|
اتفاق القاهرة لوقف إطلاق النار في الميزان
عليان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 3924 - 2012 / 11 / 27 - 22:49
المحور:
القضية الفلسطينية
قبل الشروع في قراءة بنود التفاهمات الخاصة بوقف إطلاق النار بين المقاومة والكيان الصهيوني ، برعاية مصرية وأمريكية ، لا بد من تثبيت الحقائق التالية: أولاً : أن هذه التفاهمات جاءت بعد الانتصارات التكتيكية الفعلية لفصائل المقاومة ، - التي طالت صواريخها المتطورة عمق الكيان الصهيوني- وفي ضوء الاعتراف الضمني للعدو بهزيمته في هذه الحرب . ثانيا: أن هذه التفاهمات جاءت بضغط من الإدارة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا على الكيان الصهيوني ، بعدم إقدامه على العملية البرية إدراكا من هذه الأطراف - التي دعمت العدوان الإسرائيلي وبررته - بأن الهجوم البري سيحسم أيضاً لصالح المقاومة ، بعد أن كشفت كل من كتائب القسام وسرايا القدس ، وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى ، وكتائب شهداء الأقصى وغيرها عن مفاجآتها الصاروخية المذهلة ، التي طالت القدس وتل ابيب ومجمع غوش عتسيون الاستيطاني في جبال الخليل ، وكل المستوطنات الممتدة من غلاف غزة حتى تل أبيب... وأن مفاجآت أكثر في البر تنتظر القوات الإسرائيلية ، من ضمنها امتلاك المقاومة ، لصواريخ كورنيت المضادة للدبابات ، كتلك التي اصطادت فيه كتائب الشهيد أبو علي مصطفى ، الدورية العسكرية الإسرائيلية عشية الحرب الأخيرة. ثالثاً : أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ضربت في الصميم ، وأن استمرار الحرب سيؤدي إلى تهالكها أكثر فأكثر ، ناهيك أن الخسائر غير المنظورة ممثلة بشكل رئيسي ، باحتمالات الهجرة اليهودية المضادة ، باتت تقلق القادة الإستراتيجيين لهذا الكيان . ولعل الصرخة التي أطلقها أحد المستوطنين قائلا : " أقدمنا على حرب على قطاع غزة ، لمنع وصول الصواريخ الفلسطينية إلى سديروت ، لكن بعد إشعال هذه الحرب ضربت صواريخهم قلب تل أبيب " وكذلك الصرخة التي أطلقها مستوطن آخر والتي جاء فيها " النار التي تشتعل من فوقنا في تل أبيب ومن تحتنا ، تجعلنا لا نطيق البقاء هنا ، أنا من نيويوك وسأعود إليها " فهاتان الصرختان اللتان تكاد تعبران عن حال المغتصبين والمستوطنين الصهاينة ، لمؤشر على ما آلت إليه الجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني . رابعاً: أن حكومة العدو الصهيوني – وليس فصائل المقاومة – هي التي طلبت وقف إطلاق النار ، وكلفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون نقل هذا الطلب ومتابعته ، مع الحكومة المصرية . في ضوء ما تقدم يمكن قراءة اتفاق التهدئة بين المقاومة والكيان الصهيوني والإجابة على سؤال : هل عكس الإتفاق نتائج المواجهة ، التي حسمت لصالح انتصار المقاومة ، بشهادة الرأي العام الإسرائيلي ؟ على النحو التالي : 1-فالتفاهمات في بندها رقم (1 ) من الفقرة الأولى، لبت شرط المقاومة الرئيسي من زاوية وقف الاعتداءات الإسرائيلية براً وبحراً وجواً وبوقف استهداف الأشخاص من قبل الإسرائيليين " وقف الإغتيالات " ، وعدم تهديد حرية الحركة والعمل في المناطق الحدودية . وتحقيق هذا الشرط إنجاز يحسب للمقاومة الفلسطينية الذي ما كان ليتحقق لولا صمودها ، وانتقالها من تكتيك الدفاع إلى تكتيك الهجوم الفاعل في عمق الكيان الصهيوني ، إذ أن قبولها لهذا المطلب الفلسطيني كان بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي عاموس جلعاد ، كمن يتجرع كأس السم . 2-والتفاهمات في البند (1) من الفقرة الأولى أيضاً نصت على "عدم تهديد حرية الحركة والعمل في المناطق الحدودية " ، ما يعني حريىة الحركة والعمل للمزارعين ، في الشريط الشرقي للقطاع– الذي تم تجريفه بحدود نصف كيلو متر ، حيث تم منع المزارعين الفلسطينيين في العمل في أراضيهم ، ودفع العديد منهم حياتهم ثمناً لإصرارهم على مزاولة الزراعة على أرضهم. 3- لكن الاتفاق لم ينص صراحةً على حرية الحركة ، للصيادين في العمق الدولي المسموح به لصيد الأسماك ، ما يعني أنه تم ترحيله ضمناً للبند (3 ) من الفقرة الأولى ، والتي تنص على " يتم تداول القضايا الأخرى عندما يطلب ذلك " وقد وافق العدو الصهيوني ، بعد توقيع الإتفاق على حرية وصول الصيادين ، إلى عمق ستة أميال ، بدلاً من ما كان يفرضه العدو منذ إحكام الحصار على قطاع غزة ، وهو ثلاثة أميال. وإتاحة الفرصة للصيادين للصيد، بعمق ستة أميال بحرية إنجاز إيجابي لكنه ليس إنجاز مكتمل ، كون حصيلة الصيد في أعماق البحر بواقع (12) ميلاً ، هي التي توفر الثروة السمكية المطلوبة واللازمة لأبناء قطاع غزة. 4-وبالمقابل لبت التفاهمات شرط حكومة العدو " بأن توقف المقاومة كل الأعمال العدائية ، من قطاع غزة ، اتجاه إسرائيل ، بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات عبر الحدود " . قد يستغرب البعض قبول المفاوض الفلسطيني بهذا الشرط ، كون المقاومة حق مقدس مكفول بالحق التاريخي الوطني ، وبالقانون الدولي ، لكن اتفاقات التهدئة في السياق التكتيكي مطلوبة ، لأن المقاومة وأهل قطاع غزة بحاجتها لالتقاط الأنفاس وإعادة البناء. لكن الخطأ الكبير – الذي قد يرقى لمستوى الخطيئة – تمثل في قبول المفاوض الفلسطيني ، بتمرير عبارة "وقف الأعمال العدائية من الفصائل الفلسطينية اتجاه إسرائيل " . فهذه العبارة غير منسجمة ، مع حقائق الصراع وطبيعته لأن الشعب الفلسطيني يزاول المقاومة والدفاع عن نفسه ، ولتحرير أرضه ولا يمارس فعل الاعتداء ، والذي مارس فعل الاعتداء والعدوان ، والإجلاء والتشريد وفعل الاغتصابي والاستيطاني ، الكولونيالي الإجلائي هو العدو الصهيوني . وكان بإمكان المفاوض الفلسطيني المقاوم ، التمترس بعدم تمرير جملة " وقف الأعمال العدائية من قبل الفصائل الفلسطينية " واستبدالها بعبارة " وقف الأعمال الهجومية " ، أي حصر الأمور في التكتيك المؤقت ليس أكثر ، لأن الهدنة لن تدوم ، وأول من يخرقها الجانب الإسرائيلي ، وقد خرقها فعلاً جزئياً ن بعد يومين من توقيع الإتفاق ، عندما أطلق النار على المزارعين في الشريط الشرقي للقطاع ، ما أدى إلى استشهاد أحد المزارعين ، وجرح تسعة آخرين . لكن ورود هذه العبارة ، لا يقلل من شأن رضوخ العدو المتغطرس لشرط المقاومة ، وبشكل مكتوب ولأول مرة – حتى لو كان رضوخاً تكتيكياً - "بشأن توقفه عن كامل الأعمال العدائية ، في البر والبحر والجو ضد قطاع غزة ، وبعدم المساس بحرية العمل والحركة ، للمزارعين في مناطق معينة " لما لهذا الرضوخ من تأثيرات سلبية خطيرة ، على الجانب المعنوي وعلى الجبهة الداخلية للإسرائيليين . 5- وفيما يتعلق برفع الحصار ، لم يتمكن المفاوض الفلسطيني من فرض مطلبه الخاص ، برفع الحصار عن قطاع غزة ، بعبارة واضحة وصريحة حيث جاء النص على النحو التالي : " فتح المعابر ، وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع ، وعدم تقييد حركة السكان ". فهذا النص ضبابي " وحمال أوجه " كيف ؟ فبوسع الكيان الصهيوني أن يقول أنه لم يغلق معبر " كرم أبو سالم " الخاضع لسيطرته ، وأنه مستعد لتسهيل دخول السلع من الخارج إلى قطاع غزة لكن تحت إشرافه ورقابته . ونحن نعلم أن الحكومة في غزة ، وفصائل المقاومة ، رفضت وصول السلع من هذا المعبر ، لاعتبارات سياسية ووطنية ، واستبدلته بالحصول على البضائع من خلال اجتراح آلية الأنفاق ، التي حلت مشكلة اقتصادية وعسكرية للقطاع والمقاومة عموماً . كما أن هذا النص لا يجيب على السؤال المحدد وهو : هل سيفتح معبر رفح بالكامل ، أمام حركة الأفراد والبضائع وعدم قصره على حركة الأفراد ؟؟ وبالتالي فإن عدم الإجابة على هذا السؤال ، قد يعطي حكومة العدو الفرصة لتفسيره ، على النحو الذي جاء في اتفاق المعابر سيئ الذكر الذي سبق وأن وقعه محمد دحلان ، مع الجانب الإسرائيلي عام 2005 الذي يحصر دخول البضائع ، من الخارج إلى قطاع غزة ، عبر معبر " كرم أبو سالم " في حين يكون دخول الأفراد من وإلى قطاع غزة ، عبر معبر رفح وضمن مراقبة جسدية وإلكترونية ، للأفراد ووثائق سفرهم وأسمائهم من قبل الجانب الإسرائيلي. كما أن هذا النص قد ينسجم مع ما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ، في مؤتمرها الصحفي مع وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل، بشأن الإعلان عن التوصل لوقف إطلاق النار ، عندما قالت بالحرف الواحد " الاتفاق يضمن تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين ، والظروف الأمنية للإسرائيليين ". وحتى لا نستعجل الأمور ، ونذهب كثيراً في التفسير لهذا النص الضبابي الخاص بالمعابر ، دعونا ننتظر آلية تطبيق هذا النص على أرض الواقع . في ضوء ما تقدم من حقائق ، يمكن القول بأن تفاهمات الهدنة - رغم أنها جاءت محصلة لهزيمة الكيان الصهيوني في هذه الحرب ، لكنها لم تلب مطلب فلسطيني أساسي ، ألا وهو رفع الحصار صراحةً عن قطاع غزة ، ناهيك أن الصيغةالمتبادلة لوقف إطلاق النار ، شابها ثغرة القبول بوصف المقاومة " بالأعمال العدائية " . وأخيراً : ما يهم جماهير شعبنا هو أن لا تكون هذه الهدنة طويلة الأمد رغم أنها ضرورية في هذه المرحلة ، وأن يبقى الصراع بسمته التناحرية قائما مع العدو الصهيوني ، وأن يجري حصر الهدنة في إطار تكتيك التقاط الأنفاس وإعادة البناء والتنظيم ، على النحو الذي مارسته المقاومة في الفترة الممتدة من عام 2008 وحتى الحرب الأخيرة ، وأن تستمر المقاومة في تهريب الصواريخ إلى قطاع غزة ، وفي تعويض ما قذفته من صواريخ على مناطق العدو ، أو تعويض ما خسرته منها في المعركة ، مع الحذر – كل الحذر - من محاولات دول ما يسمى بالاعتدال العربي – المرتهنة للإدارة الأمريكية - استثمار النصر التكتيكي الذي حققته المقاومة ، لتوظيفه باتجاه المفاوضات مع الكيان الصهيوني . [email protected]
#عليان_عليان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صواريخ المقاومة تصنع ملحمة النصر وتاريخاً جديداً للشعب الفلس
...
-
الجبهة الشعبية تعيد الاعتبار للفعل المقاوم ضد الاحتلال
-
ذكرى بلفور مناسبة لاستخلاص الدروس وليس لممارسة طقوس كربلائية
-
مرسي يصدم مصر والأمة العربية برسالته الحميمية إلى بيريز
-
المحرقة في مدارس الأونروا مجدداً !
-
رسائل طائرة حزب الله للعدو الصهيوني ولكل من يهمه الأمر
-
فوز شافيز : هزيمة للنيوليبرالية وانتصار للشعوب ضد جلاديها
-
قراءة أولية في التصعيد الإسرائيلي ضد إيران واحتمالات الحرب
-
مؤامرة صهيو - أمريكية لشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين
-
أوسلو وأخواتها : خسائر صافية للقضية الفلسطينية
-
أسئلة على هامش الحراك الفلسطيني في مواجهة الغلاء
-
قمة عدم الانحياز ومحاولة استعادة روحية باندونغ
-
حراك سياسي وشعبي مصري مناهض للاقتراض من صندوق النقد الدولي
-
قرار الرئيس مرسي خطوة في الاتجاه الصحيح ... ولكن ؟
-
مقال : تهويد القدس والأقصى في إعلانات ومعطيات الكيان الصهيون
...
-
السباق الأميركي لكسب ود تل أبيب
-
نظاما السادات ومبارك عدوان لدودان لثورة 23 يوليو ومبادئها
-
جولة كلينتون في المنطقة اسرائيلية بامتياز
-
التمويل الأجنبي والتطبيع...من يدفع للزمار يحدد النغمة
-
أسئلة وتحديات في مواجهة الرئيس المصري المنتخب
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|