|
المسارين الثوري والسياسي: بين التكيف والتمرد
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 3927 - 2012 / 11 / 30 - 17:24
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ارتبط المسار السياسي للبلاد -بعد تنحية المخلوع- بالموجات الثورية المتباعدة التى يقوم بها الثوار، وارتبطت تلك الموجات بـ"تكتيك المواجهات" بين الثوار والنظام القديم (ممثلا فى المجلس العسكري قديما)، وكانت المواجهات عملية "جس نبض" تختبر قدرة كل طرف على الانتصار والتمسك بأهدافه، وقدرته على اكتساب تأييد الشعب؛ حيث حاول المجلس العسكري دائما تفريغ الحشود والشحن الثوري بـ"تكتيك المسكنات السياسية"، التى كان يعلنها عادة يوم الخميس. وكانت الموجات الثورية عادة ما ترتبط بميدان التحرير، وحشود "الثلاثاء" و "الجمعة" والاعتصام بصينية الميدان، ووجود المناوشات على أطرافه على مدار 24 ساعة – كتكتيك تطور مؤخرا- لحماية المعتصمين داخل الميدان، من اقتحام قوات الأمن له والتنكيل بمن داخله. كان من المفترض أن نصل للحظة ينتصر فيها الثوار أو ينتصر فيها النظام القديم، لكن النظام القديم نقل نفس المعادلة -التى تربط المسار السياسي بالمسار الثوري - لما هو مفترض أن يكون نظام جديد. منذ تولى الرئيس محمد مرسى السلطة، وبعد أن تخلص من المجلس العسكري شريكه فى الحكم قبل أن يتخلص المجلس منه، ونحن فى حالة تجميد للمسار السياسي خاصة على مستوى: الدستور، وعلى مستوى معرفة الوزن النسبي لكل قوة سياسية، فى علاقتها مع الأخرى! ظل الجميع يهرب من تحمل مسئولية مواجهة المسار السياسي، ومن تحمل بقايا تراث وقيم النظام القديم، وفساده القابع فى كل مؤسسات الدولة الأمنية والإدارية، شغل الرئيس نفسه بزيارات خارجية دعائية وترويجية يكسب بها الوقت، وعجزت القوى السياسية المنافسة عن العمل بآليات تستطيع أن تضغط بها عليه وتحرك المشهد السياسي. وحاول الثوار التواجد فى المشهد فى ذكرى أحداث محمد محمود، حيث عدنا لنفس المعادلة القديمة، عندما تجددت المواجهات بينهم وبين قوات الأمن، لتستغل وتسرق دماء الثوار الطاهرة كوقود للمسار السياسي، التى تعجز أطرافه عن تحمل المسئولية ومواجهته. استغل النظام السياسي الجديد الفرصة، وحرك المسار السياسي لصالحه من خلال الإعلان الدستوري الجديد، حين وضع ديباجة ثورية لتمرير سلطة الاستبداد وتغييبه دولة المؤسسات، هنا انتفض الثوار وزادت وتيرة موجتهم الثورية، وقامت القوى السياسية المنافسة للنظام الجديد بدعم موقف الثوار، والمطالبة بمطالب سياسية تلتقي – نوعا – مع مطالب الثوار، وإن تطورت آليات عملهم بعض الشئ. أعتقد أننا فى النهاية سوف نصل لحل لوسط؛ يرضى النظام الجديد ويرضى منافسيه السياسيين، لكن تظل المعضلة الأكبر التى يتجاهلها البعض، ماذا عن الثوار! التجاهل المستمر لأهدافهم المرتبطة بالتطهير الشامل والكامل، ووضع رؤية لنظام قيمي واجتماعي جديد. ذلك قد يؤدى لتطور نوعى فى أحد الموجات الثورية، خاصة ما إذا قرر الثوار تنفيذ أهدافهم بأيديهم، والتخلص من حيل وألاعيب المسار السياسي! حجة النظام الرسمي دائما، التى يحاول بها تأليب الشعب على الثوار هى: الاستقرار والعمل والإنتاج! ولكن مستوى الوعي الشعبي يتطور بسرعة لا يتخيلها أهل التنظيمات الحزبية المتجمدة – نفسيا وفكريا -، الشعب يختار ويجرب البدائل، ولكن ذلك يعنى أنه لا يعرف طبيعة وأسلوب كل بديل سياسي يختار أن يجربه لبعض الوقت. سوف يستمر الصراع بين المسار السياسي والمسار الثوري، سيحاول السياسيون استخدام الحجج المختلفة لحصار الثوار وتكييفهم مع المشهد السياسي ، وإخضاعهم وسلب حريتهم فى التعبير والمطالبة بأهدافهم، وسيحاول الثوار التمرد على محاولات التشويه والسيطرة من قبل السياسيين.. لنكون أمام الصراع التاريخى لفكرة الثورات عبر التاريخ.. ما بين التمرد والتكيف، ما بين التفريغ والشحن، المنتصر سيكون الأكثر قدرة على تطوير أدائه؛ لحظة نجاح النظام القائم حين: ينجح فى تمرير قوانين شمولية يسكت عنها الشعب؛ تحد من حرية الثوار وتكيفهم مع الاستبداد، ولحظة نجاح الثوار حين: ينجحون فى القيام بـ"لحظة تمرد كبرى" يؤيدها الشعب، ويفرضون من خلالها منظومتهم القيمية والاجتماعية الجديدة. ما بين التكيف والتمرد ، الشمولية والحرية ، يقبع مصير مصر والإنسانية، هل من طريق وسط! نعم إذا توحد المسار الثوري مع مسار سياسي ما، إذا نجح فصيل سياسي فى التخلي عن برنامجه التاريخى وتبنى الأجندة الثورية بطبيعتها وآليتها (تنظيميا وفكريا)، سوف نكون أمام حل وسط، ولكن دروس التاريخ تخبرنا أن ذلك من أبعد الاحتمالات! حيث سيحاول البعض أن يغير من جلده ومن شعاراته، بحثا عن لحظة يقتنص فيها السلطة، ليكشف لنا عن وجهه التاريخى! هل سيطور ثوار مصر آلية ما تؤكد لنا تخمر عصارة الحضارة داخل نسيج هذا الشعب، أم سينجح أهل السياسية فى السيطرة على المشهد! هذه الأسئلة هى بعض ما حاولت تناوله فى كتابى الصادر مؤخرا عن "الهيئة العامة لقصور الثقافة" بعنوان : المصريون بين التكيف والثورة، بحثا عن نظرية للثورة. أدعو جميع الأصدقاء والمثقفين وأهل المعرفة لقراءة كتابى وما يطرحه من أفكار، وتبادل النقاش الجاد حول مستقبل مصر بين التكيف مع الاستبداد أو الثورة عليه.
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-محمد محمود- الماضى والمستقبل
-
الفلسطينى بين: الأيديولوجيا والتاريخ.. حين يكون الموقف مأزقا
...
-
كيف يكون الشعر إنسانيا فى المساحة السياسية!
-
اليسار: المصري، والفلسطيني، والصهيوني و خرافة -الاحتلال التق
...
-
-الصهيونية الماركسية-وجذور: المرحلية والنسبية، فى الفكر الصه
...
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|