|
-لا- ل -الإسلام السياسي-.. -نَعَم- للدستور الجديد!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3930 - 2012 / 12 / 3 - 09:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يَحِقُّ لكل من عايَن "الاحتشاد الشعبي الهائل" لتأييد الرئيس المصري (المدني الإسلامي المُنْتَخب) محمد مرسي، والذي أَطْلَق عليه منظِّموه اسم "مليونية الشرعية والشريعة"، وكان من مناوئي الرئيس مرسي، و"الإسلام السياسي"، أنْ يتساءل، في استنكار ودهشة واستغراب، قائلاً: "أهذه هي الدولة الديمقراطية المدنية التي من أجلها قامت ثورة 25 يناير، والتي تنشدها ثورات الربيع العربي على وجه العموم؟!". قَرَأْتُ الشعارات في اللافتات، وسَمِعْتُ الهتافات، والكلمات والخُطَب الوجيزة التي أُلْقِيَت من على المنصَّة، ورَاَيْتُ "السَّلفية"، رجالاً ونساءً، أزياءً ووجوهاً ولِحى، تملأ المكان والزَّمان؛ ولولا الخطاب المختلف، شكلاً ومضموناً، لغةً ومعنىً، للرئيس مرسي، بعد تسلُّمه المسودة النهائية للدستور المصري الجديد، لقُلْتُ إنَّ ثورة 25 يناير (الديمقراطية) قد أزالت، بخلعها الدكتاتور حسني مبارك، عقبة من طريق قيام "ثورة خمينية"؛ لكن "سنية"؛ ولكَمْ بَدَت لي الهوَّة واسعة بين مرسي ومسودة الدستور وبين هذا "الشعب" الذي نزل (وأُنْزِل) إلى الشارع لتأييده، وللدعوة إلى "تطبيق الشريعة"، و"تحكيم شرع الله"؛ ولقد تأكَّد لي، عندئذٍ، أنَّ عهد الدكتاتور مبارك كان عداءً للشعب بأسره، ليسارييه، وليبرالييه، وعلمانيه، وقومييه، وإسلامييه من شتَّى الصُّنوف، وأنَّ كلَّ مَنْ نَزَل إلى "ميدان التحرير"، في الخامس والعشرين من يناير 2011، كان يَنْظُر إلى مبارك وعهده من خلال "الصُّورة" التي رسمها له؛ فكانت لهذا الدكتاتور وعهده عشرات "الصُّور"، وكان للثائرين عليه، من ثمَّ، دوافِع شتَّى مختلفة ومتباينة؛ فثمَّة من ثار عليه؛ لأنَّه مستبِد سياسياً، وفاسِد، ومعادٍ للحقوق الديمقراطية لشعبه، وثمَّة من ثار عليه؛ لأنَّه مُفرِّط في الحقوق القومية للشعب والأمَّة، ومتحالِف مع أعدائنا القوميين، وفي مقدَّمهم إسرائيل، وثمَّة من ثار عليه؛ لأنَّه مُفْقِرٌ للشعب، مُوسِّعٌ للهوَّة بين فقرائه وأغنيائه، وثمَّة من ثار عليه؛ لأنَّه علماني وكافر، لا يُطبِّق "الشريعة"، ولا يُحكِّم "شرع الله". "الثورة (عليه)" وحدَّتهم جميعاً؛ فهذا من سُنَن الثورات الشعبية؛ أمَّا "السلطة"، وهذا من سُننها، فشرعت تُفرِّقهم؛ ولقد تقرَّقوا بما جَعَل الشارع شارعين اثنين: شارع يتَّسِع لكل صنوف "الإسلام السياسي"، ويضيق بكثيرٍ من غيرهم، وشارع ضمَّ الليبراليين واليساريين والعلمانيين والقوميين والأقباط؛ ضاق بكثيرٍ من الإسلاميين؛ لكنَّه اتَّسَع لكثيرٍ من المنتمين إلى العهد البائد. أنا شخصياً لا يسرني أبداً أنْ أرى هذا الثِّقَل الشعبي الهائل لأحزاب وقوى "الإسلام السياسي"، وللقائلين منهم بـ "تطبيق الشريعة"، و"تحكيم شرع الله"، على وجه الخصوص؛ لكن هل هذا الذي أراه، ولا تسرني رؤيته، يَصْلُح دليلاً على انتفاء الديمقراطية (ولو بحدِّها الأدنى) أمْ يَصْلُح دليلاً على وجودها؟ عهد مبارك الدكتاتوري لم يكن، على ما يتوهَّم بعض المثقَّفين المناوئين لـ "الإسلام السياسي"، نَفْياً لقوى "الإسلام السياسي"، التي ما زالت، فكراً وخطاباً وشعاراً وممارَسةً، عقبة كأداء في الطريق المؤدِّية إلى قيام "الدولة الديمقراطية المدنية"؛ فذاك العهد كان "الرَّحم" الذي فيه نما هذا "الجنين"، أيْ قوى "الإسلام السياسي"؛ أمَّا "الربيع الثوري الديمقراطي" في مصر فكان "القابلة" التي على يديها وُلِدَت تلك القوى، وأبصرت النور؛ فالديمقراطية (ولو بحدِّها الأدنى) لا تَخْلق من العدم "الإسلام السياسي"، قوى وجماعات ونزعات واتِّجاهات؛ وإنَّما تُظْهِر (ليس إلاَّ) ما كان منه (أيْ من "الإسلام السياسي") كامناً؛ وهي (أيْ الديمقراطية) لا تَجْعَل المجتمع يُعطي إلاَّ ما يملك؛ فإنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، ولو أسبغنا على المجتمع المصري نعمة الديمقراطية السويدية. لقد خرجوا (بفضل "الربيع الثوري الديمقراطي") من "الظلمات" إلى "النور"، ولو كانوا، أو كان بعضهم، أقرب إلى "الظلمات" منه إلى "النور"؛ ولم يكن في وُسْع أي ديمقراطي (ينشد "الدولة الديمقراطية المدنية") أنْ يمنعهم من الخروج، أو يعيدهم إلى "الظلمات"، من غير أنْ يُقوِّض بنفسه، وفي الوقت نفسه، أساس الديمقراطية الوليدة الناشئة. في الغرب تستطيع أنْ تنتصر للقِيَم والمبادئ الديمقراطية (العالمية) كافة، ولـ "الدولة المدنية"، بمعانيها ومقوِّماتها وأوجهها كافة، فيَنْتَصِر لها معكَ الشعب كله تقريباً؛ أمَّا عندنا، والآن، حيث "الربيع الثوري الديمقراطي" ما زال يَحْبو، ولم يمشِ على قدميه بَعْد، فلن تستطيع الانتصار لهذه وتلك من غير أنْ تَهْزِم الغالبية الشعبية، أو تجعلها تَهْزمكَ. بما تيسَّر للشعب المصري (حتى الآن) من ديمقراطية ظَهَر وطفا إلى السطح (من حياته السياسية والفكرية) كثيرٌ من ميوله ونزعاته واتِّجاهاته التي ليست من جنس الميول والنزعات والاتِّجاهات التي تسمح بقيام "دولة ديمقراطية مدنية (على الطراز الغربي)"؛ وكانت الغلبة الشعبية والانتخابية، من ثم، لقوى وأحزاب "الإسلام السياسي"، التي ترى الديمقراطية على هيئة "صندوق اقتراع" فحسب، أو في المقام الأوَّل؛ لكنَّ هذا المسار الذي يسير فيه "الإسلام السياسي" صعوداً، والذي لا تسرني رؤيته، هو نفسه الذي يمكن ويجب أنْ يسير فيه هبوطاً؛ فـ "الإسلام السياسي" لا يمكنه أنْ يسير في هذا المسار صعوداً من غير أنْ يَسْتَجْمِع، في الوقت نفسه، أسباب السَّيْر فيه هبوطاً؛ على أنْ يستمر، ويَعْظُم، الضغط الشعبي "الآخر"، والسِّلمي، لِرَفْع منسوب الديمقراطية، في استمرار، في حياة المجتمع السياسية، وغير السياسية؛ وأحسبُ أنَّ في المسودة النهائية للدستور المصري الجديد من المواد الجيِّدة ديمقراطياً ما يسمح، غداً، أو مستقبلاً، لقوى "الدولة الديمقراطية المدنية" بتعديل، أو تغيير، هذا المسار؛ لكنَّ هذه القوى لن تنجح في سعيها هذا إلاَّ إذا احتفظت بخصومتها الديمقراطية (والعلمانية واليسارية) لـ "الإسلام السياسي"، وأبدت، في الوقت نفسه، عداءً شديداً كُلِّيَّاً للعهد البائد، بكل قواه وجماعاته ومؤسساته ورموزه، وأيَّدت "مسودة الدستور"، والاستفتاء الشعبي المقبل طريقاً إلى إقراره، وجَعَلَت نفسها الحارس الأوَّل للدستور الجديد، الذي يشتمل على ما يَجُعل تعديله، أو تغييره، أمراً من السهولة بمكان.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-صاروخ فَجْر- الذي أُطْلِق من نيويورك!
-
كَمْ هو -غالٍ- هذا -المجَّاني- في -العرض الإيراني-!
-
هل نحن أهْلٌ للديمقراطية؟
-
حتى لا تَفْقِد الثورة المصرية بوصلتها!
-
اقتراحٌ لحلِّ الأزمة بين قوى الثورة المصرية!
-
حذار من الوقوع في هذا الشَّرك!
-
من -مخيَّم اليرموك- إلى -قطاع غزة-!
-
معنى -النَّصر- و-الهزيمة- في -عمود السحاب-!
-
هذا ما ينبغي للعرب فعله الآن!
-
غزَّة بمعانيها الجديدة!
-
29 تشرين الثاني 2012!
-
ذَهَبَ الذَّهبي وبقيت -الدَّجاجة التي تبيض ذهباً-!
-
اغتيال عرفات لم يَنْتَهِ بَعْد!
-
المرأة في ثقافتنا الشعبية!
-
أوباما الثاني والأخير!
-
حلُّ مشكلة -حق العودة- بعدم حلها!
-
هكذا أَفْهَم تصريحات عباس!
-
بلفور بأُصوله وفروعه!
-
المكيافلية والصراع في سورية!
-
إسرائيل تَضْرِب في السودان ردَّاً على -طائرة إيران-!
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|