حسيب شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 3933 - 2012 / 12 / 6 - 07:32
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من القصص الشعبي السامري
(5)
ترجمها من العبرية وعلّق عليها
ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
١٩) الساحر والكاهن1
رتصون بن بنيميم (راضي صدقة)
نزل الكاهن الأكبر، شلومو بن طاڤيا (سلامة بن غزال)2، يوم وقفة عيد المظال إلى سوق نابلس لشراء فواكه لعريشته. وفي طريقه التقى ببائع جوّال غريب قدم إلى المدينة لبيع فواكه فاخرة بأسعار بخسة والمشترون يتزاحمون. اشترى الكاهن أيضا سلة كاملة من الفواكه وطفق عائدا إلى البيت. عندما وصل بيته وجد أن سلته مليئة بروث البقر كان الساحر قد حولّها لفواكه.
عاد الكاهن بسلّته غاضبا إلى السوق باحثا عن البائع المتجوّل. ولما وصل ساحة السوق وإذا بذلك البائع والمشعوذ يعرض سحرا أمام حشد من الناس: قطع رأس فتى صغير كان عنده بسكّين بيده ثم أعاده إلى محلّه وكأن شيئا لم يكن. وقف المتفرجون فاغري الأفمام انشداها وذهولا. ولما عاد الساحر وقطع ثانية رأس الفتى، شرع الكاهن بتلاوة آيات من التوراة لا سيما فقرة “إسمع يا إسرائيل” بالشقلوب، من نهايتها إلى بدايتها3. هذه الكرّة فشل الساحر في سحره ولم يتمكن من إرجاع رأس الفتى إلى موضعه كما فعل في المرّة الأولى.
أحسّ الساحر بحضور شخص ذي قوّة تفوق قوته.أجال ناظريه فرأى الكاهن الأكبر واقفاً جانبا بما يميّزه من لباس وعِمامة حمراء. أدرك المشعوذ أن الكاهن هو الذي يُعرقل عرضه. تقدّم الساحر إليه وتوسّل إليه أن يسامحه وألا “يخربط” عليه فهذه حِرفته التي يعتاش منها.
ردّ الكاهن عليه “بشرطين: أعد لي مالي الذي دفعته ثمن ‘فواكهك’ وانصرف حالا من نابلس ومن ضواحيها”.
وعد الساحر بتنفيذ كلا المطلبين، ثم تلا الكاهن الأكبر فقرة “إسمع يا إسرائيل” كما هي من البداية إلى النهاية. أعاد الساحر رأس الولد إلى مكانه، أعاد مالَ الكاهن له وانصرف من نابلس بالخزي والعار دون رجعة.
٢٠) قفزة الطريق إلى عورتا
رتصون (راضي) صدقة
سمعتُ هذه القصة من أبي رحمةُ الله عليه، ويا ليت يحدث لنا ما جرى لآبائنا في تلك الأيام. حدث ذلك قبل قرن من الزمان ونيّف. عاش في الطائفة السامرية في نابلس إنسان مستقيم وصافي النية، اسمه إسحق سوريه4، وكان سقّاء الطائفة. كان إسحق ينزل كل يوم إلى النبع (عين ماء) المسمّى “عين العسل”5 على سفح جبل جريزيم، يملأ قِربا بالماء، يحملها على كتفيه، ويوزّع الماء على بيوت السمرة.
تُعتبر زيارة السامري لقبور الكهنة الكبار، أبناء أهرون في قرية عورتا، فريضة. في يوم صيفي لطيف نهض الكاهن الأكبر، يعقوب بن أهرون6، باكرا ومعه كثيرون من أبناء طائفته، حمّلوا بهائمهم بسلال ملأى بكل ما لذّ وطاب ونزلوا للصلاة هناك لذكرى أرواح7 كل جوق إسرائيل والإفطار بجانب قبور الكهنة الكبار. وعندما مرّوا بالقرب من عين العسل رأوا إسحق يملأ قربه، قالوا له “ها نحن ذاهبون إلى قبر سيّدنا إلعازار الكاهن، دع آنيتك وانضمّ إلينا.” أجابهم “ولمن أترك زوجتي وأولادي الجياع للقمة الخبز؟ سأوزّع الماء وأتسلم أجرتي وبعدها ألحقكم.”
ضحك الكاهن الأكبر، “إسحق، يا ابني، كيف ستقوم بكل ذلك، في الوقت الذي تُنهي فيه مهمّتك نكون قد رجعنا من هناك. إن كنت غير قادر على ذلك فاذهب إلى عملك وكان الله في عونك.”
ردّ عليه إسحق “أشكرك يا أبي على بركتك، ومع كل هذا سآتي، وإلاه آبائي سيَهديني في طريقي.”
ابتسم السامريون من تحت شواربهم واستحثّوا حصنهم وحميرهم ليتسنّى لهم إقامة صلاة الصباح على القبر. وعند وصولهم لباب الضريح سمعوا صوت صلاة من الداخل، أصابتهم رجفة إذ لم يعلموا من المصلي. دخلوا إلى الفناء وما رأت أعينهم؟ إسحق الذي ينشل الماء، السقّاء، كان واقفا يصلّي. سأل الكاهن الأكبر مندهشا: “أأنتَ إسحق؟”
“نعم، أنا هو. ولماذا تأخّرتم لهذا الحد؟”
“كيف تسنّى لك الوصول قبلنا ولا حصان أو حمار عندك؟”
“حال مروركم بي، توجّهت أنا إلى دربي”، أجاب إسحق، “وزّعتُ الماء لأبناء الطائفة، وسرتُ في طريقي الطويلة هذه. كنت أسير وأصلّي وفجأة وجدت نفسي في ساحة القبر، واستغربتُ جدا أنكم لم تكونوا هنا.”
“وما صلّيتَ، يا أخانا إسحق؟” سأله الحاضرون الذين يعرفون أنه أمّي والصلوات غير دارجة على لسانه.
“نطقتُ حروف الأبجدية حسب الترتيب ثلاثمائة وخمسا وأربعين مرّة حسب الخرز الذي بيدي. وعندما وصلتُ لهذا الرقم وجدتُ نفسي هنا.”
“نصيبك في الآخرة أكبرُ من نصيبنا،”قال له الكاهن الأكبر، “لأن سيدنا موسى أعدّ لك قفزة الطريق لكونك ورعا تخاف الله وتقبّلت أجرك.”
وهذه الطريق، بين نابلس ومكان القبر تُدعى حتى يومنا هذا باسم “قفزة الطريق” لدى السمرة، ذكرى أعجوبة إسحق سوريه.
٢١) أعجوبة الخروف
عبد حنونة بن إبراهيم الدنفي
ينسِب السامريون لإلعازار بن أهرون الكاهن المدفون في عورتا، ميزات جمّة. وعليه فهم يُكثرون من زيارة قبره وحيكت حوله حكايات كثيرة. إحدى تلك الحكايات تدور حول يهودي محترم وبمعيته أصدقاء وخدّام، كان يتنزّه في منطقة نابلس قبل سنوات كثيرة،وجاء لزيارة قبر إلعازار الكاهن أيضا. اعتاد السمرة منذ القِدم أن يخلعوا أحذيتهم قبل دخولهم لمكان مقدّس. واستخفّ ذلك اليهودي بهذه العادة ودخل إلى ساحة القبر منتعلا حذائه غير آبه بالتحذير الذي وجّهه السامريون لتفادي المسّ بقدسية المكان. إنه لم يكترث لتوسلاتهم أيضا ووقف مختالاً بجانب شاهد الضريح. أعلم السامريون الذين تواجدوا هناك ذلك الزائر بأنهم آتون مع عائلاتهم لفناء الضريح للتضرع والصلاة للقديس ويشعلون شموعا ويبسطون طلباتهم أمامه. وفي غضون ذلك دأبوا على ذبح خروف بالقرب من القبر على شرف إلعازار المقدّس والاستمتاع بلحمه المشوي.
قهقه اليهودي قائلا ”حقّا، ما ينقصني الآن هو فقط خروف لتقدمته في هذا المكان وإذا كان إلعازار الكاهن ذا معجزات فليوفّر لي واحدا للقربان.” لم ينته من كلامه وإذا بفلاح من عورتا يدخل ساحة القبر جارّا أيلا ثاغيا بقرنيه. “ها هو الخروف الذي طلبت، ” قال لليهودي.
ذُهل اليهودي وولّى هاربا من المكان هو ومرافقوه ولم نره ثانية في قضاء نابلس.
----
1. قارن رواية أطول لنفس الحكاية ولنفس القاصّ، راضي صدقة، في كتيبه المذكور في ملحوظة رقم ٣، ص. ٣٦-٣٩.
2. أنظر:
Haseeb Shehadeh; The Samaritan High Priest Salåma b. Ghazål b. Is˙åq b. Ibråh•m b. Íadaqa and the Arab Tailors of Nablus in the Nineteenth Century. A. B. The Samaritan News, 785-788, 6.4. 2001, pp. 185-175; A Case of Palestinian Arab Justice between Minority and Majority. The Samaritan High Priest Salåma B. Íadaqa and the Arab Tailors of Nablus in the Nineteenth Century. Studia Orientalia Vol. 101 (Helsinki 2007) pp. 359-372; Marhaba, Yearbook of the Finnish-Arabic Society (Helsinki 2008), pp. 48-63; partly in http://www.ahewar.org. english, 6/10/2009. http://pulpit.alwatanvoice.com/category-7.html, abridged, 23/10/2009; http://beiruttimes.com/site2/index, abridged, 30/10/2009; A. B. The Samaritan News, 1051-1052, 15/1/2010, pp. 55-45; Menachem Mor, Friedrich V. Reiterer (Eds.), Samaritans: Past and Present. Current Studies. De Gruyter 2010, pp. 205-219.
3. في الأصل العبري מראשה לתחילתה وهذا لا يلائم السياق.
4. لا نعرف عنه شيئا يذكر.
5. تمتاز منطقة نابلس بوفرة ينابيعها، فعلى جبل جريزيم الذي يبلغ ارتفاعه ٨٧٠م عن سطح البحر، شمالي نابلس، تنبع ٢٢ عين ماء؛ من العيون المعروفة في نابلس يمكن ذكر: عين بيت الماء، عين الدفنة، رأس العين، عين الصبيان، عين القريون.
6. ١٨٤٠-١٩١٦، جدّ الكاهن الأكبر يعقوب بن عزّي المعروف بأبي شفيق الكاهن المتوفى عام ١٩٨٧، ويعقوب بن أهرون كان عالما وشاعرا (بالعربية والسامرية) وناسخا مكثرا وذا باع في الأنغام والتراتيل، التقى بإسحق بن تسڤي وكان صديقا لموشه شرتوك (شاريت) وأعطى لداڤيد يلين نسخة من أحكام لقضاة مسلمين بحق السمرة ما بين السنين ١٥٨٠-١٨٣٠، ويقال إنه شاهد زيرا حجريا مليئا برماد البقرة الحمراء في نفق في حارة الياسمينة بنابلس؛ أتم مخطوط شكيم رقم ٦ متعدد الألسن، عبري، آرامي وعربي، وله تاريخ السامريين الكبير وكتاب السائل والمجيب، انقسام السامريين عن اليهود وأسبابه، ينظر مثلا أ. ب أخبار السامرة رقم ٦١٢، يعقوب بن عزي، كتاب السامريين، تاريخهم وعاداتهم وطقوسهم واحوالهم … الخ. نابلس ١٩٦٠ (مخطوط)، ص. ٦٩-٧٦، يعقوب بن عزي، وصيتي وتاريخ حياتي، نابلس ١٩٧٤ (مخطوط)، ذكرياتي مع جدي ووالدي، ص. ١٦-.٣٠ (هي في الواقع ما يجب أن يكون الترقيم من البداية ص. ٤٨-٦٢؛ مخطوط رقم ٧٠٨٧ في مكتبة إسحق بن تسڤي، ص. ٢٣٧.
7. بالعبرية עילוי נשמה/נשמות، عبارة معناها الحرفي “إعلاء/رفع الروح/الأرواح” والمقصود إلى جنة عدن وليس إنزالها إلى الأرض حيث كانت. تقام مثل هذه الصلاة على أرواح الأحبة الموتى في سنة الحداد وفي كل ذكرى سنوية للوفاة.
#حسيب_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟