المامون حساين
الحوار المتمدن-العدد: 3936 - 2012 / 12 / 9 - 10:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ظاهرة الحجاب خصوصا مع وصول حركات الاسلام السياسي الى الحكم، إذ أصبح الكثير من الكتب والمجلات يطفح بوصف مسهب لمظاهر هذا الحجاب وتجلياته على مختلف ميادين الحياة المجتمعية، كما ذهب العديد من الباحثين إلى البحث عن تفسيرات علمية لهذه الظاهرة، وإذا كان يبدو جليا أن هذه الدراسات بينت أن النظام الاجتماعي والثقافي والوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي كلها عوامل تفسر هذه الظاهرة، فإن الملاحظ هو أن هذه المقالات لم تضع موضع السؤال علاقة الحجاب بتشكيل الهوية الرجالية، مما يجعل الحجاب الرجالي يبدو كظاهرة عرضية وكمسألة طارئة في الزمان والمكان، كما يتجلى بكل وضوح في خطاب وسائل الاعلام. إ
اختلفت التفسيرات والتأويلات في مفهوم الحجاب من ناحية الشكل والمضمون , واختلف الفقهاء والمفسرون حول هذا المعني الملازم لمجتمع التدين والإلتزام لدرجة أن أصبح التدين قرين الحجاب أو الخمار أو النقاب ، مثله في ذلك مثل الإلتزام باللحية وقص الشارب والعمامة والجلباب والسروال وزجاجة المسك وعود المسواك ، هذه هي الأشكال الدالة علي الإلتزام ورفض المجتمع الذي يعيش فيه الملتزمون بالدين الإسلامي لدرجة أن تم الإختلاف حول فرضية إطلاق اللحي وقص الشوارب , وأن حليق اللحية منكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة ويتوجب إستتابته فإن رفض يعذر وإن رفض وإستمر في الرفض يقام عليه الحد المناسب لإنكاره لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، مع العلم بأن اللحية محل خلاف وإختلاف بين الفقهاء والمفسرين , وبالرغم من ذلك ذهب فريق واسع من المتشددين إلي حد تكفير حليق اللحية !!
وهذا الفهم للنصوص الدينية فهم مغلوط ومنقوص لحصر الدين ومفهوم العبادة والتعبد في مجموعة من الأنماط المظهرية والشكلية التي كانت تعبر عن مجتمع من المجتمعات من ناحية أن كل مجتمع كان له لون من ألوان الزي وأن هذا الزي ليس له ارتباط بالدين إلا بما يستر العورة فقط ، وكذا مسألة اللحية التي شغلت عقول وتفكير الفقهاء وبوبوا لها أبواب في كتب الفقه واهتموا بهذا الأمر أيما اهتمام وكأن اللحية وشعر اللحية هو بيت القصيد في دخول الجنة والدخول في النار !!
وكذا الزي الذي إهتم به الفقهاء أيما إهتمام وجعلوا له أبواب أيضاً في كتب الفقه سواء للرجال أو النساء علي حد سواء بالرغم من أن زي الجزيرة العربية كان لحد كبير موحد وكان يشترك في شكله ومعالمه أهل مجتمع الجزيرة العربية بلا فرق بين مسلم وغير مسلم , بل إن اللحية كان يطلقها محمد صلي الله عليه وسلم وكان يشاركه في ذلك عمه أبو لهب , وأبوجهل , وما كان يوجد بينهما فرق في مسألة إطلاق اللحية سوي أنهم يشتركوا في إطلاق اللحي سوياً دون أن يكون بينهم فارق في شكل الزي أو اللحي بل ويشتركوا في العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي كانت سائدة في مجتمع النبوة والوحي في ذلك الوقت !!
ومع ذلك ظهرت مجموعة من الأحاديث التي تحدد شكل الزي للرجال ومحذرة من دخول النار والعذاب المقيم في جهنم وسقر وسعير لمجرد التشبه بزي أو مخالفة مواصفات الزي الوارد بهذه الأحاديث وهذا حديث مروي عنه في كتاب صحيح البخاري : حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار )ويوجد حديث آخر يخالف هذا الحديث السابق في مبناه التفكيكي وهو مروي في شرح الحديث السابق في صحيح البخاري وهذا نصه : وأخرج الطبراني بسند حسن عن ابن مسعود أنه " رأى أعرابيا يصلي قد أسبل فقال : المسبل في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام "
وحينما نجري المطابقة بين الحديثين نجد أن أحدهما يخالف الآخر من ناحية الإسبال أو عد م الإسبال فبأي حديث نأخذ الأول أم الثاني ؟
أعتقد أن الأمر متروك للعقل فقط في مسألة الزي مع مراعاة حدود النظافة وستر العورة , لأن الحديث الأول جعل من يسبل اللباس في النار , والحديث الثاني قال علي من أسبل لباسه ليس في حل ولاحرام , وهذا يناقض الأول ، لأن الاعرابي هذا لم يكن من سكان المسجد حتي يسبل اللباس الخاص به , ومن ثم فإنه يأتي من المسجد الذي هو إن كان بعيداً أو قريباً من سكنه يأتي إليه مسبلاً لباسه ومن ثم فأين الحرام والحلال إذا كان هذا الأعرابي قد شاهده الناس خارج المسجد في الطريق وهو مسبل لباسه أو زيه الذي يرتديه ، وهم أيضاً من شاهدوه في المسجد في الصلاة وهو مسبل لباسه ، فما هو وجه الحرام والحلال في هذا ؟
أم أن هذا الأعرابي كان من أهل النار بلباسه خارج المسجد ، ومن أهل الجنة بنفس اللباس في الصلاة في المسجد ؟!!
بل وبالرغم مما سبق لقد ورد في كتاب صحيح مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن خرشة بن الحر عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرارا قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب .
والغريب في الأمر أن تتم مساواة مسبل لباسه مع المنان والمنفق سلعته بالحلف الكذب ويكونوا الثلاثة علي درجة واحدة من غضب الله تبارك وتعالي بل و يتقدمهم المسبل لباسه أي المطيل للزي الذي يرتديه ويستر به جسده !!
وفي تفسير هذا الحديث نجد موجات تكفيرية متتالية لجموع المسلمين الذين يسبلون ألبستهم وأزيائهم وملابسهم بوجه عام لمجرد أن اللباس طويل والزي ليس في منتصف الركبة كما تحدثت به أحاديث أخري توصف الزي وتحدد اللباس للرجال ، وذلك بالرغم من أن الحديث يقصد من يجر ثوبه أو لباسه خيلاء أو كبرياء أو بأي نوع من أنواع التكبر والتميز علي الناس ، وهذه مسألة نفسية داخله في تكوين الإنسان ولا يمكن لأي أحد أن يستعلم علي ما يدور بنفس البشر وما يختلج النفس البشرية ، ولذلك قال الرسول لأبي بكر الصديق وهذا ماورد في شرح الحديث في صحيح مسلم : وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لأبي بكر الصديق رضي الله عنه , وقال: " لست منهم "يقصد أهل الخيلاء والكبر . وإذا كان الكبر والخيلاء مسألة نفسية مكنونة بالنفس البشرية فعلام يكون التكفير والتجهيل وإدخال الناس نار جهنم وسقر وسعير .وهذا بسيط عن زي ولباس الرجل ، أقصد حجاب الرجل !!
#المامون_حساين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟