|
العنصرية ... عنقاء الدهر ؟
مهدي بن سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 3940 - 2012 / 12 / 13 - 17:40
المحور:
المجتمع المدني
في القرن الخامس عشر بعد ميلاد المسيح - المسيح رمز الحب و السلام - مارس الأوربيون تجارة العبيد الأفارقة وكانوا يرسلونهم قسرا للعالم الجديد ليفلحوا الضياع الأمريكية . و من ابرز المناطق المصدرة للعبيد " الزنجيبار " بستان إفريقيا كما يلقبها الجغرافيون و صحراء الخير كما لقبتها الآن ؛ ومن هنا استمد السود لقب " الزنوج " . كما كانت النيجر و نيجريا موانئ تبيع السود و من هنا اتخذ لهم لقب " نقرو " ... و من العبودية القديمة انبثقت العنصرية الحديثة . و حتى بعد سن القوانين الدولية ضد العنصرية التي ظلت ككل القوانين البشرية مجرد حبر على ورق بقيت الأقليات العرقية تعاني الأمرين وسط مجتمعات ترفضهم من أجل لون البشرة في بادئ الأمر و لهذا فقد برز العديد من الناشطين الحقوقيين و السياسيين الذين يسعون إلى القضاء على الهزائم اليومية التي تعترض أبناء عرقهم يوميا ( مارتن لوثر كينغ و مالكوم اكس و روزا باركس و مانديلا ) ... فهل تحققت أحلامهم بالمساواة بين الناس بعد كل هذه السنين ؟
رغم أن عصبة الأمم جرمت العبودية و منعت بيع العبيد منذ سنة 1906. و تأسيس العديد من المنظمات الدولية التي تدافع عن حقوق الإنسان ، إلا أنها اتخذت شكلا آخر بمفهوم حضاري منمق بطريقة غير مباشرة في أغلب الأحيان تمثل في " العنصرية " ( العنصرية : أمها العبودية و أبوها الإنسان ) التي برزت و لا زالت كسلوك بشري شنيع ينتهج التفرقة بين البشر و الأمثلة العصرية متعددة :
قوانين الفصل في جنوب إفريقيا ( أقلية من البيض يحكمون السود حتى منتصف التسعينات ) و الحركة الصهيونية ضد السكان العرب بفلسطين و الحركة العنصرية ضد اليابانيين في أمريكا خلال الحرب العالمية و حركة معاداة السامية ضد اليهود في ألمانيا النازية و العنصرية في الامبراطورية العثمانية وتركيا ضد الطوائف المسيحية أدت إلى حدوث العديد من المذابح و العنصرية ضد العرب و المسلمين في الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر و العنصرية ضد العمال المهاجرين و المجنسين في دول الخليج العربي و خاصة المملكة السعودية و أخيرا ما يتعرض له المسلمون في بورما ( ميانمار ) .
يعتبر كثيرون أن الرسالة قد تحققت وأن التفرقة العنصرية قد انتهت في اليوم الذي فاز فيه باراك أوباما بالانتخابات و هذا أمر مغلوط فالرئيس الأمريكي مجرد دمية سياسية أما العنصرية فواقع معيشي يتجلى في السلوكيات اليومية بين البيض و السود في كل بقاع العالم ... هل احترقت العنصرية أم أنها عنقاء الدهر ؟
تتخذ العنصرية شكلاً أكثر تعقيداً من خلال " العنصرية الخفية " التي تظهر بصورة غير واعية لدى الأشخاص الذين يعلنون التزامهم بقيم التسامح والمساواة ... و للتوضيح سنأخذ العالم العربي الذي يعتبر بعيدا شيئا ما عن هذه المعضلة الأبدية و خاصة تونس و شعبها المتسامح ... هل يعاني المجتمع التونسي من آثار العنصرية ؟ و هل بوعي منه أم بغير وعي ؟
و لأننا مجتمع مستهلك و لأن الإعلام أهم مخدر للناس فنحن ككل الشعوب نعاني نقصا في إعلامنا العربي و تخمة في المخدر الغربي، ولأن شخصية الإنسان تبنى أثناء الطفولة و تصقل في سنّ المراهقة ( حسب رأيي على الأقل ) ، و لا أعتقد أن أحدكم لم يشاهد سلسلة " توم و جيري " قط و فأر يتصارعان على مدار الساعة و بين الفينة و الأخرى تبرز الخادمة المنزلية لكننا لا نتبين وجهها بل ندرك بأنها سوداء البشرة ... ! و هذا ما ترسخ في أذهان الأطفال بصورة غير مباشرة و دون وعي مطلق ... ثم نكبر لتشدنا الأفلام الهوليودية التي كثيرا ما يموت الأسود فيا أشنع ميتة و قلما كان البطل أسود البشرة ، ونادرا ما تزوج فتى أبيض فتاة سوداء ( هل تتذكرون لقطة في مسلسل " مكتوب " إنها من الواقع يا سادة ) ، و نادرا ما تقلد أسود منصب حكومي هام سواء سفير أو وزير ( في تونس على الأقل ) و حين يجلس أسود بجانب أحدكم في مكان ما فلا يلبث أن يبدأ بالتململ كمن أصابه جرب . ثم لا ننسى ما يعانيه لاعبو كرة القدم السود في الملاعب العالمية من هتافات عنصرية و ما يعانيه العمال المهاجرين من عنصرية قاتلة خاصة في بلدان المال و ظاهرة " الكفيل " في السعودية التي تطمس إنسانية المرء تحت غطاء المال خير دليل و واقع حي ملموس ...
و كل هذا و ذاك متعلق بالأساس بمستوى الوعي البشري و ما علق في اللاوعي من أفكار مغلوطة - وسائل الإعلام كالوباء يصيب ضعيفي المناعة -
عبيد بالأمس كانوا ،
أحرار اليوم صاروا ،
و عبيد لا ريب غدا ... !
أ يا مانديلا : اعلم ... ،
بأنك أسودْ ... !
#مهدي_بن_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخمار في سيرة ابن هشام قبل تشريعه في القرآن
-
بن علي ... حقبة من تاريخ تونس
-
رئيس منتخب... و لربع قرن في عشر خطوات
-
لنشرب كأس الوطن بدون نخب ... و بدون سيكس
-
يوميات آخر مواطن تونسي
-
لم أرك يا أبي
-
لأننا فعلا عرب
-
حقيقة قناة حنبعل و سياسة العار
-
رسالة مباشرة إلى الشيخ الغنوشي
-
إلى الدين
-
8 مارس اليوم العالمي للعورة
المزيد.....
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|