|
الأصولية الإسلامية وجذور العنف
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3925 - 2012 / 11 / 28 - 12:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ فجرالتارخ كتب أصحاب العقول الحرة والضمائرالحية، عن أهمية أنْ يسود السلام بين كافة شعوب العالم ، بحيث لايعتدى إنسان على إنسان ، ولادولة على دولة. هذا المطلب الإنسانى لن يتحقق إلاّ إذا تخلصتْ البشرية من كل أشكال العنف. ويرى المفكرون الأحرارأنّ هذا المطلب أمامه ثلاث عقبات : الأولى المؤسسات المالية الاستعمارية، الثانية أمريكا ، الثالثة الأصولية. يؤمن الأصوليون المسلمون المُعاصرون لنا بأنّ الإسلام يجب أنْ يسود العالم. ويستندون إلى القرآن وأحاديث النبى محمد ووقائع التارخ العربى/ الإسلامى، إذْ يستشهدون بما ورد فى كتب التراث التى أرّختْ للغزوالعربى (مثل فتوح مصروأخبارها لابن عبدالحكم وفتوح الشام للواقدى) بأنّ أمام أى شعب يتم غزوأراضيه ثلاثة اختيارات : الإسلام أوالجزية أوالقتال. هكذا فعل العرب مع الدول التى تم غزوها. وما حدث فى الماضى يتجدّد فى الحاضر: يُردّد الأصوليون أحاديث النبى محمد مثل ((أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله)) وقوله ((الجنة تحت ظلال السيوف)) و((من مات ولم يغز ولم ينوالغزو مات ميتة الجاهلية)) و((من لم يغز ولم يُجهزغازيًا أويخلف غازيًا فى أهله، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)) (هذه الأحاديث رواها النسائى والترمذى والبخارى ومسلم وأبوداود) و((جعل رزقى تحت سن رمحى)) و((لاتزال أمتى بخيرما حملتْ السيف)) (تاريخ الطبرى- ج2) وهذه الأحاديث النبوية يُقابلها التحريض على كراهية العمل (وخاصة الزراعة) وهوما يتبين من حديث محمد الذى قال ((إذا تبايعتم بالنسيئة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) (رواه أحمد وصحّحه الحاكم) وبناءً على تلك الأحاديث إمتلأ التراث العربى بتمجيد السيف فكتب شمس الدين بن الجوزيه ((السيف إنما جاء منفذًا للحجة. مُقوّمًا للمعاند وحدًا للجاحد (وهو ما ورد فى سورة الحديد /25) فدين الإسلام قام بالكتاب الهادى ونفذه السيف الماضى)) (هداية الحيارى فى أجوبة اليهود والنصارى- الناشردارالعقيدة عام 2005ص15) وكتب أيضًا ((ليس مُتقلد السيف بعد داود من الأنبياء سوى محمد (ص) وهوالذى خرّتْ الأمم تحته وقرنتْ شرائعه بالهيبة: إما القبول أوالجزية وإما السيف. وهذا مُطابق لقوله (ص) نصرتُ بالرعب مسيرة شهر)) (ص93) وبناءً على هذا الإيمان بالتراث العربى/ الإسلامى كتب د. رؤوف شلبى فى تأريخه للإخوان المسلمين أنّ ((الأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزربحرالروم كلها مواطن إسلامية يجب أنْ تعود إلى حضن الإسلام. وأنْ يعود البحرالأبيض والبحرالأحمربحيرتيْن إسلاميتيْن كما كانتا من قبل)) ولكى يتم ذلك فإنّ الإسلام ((دين ودولة. ومصحف وسيف)) (دارالأنصارعام 1978- أكثرمن صفحة) وفى رأى أ. عبدالقادرعوده أنّ من طبيعة الإسلام أنْ ((يعلو ولايُعلى عليه. وأنْ يفرض حكمه على الدول وأنْ يبسط سلطانه على العالم كله)) وهويستمد رأيه من حسن البنا الذى قال إنّ الدين ((يُوجّه المسلمين إلى أفضل استعمار. ويُقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة ويُعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا)) هذه الوصاية يجب أنْ تستند إلى ركيزة أساسية وهى تكفير المختلف مع الأصوليين لدرجة تكفيرالصوفى ابن عربى وكل من آمن بفلسفته، ووصل الشطط بابن المقرى الشافعى بأنْ قال ((من شك فى كفر طائفة ابن عربى فهوكافر)) وفى التراث العربى / الإسلامى تحريض على قتل المختلف (بحجة الكفر) وهذا التحريض يصل لدرجة الترغيب حتى ولو كان المسلم المُكلف بالمهمة سيتعرّض للقتل . فقال أبوحامد الغزالى ((إذا جازللمسلم أنْ يُقاتل الكفارحتى يُقتل جازله ذلك أيضًا فى الأمر بالمعروف والنهى عن المُنكر. وأنه يُستحب أنْ يُعرّض نفسه للضرب بل للقتل إذا كان لفعله تأثير فى رفع المنكر أوكسرجاه الفاسق أوتقوية لقلوب أهل الدين)) أما ابن تيميه فكان أكثر وضوحًا فكتب ((كل من بلغته دعوة محمد (ص) إلى دين الله فلم يستجب له فإنه يجب قتاله)) وفى هذا التراث لايوجد اعتراف بالبشرعلى قاعدة (المواطنة) وإنما مجرد (رعايا) وفقـًا لحديث نبوى ((كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته والرجل راع فى منزله.. إلخ)) وعندما اختلف أبومسلم الخولانى مع معاوية بن إلى سفيان قال له ((إنما أنت أجيراستأجرك رب هذه الغنم لرعايتها)) والعنف الذى يُمارسه الأصوليون فى عصرنا البائس مستمد من التاريخ العربى/ الإسلامى ، فذكرالواقدى فى كتابه (فتوح الشام) فى فصل القتال بين العرب والروم ((بلغنى أنه ما سلم من الروم فى تلك الليلة أحد من الذين هم غرماء أبى عبيدة ولقد قتلوا عن آخرهم ، فبينما هم فى القتال إذْ أشرف عليهم ضراربن الأوز، وهومُلطخ بالدماء فقال له خالد بن الوليد : ماوراءك يا ضرار؟ فقال : أبشرأيها الملك الأميرما جئتك حتى قتلتُ فى ليلتى هذه مائة وخمسين رجلا وقتل قومى ما لايعد ولايُحصى ، فسُربذلك خالد بن الوليد . وفى تلك الليلة قتلوا ألوفـًا من الروم)) إلى أنْ يقول ((عندما وصلوا (العرب) إلى كنيسة مريم ، كان خالد ابن الوليد يقتل ويأسر. وعندما التقى الجمعان عند الكنيسة (جيش خالد وجيش إبى عبيده) والرهبان سائرون بين أيديهم . ولم يُجرّد أحد من أصحاب أبى عبيده سيفه. فلما نظرخالد إليهم ورأى أنّ لا أحد منهم جرّد سيفه بُهتَ وجعل ينظرإليهم مُتعجبًا . فنظرإليه أبوعبيده وقال لخالد : قد فتح الله على يدى المدينة صلحًا وكفى المؤمنين القتال)) ولكن هذا الرأى لم يُعجب خالد فقال ((ما الصلح إلاّ صلح الله. وأنىّ (= كيف) يكون لهم الصلح وقد فتحتها بالسيف وخُضبتْ سيوف المسلمين من دمائهم . وأخذتَ الأولاد عبيدًا ونهبتَ الأموال ؟ فقال أبوعبيده : يا أمير اعلم أنى ما دخلتها إلآّبالصلح. فقال خالد : إنك لم تزل مُغفلا. وأنا ما دخلتها إلاّبالسيف عنوة وما بقى لهم حماية. فكيف صالحتهم ؟ قال أبوعبيده : اتق الله أيها الأمير. فقال خالد : كيف صالحتهم من غيرأمرى وأنا صاحب رايتك والأميرعليك؟ ولا أرفع السيف عنهم حتى أفنيهم عن آخرهم)) ويستمرالواقدى فى ذكرماحدث حتى قال ((كادتْ الفتنة تثور بين أصحاب خالد وأصحاب أبى عبيده)) وعن الغزوالعربى على مصركتب الواقدى ((تغيّرتْ أحوال مصرفى دولة الإسلام وخرب أغلب قراها وانحط خراجها.. وحصل لأهل مصربسبب ذلك ضررشديد)) وأرسل محمد (ص) رسالة إلى المقوقس قال له فيها ((إلى صاحب مصر. أما بعد فإنّ الله أرسلنى رسولا وأنزل علىّ كتابًا قرآنا مبينا وأمرنى بالانذار والاعذار ومقاتلة الكفارحتى يدينوا بدينى ويدخل الناس فيه. وقد دعوتك إلى الاقرار بوحدانية الله تعالى فإنْ أنت فعلتَ سعدتَ وإنْ أنت أبيتَ شقيت والسلام)) وعن حكم الدولة الأيوبية ذكر الواقدى أنّ وزيرصلاح الدين حرق العديد من القرى والمدن حتى وصلتْ إلى القاهرة ((فالتهبتْ النارفيها أربعة وخمسين يومًا . وعندما تولى صلاح الدين السلطة استولى على قصرالفواطم (= الدولة الفاطمية) بخزائنه فوجد فيه من الأموال مالايُحصى وشرع فى نصرأهل السنة والانتقام من الروافض وكانوا أكثرأهل مصريومئذ وعزل قضاة مصركلهم لأنهم كانوا شيعة ومنع الأذان ب (حى على العمل) وانعكس هذا التراث على الشعرالعربى / الإسلامى فنجد الزبيربن العوام (أحد العشرة المُبشرين بالجنة والذى انضم لجيش معاوية ضد على بن أبى طالب) يقول ((أنا الزبيرولد العوام/ أقتل كل فارس ضرغام)) وقال أيضًا ((أيا أهل أهناس الطغاة الكوافر/ وياعصبة الشيطان من كل غادر/ أتتكم ليوث الحرب سادات قومها/ على كل مشكول من الخيل ضامر/ فإنْ لم تجيبوا سوف تلقون ذلة/ ونقتل منكم كل كلب وفاخر)) وقلده الفضل بن العباس فقال ((أيا أهل أهناس الكلاب الطواغيا/ أتتكم ليوث الحرب فاصغوا مقاليا)) وقال ((أنا الفضل أبى العباس/ معى حسام قاطع الراس/وفالق الهامات والأضراس)) (الواقدى – فتوح الشام – أكثرمن صفحة) وانعكس هذا التراث على معنى (التحضر) وهوما عبّرعنه الشاعر(القطامى) الذى عاصرالخلافة الأموية فقال ((فمن تكن الحضارة أعجبته.. فأى رجال بادية ترانا ؟ ومن ربط الجحاش فإنّ فينا.. قنا سُلبًا وأفراسًا حسانا.. وأحيانًا على بكرأخينا.. إذا لم نجد إلاّ أخانا)) النماذج السابقة هى على سبيل المثال فقط . وأعتقد أنّ السلام لن يسود البشرية إلاّبعد التخلص من التراث المعادى لحق الاختلاف ، أى المعادى لحق كل إنسان أنْ يعتقد بما يشاء. وكان الإمام محمد عبده (وهومن أشد المُدافعين عن الإسلام) على درجة من الموضوعية عندما كتب ((إنّ الديانة المسيحية بُنيت على المسالمة فى كل شىء. أما الديانة الإسلامية فقد وُضع أساسها على طلب الغلبة والشوكة ورفض كل قانون يُخالف شريعتها . وأنّ المعتقدين بها لابد أنْ يكونوا أول ملة حربية فى العالم وأنْ يسبقوا جميع الملل إلى اختراع الآلات القاتلة)) (الإسلام دين العلم والمدنية- مكتبة الأسرة عام 98ص51، 52)
***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحذاء الفضى - مسرحية قصيرة للأطفال
-
العلاقة بين هدم الآثار والعداء للتراث الإنسانى
-
أجنحة الصفاء - قصة قصيرة
-
أخيرًا : الإسلام على وشك دخول مصر
-
رادوبى (سندريلا المصرية) قصة قصيرة
-
شاى الأصدقاء : قصة قصيرة
-
يوتوبيا سيادة المسلمين على العالم
-
مساحات الظل
-
مدينة طفولتى - قصة قصيرة
-
تلك اللوحة
-
حالة تلبس : قصة قصيرة
-
محمود سلام زناتى : من سمع بهذا الاسم ؟
-
لماذا فقد حورس عينه : المعرفة قبل العاطفة
-
مصر فى عيون العالم (موسوعة للأطفال)
-
موسوعة الفن المصرى وفن الكتابة للأطفال
-
موسوعة تاريخ الأفكار للشباب
-
أمنيات الزمن الضائع للأديبة هدى توفيق
-
الموالد المصرية وأبعاد الشخصية القومية
-
مظاهر الليبرالية المصرية قبل يوليو1952
-
ربوة منصر القفاش - قراءة فى مجموعته نسيج الأسماء
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|