أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد القبانجي - حقوق الانسان من منظور اسلامي















المزيد.....



حقوق الانسان من منظور اسلامي


أحمد القبانجي

الحوار المتمدن-العدد: 3929 - 2012 / 12 / 2 - 23:45
المحور: حقوق الانسان
    


سبق للأحزاب الإسلامية والمجاميع العلمية في الوطن العربي والإسلامي إصدار العديد من الدساتير المقترحة حول حقوق الإنسان من منظور إسلامي من قبيل ما صدر عن جمعية الاخوان المسلمين في مصر، ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف ومشروع رابطة العالم الإسلامي، سوى ما أصدره الكتّاب الأسلاميون في هذا المجال من كتب ومقالات كثيرة تتناول البنى التحتية والمفردات التفصيلية للحقوق في نظر الإسلام مقارنة بما ورد في الحقوق الوضعية الغربية وخاصة ما ورد في لائحة حقوق الإنسان.
ولكن أول إصدار رسمي يصدر عن الدول الإسلامية في هذا الشأن هو ما أقرّه مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية في عام 1990م في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في القاهرة وقد جاء فيه:
«مساهمة في الجهود البشرية المتعلقة بحقوق الإنسان التى تهدف إلى حمايته من الاستغلال والاضطهاد، وتهتدي إلى تأكيد حريته وحقوقه في الحياة الكريمة تتفق مع الشريعة الإسلامية... وإيمانا بأنّ الحقوق الإنسانية والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين لا يملك أحد بشكل مبدئي تعطيلها كليا أو جزئيا... إنّ الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، تأسيسا على ذلك تعلن ما يلي.. »
وقد تضمن الاعلان خمسا وعشرين مادة، تحدثت عن المساواة في أصل الكرامة والتكليف، حق الحياة، حق بناء الاُسرة، حق الطفل في التربية والرعاية، حق التعليم، حق العمل الذي تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه، حرية الرأي، حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها.
وكان مما جاء في المادة الخامسةوالعشرين:
»الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد هذه الوثيقة«
وعندمانقرأ المواد المذكورة في هذا الاعلان لحقوق الإنسان الإسلامية لا نجد فرقا جوهريا مع حقوق الإنسان المذكورة في لائحة هيئة الاُمم المتحدة سوى بعض القيود المذكورة في اعلان القاهرة التي تكبل هذه اللائحة بما ورد في النصوص الإسلامية وتجعلها محكومة للموروث الفقهي واجتهادات الفقهاء المتباينة أحيانا، وبالتالي لا يمكنها الانفتاح على أجواء المجتمعات الإسلامية المعاصرة على مستوى التطبيق والممارسة، وأساسا كيف يمكن أن تكون الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير مواد هذه الوثيقة - كما جاء في البيان المذكور - ونحن نعلم أنّ الشريعة الإسلامية الحقة ليست في متناول أحد من المسلمين، والموجود منها هو اجتهادات متنوعة وفكر بشري قد يخطي‏ء وقد يصيب، فكيف يكون هذا الفكر البشري المتضارب والفهم المتنوع للنصوص الدينية هو المعيار للحقوق؟ ولماذا لا يكون المعيار هو ما يدركه الوجدان البشري والفطرة الإنسانية من حقوق تربط الإنسان بأخيه الإنسان بعيدا عن كل إشكال التفرقة في اللغة والدين والقومية وما إلى ذلك؟
المشكلة التي يعاني منها أرباب الفكر الإسلامي التقليدي في دائرة الحقوق والأخلاق هو أنّهم تصوروا وجود اختلاف أو تباين بين التشريع البشري والتشريع الإلهي في صياغة مفردات الحقوق وتفاصيل الأخلاق، في حين أنّ الاختلاف المزعوم هو اختلاف ظاهري فقط، كما في اختلاف ماء المطر النازل من السماء عن ماء النهر النابع من العيون، وحقيقتهما واحدة حيث إنّ العيون بدورها تستقي ماءها من الأمطار ومن الثلوج في أعالي الجبال، وهكذا فيما نحن فيه، فالوجدان البشري نور رباني وروح إلهي نفخه اللَّه في الإنسان ليدرك الخير والشر الحقيقيين، كما قال تعالى:
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْواها الشمس، 7 - 8.
فهو مصدر إلهي في أعماق فطرة الإنسان إلى جانب مصدر (الوحي) في عملية التشريع، ولذا قال الحكماء المسلمين: «الأحكام الشرعية ألطاف في الأحكام العقلية»، وبهذا أيضا صار العقل أحد مصادر التشريع في الفقه الإسلامي إلى جانب الكتاب والسنة وقرر الاُصوليون أيضا قاعدة «كلما حكم به العقل حكم به الشرع وبالعكس»، ومن هذا القبيل أيضا ما ورد في الروايات الشريفة عن الإمام الصادق(ع): «إنّ للَّه على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنية، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأمّا الباطنة فالعقول. »
المشكلة التي يعاني منها التفكير الفقهي في أوساطنا الدينية هي أنّ الفقهاء يتعاملون مع الواقع الاجتماعي والسياسي بلغة النصوص الواردة في الموروث الديني، أي يتحركون في عملية الاستنباط واكتشاف الحقوق الفردية والاجتماعية للإنسان من موقع الحجة الظاهرة فقط ولا يعملون على تأسيس وعي أخلاقي وحقوقي قائم على أساس الفطرة والعقل الوجداني أو الحجة الباطنة، ولذلك جاءت آراءهم وتحليلاتهم بعيدة عن أية صيغة عقلائية في دائرة الاختيار الإنساني، أي أنّهم يتحركون في حالة التزاحم بين النص والعقل، أو بين الحجة الظاهرة والحجة الباطنة، من موقع التعبد بالنص على حساب تهميش العقل، أو التعبد بالحجة الظاهرة على حساب اقصاء وتجميد الحجة الباطنة، بينما المفروض هو العكس، فعندما يقع التزاحم في دائرة الحقوق والأخلاق (لا في دائرة العبادات كالصلاة والصوم) بين الحجة الظاهرة (الوحي والنصوص الوحيانية) وبين الحجة الباطنة (الفطرة والوجدان) لابدّ من الأخذ بالحجة الباطنة وترجيح المرتكزات العقلية في مثل هذه المسائل وكليهما وحي إلهي وإسلامي، إلاّ أنّ أحدهما يستقي من الذات الإلهية من خلال مسيرة فكرية تاريخية لعلماء الإسلام بلغت 14 قرنا حتى يصل بنا إلى المصدر الاساس للتشريع، والآخر يستقي من الذات الإلهية من خلال فاصلة قريبة جدا عن المصدر، أي ما يعيشه الإنسان من حالات وجودية وعلم حضوري بأحكام اللَّه الوجدانية وبما يقذفه اللَّه تعالى في قلبه من إلهام رباني بحسن العدل وقبح الظلم اللذان يمثلان الأصل والأساس لجميع القيم الأخلاقية والقوانين الحقوقية.
ومن هنا يتبين الخطأ الذي وقع فيه بعض الكّتاب الإسلاميين والفقهاء التقليديين في دائرة حقوق الإنسان حيث تصوروا أنّ حقوق الإنسان التي وردت في أعلان الاُمم المتحدة هي صياغة بشرية للحقوق، والوارد في النصوص الإسلامية هي صياغة إلهية، ومعلوم أنّ الإلهي أفضل من البشري، والسماوي أفضل من الأرضي، فكان لابدّ من البحث في ركام النصوص وخبايا التراث للعثور على اُصول دينية لحقوق الإنسان والتصدي لحالة الانبهار بالفكر الغربي لدى الشباب المسلم بهذه الطريقة، غافلين عن أنّ نفس هذه المحاولة تستبطن تناقضا منطقيا ينطلق من موقع وصف هذه الحقوق بأنّها إسلامية، أي متطابقة مع الإسلام والحال أنّ الإسلام يجب أن يتطابق مع الحقوق.
فنحن نعلم بحقانية الدين الإسلامي وأنّه من اللَّه تعالى لأنّ تعاليمه تتطابق مع الوجدان والعقل الفطري، ونرفض أي دين أو مذهب سماوي أو أرضي إذا كان يتقاطع مع تعاليم الوجدان، ولذلك ورد في الحديث الشريف:
»إنّما بعثت لاُتمم مكارم الأخلاق«.
فالدين الحق هو الذي يهدف إلى تقوية الأخلاق ودعم الحقوق الفطرية في واقع الإنسان والمجتمع البشري لا أنّ يؤسس لحقوق وأخلاق جديدة ويفرضها على الإنسان كضرورة دينية وحضارية تعبدية.
وهذا هو ما ورد في الخطابات القرآنية للإنسان والبشرية في مجال الأمر بالعدل والاحسان وعمل الخير، والنهي عن الظلم والشر من قبيل قول تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل: 90 .
وهنا يقول العلماء بأنّ هذا الأمر هو أمر إرشادي‏لما حكم به العقل من حسن العدل والاحسان وليس أمرا مولويا تأسيسيا حتى يقال بضرورة التعبد بالنص، أي أنّ مفهوم العدل ومصاديقه يدركها الإنسان بعقله ووجدانه، وإنّما جاءت النصوص الوحيانية لتوكيد هذا المعنى في واقع الإنسان والمجتمع البشري، وبكلمة اُخرى: أنّ هذه النصوص القرآنية أو الوحي الظاهر جاء لتأييد الوحي الباطن وتوكيده، وهذا هو أعظم عمل قام به الأنبياء حيث ربطوا بين الوحي والباطن والوحي الظاهر وأكّدوا للإنسان أنّ ما يجده في أعماق نفسه وفطرته إنّما هي أنوار إلهية مستوحاة من الروح القدسي الذي نفخه اللَّه تعالى فيه، وقد قام الأنبياء بعملية شرح وتفسير لهذه الأحكام الوجدانية، وهو قوله تعالى:
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍالغاشية 12 و 22.
فمهمّة النبي تذكير الإنسان بما يجده حاضرا في أعماق نفسه من أحكام أخلاقية وقوانين حقوقية لا أكثر وتثوير عناصر الخير والصلاح، وهو قول أميرالمؤمنين (ع) في نهج البلاغة في حديثه عن الغاية من بعث الأنبياء «ليثيروا فيهم دفائن العقول. »
والظاهر أن السبب الذي دفع الفقهاء للجمود على النصوص في دائرة الحقوق أمران:
الأول:توهّمهم أن جميع الأحكام الشرعية هي من قبيل العبادات التي يتحرّك فيها المكلّف من موقع التعبّد لأن «دين الله لايصاب بالعقول»، والحال أن المعاملات التي تقوم أساساً على الحقوق ليست كذلك. إذْ بإمكان العقل العملي إدراك وجه المصلحة أو المفسدة فيها، والشاهد على ذلك أن هذه الأحكام «كالبيع والشراء والوكالة والرهن و... » تبتني أساساً على «سيرة العقلاء» والشارع قد أمضى هذه السيرة في دائرة المعاملات.
والثاني: توهّمهم وجود مصالح خفية أخروية في المعاملات تدعو الفقيه للتعبّد بالنصّ وعدم المرونة في عملية الإستنباط الفقهي حيال هذه الأحكام، في حين أن الغرض منها دنيوي بحت وهو حلّ النزاع والخصومة بين طرفين لا أكثر.
مع الشيخ جوادي الآملي في تنظيره لحقوق الإنسان
إنّ الرؤية المتقدمة عن حقوق الإنسان الإسلامية تنسجم مع ما ذهبت إليه الأشاعرة، وهم أغلبية علماء أهل السنة، من التحسين والتقبيح الشرعيين، فالعدل هو مارآه الشرع عدلاً لا ما يراه العقل ولذلك كان من اللازم استيحاء الحقوق والقوانين العادلة من الشريعة فقط، وليس للعقل أي دور في صياغة القوانين العادلة، ولكن الغريب أن يصدر هذا الكلام من بعض علماء الشيعة وفقهائهم كالشيخ جوادي الآملي في كتابه (حقوق الإنسان) والمعروف عن علماء الشيعة ومنهم سماحة الشيخ الآملي انهم لا يرون رأي الأشاعرة بل يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين كما هو مذهب المعتزلة في هذه المسألة، وهذا يعني أنّ العدل والظلم ومصاديقهما تدرك بالعقل قبل الشرع، وإلاّ لاستحال إثبات أي شي‏ء يتعلق بالعدل الإلهي أو حقانية الشريعة السماوية أو إثبات هدف الأنبياء وأمثال ذلك مما هو مقرر في علم الكلام، ولكن مع ذلك فانّ الشيخ جوادي الآملي عندما يبحث مسألة حقوق الإنسان يرى رأي الأشاعرة في ضرورة أن تؤخذ هذه الحقوق من الشرع لا من العقل، يقول في كتابه المذكور:
« الفصل الثاني: في أنّ حق تعيين حقوق الإنسان من شأن اللَّه فقط:
إنّ البعض تصوروا إمكان تدوين حقوق الإنسان بدون الأخذ بنظر الاعتبار إرتباط الإنسان بالكون والرؤية الكونية، إنّ تدوين هذه الائحة المسماة بلائحة حقوق الإنسان وامضائها ليس بصلاح ونفع جميع أو أكثر أفراد البشر في العالم اطلاقا، لأنّ الحق ليس من قبيل الاعتباريات المحضة كالآداب والرسوم والتقاليد العرفية، بل يقوم على أساس الرابطة الخاصة التي تربط الإنسان بالعالم، ولابدّ لتدوين حقوق الإنسان من قانون أساسي عالمي تدوّن فيه الاُصول الكلية ويعدّ منبعا للقوانين الاُخرى، ومثل هذا القانون الكلي لا يمكن أن يؤخذ من العرف والآداب والتقاليد البشرية، لأنّ منبع هذا الحق يجب أن يكون ثابتا ومشتركا بين أفراد البشر، وهذه الآداب والاعراف متغيرة وغير مشتركة بين الناس، ولهذا كان هذا الحق منحصرا باللَّه تعالى لانّ اللَّه تعالى عالم على الاطلاق: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الاْرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ) يونس: 16 .
فمن المحال أن يقع الجهل أو النسيان بحضرته:
وَمَا كَانَ رَبُّكََ نَسِيّا مريم: 46.
ومن جهة اُخرى - والكلام لا زال للشيخ الآملي - فانّ (الفطرة) هي العنصر المشترك بين الناس والتي يعبّر عنها القرآن الكريم بالروح وهي غير قابلة للتبدل والتغير: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، واعتبرها القرآن منبعا أصيلاً ولكن المنبع الأهم منها هو (الوحي)، ولهذا أمر القرآن الكريم جميع البشر ومنهم النبي الأكرم أن لا يضعوا قانونا من أنفسهم حيث يقول:
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُالقيامة:17.
فاذا كان هذا هو حال النبي، فكيف بغيره من الأشخاص الآخرين.
ثم يستدل المؤلف المذكور على هذا المطلب بقوله:
«إنّ من الضروري كمقدمة لتعيين حقوق الإنسان أن نعرف الإنسان بجميع حاجاته وأبعاده في الحياة، ومن الواضح أنّ اللَّه تعالى فقط هو الذي يعرف جميع هذه الأبعاد، ومن هنا فان تعيين حقوق الإنسان ينحصر باللَّه تعالى، وهذا المعنى من الإرتباط الوثيق بين التكوين والتشريع في عالم الوجود ورد في الآيات القرآنية الشريفة من قوله تعالى على لسان نبيّه الكريم:
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ‏ءٍ الانعام: 164 .
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ طَوْعا وَكَرْها وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ. آل عمران:83.
فالمعلوم الذي يتضمنه هذا الخطاب الإلهي هو أنّ جميع الكائنات منقادة إلى اللَّه تعالى ومسلّمة أمرها بيده، وعليه فلا ينبغي أن يؤخذ الدين الذي هو مجموعة القوانين والاعتقادات إلاّ من اللَّه تعالى وفق دساتيره وتعلمياته».

المناقشة
وهذا الكلام لسماحة الاستاذ الآملي يستحق المناقشة من عدّة وجوه:
الأول: ما تقدم من أنّ الحقوق والأخلاق ينبغي أن تؤخذ من خارج دائرة الدين بمقتضى أصل التحسين والتقبيح العقليين الذي يعدّ أصلاً أساسيا ومحوريا لجميع منظومة العقائد لدى الشيعة الإمامية، وإلا لاستحال إثبات حقانية الرسول والرسالة الإلهية كما هو المسّلم به في اُصول الاعتقادات وهذا هو ما نتمسك به لدفع الأديان المحرّفة والمذاهب المنتحلة لمخالفة بعض معتقداتها للعقل كقول المسيحية أنّ عيسى ابن اللَّه وقول اليهود بأنّهم شعب اللَّه المختار وقول الثنوية بوجود إلهين اثنين، إله الخير وإله الشر وأمثال ذلك.
هذا على مستوى العقل النظري، أمّا على مستوى الحقوق والأخلاق ومدركات العقل العملي فلا يختلف الحال، فلو أيّد الإسلام وأد البنات، أو قال بجواز اعتداء الأولاد على الوالدين، أو قال بجواز حرق الزوجة وهي حيّة مع زوجها الميت كما في تقاليد قدماء الهندوس، لعلمنا بطلان مثل هذا الدين وإن جاء المبشّر به بألف معجزة لإثبات أنّه مرسل من اللَّه تعالى، وأساسا فاننا لا نعترف بإله ظالم ومعتدٍ اطلاقا، فمثل هذا الإله غير موجود حتى يمكن الاعتراف به والإيمان بوجوده، وليس هناك معيارلمعرفة هذه الأمور قبل الإيمان بالرسالة والدين سوى العقل الفطري والوجدان و حتى بعد الإيمان بالرسالة الإلهية تبقى اصالة العقل وحاكميته على التشريعات الواردة في النصوص محفوظة، فلو أفتى بعض الفقهاء بجواز ضرب الزوجة والأولاد بدون مبرر لرفضنا أن تكون هذه الفتوى مستوحاة من الدين الإلهي والشريعة المقدسة.
كل هذا يعني أنّ مسألة الحقوق لا يمكن اقتباسها من الشريعة للزوم الدور، أما ما ورد في الفقه من حق الميراث وتعيين الحصص من قبل الشارع، فليست هي بمعنى الحق المبحوث عنه، وإنّما هي تقدير نصاب السهام في الإرث، فبهذا المعنى يجوز أن يؤخذ تقدير هذه الحصص من الشريعة ولا يستلزم ذلك ظلما على أحد، ومعلوم أنّ هذا المعنى من الحق (أي تعيين السهام والحصص) خارج عن محل الكلام.
هذا وقد تصور بعض الكّتاب الإسلاميين أنّ ما ورد عن الإمام زين العابدين(ع) باسم (رسالة الحقوق) تعبّر عن منظومة ونظام حقوقي متكامل يقوم على محورية الحق تعالى وينطلق من رؤية الرسالة المقدسة للقانون والمبادي‏ء الحقوقية في معاملات المجتمع البشري بعامة.
والحال أنّه تصور ساذج، لأنّ الرسالة المذكورة وإن جاءت بعنوان الحقوق واستعرضت في مضامينها حقوقا في ظاهر الحال، إلاّ أنّها ليست سوى رسالة أخلاقية لا أكثر، والحق المذكور فيها هو الحق الأخلاقي الذي يدخل في مقولة التكاليف، أي أنّ الخطاب موجّه فيها للإنسان المؤمن بما هو مكلّف بمراعاة هذه الحقوق لا بما أنّ له الحق على الآخرين، ولذلك عندما يقول (ع) مثلاً «إنّ حق جارك أن تخدمه أو تعفو عنه عند الإساءة»، فلا يقصد الحق بالمعنى المعاصر والذي يسوّغ لصاحب الحق المطالبة بحقه عند امتناعك من القيام بخدمته ويشكوك إلى المحكمة كما هو الحال في حق مطالبة الدائن من المدين عند بلوغ الأجل، ولذلك اقتصرت الرسالة على التوصية فقط من دون أن يكون المراد هو عملية التقنين، نعم يمكن أن تصاغ بعض القوانين والمقررات الاجتماعية على ضوئها للإرتباط الوثيق بين الأخلاق والحقوق، ورغم ذلك فانّ هذا لا يعني أنّ القوانين المستقاة من هذه الرسالة الشريفة هي قوانين شرعية بالأصل، ولذلك لم يعتمدها الفقهاء في استنباطاتهم الحقوقية.
ثانيا: ما يورده العلمانيون على هذه الاطروحة الإسلامية من تضارب الآراء والفتاوى بين علماء المذاهب الإسلامية في صياغة هذه الحقوق، بل اختلاف الفقهاء من مذهب واحد في هذه المسألة, فاذا لم نستطع ترتيب الحقوق في داخل البيت الإسلامي، فكيف نريد تقنين صياغة شاملة وكاملة لحقوق الإنسان يوافق عليها جميع أفراد البشر من غير المسلمين؟ وإذا قلنا بأنّ المشّرع لهذه الحقوق هو اللَّه تعالى كما رأينا في كلام الاستاذ الآملي، فسوف يثار سؤال عن كيفية اقتباس هذه الحقوق من اللَّه تعالى ولماذا يجب أن يكون منحصرا بالشريعة الإسلامية، ومعلوم أنّ الملتزم بدين معين، سماوي أو أرضي، له قناعاته بدينه وليس من المعقول أن يجبر على أخذ هذه الحقوق من دين غير دينه وإله غير إلهه, والمفروض بلائحة حقوق الإنسان العالمية أن تكون مستوعبة لجميع الشعوب البشرية على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم وأفكارهم, والطرح المذكور يحصر حقوق الإنسان بالدائرة الإسلامية فقط، وأكثر من ذلك أنّه يحصرها أيضا بدائرة الحقوق الواردة في الفقه الشيعي فقط، أي يحدد هذه الحقوق بحدود الرؤية الشيعية لعدم قبول الشيعة لفقه أهل السنة الذي يقوم على القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ثم تضيق الدائرة في دائرة فقهاء الشيعة أكثر من ذلك حتى تنحصر بفئة خاصة من فقهاء الشيعة الذين يقولون في الحقوق السياسية مثلاً بولاية الفقيه (كما يراها الشيخ الآملي) فعندما يراد تدوين الحقوق السياسية للشعب ومنها حق انتخاب الحاكم وشكل الحكومة نجد أنّ الطرح المذكور لا يوافق على هذا الحق لاعتقاد صاحبه بالتنصيب الإلهي للفقيه على الاُمّة امتدادا لولاية النبي والأئمّة المعصومين (ع) كما قرأنا في الفصل السابق، وهكذا يؤدّي الالتزام بهذه الاطروحة إلى مصادرة كثير من الحقوق المسلّمة للإنسان تحت ستار المشروعية الإلهية للحقوق!!
ثالثا: أمّا بالنسبة إلى الاستدلال بالنصوص على المطلوب، فهو ليس أكثر من قراءة للنصوص في ضوء المسبوقات الفكرية للمؤلف دون أن تكون لها أدنى دلالة على المطلوب، وعلى سبيل المثال الاستدلال بقوله تعالى:
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ القيامة:17.
على صدور المنع الإلهي للرسول الكريم في مجال التقنين والتشريع وأنّ رسول اللَّه لا يحق له إصدار أي قانون سوى ما ورد في القرآن الكريم، وبحكم الأولوية يسري هذا المنع لجميع أفراد البشر، مع العلم بأنّ هذه الآية الشريفة تعتبر نصا (وليس ظاهرا) في نهي النبي الكريم عن استباق الوحي واستعجاله، والمعنى كما يقول العلاّمة الطباطبائي في الميزان: «لا تحرك بالوحي لسانك لتأخذه عاجلاً فتسبقنا إلى قراءة ما لم نقرأ بعد، فهو كما مرّ في معـنى قوله:ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه طه 114 حيث تقدم في تفسيرها أنّ هذا النهي عن العجل بالقرآن يؤيد ما ورد في الروايات أنّ للقرآن نزولاً على النبي دفعة غير نزوله التدريجي» وهذا يعني أنّ المقصود هو الاستعجال بالقرآن بما هو ألفاظ وعبارات شاملة لكل ما نزل به الوحي من قصص النبيين والأقوام السالفة والمواعظ الاخلاقية والقضايا العقائدية، وليس له دلالة اطلاقا على منع النبي من تشريع قانون اجتماعي أو حكم من أحكام القضاء، مع العلم أن هذه المسألة خلافية بين علماء الإسلام، وهي أنّ النبي هل له حق التشريع أم لا؟ والأكثر ذهبوا إلى تقرير هذا الحق للنبي وأنّ النبي كان يمارس عملية التقنين في دائرة إيجاد الحلول التي تلامس أزمات المجتمع وتحديات الواقع، وهل يعقل أن الشارع المقدس أعطى هذا الحق للفقيه في هذا العصر لكي يمارس التشريع في منطقة الفراغ لما يراه صالحا للاُمّة (حسب رأي الشهيد الصدر)، أو أعطاه الولاية المطلقة على أمر التشريع (كما يراه السيد الخميني وبتبعه الشيخ الآملي) ولا يرى مثل هذا الحق لرسول اللَّه (ص)!!
مضافا إلى أنّ ما ورد في القرآن الكريم من القوانين الاجتماعية والأحكام القضائية محدود جدّا بالنسبة لحاجات المجتمع الإسلامي الأول، فالكثير من العقود والمعاهدات والمقررات التي أقرّها النبي الأكرم (ص) ليس لها وجود في القرآن الكريم، أو أنّه أقرّها قبل نزول أي شي‏ء من القرآن يتناول هذا الموضوع كما في معاهدته(ص) مع يهود يثرب التي تعتبر بحق نظام حقوقي كامل في مجال العلاقات السياسية والاجتماعية مع الآخر المخالف، أو ما ورد من واقعة بيعة الأنصار الاُولى والثانية للنبي الأكرم (ص) وما تقرره من بنود، أو قضية اقرار الاُخوة بين المهاجرين والانصار وما يستتتبع ذلك من مسائل حقوقية وغير ذلك.
وأمّا استدلاله بالآية الشريفة: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّا وَهُوَ رَبُّ
كُلِّ شَيْ‏ءٍ سورة الانعام، الآية 164. على الإرتباط الوثيق بين عالم التكوين وأنّ اللَّه بما أنّه مالك عالم التكوين فهو مالك عالم التشريع أيضا، فالآية الشريفة والآيات المماثلة لها في المضمون ليست ناظرة اطلاقا لمسألة الحقوق الاجتماعية بين أفراد البشر وكيفية بيعهم وتجارتهم ومعاملاتهم وشكل حكومتهم وما إلى ذلك، بل ما يفهم من جو الآية هوالتعلّق القلبي والمعنوي لكل إنسان الذي لابدّ أن يكون مرتبطا باللَّه تعالى ومتوكلاً عليه لا على الأسباب والعلل الطبيعة أو الاعتبارية الاُخرى، لانّ اللَّه هو ربّ كل شي‏ء وبيده ملكوت كل شي‏ء فكيف اطلب قضاء حاجتي من غيره والحال أنّ هذا الغير محكوم ومربوب للَّه تعالى، وبعبارة اُخرى أنّ مضمون هذه الآية يقرر التوحيد الأفعالي لا التوحيد التشريعي.
ثم على فرض أنّ الآية ناظرة إلى مسألة التشريع، وأنّ المشرع هو اللَّه تعالى فقط وليس للإنسان حق التشريع في عالم الحقوق والقوانين، إلاّ أنّ المسألة المهمّة هي كيفية وصول هذا التشريع إلى الإنسان وهل أن ينحصر بطريق الوحي والحجة الظاهرة، أو أنّ الإنسان يستطيع إدراك هذا التشريع الإلهي بواسطة الوجدان والحجة الباطنة؟ وحصر الوصول بالطريق الأول ليس له مبرر منطقي ولا شرعي، وقد قرأنا آنفا قول الإمام الصادق (ع) من جعل الحجية للعقل إلى جانب الوحي، وأساسا فانّ الخطأ الأساس الذي وقع فيه الإسلاميون في هذا المجال هو اخراج العقل الفطري أو الوجدان عن دائرة التشريع الإلهي وحصرهم التشريع بالوحي، وبهذا تكون حقوق البشر المعلنة في اللائحة العالمية دنيوية وبشرية في مقابل الحقوق الإسلامية الواردة في القرآن والسنة، في حين أن هذا التقابل باطل من الأساس وقد أضحى مبرراً بيد العلمانيين للطعن في الإسلام والحقوق الإسلامية، ولكن لو وسّعنا دائرة التشريع الإلهي لتستوعب ما يصل إلى الإنسان عن طريق الوحي والعقل العملي الذي يشترك فيه جميع أفراد البشر، لحصلنا على نتيجة مهمّة فيما نحن فيه حيث تكون الحقوق المعلنة في اللائحة المذكورة إسلامية في واقعها ومتطابقة مع الفطرة والمنطق السليم، وما جاء الإسلام إلاّ لتقوية الفطرة ودعم المنطلق السليم وتأييد الحقوق الفردية والاجتماعية للإنسان في حركة الحياة والواقع.
وعلى أية حال لا نجد ملازمة منطقية بين ما ذكره في دليله من انقياد جميع المخلوقات للَّه تعالى في عالم التكوين، وبين حصر الأخذ بالدستور الإلهي والتعاليم الإسلامية بطريق الوحي والنصوص الدينية، فان كان هناك ملازمة بين التكوين والتشريع فليكن هذا التشريع الإلهي هوالواصل إليه عن طريق العقل والوحى معا لا مقتصرا على الوحي فقط.
رابعا: أمّا ما ذكره من لزوم كون المشرّع للقانون عالماً بجميع حاجات الإنسان ومحيطاً بأبعاده الوجودية، فأصل اشتراط العلم صحيح ولا إشكال فيه، إلا أنّ كون اللَّه تعالى أولى من الإنسان بالتشريع لأنّه أعلم به من نفسه خلط بين العلم في دائرة الحقوق, والعلم في دائرة الاحاطة القيومية للَّه تعالى على تفاصيل ودقائق المخلوقات وأبعادها الاُخرى، وبينهما عموم وخصوص مطلق، وما نحتاجه من العلم في حوزة التشريع هوالعلم من النحو الأول لا الثاني.
توضيح ذلك: إنّ معرفة الإنسان بأنّه جائع ويحتاج إلى غذاء وأنّ من حقّه البحث عن الغذاء والماء يدخل دائرة العلم الحضوري, والعلم الإلهي بهذه الحقيقة ليس بأكثر من علم الإنسان بها من قبيل أن قضية 1 + 1 = 2 يدركها طالب الابتدائية كما يدركها انشتاين، وليس علم انشتاين بهذه القضية الرياضية بأكثر من طالب الابتدائية، وفيما نحن فيه من هذا القبيل فإن علم الإنسان بحاجاته وحقوقه المطروحة في لائحة حقوق الإنسان ليس بأقل من علم اللَّه تعالى بها وإن كان علم اللَّه تعالى في موارد اُخرى لا يقاس بعلم الإنسان, فالإنسان يعلم بالعلم الحضوري والوجداني بحاجته إلى المسكن أو الغذاء مثلاً، وهذا النحو من العلم هو من العلم البسيط الذي لا يعقل الزيادة والنقيصة في‏ حقه حتى يكون اللَّه تعالى أكثر علماً من الإنسان في هذا المورد، ولذلك يتطابق علم اللَّه والإنسان في مثل هذه الموارد، فلا معنى لأن يكون اللَّه تعالى أولى من الإنسان في قضية التشريع من جهة أن ّ علمه تعالى في موارد اُخرى أكثر من علم الإنسان.
وخلاصة الكلام، إننا لا نرى أي تعارض بين الحقوق الفطرية للإنسان المذكورة في لائحة حقوق الإنسان وبين الحقوق المذكورة له في الشريعة الإسلامية، وإن هما إلاّ مصدران من مصادر التشريع الإسلامي، وعليه تكون الحقوق الواردة في اللائحة المذكورة هي إسلامية في الصميم، بل لو تعارضت هذه الحقوق مع الحقوق الواردة في الفقه وفتاوى علماء الإسلام لوجب الأخذ بمعطيات حقوق الإنسان العالمية لتطابقها مع الفطرة والوجدان من جهة، ولكون فتاوى الفقهاء لا تمثل الوحي في الحقيقة، بل هي فكر بشري وصياغة فقهية لما فهمه هؤلاء الفقهاء من النصوص الدينية التي قد تكون واردة في قضية خارجية معينة وليس لبيان حقيقة مطلقة وقانونا أبديا يتعالى على الزمان والمكان، وليس المجدي أن نشخص حقوق الإنسان في حركة الواقع المعاصر بلغة قديمة وأدوات فقهية قد تصيب وقد تخطي‏ء.
وببيان آخر: إن ما يقرره الفقهاء من فتاوى في هذه الموارد هي أحكام ظنية واجتهادية قد تخطيء وقد تصيب، ولكن ما يقرره الوجدان من أحكام شرعية هي أحكام يقينية نجزم بتوافقها مع الشرع المقدّس، والدليل الظني لا يمكنه معارضة الدليل اليقيني.
ويتّضح مما تقدم أنّ الاثنينية المزعومة بين الإسلام وحقوق الإنسان العالمية إنّما هي أوهام تستوطن الذهنية المسلمة بسبب ما يعيشه الإسلاميون من هاجس تفوق الغرب وضرورة البحث عن الهوية والرجوع إلى الذات. وأود هنا أن استعرض للقاري‏ء الكريم ما ذكره الاستاذ (مصطفى ملكيان) ، من حقيقة الموقف التشريعي الإسلامي في حركة الواقع الاجتماعي للإنسان، وقد مثّل لبيان هذه الحقيقة المهمّة بمثال المتن والهامش، فعندما نقرأ كتاب فقهي لأحد علماء الإسلام وفي هامشه فتاوى لفقيه آخر كما هو المتداول في الحوزات العلمية، فهل نفهم شيئا لو قرأنا الهامش لوحده من دون الرجوع الى المتن؟ وهل بالإمكان استيعاب نظرات الطوسي في حاشيته على الإرشارات لابن سينا من دون قراءة متن الكتاب؟ إن هذا بالضبط هو موقف الشريعة من أحداث الواقع الاجتماعي في الصدر الأول، فالأحداث والوقائع الخارجية بمثابة المتن التكويني للهامش التشريعي الذى جاءت به الشريعة المقدسة، فالأحكام الشرعية المتعلقة بالحقوق خاصة إنّما جاءت لتحكي عن ظرف زمني تاريخي خاص وثقافة اجتماعية معينة، ولا يمكن فصل الشريعة الإسلامية عن ذلك الإطار الزماني والمكاني الذي ولدت فيه، وإن هو إلاّ كانتزاع الهامش من المتن ودراسته لوحده.
أقول: لنفرض أنّ الإسلام قد ولد في هذا العصر وأنّ النبي الأكرم(ص) قد بعث في هذا القرن والمجتمع البشري المعاصر يعيش هذه الثقافة السائدة، فسوف لا يكون موقفه من هذه الثقافة إلاّ كموقفه من الاجواء الثقافية والاجتماعية التي كانت في زمن صدر الإسلام، أي موقف الهامش بالنسبة إلى المتن، فلا معنى لأن يقوم بصياغة مفاهيم جديدة للحرية والعدالة والحقوق وما إلى ذلك, بل يسعى لربط هذه الحقوق باللَّه تعالى ويمنح الإنسان رؤية ملكوتية إلى هذه الحقوق تنسجم مع تطور الآفاق المعرفية والثقافية للإنسان المعاصر، ويكون لدينا تبيين جديد لهذه الحقوق (لا مفهوم جديد)، وبهذا لا تكون الروية الإسلامية للحقوق في عرض حقوق الإنسان بل في طولها، فلا يمارس النص الشرعي سلطة معرفية ودينية تطمس النص العرفي والحق المدني والفطري الوارد في لائحة حقوق الإنسان.
وهذه الفطرة بحاجة إلى توضيح دقيق لبيان معالم الموقف الإسلامي من حقوق الإنسان بعد أن فهمنا أنّ حقوق الإنسان هي إسلامية في واقعها وتنطلق من المرجعية الثانية للشريعة الإسلامية وهي الفطرة أوالعقل العلمي، وهنا يأتي عنصر الوحي لا ليتعامل مع هذه الحقوق من موقع الهيمنة والفوقية بل ليجلس منها مجلس الشارح والمبيّن ويتعامل معها من موقع الرابط بين الأرض والسماء ويقول للإنسان: إنّ اللَّه تعالى هو الذي فوّض إليك هذه الحقوق وجعلك في مقام الخليفة له في الأرض ليرى كيف تستخدم هذه الحقوق وما يترتب عليها من تكاليف، أي أنّ الوحي يأتي ليمنح هذه الحقوق الفطرية والمشروعة جواً من القداسة من خلال ربط الأرض بالسماء وربط الإنسان باللَّه تعالى لاخراج الإنسان من أجواء الحقوق الذاتية والحالات الأنانية إلى أجواء المسؤوليات الاجتماعية والحالات الإنسانية المنفتحة على اللَّه تعالى والقيم الأخلاقية والمثل السامية.
إنّ لائحة حقوق الإنسان وضعت كقانون أساسي لكافة المجتمعات البشرية في دائرة العلاقات السياسية والدولية ولا معنى لأن يكون هناك حقوق إنسان إسلامية واُخرى مسيحية وثالثة بوذية ورابعة ماركسية وهلم جرا، لأنّ ذلك يؤدي إلى نقض الغرض من وضع هذه اللائحة الدولية التي اُريد لها أن تكون شاملة لجميع المجتمعات البشرية على أرض المعمورة، حتى أن المتدينين الحقوقيين لدى وضعهم لبنود هذه اللائحة أصرّوا كثيرا على ادراج اسم اللَّه تعالى في مضامين هذه اللائحة وليكون الحق تعالى هو محور الحقوق الإنسانية، إلاّ أنّ البعض رفض هذا الاقتراح بسبب وجود مجتمعات بشرية تدين بالماركسية وتشكل ما يقرب من ثلث العالم في ذلك الوقت، وهذا يذكرنا بواقعة صلح الحديبية حيث رفض المشركون كتابة (محمد رسول اللَّه) في وثيقة الصلح، فما كان من النبي الأكرم(ص) إلاّ أن أمضى رؤيتهم وأمر علي بن أبي طالب أن يحذف كلمة رسول اللَّه ويكتب بدلها (محمد بن عبداللَّه) ومن هنا لا نجد غضاضة في أن تكون بعض بنود اللائحة مخالفة لما هو السائد في الشريعة الإسلامية، لأنّ الغرض منها هواستيعاب جميع المجتمعات البشرية المعاصرة التي تعيش الاضطراب ونقض الحقوق والحروب المدمّرة في قضية المصير المشترك الذي يعيشه أفراد البشر على السواء، وبإمكان المجتمعات الإسلامية التي تريد أن تعيش الشريعة الإسلامية أن تضع بعض البنود والاستثناءات الخاصة بقوانينها الاجتماعية كهامش على ذلك القانون الأساسي، إلاّ أنّ اللائحة العالمية يجب أن تبقى كقانون أساسي لجميع المجتمعات البشرية الإسلامية وغيرها.
وعلى سبيل المثال ما ورد من حرية الإنسان في تقرير المصير أو اتخاذ شكل الحكومة والحاكم، فيمكن للدول الإسلامية (ذات الحكومات المستبدة غالبا) أن تقيّد هذه الفقرة بإضافة تذنيب أو تكملة، وهي أن تقرر هذه الحكومة الإسلامية أن الحاكم أو الرئيس أو الولي الفقيه يبقى في سدّة الحكم مدى الحياة.
وكيف كان فالمهم أن نخرج من فضاء الفقه الموروث ونؤسس لوعي إسلامي معاصر يحمي إيمان المسلم من الجمود في قوالب ضيقة وتهويمات هشة، ولا يكون ذلك إلاّ بالانفتاح على الثقافات البشرية المعاصرة وقراءة النصوص، واستنطاقها في ضوء حقوق الإنسان المذكورة في الميثاق الدولي، فليست المشكلة في الميثاق المذكور، بل في كيفية قراءتنا للنصوص، وفي ذلك يقول السيد محمد حسن الأمين:
«الخطاب الإسلامي المعاصر وغير المعاصر يحتاج إلى إعادة النظر في الأحكام المنظّمة للعلاقات داخل الاُسرة أو داخل المجتمع مثل قاعدة أنّ الرجل يغيب سنوات عن المنزل من أجل الرزق، وهي قاعدة لا تراعي وضع المرأة ولا حقوقها الزوجية المشروعة، أو في استخدام حقّ الطلاق استخداما تعسفيا، نلاحظ وجود فجوة بين مقاصد الشريعة الإسلامية وبين الاجتهادات المطبقة والمعمول بها على صعيد العرف الشرعي الإسلامي وعلى صعيد القوانين القائمة في مجال الأحوال الشخصية، وأعتقد أنّ هذه المشكلة لا تنتسب إلى ما يسمى بحقوق الإنسان قدر انتسابها إلى مشكلة الاجتماع الإسلامي ودوره في تمثل المبادي‏ء والأحكام الشرعية وقصوره عن تحويل هذه المبادي‏ء وهذه الأحكام العامة إلى أحكام تفصيلية ودقيقة من شأنها أن تحفظ للكائن الإنساني وللمجتمع الإسلامي حقوقه المصانة في مبادي‏ء الشريعة الإسلامية ومقاصدها الأولية العامة » .

ما قيل في حقوق الإنسان من منظور إسلامي

لقد تهافت الكتّاب الإسلاميون على نقد هذه اللائحة وإبراز نقاط ضعفها بدافع من هاجس الخوف على الهوية والذات والدين، وكأن كل نتاج بشري حضاري لابدّ وأن يكون صادرا بوحي الاهواء والشهوات وأنّ الفكر البشري ناقص في مقابل الشريعة السماوية التي تكفلت بكامل حقوق الإنسان على جميع المستويات والصعد، فمن ذلك ما أورده «زكي الميلاد» من جوانب نقد الفكر الإسلامي للخطاب الغربي لحقوق الإنسان:

«أولاً: إنّ حقوق الإنسان في الخطاب الغربي تتأسس على مرجعية فكرية تستبعد الدين من أن يكون مصدرا في هذه المرجعية، ومن المعروف في تاريخ الفكر البشري أنّ الدين هو الذي قدم ويقدم عادة المرجعية التي تعلو على جميع المرجعيات، إنّ ردّ أمر ما من الاُمور إلى اللَّه تعالى معناه تأسيسه على مرجعية كلية مطلقة لا يؤثر فيها اختلاف الثقافات والحضارات، مرجعية تعلو على الزمن والتاريخ، وبالتالي على الإنسان نفسه!! »
وأنت ترى ما في هذا البيان من خلط بين مرجعية الدين الحقيقية، وهو اللَّه تعالى، وبين مرجعيته البشرية وهم الفقهاء ورجال الدين، حيث لا مشكلة مع الأول، ولكن عصر الوحي قد انقضى وليس بيننا من يتصل مباشرة بهذه المرجعية العليا، وما لدينا من مرجعية دينية، إنّما هي فكر بشري يستقي من النصوص الدينية حسب الإجتهاد الفقهاء واختلافهم في الرأي والمذهب والدين، فإلى من نرجع في هذه المسائل؟ هل إلى علماء الدين المسيحي، أو المسلمين من أهل السنة، أو من الشيعة، وعلماء كل مذهب لا يتفقون كذلك على نظرية موحدة منسجمة في دائرة الحقوق، وبعد هذا هل يصح القول بأنّ مرجعية الدين هي الأصل؟
وأيضا فانّ مسألة الحقوق إنّما تؤخذ من خارج الدين، ووظيفة الدين ليست في صياغة حقوق الإنسان، بل في دعمها وتأييدها وحث الناس على الالتزام بها، حالها حال الأخلاق التي لا يأتي الدين إلاّ لتوكيدها وربطها باللَّه تعالى، لايجاد الضمانات القوية في واقع الإنسان للتحرك في أجوائها وممارستها لا لتأسيسها وإنشائها، فمن المعلوم أنّ الأخلاق والحقوق كانت موجودة قبل نزول الأديان، بل إنّ المعيار السليم لإثبات حقانية دين معين أو بطلانه يكمن في مدى ما تتضمن تعاليم هذا الدين من أحكام أخلاقية ومسائل شرعية تضمن حقوق الأفراد، وإلاّ فانّ كل دين بإمكانه أن يدعي لنفسه الحقانية والمشروعية السماوية، وهذا يقتضي أن تكون الأخلاق والحقوق من الاُمور التي يعيشها الإنسان بوجدانه وفطرته ليتمكن بعد ذلك من تشخيص الحق والباطل من الأديان.
«ثانيا: إنّ كل المواثيق والإعلانات التي صدرت في أمريكا واوربا قبل الاعلان العالمي كانت موجهة بصورة أساسية للإنسان الأروبي والغربي عموما، والبداية الأساسية في طرح قضية حقوق لإنسان على نطاق عالمي كانت مع صدور الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، الاعلان الذي كان يراد له أن يحمل صفة العالمية إلاّ أنّه حقيقة يفتقدها، فلم يأخذ بعين الاعتبار التمايزات بين ثقافات وحضارات وأديان وهويات وتقاليد الاُمم والمجتمعات المختلفة عن الغرب، بل انطلق من أحادية الثقافة والهوية ومن اروبا تحديدا».
وهذا النقد بدوره في غاية الغرابة، وكأن حقوق الإنسان الفطرية من الحرية والمساواة والكرامة وأمثالها اُمور نسبية تتغير بتغير الثقافات والحضارات والأديان والتقاليد، والغريب هنا هو أنّ الذي يوجّه مثل هذا النقد يدّعي بدوره أنّ الإسلام يتضمن الحقوق الكاملة للبشرية على اختلاف ألوانهم وثقافاتهم وأعراقهم وتقاليدهم لأنّه دين الفطرة الإنسانية، والفطرة واحدة في جميع أفراد البشر، أي أنّ الحقوق الفطرية واحدة بين أفراد الإنسان من حسن العدل والحرية والمساواة، وقبح الظلم والجور وأشكال التمييز والقهر والكبت!!
مضافا إلى أنّ لائحة حقوق الإنسان اشترك في إخراجها وإمضائها نواب من غالبية شعوب العالم ولم يحتكر الإنسان الغربي إخراجها والاعلان عنها وإن كانت للغرب الاسبقية في السعي إلى تجسيدها على أرض الواقع الاجتماعي والسياسي.
العدالة والحرية ومنع التعذيب ومؤاخذة البري‏ء واحترام كرامة المرأة وحرية الرأي والبيان وأمثالها ليست مقولات من نتاج غربي خالص حتى تنعكس عليها الثقافة والتقاليد الغربية دون غيرها، بل هي حصيلة معاناة بشرية وتجربة حضارية استطاعت اخراج الإنسان من أجواء الاستبداد والخرافة والتقاليد الزائفة إلى حيث الحرية والكرامة والمسؤولية، ومن الخطأ التعامل معها من موقع الرفض والتنكر والخصومة بما يدفع بنا إلى الجهة المقابلة من القيم والمبادي‏ء، كما أنّ رفض الإسلاميين للديمقراطية بحجة أنّها وافد غربي ونتاج بشري لا يتعالى على الخطأ والزيف أوقعهم في نتيجة وهي الرضا بالاستبداد ورفض الانتخابات وقبول النموذج الطالباني أو الصدّامي في مقابل النموذج الغربي!!
«ثالثا: إنّ اوربا التي نهضت بقضايا حقوق الإنسان في مجتمعاتها، إلى اليوم تفتخر أمام العالم بهذا الانجاز الحضاري، الانجاز الذي يستحق التقدير والاحترام بلا شك من العالم برمته...، كان يفترض عليها وقد خرجت من العصور المظلمة أن تكون على درجة عالية من الوعي والشفافية باحترام حقوق الإنسان والاُمم الاُخرى، في حين أنّ الصورة التي ينقلها لنا التاريخ هي أنّ اروبا التي تسببت في اخضاع شعوب استعمرتها، كانت في غاية القسوة والبؤس بشكل يناقض تماما شعارات حقوق الإنسان، اروربا التي نهضت بحقوق الإنسان هي التي انتهكتها وانقلبت عليها بأسوأ صور تجاه الاُمم والشعوب التي استعمرتها، وإلى اليوم لم تعتذر اروبا عن هذا التاريخ الأسود ».
وهذا الكلام أعجب من سابقه، لأنّ سلوكيات بعض الشعوب السلبية لا تعدّ دليلاً منطقيا لبطلان القيم والأخلاقية التي يرفعونها، بل إنّ جميع الحكومات الجائرة والاستبدادية ترفع شعار العدالة والحرية والمساواة، فهل يدل سلوك المستبدين والظالمين على زيف مفهوم العدالة وبطلان مفهوم الحرية؟
هل أنّ عمل سلاطين بني اُمية وبني العباس وجورهم وهم يرفعون لواء الإسلام والخلافة للرسول (ص) يعدّ مسوغا لرفض قيم السماء التي جاء بها الإسلام لاحياء البشرية والصعود بها في مدارج الكمال والتحضر؟
ثم لا يخفى أنّ لائحة حقوق الإنسان بصياغتها العالمية لم يمض على ولادتها سوى نصف قرن وقد تمّ الاعلان عنها عقيب الحرب العالمية الثانية، والاستعمار الغربي للشعوب الشرقية والافريقية يمتد إلى زمن سابق على ذلك بعشرات السنين،و لانهدف هنا إلى تبرير ساحة الإنسان الغربي من ممارساته الظالمة والتعسفية بحق الشعوب المستعمرة وخاصة دور الدول الغربية في تكريس التبعية والتخلف والاستبداد في هذه البلدان، ولكن هل يعني هذا أن نبقى في دائرة الماضي ونكيل الإتهامات على الآخر الغربي من دون الأخذ بنظر الاعتبار نقاط القوة في هذه الحضارة الجديدة والعمل على استيحاء مقومات النهضة الحضارية منها بما يتناسب ومجتمعاتنا الإسلامية من التجربة البشرية الراهنة؟!
«رابعا: ومن إشكالات الإسلاميين على لائحة حقوق الإنسان ما يتعلق بالجانب التطبيقي منها وأنّها تفتقد إلى ضمانات تنفيذية على مستوى الساحة الدولية، بخلاف الإسلام الذي يؤكد على البعد الإلهي في هذه الحقوق ويعتمد على الوجدان الفردي وإيمان المسلم في تطبيق هذه الحقوق على أرض الواقع، أو أنّ الدول العظمى تستخدم هذه اللائحة لأغراض سياسية و كورقة ضغط ضد الدول الاُخرى المخالفة لها في المنهج السياسي‏كما يقول الشيخ شمس الدين في هذا الصدد: «إنّ شعار حقوق الإنسان الذي يثار في السنين الأخيرة على نطاق واسع نلاحظ أنّه أصبح يستعمل في كثير من الحالات ضد الإسلام والمسلمين والعرب، وترفع هذه الشعارات في بعض الحالات دول غربية معينة مثل الولايات المتحدة الامريكية، أو بعض دول اوربا الغربية، وفي بعض الحالات تطرح هذه الشعارات منظمات دولية من قبيل لجنة حقوق الإنسان في الاُمم المتحدة أو جمعيات حقوق الإنسان الاُخرى في العالم الغربي، نحن نعتقد أنّ كثيرا من هذه الاُطروحات لا تستند إلى نيّات حسنة وإنّما يقصد بها التشهير بالإسلام والمسلمين والعرب»
ونحن بدورنا نشارك الشيخ الجليل في عدم توفر النيّة الحسنة عند الطرف المقابل، ولكن هل يعني أنّ هذه الاتهامات بلا رصيد واقعي يعيشه المسلمون في بلدانهم؟ ولماذا ننزعج من هذه المقولات ونفتش عن نوايا الطرف المقابل بدلاً من التفتيش في واقعنا وكتبنا الإسلامية وفتاوى فقهائنا لازالة ما يتقاطع مع حقوق الإنسان ولا نجعلها ذريعة بيد الدول الغربية للتهجم على الإسلام والمسلمين؟
أليست المرأة ممنوعة لحد الآن في بلدان إسلامية عن المشاركة في الانتخابات، أو ممنوعة حتى عن قيادة السيارة بفتوى بعض الفقهاء؟
أليس المسلمون يعيشون الاستبداد السياسي والفكري الذي تفرضه عليهم قوى السلطة بالاستناد إلى بعض الروايات والفتاوى التي تطلق يد الحاكم وتجعل له من الصلاحيات ما كانت للرسول الأكرم(ص) وليس لأحد حق الاعتراض أو النقد؟
«خامسا: الفصل بين القانون والأخلاق في الخطاب الغربي لحقوق الإنسان، حيث يشرع بعض الحقوق التي تتنافى مع الأخلاق والفطره الإنسانية، من نوع حقّ الإنسان على جسده حيث يجيز للمرأة أن تتصرف في جسدها بمطلق الحرية، ويجيز للرجال المعاشرة المثلية كما في بريطانيا، وهناك بعض الكنائس المسيحية التي تسمح بإجراء مراسيم الزواج لهذا النوع من الشراكة كما في هولندا والدانمارك، هذه الحقوق وغيرها التي تخالف وتتعارض مع طبيعة الإنسان لا يمكن أن تستقيم الحياة على وفقها أو جلب السعادة عن طبقها ».
وهذا الإشكال أيضا لا يرد على أصل لائحة حقوق الإنسان العالمية، بل على بعض قوانين الدول الغربية التي تحترم الحرية الفردية على حساب اهتزاز القيم الأخلاقية والمبادي‏ء الدينية، وإلاّ فانّ اللائحة المذكورة لا تشير إلى هذه الصياغات القانونية المنحرفة، وإن هي إلاّ من قبيل حق القوامة التي وضعها الإسلام للرجل على زوجته وأطفاله بما لا يخل بمقتضى العدالة والكرامة الإنسانية، ولكن يأتي بعض الفقهاء ليستوحي من هذا المفهوم القرآني جواز بعض الممارسات التعسفية للرجل بحق الزوجة من قبيل حقه في منعها من الخروج من البيت لعدّة شهور، أو منعها من التحصيل الدراسي، وتجميد طاقاتها والسهر على خدمته، فمثل هذه الاستنباطات لا تشكل نقطة ضعف في اصل المفهوم القرآني المذكور، وفي أغلب الاحيان تواجه الصياغة العامة والكلية للحقوق بعض الاستثناءات أو تتقاطع مع بنود قانون كلي آخر، حيث تتكفل القوانين الفرعية، حلّ مثل هذه الإشكالات ومعالجة هذه التعارضات القانونية.
وعلى أية حال فاننا في بلداننا الإسلامية علينا معالجة العقبات الحقوقية في مفردات القضايا بما لا يتقاطع مع مبادي‏ء الشريعة السماوية ولنترك للآخرين حقهم في صياغة قوانينهم وفق ثقافتهم وأفكارهم.



#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابراهيم الخليل وإشكالية ذبح الابن
- الوعد الالهي بالارض المقدسة
- نقد الاعجاز البلاغي في القرآن
- موقف الاسلام من المرأة
- الفلسفة الوجودية


المزيد.....




- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد القبانجي - حقوق الانسان من منظور اسلامي