محمد الإحسايني
الحوار المتمدن-العدد: 3931 - 2012 / 12 / 4 - 22:32
المحور:
الادب والفن
الخـلـوة
شارل بودلير
ترجمة محمد الإحسايني
قال لي صحافي محب للبشر: إن الاعتزال مضر بالإنسان؛ ولمساندة أطروحته يستشهد مثل جميع الجاحدين بكلمات أحبار الكنيسة. أعلمُ أن الشيطان يتردد عادة على الأماكن المقفرة، وأن الميل إلى القتل والدعارة ليتقدُ اتقاداً عجيباً في الخلوات. لكن قد يكون ممكناً أن هذه الخلوة ما كانت خطيرة سوى على النفس الخاملة الهائمة التي تملؤها بأهوائها وأوهامها. أكيد أن ثرثاراًً ترتكز رغيته القصوى على إلقاء كلامه البلاغي من أعلى المنابر، أومن منصة ما، قد يجازف عشوائياً ليصبح معتوهاً حانقاً في جزيرة روبينسون. فلا أطالب من صاحبي الصحافي أن يتحلى بالشجاعة المثلى التي تحلى بها روبينسون كروزويه، بل أطالبه أن يتحرى الدقة في اتهام عشاق الخلوة وأصحاب الأسرار الخفية.
يوجد في سلالتنا الثرثارة المزعجة أشخاص ربما يواجهون بقليل من الخوف حكم الإعدام لو أتيح لهم أن يخطبوا خطبة مطنبة من أعلى منصة الإعدام، دون أن يخافوا أن يقطع حبل كلامهم جنود سانتير، قارعو الطبول، في وقت غير وقت الكلام. إنني لا أشفق عليهم لأنني أحدس أن جيشان صدورهم الخطابي يزودهم بالملذات المساوية للملذات التي يجنيها الآخرون من الصمت والتأمل؛ غير أنني أحتقرهم. وكم رغبت في أن يدعني صاحبي الصحافي الملعون أتلهى كما أشاء. فقد قال لي في زي منافق مرشد: " ألم تجرب أبداً ضرورة اقتسام مباهجك مع أحد؟ " أوَ رأيتم ذلك الصحافي الحسود الحاذق! هو يعلم أنني أزدري مباهجه، فيتدخل الساعةَ في مباهجي، فياله من معكر بشع لأجواء البهجة! فقد ورد في بعض كتابات لابرويير قوله: " ما أشقى الشخص الذي لا يقدر على أن يتحمل وحده الخلوة!" فكأنما ليفضح جميع أولئك الذين يسعون لنسيان أنفسهم وسط حشد العامة، بل يخشون بلا شك، ألا يستطيعوا تحمل أنفسهم. وقال حكيم آخر وأظنه باسكال : " أكثر بلايانا تصيبنا بسبب عدم قدرتنا على البقاء في غرفنا." وأذكّر بالمحبس التأملي أيضاً، جميعَ أولئك المجانين الذين يبحثون عن السعادة في الحركة، وفي بغاء أجيز لنفسي أن أسميه بـ بغاء أخوي، إذا ما أردتُ أن أتحدث لغة عصرنا الحالي.
#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟