|
خالد العظم و الجماهير
جقل الواوي
الحوار المتمدن-العدد: 3936 - 2012 / 12 / 9 - 12:03
المحور:
كتابات ساخرة
خالد العظم أحد "نجوم" عهد الإنتداب الفرنسي و الإستقلال، وجية و صاحب ملايين مارس السياسة و التجارة و كذلك الصناعة، حملهُ تاريخ عائلته و ملايينة الى البرلمان، يسجل في مذكراته تاريخه الشخصي الطويل و يعرض من خلاله تاريخ سورية السياسي .كثيرا ما كان العظم يجد نفسه وزيرا أو رئيسا للوزراء و في الغالب مرشحا لأحدهما في عهد الديمقراطية أو عهود الديكتاتوريه، كان يكره شكري القوتلي و يستخف بفارس الخوري و يحقد على عبد الناصر، لم يحتفظ بمشاعر ود كثيره تجاه زملاءه السياسيين بمن فيهم أقربهم اليه صبري العسلي، و حتى كلماته اللطيفة تجاه هاشم الأتاسي و هو من رعيل سابق كانت مغموسة بنفور ينتشر كثاني أوكسيد الكربون في الجو. أكثر مشاعر الإحتقار كانت محجوزه لصلاح الدين البيطار، فقد خصه بعبارات كشفت عن شخص محتقن بغل عميق. ليس من المؤكد إن كانت هذه المشاعر نابعة من شخصية مطبوعة على التبرم و الضيق بالآخرين أم انها ردود فعل "طبيعية" فرضتها أجواء الخصومة السياسية التي كانت سائدة في عهد غير مستقر تبحث فيه "الدولة" عن شخصيتها.
يذكر العظم بأن نجاحاته البرلمانية أستندت الى الأصوات "الغفيرة" التي كان يحصدها، و يصور في مذكراته مشاهد عراضات كان فيها محمولا على الأكتاف و الجماهير تهتف باسمه، و ليدلل على حب الجماهير له يورد قائمة نتائج إنتخابات دمشق عام 1961 حيث يظهر متربعا على قمة الجدول بعدد أصوات مذهل و لا ينسى أن يشير بأن صلاح الدين البيطار قد خسر تلك الإنتخابات و لم يحرز العدد الكافي المؤهل لدخول البرلمان.يبدو العظم فرحا بنتائجة "الشعبية" و قد توجته الجماهير بالميداليه الذهبية بعدد الأصوات،و كأنه يستدعي اصواته التي فاز بها شهودا على الضربة القاضية التي تلاقها خصومه السياسيين، و لكن " الشهود" الذين صادقوا على فوز العظم مرات عديدة كانوا ضحية شخصيتة لا تعجبها الشوارع المليئة بالناس ولا صخب "الغوغاء" و يجد في تجمهرها ملقا أو خوفا و كان صريحا في التعبير عن ذلك.
من زاويته الممتعضه المتبرمه و الحذره أيضا، يلاحظ خالد العظم بأن الناس تجتمع في الطرقات لسبب و عكسه دون "حياء"، فقد استقبل أهل دمشق بنفس الحماس جمال باشا السفاح و من بعده الملك فيصل ثم الجنرال غورو مع ما تمثله هذه الشخصيات من تنافر و تضاد، ثم يجد العظم مناسبة ليقول بأن الإحتفاء بالشخصيات المتناقضة لا يقتصر على فئة أو طبقة مجتمعية معينة و لكنها ظاهره شاملة عامة، و قد وقف الشاعر خير الدين الزركلي أمام صورة جمال باشا السفاح منشدا أحنوا الروؤس و رددوا النظرات هذا مثال مفرج الكربات ثم يعلق العظم بأن أكف الجميع كانت تدمى من التصفيق لهذا المديح.
يستغل العظم المناسبة ليدخل "خصمه" شكري القوتلي في المشهد و يقارن أحتفالات الدمشقيين بإطلالاته عليهم و إحتفالاتهم بقدوم الجنرال كاترو "المندوب السامي" الفرنسي و هم الذين تجمعوا للرجلين، و يوغل في السخرية من خصومه عندما يذكر حادثة طلب فيها جمال عبد الناصر من "زلمه" تأمين ساحه كبرى يخطب بها لا يقل إستيعابها عن مائة ألف و كان له ما أراد و يقول العظم بأن عبد الناصر ظل يتكلم ثلاثة ساعات متواصلة عن الإستعمار و العملاء و الإشتراكية.لا تظهر هذه المشاهد اين يشعر خالد العظم بالمرارة أكثر بالحشود الغفيرة التي تصفق أم بالشخص الذي يخطب أو يلوح بيده لهذه الجماهير.
يبرر العظم التجمعات الجماهيرية الغفيرة بأنها حفاوة و تكريم و أنها عادة دمشقيه أصيلة تظهر فرحتهم "بالضيوف" اصدقاء كانوا أم اعداء و يدعو كل زائر الى دمشق أن لا يغتر بما يشاهده أو يلاقاه فهو مجرد مزاج جماهيري "رايق" على الدوام لا فرق فيه بين جمال باشا السفاح أو جمال عبد الناصر. لا يقرأ العظم مزاج الجمهور بقدر ما يقرأ ذاته و في "هجائياته" لكثيرين يهجو الجماهير ايضا و عندما يبرر ما تفعله يهجوها مرة أخرى. شعور بالغبن يطفو على كلمات العظم و إحساس بالحيف و الظلم لحق به و ربما يتهم بشكل مباشر هذه الجماهير و من ورائها عشرات الشخصيات التي استعرضها في مذكراته.
عرض العظم مشكلة تخص "علم النفس الجماعي" و حلها بطريقة فيها محاباة و مجاملة و هي ذات التهمة التي وجهها للجماهير بشكل مبطن،و رغم أنه كان يتكلم باسلوب ذاتي مجروح و لكنه وصف بشكل حقيقي الموجات البشرية الإنفعالية التي تساعد في خلق الديكتاتوريات و تغذيها و المفارقة اللاذعة التي لم يعشها خالد العظم بأن تلك الموجات الإنفعالية ذاتها قادرة على هدم الديكتاتوريات بفعالية و سرعة أكير من بنائها.
مرجع : مذكرات خالد العظم.
#جقل_الواوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قناص
-
بنات العيلة دمى كلاسيكية
-
الولادة من الخاصرة 2 ، فقر الدراما
-
عمر الدراما و التاريخ
-
رمضان الدراما و السياسة و الثورة
-
قراءة في فكر شريف شحادة
-
يلعن أبو هالدولة
-
تقتلك الفئة الباغية
-
أسقطت دمشق طائرة
-
الطريق الى الحفة -حرق نفوس-
-
طائفة بدل ضائع
-
المتجرده
-
مسيح الحميدية ....البيت بيتكن
-
المجلس الوطني و المناطق المنكوبة
-
كتاب مسموع
-
قائمة ....قاعدة
-
قربا مربط النعامة مني ...
-
جساس
-
غزوة جامعة حلب
-
عادل إمام ... -المشبوه-
المزيد.....
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|