أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - هل الدين معيار للعدالة أو العدالة معيار للدين؟















المزيد.....

هل الدين معيار للعدالة أو العدالة معيار للدين؟


أحمد القبانجي

الحوار المتمدن-العدد: 3936 - 2012 / 12 / 9 - 00:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بقلم: الشيخ عباس يزداني
ترجمة: أحمد القبانجي

إنّ هدف جميع الانبياء والكتب السماوية هو اقامة العدل وتحقيق الاعتدال بين الناس في حياتهم الفردية والاجتماعية، ولكن هل أن الدين هو معيار العدالة أو أن العدالة هي المعيار للدين؟ وببيانٍ آخر: هل أن الدين يأمر بكلّ عدل، أو أن كلما يأمر به الدين فهو عدل؟ هل أن الانسان يدرك مصاديق والعدل الظلم بواسطة الشريعة والنصوص الدينية، أو أن مصاديق العدل والظلم يعرفها كلّ انسان وليست تعاليم الدين في ذلك سوى ارشادا لما حكم به العقل؟ وببيانٍ علمي: هل أن العدالة تقع في سلسلة علل الأحكام أو في سلسلة معاليل الأحكام؟
من المعلوم أن الشيعة «مثل المعتزلة» يعتقدون بأنّ العدالة هي معيار الدين ولكنّ فقهاء الشيعة على رغم رؤيتهم الكلامية هذه يتحركون على الضد منها في استنتاجاتهم وفتاواهم الفقهية.
مثلاً: يقول هؤلاء الفقهاء في مقام الجواب عن هذا السؤال، وهو: كيف تبيحون طلاق الرجل لزوجته بدون عذر معقول أو أنكم لاتجيزون اشتراك الزوجة في تشييع جنازة ابيها ودفنه وحضور مجلس التأبين اذا منعها الزوج من ذلك؟ فيقولون إن المرأة ليس لها حقٌ حتى يكون الزوج ظالماً لها، فلو ثبت أن للمرأة حقوقاً، مثلاً حقّها في اشباع رغبتها الجنسية من قبل الزوج وكانت تعيش معه ولم يستجب الزوج لرغبتها ففي هذه الصورة يكون ظالماً لها، ولكن لم يثبت مثل هذا الحق للزوجة، لأنّ حق الزوج والزوجة يجب أن نأخذه من الشرع فيكون بتعيين الله تعالى، فلو قال الله تعالى أن المرأة ليس لها حقٌّ على الزوج فلا يعترض على الزوج بهذه الصورة، لأنّ الزوج في حال منعها قد استخدم حقّه القانوني في ذلك!!
ولعلّ القاريء المحترم يندهش من هذا الجواب الذي يحكي عن تكبيل العقل وجموده.
مثال آخر: يقول الفقهاء: يحق للرجل فسخ عقد النكاح بسبب العمى والبرص أو الشلل في الزوجة، ولكن اذا كانت مثل هذه العيوب في الزوج فلا يحقّ للزوجة الاعتراض على ذلك وفسخ العقد؟ فنحن نسأل: كيف يعقل أن الله تعالى يقرر مثل هذه الاحكام الشرعية؟ ويجيب هؤلاء الفقهاء: إن الله قد قرر مثل هذه الاحكام في الشريعة.
ونسأل: كيف يحق للرجل أن يجبر زوجته على الجماع في أى وقت أراد حتى لو كانت في اثناء الصلاة ولكنّ الزوجة لا يحقّ لها ذلك الاّ ثلاث مرّات في السنة وبمقدار قليل جداً لا مجال لبيانه هنا؟
فيجيب الفقهاء: لأنّ الله أمر بذلك!
ونسأل: كيف يجوز للرجل أن يكذب على زوجته دون العكس؟
في الواقع نحن ندرك إجحاف مثل هذه الاحكام وانحرافها عن جادّة العدل ونعلم بوجود خطأ في عملية استنباط مثل هذه الاحكام الشرعية، فعندما نتساءل: كيف يعقل أن يصدر الله تعالى مثل هذه الاحكام؟ ففي الجواب يقرر هؤلاء الفقهاء عدم وجود أيّ خطأ واشتباه في عملية الاستنباط، بل بما أن الله حكم بذلك فنحن نفهم أن المرأة ليس لها حقٌ أساساً حتى يقال بسلب حقّها من قبل الزوج!!
هل ينبغي أن تكون الحقوق والحاجات الطبيعية لافراد البشر مقررة من قبل الله تعالى وبواسطة الاحكام الشرعية، أو أن الله تعالى بمجرد أن خلق للانسان معدة وفم فانّ هذا يعني أن للانسان حق الغذاء، وبمجرد وجود العطش فهو دليلٌ على أن له الحق في شرب الماء؟
يقولون: كلاّ، يجب أن نعلم أن الله تعالى هل أجاز له الأكل والشرب؟ وماهو مقدار ذلك؟ فلو أن الشارع قرر أن الانسان يشبع من الطعام اذا تناول الطعام مرّة واحدة في اليوم فليس للانسان حق الاعتراض وتـناول الطعام مرتين في اليوم، وأساساً فالانسان يخطيء اذا تصوّر أنه ينبغي عليه تناول الطعام مرتين باليوم الواحد، لأنّ الحديث الشريف يقرر وجوب تناول الطعام مرّة واحدة لا اكثر، فلوشاء الله أن لا يكون هناك حقّ لأي شخصٍ في تناول الطعام اطلاقاً وعليه أن يموت من الجوع فيجب علينا اطاعة هذ الأمر وليس لنا حق الاعتراض، فنحن عبيد ولا يحقّ لعبد أن يعترض على حكم المولى، ولحسن الحظ أن الله تعالى لم يقل ذلك ولكن اذا كان قد شرّع ذلك وجب علينا القبول!!
وهذا البحث يعود الى بحث الحسن والقبح العقليين والنزاع بين الأشاعرة والمعتزلة في هذه المسألة، وفي الواقع فإن فقهاءنا سلكوا المنهج الأشعري في جميع مسائل الفقه حيث قالوا إننا لاندرك الحكم العادل والحكم الظالم، فاذا قال الله: إن الحق للرجل أن يطّلق زوجته بدون عذر، نقول بأنّ هذا الحكم عادل، واذا قال الله بأنّ الرجل يحق له فسخ العقد اذا كانت الزوجة عمياء كان هذا عين العدل! ولكن اذا كان الزوج اعمى وخدع المرأة على أساس أنه غير أعمى وعقد عليها فليس لها حقّ الفسخ فذلك عين العدل أيضاً، ومن الخطأ أن نتصّور أن مقتضى العدالة في كلتا الحالتين واحد، فالعدالة هي ما يأمر به الله تعالى لا أن يكون حكم الله من مصاديق العدالة، وأنّ الله يأمر بما هو مصداق العدالة فقط!! وبهذا المنطق يتضح أن الله تعالى اذا حكم بوجوب قتل الطفل الرضيع فهو عين العدالة ولكن بما أنه نهى عن ذلك فنفهم أنه عمل ظالم، وقبل نهي الله تعالى وأمره لايمكننا إدراك وتشخيص مصاديق العدل والظلم!!
اذن فنحن ندرك المصاديق البارزة للعدل والظلم عن طريق الشريعة، وهذا النمط من الرؤية الفقهية يعتبر هو المسؤول عن نصف مصيبتنا في الفقه، والنصف الآخر يكمن في العمل بخبر الواحد والاجماع وشهرة المتشرعة، وهذان المفهومان الخاطئان سبّبا الكثير من سوء الفهم للدين وتحويله إلى مجموعة من التعاليم الممسوخة وغير المنسجمة مع الواقع والوجدان.
الجواب الاجمالي عن هذه الرؤية هو أن مصاديق العدل والظلم جلّية لدى جميع افراد البشر في شرق العالم وغربه وعلى مدى التاريخ البشري، وأنّ الله تعالى أمر بمصاديق العدل ونهى عن مصاديق الظلم. فالعدالة هي المعيار لحقانية الدين لا أن الدين هو معيار العدالة، كما أن«الحق» هو المعيار لمعرفة الشخصيات لا أن الشخصيات هي المعيار لمعرفة الحق كما قال اميرالمؤمنين في حرب الجمل عندما سأله أحد اصحابه: يا اميرالمؤمنين إنني أرى في الطرف المقابل شخصيات بارزة كطلحة والزبير وعائشة، فهل يمكن أن يكونوا هؤلاء على الباطل؟ فأجابه الامام: «إنّ الحق لا يعرف بالرجال إعرف الحق تعرف أهله».
وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة في هذا المجال تقرر هذا المعنى ولكن مع الأسف وبسبب مهجورية القرآن لم تقع مورد بحث الفقهاء، من قبيل قوله تعالى:
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إن اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
وهذا يعني أن الفحشاء كانت معروفة لدى الناس ولهذا يأمر الله تعالى نبيه الكريم أن يقول لهم إن الله لا يأمر بالفحشاء، أي أن المصاديق البارزة للفحشاء والظلم جليّة وواضحة للانسان، والله تعالى لا يأمربها لا أنها خفية علينا واذا سمعنا أن الله تعالى أمر بالقبيح وجب علينا ارتكابه!!
وكذلك يقول تعالى: « إن اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ » فالأوامر الالهية تنسجم مع العدل والله تعالى يأمر بما هو مصداق العدل، وهذا يعني أن مصاديق العدل معروفة للناس.
ويقول تعالى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، فالسرقة تعتبر عملاً قبيحاً لدى جميع الشعوب، حتى أن اللصوص يعترفون بقبح عملهم وعندما يلقى عليهم القبض يتحركون من موقع تبرير عملهم وتبرئة أنفسهم بل اذا أرادوا ايجاد علاقة زوجية مع عائلة أخرى فانهم لا يتخذون اللصوص نسباً لهم فكيف يقال أنهم لا يدركون ماهية وحقيقة السرقة وأن الله تعالى اذا قال أن السرقة أمرٌ شريف وعملٌ حسن وجب علينا قبول ذلك؟! الكذب عملٌ قبيح في كل دينٍ ومذهب فكيف يبيح الله تعالى للرجل أن يكذب على زوجته؟!
إن هذه الرؤية تسبّبت في ولادة فقه لايتناسب ولا ينسجم مع الواقع، ولايمكنه أن يستجيب لحاجات الفرد والمجتمع في حركة الحياة ومواجهة التحديات الصعبة، ومن جهة أخرى نواجه إصرار علماء الدين على أن هذا الفقه هو فقه آل محمد وعلمٌ مقدس ويجب على الجميع أن يتحركوا وفقاً لاحكامه وبدون أيّ اعتراض، ويجب الافتخار به وعدم التنازل عن أيّ مسألة من مسائله بأيّ قيمة ومهما كلّف الثمن بل علينا تصديره الى سائر الدول المتحضرة في العالم!! وهذا يذكرنا بالاسطورة المعروفة لقاطع الطريق اليوناني «بروكروست» الذي كان يتصدى للقوافل في الطرق الجبلية والوديان وينهب اموالهم، ولا يكتفي بذلك بل كان لديه سرير حديدي فيأمر اتباعه بأن يقودوا أفراد القافلة المنهوبة لينام كلّ واحد منهم على هذا السرير فان كان طوله أطول من السرير أمر بقطع مازاد من اقدامه حتى يبلغ طوله طول السرير وإن كان أقصر من طول السرير أمر اتباعه بجرّ اقدامه ورأسه الى أن يصير بطول السرير تماماً، وهكذا الحال مع هؤلاء الفقهاء حيث يرون لزوم عرض الانسان والمجتمع على احكام الفقه الثابته، فاذا لم تكن حالات الانسان والمجتمع متطابقة مع احكام الفقه وجب تعديل وترميم حالات الانسان والمجتمع ليتوافق مع الفقه.
إن الفقة التقليدي يحكم بثبات وجمود الاحكام الفقهية على أساس أنها من احكام الدين الخالد ويريد أن يطابق الانسان والمجتمع البشري مع هذا اللباس في جميع الاعصار. فلا اعتبار للانسان والعقل والعلم والتجربة البشرية في الفقه التقليدي، لانّ الاعتبار ينحصر بالأخبار بل بأخبار الآحاد أيضاً.



#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القراءة السطحية للنصوص
- -لا للديمقراطية- هو الشعار الحقيقي للإسلام السياسي
- صورة الله عند الفلاسفة
- من انجازات النبي ... توحيد القبائل والشعوب
- المنهج الجديد في تفسير النص
- اسطورة الفيل وحرب أبرهة الحبشي
- العلاقة المتبادلة بين الدين والأخلاق
- من انجازات النبي ... تشكيل الدولة
- مساهمات الفلاسفة في نشوء علم النفس
- حقوق الانسان من منظور اسلامي
- ابراهيم الخليل وإشكالية ذبح الابن
- الوعد الالهي بالارض المقدسة
- نقد الاعجاز البلاغي في القرآن
- موقف الاسلام من المرأة
- الفلسفة الوجودية


المزيد.....




- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - هل الدين معيار للعدالة أو العدالة معيار للدين؟