المسافة عينها في الصقيع والثلوج من مكان عملها في كشك لبيع الفودكا وحتى المقبرة ذهاباً وإياباً كل يوم والرجل في قطعه مسافة طويلة لاستلام رسالة من ولده.. فهي انما تؤكد ان الرابط بالحياة شيء مجهول غير مدرك ولكنه هناك في داخلنا. من هنا ربما تتلاحم تجربة المخرج بتجربة شخصياته. فهو إذ يحاول استعادة بداية تشكل علاقته بالسينما يتذكر مرحلة قضاها في الكهوف وبين الجبال، يرويها في حديث الى "المستقبل" قائلاً:
"أعتقد علاقتي بالسينما وُلِدت في الطفولة من دون ان اكون واعياً لذلك. عندما هربنا، عائلتي وأنا، من الجيش العراقي من مدينتنا عقرة، استقرينا في الجبال وعشنا لبعض الوقت في الكهوف. كان والدي مفتوناً بالشعر، فكان يقرأ لنا كل ليلة من الشعر الكردي الكلاسيكي. لم أكن آبه كثيراً بذلك حينها الى ان فتح امامي ذات يوم كتاب شعر يتضمن لوحات فنية وكانت تلك المرة الاولى التي ارى الرسم فيها. وشرح لي والدي ان الشعر ألهم تلك الرسوم التي مازلت أذكر انها لنساء جميلات بلباسهن الملون. بدأت أسمع الشعر بينما انظر الى الصور وأحفظ. وثم بعد عودتنا الى المدينة، تعرّفت الى التلفزيون للمرة الاولى ايضاً الذي كان خالي قد اشتراه في اوائل السبعينات على ما أذكر. كانت كل الصور المبثوثة تمجيداً لصدام حسين وأحمد حسن البكر وأغاني القومية العربية. عندما انتهت صدمة الصورة الاولى، صرت أسأل نفسي: لماذا هذا الجهاز يتكلم العربية فقط بينما انا في كردستان؟ والواقع ان الفكرة الاولى التي خطرت لي هي اختراع صندوق، اي جهاز، يتكلم الكردية ويتحدث الى اهلي. ربما فكرت ان علي ان ادرس الكهرباء او ان أصير مغنياً ينشد أغانيه بالكردية على التلفزيون... اي ان فكرة السينما لم تكن واضحة ولكن كل تلك الافكار والأسئلة، اكتشفت لاحقاً، تصب فيها."
برغم ذلك، لم يدخل سليم السينما الا آواخر التسعينات بعد ان كتب السيناريو الاول له عام 1997. "في الفترة الاولى، مارست الرسم" يقول ويكمل "بعض الجامعات في العراق لم يكن يقبل بالاكراد بسهولة لذلك هربت مطلع الثمانينات الى ايطاليا حيث درست هناك ولكن ليس السينما ومن ثم انتقلت الى فرنسا."
اذا كان "فودكا ليمون" بما يحمله من تجربة انسانية عميقة هو تعبير عن الحياة في اشكالها كافة، فإن المخرج يؤكد "لا املك أية فلسفة اريد تمريرها من خلال السينما. افلامي تبدأ بجملة او بصورة وليس من شيء ذهني او رأي فكري. وأقولها لك بصراحة، أبدأ الكتابة ولا أعرف الى أين سأصل او عن ماذا اكتب وذلك لا يتغير حتى بعد اكتمال السيناريو. فأنا الى الآن لا اعرف عن ماذا يحكي فودكا ليمون!" أقول له انه يحكي عن الحياة وتواصل التجربة الانسانية بصرف النظر عن المكان والجنسية. يطرق مفكراً ثم يقول "لست موضوعياً ابداً. اي ان اختيار ارمينيا لتصوير الفيلم ليس محاولة واعية تماماً لمحاولة نفي الحدود والهويات. أحياناً أنسى من هي شخصياتي ومن اين تأتي. وفي أحيانٍ اخرى اكون واعياً تماماً الى انها كردية."
في تقديمه الفيلم ليلة الختام، قال سليم جملة واحدة: "في كل مرة أبدأ بكتابة سيناريو، اقول لنفسي سأصوره في كردستان وفي كل مرة اكتشف من جديد استحالة ذلك." لماذا تكرر ذلك وانت تدرك في العمق انه غير ممكن؟ أسأله. "أحتاج الى خداع نفسي" يجيب. "أحياناً تكون هذه الفكرة الوهمية هي التي تحركني لأكتب. هناك دائماً طاقة إيجابية، تدفعني تثيرني فأبدأ من الملموس، كردستان ربما، وأبحر بعد ذلك لا أعرف الى اين."
برغم تحرر الفيلم من الانتماء الى مكان محدد او افكار معينة، لا يسع قارئه سوى البحث عن ملامح دالة على رموز ذات صلة بمكان او بثقافة او بجنسية والسؤال: الى اي حد يشبه اولئك شخصيات عرفها المخرج في طفولته؟ ما هي الصور التي يحملها من كردستان ويكررها في افلامه؟ "ذكرياتي عن كردستان كلها بيضاء باستثناء لباس والدتي الاسود." هل يقصد بـ"بيضاء" الفرح؟ ام الضبابية؟ لا يجيب يكتفي بالقول "الاسود هو كل ما اورثنا إياه نظام العراق." لعل من هذا الكلام، ينطلق الفيلم بمزيج من الفكاهة الساخرة والدراما. الاولى تنبع من الموقف او من طبيعة بعض الشخصيات اللاذعة والثانية من مصير الشابة التي تمتهن البغاء وتشكل صدمة الفيلم غير المتوقعة: "أحتاج الى قليل من الفكاهة الساخرة لأنها من آداب اليأس. كما انها تعكس نظرتي الى الحياة والسينما. اما عن الصدمة الدرامية كما اسميتها، فهي جزء من طريقة كتابتي السيناريو بحيث لا أكشف كل العناصر المتعلقة بالشخصيات او بالأحداث. أضيفي الى ذلك ان سيناريو فودكا ليمون ليس كلاسيكي التركيبة. فهناك شخصيات تظهر ونلاحقها لبعض الوقت ثم تختفي لنعود اليها لاحقاً. أعتبر ذلك ممارسة حريتي في كتابة موضوعي بالطريقة التي اريد وليس بالاسلوب الذي يفرضه شباك التذاكر او الصناعة." لا يستغرب المخرج ان يجد دائماً الطريق الى انتاج افلامه كما يريدها هو "فلنقل انني محظوظ. استطيع عمل افلامي بالطريقة التي اريد وان اعمل في البلد الذي ارغب." ويشير الى ذلك التنوع في جنسيته وجنسية افلامه بانه "فخر لأوروبا ان تنفتح على الفن والثقافة بما هو نقص كبير لبلداننا." على ان ذلك الكلام على الجنسية والهوية يقلق سليم بعض الشيء لجهة تبسيطه الامور: "الاعلام ينظر الى موضوع جنسيتي وجنسية افلامي من منظار تبسيطي يحد من افق السينما. انا كردي مثلما هذا ماء وذلك هواء. اي ان ليس في الموضوع إيجابية او سلبية. استطيع ان اعمل فيلماً عن الرياضة او الموسيقى او عن قصة في اليابان. لم أقل لنفسي يوماً ان كرديتي تحتم عليّ معالجة القضايا الكردية. الآخرون يذكرونني بأنني كردي بنظرة ربما او بموقف كأن أُمنع من دخول تركيا مثلاً. لا أحمل أية رسالة حول هذا الموضوع ولا أهرب من كرديتي كما انني لا أركض نحوها."
يؤكد المخرج انتماء سينماه الى الحالة الانسانية "التي تهمني بصرف النظر عن الحالة الكردية. في أرمينيا، رأيت اشياء هزت مشاعري وهذا ليس نتاج حالة فكرية او ذهنية. احياناً يمكن فتاة ترقص في الملهى ان تهزني وتدفعني الى الكتابة. أقصد ان السينما عندي هي تعبير عن كل اتجاهات الانسان ليس الفكرية فقط."
يوافق سليم على علاقة السينما بالمكان وعلى ضرورة ان تحمل خاصيته. "فودكا ليمون" هو في احدى حالاته التحام مع ذلك المكان الخارج منه، سواء أهو ارمينيا ام القرية الكردية فيها ام الناس المزيج من اكراد وارمن وروس. على ان ذلك الالتحام يأتي من دون ادعاء. فهو أقرب الى نقل رائحة المكان اي كنهه الذي يصعب وصفه بكلمات ولكنه يضرب عميقاً في الاحساس. يبدو غريباً ذلك الاحساس في ظل جهل المتفرج بالمكان وغربة المخرج عنه كذلك. كيف نشعر بتلك الخاصية بينما نحن لا نعرف القرية ولا أهلها؟ وما ادرانا انها بالفعل خاصية المكان؟ كيف يشيد المخرج احساسه ذلك بالمحيط من دون ان تبدو نظرته خارجية او مقحمة؟ وفي المقابل من دون ان يدعي المعرفة؟ هل هو الاحساس الاولي الذي يقوده؟
"لا أسأل نفسي اي سؤال" يقول مجيباً "من شأنه ان يحدد رؤيتي او احساسي بحسب مقاييس جاهزة. لا أنظر بعين الغريب الى اي مكان ولكنني أدرك في اعماقي انني غريب في كل مكان حتى في بيتي. في داخلي منبّه. أحياناً يصح الشعور الاول وأحياناً لا. اباشر العمل عندما أشعر انني فهمت شيئاً، التقطته وأستطيع قوله بعيداً من اي تحليل سوسيولوجي او سيكولوجي. أحكي عن الانسان في كل مكان." من هنا ربما، وُصِف الفيلم في صحف عدة بأنه افضل تعبير عن ارمينيا بعد الشيوعية. وكتب أحدهم في البرازيل، انه كان ليظن أحداث الفيلم وشخصياته برازيلية لولا الثلوج التي تغطي المكان. "الفقر عامل مشترك بين مناطق كثيرة في العالم والظرف الانساني في ظله يبدو موضوعاً كونياً. ولكن هذا لا يمنع إضافة خصائص المكان حيث تجري الأحداث."
بالعودة الى السؤال الاساسي الذي يمكن استشفافه من الفيلم حول درة السينما على التحول استعارة لحياة بكاملها، يبرز سؤالاً آخرآً جوهرياً: أيهما كان دافع المخرج الى سينما من هذا النوع؟ هل هو ترحاله الدائم ام هي نظرته الى السينما كفنٍ يحتوي العالم؟
"أعتقد ان هذه السينما نابعة من إحساسي بأن ما يربطني بالارض هو فقط حذائي. عدم الاستقرار والمنفى وبمحاذاتهما السينما هي مكونات حياتي والسينما التي أصنعها."
توقف الحديث مع هينر سليم هنا. كان على اهبة الاستعداد للحاق بطائرته الى فرنسا. ولولا ذلك، كان يمكن ان يطول لساعات حول آرائه الطازجة غير المسبقة والصريحة. فهو إذ يهم مغادراً، يكتب لي عنوانه الالكتروني راجياً ان ارسل اليه المقالة. ثم يعترف بهروبه في مرات كثيرة من المقابلات والأسئلة "لأن الإجابة تتطلب أحياناً ساعات او لأنني أخاف ان افتح نفسي وأقول الحقيقة. لا أعرف كيف أقول الحقيقة ولا أريد قولها. ليست عندي اية مقولة او رسالة او حتى نموذج لعالم افضل أقدمه الى غيري. أعيش في الفوضى التي يعيش الانسان فيها منذ ملايين السنين...." ولعل من جماليات "فودكا ليمون" انه غارق في تلك الفوضى الجميلة التي برغم عبثيتها أحياناً تبدو حقيقية ومفهومة وقريبة من الاحساس بعيداً من اي ادعاء.



#فتاح_مصطفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مانو خليل يتحدث عن فلمه الكردي ـ الانفال باسم الله و البعث و ...


المزيد.....




- الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
- فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
- صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي ...
- التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي ...
- الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
- من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم ...
- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتاح مصطفي - فودكا ليمون للمخرج هنر سليم