نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1136 - 2005 / 3 / 13 - 10:34
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يوم رسم بيكاسو مأساة بلده في لوحة جيرنيكا ، علق فرانكو ، أذ مات ولم يشاهدها سوى في الصور : أن بيكاسو رسام متهور!
ويبدو أن العالم بعد هذه اللوحة احتفى مع أطنان من الجيرنوكات ، وأذا كانت مساحة لوحة بابلو بيكاسو لا تتعدى المترين طولا وعرضاً ، فأن البعض من احترفوا الريشة مهنة ، رسموها وهم يمجدون الأسياد بشكل مغاير بأطوال لاتحدد بمتر ، ويقال أن الجداريات التي رسمت من أجل ستالين مثلاً ، كانت كل واحدة منها تحمل دافعاً ، فالرفيق جوزيف كان يأمر بعمل ملحمي يمجد شخصه ، عندما ينتهي من توقيع مراسيم سوفيتية لتصفية فلاحي جمعية متقاعسة . وهكذا أستمر الأمر ، أنهم يرسمون خلودهم من دموع رعاياهم ، وكأن الأمر أخذ أزلية التفكير الروماني القائل : لامجد من دون جماجم . وهكذا في مسح ميداني شامل للمقابر الجماعية التي هي الوجه الآخر لحزن الشعوب نستطيع أن نصنع آلاف الجيرنوكات وبأردية مختلفة ، رداء من تل الزعتر ، من المحاويل ، من كابول ، من البوسنة ، من كمبوديا ، من حلبجة ، من فيتنام .. من أماكن لا تحصى ، حتى الغارقين في القاع مع تايتانيك يمكن أن نطلق على رقدتهم في الماء المالح ، مقبرة جماعية .
أذن كان الموت الجماعي هاجساً سياسياً صرفاً، وهو في رأيي وليد‘قدر الشعوب ، وربما هو خيارات التأريخ لها بفضل تداخلات الحضارة وهموم الأستعمارات التي حركتها أحلام القياصرة ، والمحصلة : أن أبن أور هو من يدفع الثمن ، حتى لو كان المشاغب واحداً من أبناء بانكوك . وأعتقد أن سبب هذا السير المربك للدويلات الشرقية ، هو هاجس الملوكية الأزلي الذي صنعته مدخراتنا من أساطير وحكايات تأليه لاداعي لها ، وبتنا مثل المنومين ، نصحو على صباحات تختلط فيها الأناشيد الوطنية مع أغنيات فيروز ، ولا خيار لك ، عليك أن ترتدي خوذة الحرب ، لأن القدس تنتظرك ، وبحيرة الأسماك تنتظرك ، والأسكندرونة ، وسبتة ومليلة ، وطنب الصغرى والكبرى ، وربما حتى جزيرة مالطا تنتظرك .
يا لهذا العربي : كم الذين ينتظروه ؟! أنها أفواج من سحب التأريخ ، متى مطرت ، فأنها من خراج الرشيد ، أما نحن فلنا الحصرم ؟
في النهاية علي أن أعود إلى عنوان مقالتي { الفرق بين الجيرنيكا والأباتشي } أقول بعد كل هذا السرد اللامبرر أعلاه فأن الأمر يتعدى أحلامنا ليدخل في ضرورات التأريخ بسبب حجم المؤثر الهائل الذي كانت غمامته الفولاذية تغطي رؤوسنا ، ورغم أن الأباتشي تنسى في بعض الأحيان تقنيتها وتضرب بيت الطين ، فأنها في النهاية واحدة من ضرورات التأريخ شئنا أم أبينا . ولكن في المقاييس الجمالية الفرق واضحاً ، جيرنيكا ، تحدثت عن ذعر تصنعه الحروب ، والأباتشي تصنع ذعراً تتحدث عنه الحروب.
ـ أنتهت ـ
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟