|
اوروك والتاو الصيني والآخرون
خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 1136 - 2005 / 3 / 13 - 11:23
المحور:
الادب والفن
ماذا أوردنا في المفهوم الوجودي (اوروك ) ؟ في تجذرنا الضارب في الماء ، وفي أول حضارة دالة على التأمل واجتراح الجذوة العقلية والروحية ؟ . ان اوروك وفق الانتماء هي ( العراق ) لاتاريخا أو جغرفة انما هو هذا الحصيد الطافح بالنبل والحنان المزروع في أصلاب العائلة العراقية . اوروك هو رديف خصوصية الأصالة والبدء والتكون. وحسب هذه الخصوصية فهناك طوق حمامة على عنق كل عراقي هو اوروك . والطوق أمانة . انه رغم المنافي في مجاهيل العراق السجنية ومغترباته على الكرة الأرضية يبقى اوروك بمثابة العائدية . ان الصيني الذي يظهر التاو مثلا هو سلمة ارتقاء بانسانية الانسان ونبله وجمال شخصيته الشماء غير الذليلة أو المتقهقرة ولعل في ثنايا رسائل الاستاذ الراحل هادي العلوي الى اصدقائه العديدين في مغتربات الارض مايؤكد على ضرورة رفعة الذات ورقيها وابائها يقول الاستاذ موجها حديثه الى أحد الأصدقاء بعد قراءته لأحد دواوينه : " تموت وفي قبضتك زهرة من دماء الغفاري " ...هكذا أنا أيضا – التعبير للعلوي – : لكني أموت وفي قبضتي زهرة من دم التاو ، ونحن سواء في حكمة الشرق من يسوع الناصري الملطخ بدماء الأصيل الى أبي ذر وحمدان وصولا الى جداول الشفق الدامي فوق السورالعظيم : هكذا ... يوم تتويج الامبراطور أو تنصيب الوزراء الثلاثة لاتبعث هدية من يَشَب أو فصيلا من أربعة خيول بل الزم مكانك واظهر التاو "
نعم حقا مايقوله استاذ الاساتيذ هادي العلوي ، وان مثل ذلك الاباء الاسطوري والكبرياء هو الضارب في تراثنا العظيم أيضا ... هاهو الأشم علي بن أبي طالب القائل:
" ان الأديب اذا زلّت به قدمٌ ...... يهوي الى فُرش الديباج والسررِ "
ونحن لن نتعلم من مواقف الضعف أمام المال ( تاريخ المديح الشعري العربي ) ، والاستئثار بالمناصب ، والتهالك على العروش ، والدنو من الحاكم والتزلف للرئيس ... فالمال زائل والحياة قصيرة .. وان رفض المنارات الفكرية للأوسمة وللعطايا والكوبونات النفطية والجوائز من نوبل وحتى أسفل جائزة ، يزيد اللمعان سحرا وخلودا وقبل ذلك يبقى الوهج الفكري اياه حقيقيا في ذاكرة البشرية كما بقي سارتر وباسترناك وسواهما . يضيف الاستاذ العلوي متحدثا عن روح التاو : " هو نفسه الذي أخرج التاجر والحاكم من ملكوت السماء ، وما زال الصراع بينه وبين الامبراطور بأشكاله وتلاوينه ولغاته الشتى ونحن تلاميذه اغتربنا باغترابه وتوالت علينا الهجرات ومابين تخوم الأرض وتخوم العقل وضفاف الضمائر المبتلة بمياه الفرات والنهر الأصفر ’ وانا اهاجر دائما لئلا يحق عليّ قول شيخي صدر الدين في المستقرين الراكدين الذين يقولون بسكون الأرض وتجلد التاريخ والنائمين على أسرة الجمر الأبدي بعيون مغرورقة بحلم السلام . " ماجدوى الروح اذا لم تسكن في فوهة بركان "
ها هي روحك الملتهبة ( ادناه سطور من رسالته الجوابية وهو في بكين الى أحد اصدقائه) أتحسس جمرها يأتيني من فوق الهملايا الى محطات السور العظيم وقد ابتلت بقطرات ساخنة من أنهار الصين تتأكد فيها القرابة مابين تاو الأبد وجبل قنديل " ولعل بارقة واحدة من فرائد الجواهري الجبارة وفي معرض ذكرى أبي العلاء المعري تشير الى أن شعاب اوروك والتاو وسواهما سالكة لكنها مخضلة بالارجوان
" لثورة الفكر تاريخ يحدثنا .... بأن ألف مسيح دونها صلبا " .
ولتواريخ الشعوب على كثرة انتفاضاتها وثوراتها مايؤكد النزوع الانساني للتحرر من ربقة التخلف والجوع والقسر السياسي وغيره ، هاهو أحد أبناء فلنده يتحدث عن السيسو قائلا لأحد الاعراب : " انه السيسو خلقنا التقليدي وتراثنا الروحي في قوة العزيمة . وهو سر بقائنا في هذه الربوع الفقيرة القاسية النائية ، وهو أساس مجدنا في حروبنا الطويلة ، نحن القلة المعزولين ، للحفاظ على كياننا وحريتنا " ... " ان السيسو هو العزم القوي الصاعد المتين ، واذا عزم الفلندي أمره سار في طريقه لايلوي على شئ حتى ينال ماعزم أمره عليه أو يموت فيعذر ." . أي لايأس مع الحياة على أرض الواقع أما احدى أخطر مطبات المنفى والاغتراب القسري الذي اسقطنا فيه مرغمين هو احتمالات التنكر للجذور بل التكييف والتدجن بعيدا عن تجشم الصعاب وامتحان قوة وجودية الانسان وشكيمته الشخصية ، ان المنفى هو حالة استهلاكية مضادة لاوروك لا تمت في حال من الأحوال الى البطولة ، انها مراوحة في الزمن والمكان ، انه انسلاخ ، أما الأمل فهو المعقود على العزم الهادئ والترتيب المنطقي للتخلص من نسيج العنكبوت ( المنفى !!!!! ) هو التوق الى وطن آمن تتفاعل فيه خبرات هائلة مغربةً قسراً ، سؤلُها وأمنيتها أن تتقد في عراق طالع للتو من 35 عاما من التجهيل والظلام . تشير الدراسات عن ( ألسيسو ) بأنه عزم هادئ وان كان من ورائه توتر وتحفز ، وهو عزم بارد في الظاهر وان كان في ثناياه أحر من اللهبة الزرقاء ، وهو عزم صامت لاتبجح فيه ولا ادعاء ، ولا شكوى ولا أنين ، وهو عزم رهيب لاهوادة فيه ولارحمة .." . قال أحد المتقاعدين من عمداء الجيش الفلندي : " ان فلاحينا يعملون في الغابات وفي البحرات المتجمدة في شروط قاسية لايطيقها سواهم من بني الانسان : انه السيسو . ، وان ملاحينا يلقون في بحر الشمال من العنت ومن الأخطار مايفل الحديد : انه السيسو . وان جنودنا أبدوا من البطولة في شتاء الهزيمة الأخير ماقل نظيره في التاريخ : انه السيسو ، وان فتياتنا وفتياننا ينتزعون اكاليل الغار في ميادين الرياضة ومبارياتها العالمية : انه السيسو . ان التاو في ابائه والسيسو في عزيمته معادلان موضوعيان لأية مفردة مختلفة في اللفظ مشابهة بالمعنى ، نجدها في قواميس الشعوب بصيغ متعددة فهل ( اوروك ) هي المعادل الشامل لهوية العراقيين التي تمر اليوم بأشد حالات الامتحان الوطني والجبهوي أم اننا نعمل على تشتيت قوانا وتجزيئ ما هو عام بمبررات الخصوصية والانتماء العرقي أو الفكري ؟ هل هي عشتار بابل لوحدها أم آشور ؟، هل هي نوروز كاوا الحداد أم العروبة أم التركمان ؟ هل هي المراقد المقدسة أم الكنائس أم الفكر العلماني وحركة العمال والفلاحين . هل هي شهادات ثورة العشرين أم دماء الزعيم عبد الكريم قاسم والأمثلة عديدة ... هل كان دم كل شهيد من هذا المنار العراقي ليس قربانا وغارا على عتبات العراق الوضيئة ؟.. والسؤآ ل الأهم :
هل نحن هذه ( الاوروك ) الجامعة المانعة ؟ التي تعني التفافنا المفترض المنشود ؟ بعيدا عن التجزئة والحزبنة والقومنة الخ ..
. هل نستقي الدروس من الشعوب الاخرى ؟ من البطل الدانماركي ( الروح ) الذي ينهض كلما انعطفت البلاد في ازمة وطنية .. من هكذا سقينا الفولاذ ؟ ، من كومونة باريس ؟ من التاو ، من السيسو من عشرات الاهابات والمثل والالياذات والاوديسات ؟ من أين نستقي ؟ ان البلاد التي انعطفت أو تنعطف في أصعب مراحل حياتها لابد ان تستقي من ( اوروك ) فهو وحده القادرعلى اعادة الروح العراقية الى الأبناءجميعا في زيادة غالبة من التكاتف والتآخي والتصافي والعمل المشترك وانقاذ الانسان العراقي في رقعة العراق الجامعة الموحدة المتلاحمة المتكاتفة بعيدا عن الاستئثار بالمال والمنصب وافضلية العِرْق . ان اوروك يقف ولابد أن يقف في وجه ( نارسيس ) الذي اعتقد بأنه الأفضل والأجدر والمناسب دون سواه بل الأجمل والأكثر وسامة ! ونارسيس : فتى اسطوري جميل الوجه ، نظر صورته في الماء فعشقها وظل يتأملها الى أن مات ونبت مكان موته زهرة حملت اسمه .... ألسنا هكذا جزئيا أو حزبيا لو افترضنا بأن لازهرة ستوضع على قبرنا لو متنا ونحن نتطلع فقط الى وجوهنا الجميلة دون غيرها ؟! ... نعم قد قد تكون جنائزنا كثيرة وولاداتنا عسيرة لكن اوروك أسمى . والتاو ضد اللصوص سارقي كبد الأُم وأموال الأبناء وما يؤتمنون عليه من المال العام ، والسيسو ضد اولئك الخائرين عزما والمتهافتين على المنصبية ، واوروك هومثلث الصمود والاباء والعزم في صعود باهر نحو ذرى الغد الآمن السعيد .. واوروك ، بما حوله من حرائق ، أجل وأسمى .
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوس الفلسفة في قزح الشعر
-
أُمهات البلاد الحبيبة
-
الذباب بين الفكر الفلسفي والواقع المحسوس
-
على هامش الفلسفة الوجودية
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|