ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 3939 - 2012 / 12 / 12 - 08:26
المحور:
الادب والفن
الجزء I :
تدور أحداث هذه الحكاية في أواسط الستينيات من القرن الماضي، حيث كان هنالك رجل في بداية عقده الثالث، ذي قامة متوسطة الطول، ووجه يشع بياضا تلتمع فيه عينان سوداوان تشيان بفطنة ونباهة صاحبها. وثغره الذي لا يفتر عن التمتمات بالتسبيح والقراءة يعلوه شارب دقيق أسود، وجبهته العريضة تزيد من نضارة الملامح. يداوم على لبس الجلابيب ويتعمم بالعمائم البيضاء. إنه إمام القبيلة وفقيهها الشاب الذي تتلمذ على يد المعلمين الفرنسيين الأوائل بمدرسة صارت الآن مقرا لإحدى الجمعيات.
وكان يسافر إلى منطقة "لبصارا" لحفظ القرءان أو "التخنيش" كما يسميه أهل المنطقة، وذلك على يد فقهاء شداد لا يتهاونون في تعليم طلابهم ولا يتساهلون معهم. وكانت تبدأ حصص المراجعة و الحفظ من فجر كل يوم إلى مغربه. ليعود إلى مضارب قبيلته بعد سنوات حافظا لكتاب الله داعيا إليه.
ولقد نصبه أهل المداشر المجاورة إماما لهم لصلوات الأعياد والتراويح والجنازات، وفقيها سيتكفل بتعليم جميع أبناء القبيلة القراءة والكتابة والحفظ. وبنوا لأجل ذلك غرفة صغيرة من حجارة وقصب وأخشاب جعلوها مسجداً ومدرسة. وكان لزاماً على أهل التلاميذ أن يدفعوا للفقيه أجرته الأسبوعية التي كانت محسومة في "أربعة دورو" أي عشرين سنتيما وقد تزيد عن ذلك حسب أريحية الأولياء مرفوقة في بعض الأحيان بقليل من السمن والبيض أو قطعة سكر. وبعد الحصاد يدفعون له "الشرط" وهو الأجر السنوي للفقيه وهو معمول به في جميع المدارس العتيقة منذ قرون خلت.
..
يتبع…
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟