عزام راشد العزومى
الحوار المتمدن-العدد: 3936 - 2012 / 12 / 9 - 15:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رؤية من داخل عقل الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية
إن الدين به سياسة ولكن السياسة ليس بها دين، والعلاقة بين الدين والسياسة علاقة قديمة عرفتها المجتمعات الإنسانية فى جميع مراحل تطورها حتى فى تلك الحقب أو الفترات التى تميزت بالثورة العلمانية ضد إستخدام الدين كأداة من أدوات كبت الحريات الفردية وهذا وللأسف ما يروج له الآن من أناس يزعموا أنهم من رجال الدين والدين منهم براء، بل وحت النظرة الماركسية إلى الدين بإعتباره أداة لتخدير الشعوب حيث تعنى التسليم ضمنيا بأهمية المتغير الدينى، وكيف أنه يقوم بتخفيف آلام الشعوب ولو من خلال إساءة استخدام الوظيفة السياسية للدين.
ولكن هذه العلاقة بين الدين والسياسة ليست بالعلاقة البسيطة حيث تتضمن العديد من القضايا والأبعاد، منها:
طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة هل هى علاقة تعانق وارتباط قد يصل إلى حد إحتواء أحدهما للآخر أم هى علاقة صراع تجعل من أحدهما يقف من الآخر موقف الرفض والتعارض الذى قد يصل إلى حد الإفناء والإستئصال.
ما هو الإطار أو الشكل لهذه العلاقة، هل هى علاقة قانونية رسمية، أم هى علاقة واقعية عملية حتى وإن لم تأخذ شكلاً رسمياً.
إن تباين نظم القيم السياسية الدينية، يتوقف على الإستقرار السياسى على مدى تعبير المؤسسات والممارسات السياسية عن هذا التباين فى نظم القيم.
وحيث طبيعة المجتمع المعنى بهذه العلاقة وخاصة من حيث الوحدة والترابط أو التعددية الدينية أو الإنقسامات داخل المجموعة الدينية الواحدة كما هو موجود بين التيارات الدينية فى مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا والسودان وغيرهم من الدول العربية الآن او ما يسمى بالإسلام السياسى، وبالتالى وحدة أو تعدد الرؤى والتصورات حول العلاقة بين الدين والسياسة فى مجتمعاتنا العربية.
وإزاء هذا نجد ان تجارب الإسلام السياسى فى الحكم فى كثير من الدول العربية والأفريقية قد باءت بالفشل وأدت إلى تقسيم بعض الدول مثل السودان والصومال ودستور العراق الحالى أسس وأصل لتقسيم دولة العراق إلى ثلاث مناطق وهى شمال ووسط وجنوب مبدأياً، ومسودة دستور ليبيا أسس للفدرالية وهو تقسيم أيضاً، والباقى فى الطريق إلا إذا خرجت الشعوب ومعها قواتها المسلحة لحماية وحدتها ومؤسساتها، وأقدم لكم نموذج يدلل على ما أقول.
قد حصلت الجبهة القومية الإسلامية في السودان على السلطة بموجب إنقلاب عسكري تم في يونيو 1989، وتركزت ملامح الخطاب السياسي على مفردات أساسية تتمحور حول مشروع حضاري إسلامي يعيد بناء الإنسان السوداني الصالح بقيادة وهيمنة الترابي وبدأت ملامح النخبة السياسية الجديدة تتكشف رويدا رويدا وظهرت على أنها نخبة إسلامية تنتمى للحركة الإسلامية السودانية وأن الإنقلاب العسكرى هو صنيعة النخبة الإسلامية، وبدأت النخبة السياسية فى القيام بعمليات الإحلال والإبدال لعناصرها فى مواقع الدولة والتى شملت بنك السودان ومؤسسة القضاء والمؤسسة العسكرية ووزارة الخارجية وغيرها وقد واجهت فى ذلك معارضة واسعة من قبل القوى السياسية الأمر الذى أدى لشعور النخبة الحاكمة بالعزلة الداخلية، وقد وقع هذا المشروع في عدد من الأخطاء الإستراتيجية:
الأول: حسم هوية السودان في إطار العروبة والإسلام دون إطلاق حوار وطني بهذا الشأن، وهو الأمر الذي قاد إلى قراءة خاطئة لمشكلة الاندماج الوطني في السودان, فتم اعتماد آلية الحسم العسكري ضد المناوئين للوسط النيلي, بدوافع التهميش الاقتصادي والسياسي في جنوب السودان وغربه. وبذلك انخرط في صراعات مسلحة في الجنوب والغرب ساهمت في استنزاف المشروع اقتصادياً, وانخرط في مفاوضات للسلم ذات طابع مراوغ إجمالاً, وفتح بذلك البوابات المناسبة للتدخل الخارجي وتدويل الصراعات الداخلية.
الثاني: استبعاد خيار التداول السلمي للسلطة عبر آلية الانتخابات النزيهة، وكذلك اعتبار كل المكونات السياسية السودانية غير مؤهلة للقيام بمهام ممارسة السلطة, فخرجت الأحزاب السياسة لتكون تحالفاً معارضاً من الخارج (التجمع الديمقراطي) وشهدت السودان هجرة للعقول غير مسبوقة ربما في تاريخه وذلك كله مع وجود ديناميكيات داخلية للنظام غامضة وملتبسة.
الثالث: غياب الموقف النظري بشأن سياسات ومناهج التنمية الاقتصادية, على نحو مثيل لمعظم حركات الإسلام السياسي, وكنتيجة حتمية انصاع النظام السوداني إلى خطط التكيف الهيكلي والخصخصة للاقتصاد المطروحة من جانب كل من البنك وصندوق النقد الدوليين, حيث تم اتخاذ هذه الخطوة بلا جدول زمني، فأعلن عن هذه الخطة في فبراير 1992، وقامت الحكومة ببرنامج خصخصة قاس استفاد منه بشكل أساسي النخب المسيطرة, وانسحبت بذلك من تقديم الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والبني التحتية، من هنا تزايدت الفئات الاجتماعية المهمشة في أنحاء السودان.
الرابع: السعي نحو دور إقليمي يدعم فصائل الإسلام السياسي في دول الجوار عبر آلية المؤتمر القومي الإسلامي, فدعمت الخرطوم حزب الجهاد الإسلامي الإريتري, وحزب الاتحاد الصومالي الذي يطالب إثيوبيا بإقليم الأوجادين, كما تم استضافة زعيم القاعدة أسامة بن لادن في الفترة من 1991- 1996، وتورطت في إيواء عناصر من الجماعة الإسلامية المصرية حاولت تنفيذ محاولة إغتيال الرئيس محمد حسنى مبارك في يونيو 1995.
وتفاعلت مجمل العناصر السابقة لتصنع طبيعة موازين النخبة السياسية الحاكمة للنظام السوداني خلال التسعينيات من القرن المنصرم, وهى التي لم تكن في صالحه بالتأكيد ولكنه لم يدرك ذلك وقدم نفسه كخصم للولايات المتحدة الأمريكية بشعارات شعبوية يمكن أن تجذب العامة ولكنها لا تصنع نصرهم ضد مشروعات ما بعد الإمبريالية والتي كانت أدواتها الأساسية مشروع العولمة.
وقد أدى هذا إلى تراجع النخبة الإسلامية الحاكمة عن اطروحاتها الإسلامية الصارخة، وأدى إنقسامها إلى حزبين أحدهما برئاسة رئيس الجمهورية والآخر برئاسة مفكر الحركة ومنظرها الترابى إلى إنشقاقات فى أوساط جماهير الحركة الإسلامية إزاء ذلك تدخلت العديد من الوساطات الخارجية لتلافى الخلافات بين الطرفين، إلا أنها لم تنجح وأصبحت النخبة الحاكمة تتمثل فى شق الرئيس وحزب المؤتمر الوطنى بينما أصبح الشق الثانى فى صفوف المعارضة، وفى نهاية المطاف إنفصال جنوب السودان عن شماله والبقية آتية فى السودان.
وأوجه السؤال لكل الشعب المصرى الوفى الوطنى المحترم بكل طوائفه مسيحى ومسلم رجل وإمرأة إلى كل شاب وفتاة، هل ما يحدث فى مصر الآن من التيار الدينى بكل طوائفه بعيد عن هذا الإسلوب أم هو نفس الفكر ونفس النهج ونفس السيطرة والإنتهازية والعمل على أخونة الدولة والسيطرة على مفاصلها الحيوية وإقصاء كل من لا ينتمى للإسلام السياسى وإبدالهم بأشخاص منهم غير مؤهلين للقيام بمهام ممارسة السلطة، إن الجماعات الدينية فى مصر تريد السيطرة على القوات المسلحة الدرع الواقى وسيفه الذى يحميه، وترون الجهود المبذولة ليتمكنوا من السيطرة على القضاء المصرى الشامخ، وعلى آلة الإعلام هذا بعد ان سيطروا على السلطة التشريعية والتنفيذية وأمور الدولة الإقتصادية والبنوك وشركات قطاع الأعمال والقطاع العام والنقابات ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية، وانصاعوا إلى خطط التكيف الهيكلي والخصخصة للاقتصاد المطروحة من جانب كل من البنك وصندوق النقد الدوليين حيث تم إتخاذ الخطواط السريعة دون مراعاة ظروف المجتمع الذى يأن تحت وطأة الفقر والجوع والتشرد، وأصبحت مصر فى ظل الإخوان المسلمين والتيارات الدينية الأخرى دولة جباية فهى الآن تمارس جمع الضرائب وتحصيل الجمارك والرسوم وأرباح المؤسسات العامة والصناديق والوقف متجاهلة بذلك وظيفتها التوزيعية التى تحقق العدالة الإجتماعية والإقتصادية وقام الإخوان المتأسلمين وباقى التيارات الدينية بدفع الملايين من الدولارات لشركات الدعاية الأمريكية والأوروبية لتحسين صورتهم فى حكم مصر فى الخارج ولكنهم فشلوا فى ذلك، وتقاعص رئيس الدولة والحكومة عن حماية شباب مصر من ميليشياتهم المسلحة الخارجة عن القانون والتى نصبت من نفسها أن تقوم بدور رجال الشرطة ورجال النيابة والقضاة وتلقى القبض وتخطف الشباب ومحاسبتهم وتهدر وتسيل دمائهم، وهو الأمر الذى أفقدها مشروعيتها لدى المواطن المصرى بعدم قبوله بهذا الرئيس وبهذا الحكم المستبد الدكتاتورى.
بقلم: عـــــزام راشــــد العـــزومــى
باحث دكتوراة "علوم سياسية" جامعة القاهرة
#عزام_راشد_العزومى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟