عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3924 - 2012 / 11 / 27 - 08:24
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ترجمة:حسن عبدالله (و)عبدالوهاب حميد رشيد
الفصل الثالث
المورد الذي لا ينضب:
إحكام السيطرة على الطاقة الهائلة للمعرفة
وليم إي. هلال، جامعة جورج واشنطن
William E. Halal, George Washington University
مقدمة
قبل سنوات قليلة فقط، كان الناس يسخرون من فكرة أنه ينبغي على الأعمال التركيز على خلق المعرفة. ومع ذلك، فقد هيمّنت المعرفة على اهتمامات حقل الإدارة أخيراً لأن ثورة المعلومات تعيد تجهيز قطاع الأعمال. إن تطور المنشآت التنظيمية enterpreneurial organizations، والتحالفات التعاونية، وأنظمة المعلومات الذكية، تشكل حداً فاصلاً في علم الاقتصاد: اكتشاف الأسس الجديدة، القوية، لإدارة الطاقة الهائلة للمعرفة التي تقود المنشأة الخلاقة. والآن أصبح واضحاً أن المعرفة هي الأصل الأكثر استراتيجية في المنشأة، ومصدر كل الإبداع، والابتكار، والقيمة، والتقدم الاجتماعي- أي المورد الذي لا ينضب infinite resource.
إعادة تجهيز المنشأة
قامت المنشآت الكبيرة بتفكيك مراتبها الهرمية، وباشرَ منظِّمون كثر بمغامرات جديدة في أماكن أخرى. ونشهد الآن ظهور منشآت تنظيمية مثل ABB، تتألف من 5000وحدة تُدار ذاتياً وتتفاعل بحرِّية ضمن "سوق داخلي". وحتى حكومة الولايات المتحدة تحاول أن تصبح حكومة تنظيمية. فما أهمية ذلك؟ لأن المديرين التنفيذيين يعبئون المهارات وروح الإبداع لدى أعداد هائلة من الناس العاديين لإطلاق المعرفة الراقدة في قعر فروع الاقتصاد.
كما نشهد أيضاً هجمة ملحوظة من التعاون لأن منافع التحالفات قد اكتشفتها كل المنظمات- الكبيرة والصغيرة، الشركاء والمتنافسون، الخاص والحكومي، المحلي والأجنبي. وإذ تطلقْ هذه التحالفات انفجاراً من المعلومات من خلال تحرير الطاقة الكامنة للمشروع الحر، فإنها تحوّله إلى مبادلات منتجة بين المنشآت المتحالفة التي تقوم بتجهيز تقنياتها، وتسويق المعرفة الفنية والخبرات الحيوية. وبعبارة أخرى، يؤدي التعاون إلى تدفق المعرفة عبر هذه الشبكة العالمية وزيادة المكاسب من تداولها وقيمتها.
وتبزغ الآن قوة ثالثة بفعالية أكثر. ففي عام 1997 فقط تسارعت ثورة المعلومات وفجرّت النشاط في حقل التعلم التنظيمي organizational learning، والمنظمات الذكية intelligent organizations، والأصول الفكرية intellectual assets، والمفاهيم الأخرى، الجديدة والمثيرة، التي تركز بشكل مباشر على خلق وإدارة المعرفة. فكل الشركات تفخر الآن بأنها تملك شبكة داخلية فيما بينها يديرها مدير معلومات رئيسي CIO ( chief knowledge officer) أو مدير التعلم التنظيمي director of corporate learning. وفي الواقع، فإن المديرين التنفيذيين الرئيسيين CEOs يُرجعون الإدارة الناجحة إلى مصدرها النهائي- عقل الشركة ونظامها العصبي المركزي الذي يربط مختلف الأفراد والوحدات الكثيرة في كلٍ واحد منسَّق وخّلاق.
عالم لا يحّده غير الذكاء والبراعة والخيال
فالإمكانات يصعب تصورها حقاً، وبخاصة لأننا لا نفهم بالفعل بعد النوعية المحيِّرة وغير المحدودة لهذا الشكل الفريد من القوة. فالمعرفة ترقد في عالم سماوي، مع أسس لم نشرع سوى الآن بفهمها، وأهداف لا نستطيع غير تصورها.
وبخلاف الموارد الأخرى المألوفة بالنسبة لنا، فإن المعلومات هي شيء سائل يتغير باستمرار كلما تحركَ، ويزداد كلما تفاعلَ وعبرَ الحدود. ويصف راي سمث، المدير التنفيذي الرئيسي CEO لشركة Bell Atlantic، ذلك كمبدأ "الأرغفة والأسماك":" بعكس المواد الأولية، فإن المعرفة لا يمكن أن تُستنفد. فكلما توزعْ معلومات أكثر، تخلقْ أكثر منها(1)."
لقد استعملت الثورات الاقتصادية السابقة تكنولوجيا جديدة، ولكن بقسوة أكثر. فالثورة الزراعية خلقتْ الحضارة من خلال تقديم مواد غذائية آمنة- ولكن الناس ظلوا يعيشون ضمن ظروف بدائية وكابدوا مع موارد نادرة. كما أن الثورة الصناعية سخرّت الآلات لصنع السلع المادية- تحت تهديد الحرب النووية وتدمير البيئة.
أما الثورة التكنولوجية، فهي جديدة أساساً لأنها تتعامل مع موردٍ غير محدود تقريباً وقوي بشكل خاص. وبخلاف الموارد المادية- كالأرض، والعمل، ورأس المال- فإن المعرفة تتكون باستمرار وعرضها لا يُستنفد، وبالتالي فأنها تحل مشكلة ندرة الموارد، قديمة العهد. وأعتقد بأن من الملائم القول- لأول مرة- بأننا نَطول مورداً ليس له حدود.
فما هو متاح كثير جداً لأن تكنولوجيا المعلومات IT تقدم طريقة قوية لفهم عالم معقد على نحو غير محدود. فالعلم يكتشف أعماقاً لا يُسبر غورها من الحياة المعقدة في الكون كله: من النطاق الميكروسكوبي للكائنات العضوية الدقيقة، إلى أبعد نقطة في الفضاء، وإلى العالم الداخلي للوعي الإنساني. وكما قال عالم الفيزياء فريمان ديسون، فإن تعقيد الحياة يتوسع: لا حدود في كل الاتجاهات(2)."
وعلاوة على ذلك، فإن ثورة المعلومات هي أول محاولة جادة لنا لجعل المعرفة المهمة الأولى في مجتمعات كاملة. فقد استخدم العالم، العام 1997، بليون جهاز حاسوب شخصي PCs، طاقة كل واحد منها تزيد على طاقة mainframe التي كانت سابقاً تحتل غرف كاملة، وتكلّف ملايين الدولارات، ويتطلب تشغيلها فرقاً كاملة من العاملين. وإن التغيرات الكبيرة حقاً لم تأتِ بعد. ويشير أندي غروف، المدير التنفيذي الرئيسي لشركة Intel إلى "أن طاقة الحاسوب ستكون في القريب العاجل حرة عملياً وبلا حدود عملياً(3)."
ولذلك، فإن المعلومات هي مورد لا ينضب لأنها تمثل عرضاً غير محدود للقدرة على إدارة إمكانات غير محدودة. إن الزيادة الهائلة لملايين المنظِّمين مثل بيل غيت Bill Gates واقتصاديات كاملة مثل كوريا الجنوبية توضح بأننا قد حطمنا كل القيود التي أبقتْ البشرية ذات يوم أسيرة لعالم مادي. إن العقبات العادية كلها تبقى، ولكن الحدود الجدية الوحيدة هي ذكائنا وبراعتنا وخيالنا. وبما أن هذه الآفاق تتجاوز بالتأكيد تقريباً أجرأ تقديراتنا، فمن المحتمل أن موجة التغيير، الموشكة على الحدوث، سوف تفاجئنا وتبهر خيالاتنا وتختبر قدراتنا.
الأسس الجديدة للتقدم
ولكن الاقتصاد، تقليدياً، يُعرف بأنه "العلم الكئيب". فهو يقوم على الموارد المحدودة، التي تقل عند المشاركة بها، فتخلق لنا عالماً من الندرة. وهذا يفسر لماذا أن المعلومات ثورية- فهي تتحدى ما تعلمناه في الماضي.
وهذا الفصل يجمّع الاتجاهات الاقتصادية، والبيانات التي توفرت لي من استعراض الممارسات الإدارية في مختلف الدول، وآراء الكُتاب البارزين، وذلك لفحص الأسس الثورية الجديدة لإدارة المعرفة. وفيما يلي، أقدم عرضاً شديد الإيجاز لهذه البدع المربكِّة، ولكن المثيرة، والتي سنعود إليها فيما بعد بتفصيل أكثر.
1. الأساس الأول: التعقيد يُعالج بالحرية. فالنجاح لم يعد يتحقق من خلال التوجيه والسيطرة، بل تتيحه الحرية التنظيمية بين الناس في القاع.
2. الأساس الثاني: التعاون فعاّل اقتصادياً. فالقوة الاقتصادية لا تأتِ من القوة والصرامة، بل من خلال التدفق التعاوني للمعلومات ضمن مجتمع الأعمال.
3. الأساس الثالث: المعرفة توجّهها الروح. فالوفرة Abundance لا تنتج عن الغنى الاقتصادي، بل عن التسيير البارع لعالم معقد بصورة غير متناهية.
التحول الاقتصادي القادم
إن فهم ضخامة هذه الأفكار من شأنه تحدي مديريّ الأعمال، والمسئولين الحكوميين، والعلماء لسنوات. ولكن النمو المتين لتكنولوجيا المعلومات IT ينبغي أن يستمر في قيادة التغيير. نيكولاس نيغروبونت، المدير في MIT Media Lab يعتبر IT: "القوة الطبيعية التي لا تُرد، والنصر النهائي للامركزية، والعولمة، والتأهيل(4)."
وفيما بعد، سألخص تنبؤاتي التي تشير إلى أن التحسينات الهائلة في تكنولوجيا المعلومات سوف تدخل في التيار الرئيسي في وقت ما خلال السنوات القليلة القادمة. وفي نهاية هذا الفصل، سنرى كيف أن القوى، التي يطلقها هجوم التكنولوجيا هذا، يُحتمل أن تقود ثلاثة ثورات مناظرة لتلك الأسس الثلاثة: ثورة من التحكم إلى الحرية؛ وثورة من الخلاف إلى الوفاق؛ وثورة من المادية إلى الروح.
وحينما تصل هذه التغيرات إلى مقدار معتبر من الناس والمنظّمات، فمن المحتمل أن نشهد "انقلاباً" في الفكر الاقتصادي بين السنوات 2000 - 2005 تقريباً؛ وينبغي لهذا الانقلاب أن يحدث "كالمرور من ثقب إبرة".
إن الحياة الاقتصادية ينبغي أن تختلف على الجانب الآخر من التحول. فعندما تهدأ العاصفة خلال عقد تقريباً، ربما تشكل الأعمال، والحكومات، والمؤسسات الأخرى، تشابكات غير مركزية decentralized clusters من وحدات مشروع داخلية، تعمل من القاع ونحو الأعلى حيث التعقيد المُدار ذاتياً، وتقود الابتكار بهذا الشكل عبر المجتمع بشكل مستمر. كما أنها سوف تندمج تكافلياً مع مختلف الأطراف، بحيث تشكل مجتمعات مترابطة ارتباطاً وثيقاً، ولكن متبدلة، تضم ممثلين اقتصاديين منوعّين. وإن النظام كله سيركز بشدة على قوة المعرفة لقيادة استراتيجيات تخدم الأهداف الاجتماعية والمالية.
وقد يفيد أن نتصور هذا الأمر كمزيج مصفَّى نوعاً ما من ثلاثة نماذج أساسية لمنشآت الأعمال، تشكل نظرية جديدة للمنشأة، قادرة على مواجهة الأوقات الصعبة القادمة- شركة MCI الديناميكية، والتي تكمّلها علاقات العمل التعاونية لشركة Satrun، على أن يقود ذلك كله ذكاء شركة Microsoft.
ماذا يحل محل الهرمية؟
من الواضح الآن أن المنظّمات الهرمية التي هيمّنت على التاريخ تتحول بسرعة، إن لم تكن قد زالت بالفعل. فانهيار الشيوعية لم يكن سوى العلامة الأكثر وضوحاً على فشل الهرمية hierarchy في كل مكان، بما في ذلك انهيار البيروقراطيات القديمة لقطاع الأعمال ومشاعر معاداة الحكومة الكبيرة.
ولكن علم الإدارة مشتت اليوم لأنه يتصارع مع أفكار متناقضة وقضايا صعبة- في نفس الوقت الذي يتوازن فيه مستوى الاضطراب، والتنوع، والتغير، لكي يتفجر حينما تصل ثورة المعرفة قوتها الكاملة في بضع سنوات.
الإدارة تغمرها الحيرة والارتباك
رغم أننا قد تعلمنا أن نحسّن النوعية، ونعيد رسم العمليات، ونشكل الفرق، ونبني الشبكات، بيد أننا كثيراً ما نغرق في الارتباك بسبب التبدل المستمر حالياً للمفاهيم الإدارية المتنوعة- وهي الموضة المنتشرة في الوقت الحاضر.
وهناك تقدير بوجود 31,000 مرشد يتولون تقديم النصح للشركات بشأن مناهج الإدارة management، المختلفة جداً، بما في ذلك "حكمة الذئاب"، و"أسرار القيادة الفظة والعنيفة"، وحتى اقتصاديات العشائر الهندية. إن فيض الأفكار الإدارية الجديدة من الضخامة بحيث يتعذر على العلماء الاتفاق على نموذج للإدارة، وينكب بعضهم لوضع "نظرية موضة"(5).
وتغدو المشكلة واضحة حينما نحاول أن ندوّن الأسس القائمة لأفكار مألوفة كالشبكات التنظيمية. من يملك سلطة اتخاذ القرارات الأساسية في هذه الأنظمة؟ كيف سنعرف إذا كانت العُقد nodes في شبكة ما تخلق القيمة أو تدمرها؟ كيف يتم تقييم الأداء؟ كيف تتحدد المسئولية؟ ماذا عن المكافآت وتخصيص الموارد؟ وهكذا.
فإذا كان الجواب هو أن الإدارة العليا تعالج هذه القضايا، فما هو الفرق، إذاً ؟ أليس هذا مجرد نسخة مرنة أكثر من الهرمية، مع بقاء معظم العيوب القديمة؟ ورغم كل شيء، فإن الهياكل الضخمة من العصر الصناعي القديم لشركتيْ GM و IBM كانت تملك تحالفات قوية مع شركاء أذكياء، في نفس الوقت الذي كانت فيه تتخبط في البيروقراطية. فإذا كان الجواب هو أن الناس أحرار في أن يفعلوا ما يرون أنه الأفضل، فماذا يحول دون الفوضى- هل هو الإجماع بين آلاف المستخدَمين؟ وهل يتحقق هذا بالود والحماسة فقط؟
فرغم كل الحديث الجميل عن "تأهيل الأفراد" لـ "الشبكة" في "منظمات التعلم" learning organizations، فالواقع هو أن معظم الشركات تبقى تحت سيطرة قيادتها بشكل رئيسي- حتى إذا كنا الآن نفهم أن معظم المعرفة توجد لدى مراتب أقل. ومن المفُرح أن نرى العلماء البارزين الآخرين قد سلمّوا أخيراً بهذه المشكلة. كتبتُ قبل سنوات: "المدير هو المشكلة، عادة". وفي العام 1996 ، كتبَ غاري هامل، في مجلة Harvard Business Review، "المشكلة في القيادة"(6).
نقص الحلول للمشاكل المزمنة
كما أن الخلافات هذه مسئولة أيضاً عن افتقارنا للأجوبة الجيدة على المشاكل المزمنة، الناتجة عن إعادة الهيكلة الجارية اليوم التي أصبحت مشهورة بمقاومتها المتحصِّنة، ومكاسبها الاقتصادية الهزيلة، وملاكاتها المرهقة، وزبائنها الذين لا يحصلون إلاّ على خدمة سيئة، والناس الذين يتعرضون للاغتراب. إن إعادة الهيكلة restructuring أمر ضروري بالتأكيد، ولكن المناهج الحالية تركز على تسريح العمال وتخفيض التكاليف، المفروضة على العاملين الذين يكسبون القليل من هذه الإجراءات- في نفس الوقت الذي يعلم فيه المديرون أيضاً بأنه ينبغي عليهم تأهيل الناس، وتشجيع التعاون، ورعاية المعرفة.
وهناك تناقض مماثل يدمّر شرعية قادة الأعمال. فبينما بلغت رواتب المديرين مستويات عالية جداً، فإن أجور المستخدَمين ظلت على حالها لعقدين من الزمان، وأن ثلث قوة العمل تكابد في أعمال هامشية ذات أجور واطئة. وعندما سرّحت شركة روبرت ألان Robert Allen 40,000 عامل ووضعت في جيبها ثلاثة ملايين دولار، فإن سمعة شركة AT&T قد تأثرتْ بحيث هبطت إلى الحضيض في الاستفتاء الذي تجريه مجلة Fortune للشركات المفضلة أكثر لدى الجمهور. وقد لاحظت مجلة Business Week :"إن زيادة متوسط الرواتب 200مرة… لا تجلب الاحترام(7)."
الرأي العام السائد يمكن ملامسته بصورة جميلة في البرنامج الفكاهي " Dilbert ". إذ حوّلَ مقدم أفلام الكارتون سكوت آدمز سخافات علم الإدارة الحالي إلى أقوال ظريفة، جاعلاً من البرنامج نافذةً يطّل البلدُ منها على المعاناة الشديدة للعمال الشباب مع المديرين المربكَين، والمهتمين بأنفسهم. وربما يبالغ آدمز قليلاً، ولكن البرنامج يلتقط التقدير الضئيل لعلم الإدارة الحالي لدى الجمهور.
التغيرات الكبيرة لم تأتِ بعد
والأهم هو أن المفاهيم السائدة ربما لا تصمد أمام التغيرات الكبيرة التي تلوح في الأفق. إن انتشار تكنولوجيا المعلومات قد أطلق منافسة شديدة لخلق حد من المنتجات الجديدة، والأسواق، والخدمات التي لا يفهمها أحد بعد. إن صناعات كاملة كالمصارف ووسائل الإعلام ومؤسسات التعليم تدخل في حقول غير مفهومة بدرجة كافية، ومخيفة. فالتعليم الإلكتروني يجعل صفوف التدريس الحالية، مثلاً، غير ضرورية ومهجورة، تاركاً الأساتذة في أرجاء البلاد في حيرة وارتباك بشأن إعادة تعريف ما ينبغي عليهم عمله، وأين، وتحديد معنى ذلك. كما أن القوة التحريرية لأنظمة المعلومات تخلق أيضاً الاستياء لدى العاملين بسبب تقويض بنية قوة العمل القديمة. فقد أجرى أحد المديرين التنفيذيين CEO لقاءً إلكترونياً من خلال الشبكة الداخلية للشركة، ولكنه لم ينل سوى الهجوم على المديرين التنفيذيين بحيث أضطر إلى إيقاف البث.
هل يمكن للمنشآت أن تجاري هذا المد من التغيير الثوري، دون عاملين متحفزين، وقيادة ملهِّمة؟ كيف سنفهم ما هو مطلوب دون أن نرى التجلي الكامل لهذا التحول التاريخي؟ إن إحدى أكبر العقبات هي أن المديرين عموماً لا يفهمون كيف يمكن خلق جيل مختلف من منشآت تنظيمية من قاعها لِقمتها، وأنهم في وقت صعب يعتقدون فيه أن الأفراد سيتصرفون بمسئولية دون سيطرة مباشرة. ومما يفاقم الأمور، أن المناقشة في هذا الموضوع ممنوعة لأنها تمس موضوع السلطة power، الحساس، مما يضيف إلى الارتباك الذي يميّز علم الإدارة الحالي.
وسيتعذر حل هذه المحنة ما دمنا نفكر في علم الإدارة ضمن إطار تسلسل هرمي، قائم على فكرة الربح. فالمنشآت الكبرى تشكل أنظمة اقتصادية، كبيرة ومعقدة وكأنها اقتصاديات وطنية؛ ومع ذلك، عموماً، فهي مسيطَّر عليها ومُدارة هرمياً من القمة للقاع: عند تحديد المبادرات الاستراتيجية، وتخصيص الموارد والأفراد، ووضع الأهداف المالية، وضبط ومراقبة ميزانية الأقسام. فبمَ يختلف هذا عن التخطيط المركزي الذي فشلَ في ظل الشيوعية؟ وكيف أن السيطرة سيئة بالنسبة لاقتصاد بلد ما، ولكنها جيدة لاقتصاد شركة ما؟ وهل يمكن لأي بنية ثابتة أن تكون مفيدة في عالم متغير على الدوام؟
أسس المشروع، والتعاون، والمعرفة
الأقسام التالية توضح بصورة أكمل "أسس التقدم"، التي تبرز الآن لتعريف "العلم الجديد للإدارة " New Management المطلوب لعصر المعلومات، أو ما يسميه العلماء "نظرية المنشأة" لاقتصاد قائم على المعرفة(8).
تعريف نظام المشروع الداخلي
أحد جوانب العلم الجديد للإدارة، المفهوم أقل فهم، هو طريقة استعمال وحدات الأعمال المستقلة، والفُرق المترابطة- وظيفياً، والتنظيم داخل المنشأة intrapreneurship، والزبائن الداخليين، والمظاهر التنظيمية الأخرى، لتنشيط المنشآت. وإذا كنا نريد تجنب المساوئ المرتبطة بالتدرج الهرمي من القمة للقاع، فتلزمنا طريقة جديدة للتنظيم تقوم على أسس المشروع. ولهذا المفهوم أهمية كبيرة لأنه يقود منطقياً إلى تشكيل اقتصاديات سوق داخلية كاملة.
وقد طَوّرتْ منشآت تقدمية كثيرة رؤى مختلفة لهذه الفكرة الأساسية، كما أوضحتُ هذا الأمر على نحو أكمل في عمل آخر لي(9). وبدلاً من المصطلحات الهرمية- أقسام، فروع، وهكذا- فإن الوحدات تُعرَّف كـ "مشروعات داخلية" internal enterprises أو ما يسميها الكاتبان بنجوتس Pinchots بـ "وحدات في داخل المشروع" intraprise. وكما هو الحال في كل المشروعات، فإن مفتاح النجاح هو معايير المسئولية التي ينبغي الاتفاق عليها بوضوح، وأوسع درجة ممكنة من حرية التنظيم، ودعم أنظمة الشركة وقادتها. ولضرورة مماشاة عصر جديد ومعقد، فإن مجموعة من المنشآت البارزة قد أخذت بهذا المفهوم، كما هو موضح في الجدول رقم 3 - 1.
فبدلاً من وجود بنية ثابتة، ثمة عملية أو بنية متغيرة ذاتية التنظيم، تتطور باستمرار لتقدم كل محاسن الأسواق: المسئولية عن النتائج، وحرية التنظيم، وحوافز للإنجاز، وسرعة الاستجابة زمنياً، والتركيز على الزبائن، والإبداع، وما شابه. ويطلق جارلس هاندي على هذه العملية اسم "تنظيم تعاقدي"(10). وبسبب هذه المرونة، فإن مفهوم السوق الداخلية يقدم أساساً اقتصادياً يسهّل أيضاً الممارسات الأخرى كالشبكات، والأحلاف، والعلاقات العملية.
ومن المهم أن نلاحظ أنه ليست هناك تصميمات تنظيمية مثالية- فالأسواق الداخلية تتعرض لنفس الفوضى، والمخاطرة، واضطراب الأسواق الخارجية. والفكرة هذه لا تصلح للعمليات العسكرية، ولسفن الفضاء، والأوضاع الأخرى التي تتطلب التنسيق الدقيق لآلاف الأفراد والخطط المعقدة، ولا للعمليات الروتينية التي تواجه بيئات بسيطة وثابتة نسبياً. وهكذا، يترتب على المديرين أن يقارنوا تكاليف وعوائد طريقة التسلسل الهرمي بطريقة المشروع لإيجاد المزيج الذي يناسب التنظيم على أفضل وجه.
ولكن إذا كنا نريد تنظيمات ديناميكية قادرة على أن تبرع في أوضاع يزداد تعقدها عشرة أضعاف، بقدر ما يمكن للعين أن تبصر ما يلوح في الأفق، فسيكون من الضروري توسيع المشروع الحر بحيث يتجاوز كل ما هو موجود اليوم. فالمراتب الهرمية المرنة حالياً لن تكون كافية بالنسبة للتقنية الثورية، والمنتجات المتطورة، والزبائن المتطلبين، والمستخدَمين الشباب اللامعين، والأسواق المتنوعة، والمنافسة الشديدة التي تتجلى الآن في كوكبنا. وقد قدّم ستيفن غولدسمث، عمدة Indianapolis خلاصة وافية لهذا الرأي:"ما دمنا نبحث عن أفضل طرق لتنظيم الحياة في عصر المعلومات، فأحد أول الأشياء التي ينبغي عملها هو تحطيم الحكومات الكبيرة، ذات الاستجابة الضعيفة، والاحتكارية… فقد تعلمتُ بأن لا شيء يحسّن من عمل الحكومة غير إدخال المنافسة(11)."
جدول رقم 3 - 1 أمثلة على المشروع الداخلي Internal Enterprise
منشآت ديناميكية: قامت منشآت ديناميكية كثيرة بتبني جوانب مختلفة من المشروع الداخلي، بما في ذلك: MCI, Xerox, Johnson & Johnson, Hewlett-Packard, Motorola, Alcoa, Clark Equipment, and Mobil Oil.. وقد قاومتْ شركة General Motors إضراباً عمالياً لغرض منح أقسام السيارات صلاحية (قسم) الزبائن الداخليين لاختيار مورِّدين من خارج وحدات جنرال موتور.
أسواق العمل الداخلية: ترسل شركتاIntel, Raychem, وعدد متزايد آخر من الشركات، كل عروض العمل الجديدة لتمكين أفضل الأفراد من احتلال مواقعهم. وينتظم العاملون بشئون المعرفة في فرق مُدارة ذاتياً، يتم الدفع لها بحسب الإنجاز، وهي حرة في اختيار قادتها، والعاملين المشاركين الآخرين، وساعات العمل، وطرقه، وكل الجوانب الأخرى من العمل.
Outsourcing and Insourcing: إن الاتجاه القوي للتحول من الهرمية إلى المشروع يحدث أيضاً عندما يتم تكليف موردِّين خارجيين بمهمات معنية outsourcing، وتكليف المشروعات الداخلية بمهمات أخرى insourcing. وقد وصل هذا الاتجاه إلى حد إن المنشأة الجديدة "المتفوقة" لشركة فولكسواجن في ريو دي جانيرو قد أنجزت 80 % من عملها الإنتاجي عن طريق عمال شركة VW- وهذا مثال على outsourcing ضمن الشركات.
الحكومات التنظيمية: تقوم العديد من حكومات العالم بتحويل أجهزتها البيروقراطية إلى حكومات تنظيمية. فقد شكّلت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، مثلاً، "الأنظمة القائمة على الإنجاز" performance-based systems، التي تشكل وكالات مسئولة عن النتائج وتمنحها حرية عمل واسعة بعيداً عن الأجهزة الفدرالية. إن إدارة الدفاع، وإدارة الخدمات العامة، وإدارة الطباعة الحكومية، هي وكالات تقوم الآن بما كانت سابقاً وظائف حكومية احتكارية وذلك بقصد تشجيع المنافسة الداخلية الصحية.
المرافق الحكومية المتنافسة: إن المنافسة بين المرافق ستخفف قريباً من حدة المعارك بين الشركات AT&T, MCI, and Sprint ؛ وسوف تدخل ساحة النزال الشركات the Baby Bells، وإن نظام الطاقة القائم على السوق الحرة يتطور بحيث يتمكن الزبائن من الاختيار بين كثرة من منتجي الطاقة.
اختيار المدرسة: إن المدارس K-12 هي على حافة ثورة تنظيمية لأن الأنظمة القائمة على اختيار الوالدين، وvoucher system ومدارس charter schools ستحل محل البيروقراطيات القديمة وذلك على أساس المشروع.
وفي الخارج: تقوم المنشآت اليابانية بأعمالها خارج نطاق فروعها- kieretsu، وتتحول للعمل بنظام الدفع بحسب الإنجاز. فشركة Matsushita حوّلت أعمال البحث، وتصنيف السلع، ومكاتب المبيعات، إلى وحدات قائمة بذاتها، وهي تقوم بعملها مع بعضها بعضاً. وقد أصبحت مراكز الربح المستقل نموذجاً للأسواق الداخلية. Siemens و Lufthansa هما من بين الشركات الألمانية التي تبنت المفهوم الجديد في الفترة الأخيرة. وقد فعلتْ المثل شركة Semco في البرازيل.
المصدر: تم تكييف المعلومات من: William E. Halal et al., Internal Markets (New York: John Willey & Sons, 1986)..
وفي هذا السياق، فإن معظم التنظيمات تبدو بدائية كالاقتصاد السوفيتي القديم. تأملْ شركة IBM، مجرد نقطة بؤرية من شركة أمريكا Corporate America. وشركة Lou Gerstner تبدو وقد أنقذت شركة Big Blue من الهاوية المالية، ولكن قيمة أقسامها الفردية تبلغ 115 بليون دولار العام 1996 ، بينما كانت قيمة رأسمال الشركة الأصلي 65 بليون دولار. والفارق هذا، البالغ 50بليون دولار، يمثل الثروة التي فُقدت من قبل إدارة شركة IBM. ويدّعي المديرون أن قسم البرمجيات لوحده يبدد 200 مليون دولار كل سنة بعد أن حصل على موافقة المركز الرئيسي على مشروعاته للبرمجيات البالغة 10,000 مشروع(12).
وبدلاً من استعمال ثروة IBM الكبيرة من المعرفة والناس المبدعين لتَصدْر واجهة تكنولوجيا المعلومات، فإن المساهمة الرئيسة لشركة Gerstner انصبتْ، كما يبدو، على فرض النظام discipline: تسريح نصف قوة العمل، خفض التكاليف والدين، وإعادة تركيز جهود التسويق على الزبائن القدامى لشركة IBM. وقد وصفَ مديرو شركة IBM رئيسهم الجديد كما يلي: "إن أسلوبه المتبلد جعلَ التنظيم يرتجف"؛ "أنسْها، إذا كنتَ تتوقع أن تجري مجاملتك"، "يهتم كثيراً بالمنزلة، وبخاصة منزلته هو(13)."
إن السيطرة الهرمية قد يمكنها بَعدْ أن تخدم القيادة في هذه الأوضاع، ولكنها- كالطلاء على خشب متعفن- تخفي فقط الضعف التحتي وتنذر بالكارثة. فإلى متى يمكن لشركة Big Blue العجوز أن تقاوم التحسينات القوية لشركات الحاسوب الكثيرة الأخرى؟ والمنافسون، مثل شركة Dell Computer، يطبقون استراتيجيتهم قليلة التكلفة على آلات كبيرة، وحتى الصين قد نزلتْ للساحة(14).
والحل هو منهج مختلف تماماً لعلم الإدارة، يسخّر المواهب الخلاقة للناس العاديين. فكما خفّضَت أكبر 500 شركة عملاقة، من الشركات التي تذكرها مجلة Fortune، من عمالتها بمقدار 3 ملايين عامل خلال العقد الماضي، فإن المنشآت الأصغر والمشروعات الجديدة قد توسعت بخلق 21 مليون عمل جديد(15).
الإدارة ذات النوعية الكلية Total quality management (TQM)، وإعادة الهندسة، والممارسات الأخرى المألوفة، هي أشياء مفيدة، ولكن الحاجة الرئيسة هي تحويل مصدر السلطة power من القمة إلى القاعدة؛ هي التفكير بالإدارة بلغة المشروع وليس بلغة سيطرة التسلسل الهرمي. أعلمُ بأن هذا الكلام يبدو ثورياً، ولكن هذه الثورة- ثورة المعلومات- هي ثورة مثيرة بقدر ما كانت الثورة الصناعية كذلك، على الأقل. وكما أن الفكرة عن إمكانية خضوع الشيوعية للأسواق كانت تبدو منافية للطبيعة قبل سنوات قليلة فقط، فإن إعادة هيكلة مماثلة تبدو قادمة بالنسبة للشركات الكبيرة- "إعادة بناء حقل الأعمال" corporate perestroike.
وثمة علامة واحدة على هذا التحول الذي يوشك أن يحدث يمكن رؤيتها في تراجع القوة، والمسئولية، ومكافآت مستويات العمل. إن موضوع الدفع بحسب الإنجاز للفرق المُدارة ذاتياً ووحدات الأعمال كان ينمو بشكل ثابت، ويعمل الآن جدياً على تغيير العلاقة مع إدارة الأعمال. ويبين المقتطف التالي كيف تنظر إلى هذا الاتجاه مجموعةُ هاي Hay Group، وهي أكبر منشأة استشارية حول التعويض compensation في أمريكا: "تضع المنشآت المزيد من التعويض في الجانب المتغير، بالمقارنة مع الراتب الثابت، وتعتمد بقوة أكثر على مستوى الإنجاز في ذلك(16)." ولا يتطلب الأمر سوى القليل من الخيال لتوسيع هذه الاتجاهات إلى النقطة التي يحكم فيها منطق المشروع بدلاً من منطق الهرمية. فإذا سلمنا بأن القيمة الاقتصادية تخلقها أساساً الوحدات العاملة، فإن الطريق إلى الأمام يصبح واضحاً. إذ ينبغي على مديريِّ الأعمال التخلي عن السيطرة المباشرة، بتكوين مشروعات داخلية من كل الوحدات نزولاً إلى مستوى فرق العمل.
وأنا لا أقصد أن يتخلى المديرون التنفيذيون الرئيسيون CEOs عن سلطتهم. فهم يصمّمون هذه البنى ويقدمون القيادة لتوحيد وحدات الأعمال ضمن نظام تعاوني موجَه استراتيجياً. فهذا التغير المحوري من شأنه، أيضاً، أن يحل القضايا التي تبعث حالياً على التذمر كتخفيض العمالة downsizing، وإعادة الهندسة reengineering، والنوعية، وذلك بوضع مسئولية هذه القضايا على الفرق المُدارة ذاتياً، المكلَّفة باستعمال الموارد لخدمة الزبائن بصورة مربحة. وضمن هذه الحدود، يمكن أن يكون للمديرين تأثير أكبر لأنهم يقودون نظاماً يتقاسم فيه الجميع مسئولية النجاح.
تشكيل مجتمع أعمال تعاوني
الأساس الثاني يوسّع من فهمنا للأحلاف الاستراتيجية مع المورِّدين وشركاء الأعمال للدخول في علاقات تعاونية مع المستخدَّمين، والزبائن، والحكومة. لقد صاغ جيمس مور هذه الفكرة كما يلي: "المنافسة، التي نعرفها، ميتة(17)." والاستنتاج المنطقي هو قيام "مجتمعات أعمال" corporate communities متشابكة بقوة تربط مصالح مختلف الأطراف stakeholders في كلٍ إنتاجي واحد.
ولكن ماذا عن المنهج التقليدي "العتيد" للأعمال؟ لماذا يترتب على قرون من النزاع الاقتصادي أن تتغير؟ الأمر كذلك لأن ثورة المعلومات تحطم هذا النظام القديم، كما فعلت الثورة الصناعية حينما حطمتْ النظام الاقتصادي القروسطي.
وكما حوّلَ خط التجميع assembly line العاملَ الهام للإنتاج من العمل إلى رأس المال، فإن الحاسوب يحوّل عاملَ الإنتاج الهام من رأس المال إلى المعرفة. المعرفة تختلف لأن التكلفة الحدية لنشرها تافهة وأن قيمتها تزداد عند المشاركة بها، جاعلةً التعاونَ مفيداً لكل الأطراف. وتقود هذه الحقيقة الاقتصادية الجديدة إلى إدراك أن التعاون فعال الآن لأنه يخلق القيمة. وكما توضح الأمثلة في الجدول 2 – 3، فإن كل الحلفاء المتعاونين يستفيدون لأنهم يقدمون ميزة تنافسية.
يمكن لعصر المعلومات أن يكافئ التعاون. ولكن المشكلة هي أن التعاون يحّد من الاستقلالية، وبالتالي فإن الشركات الديناميكية تتجنب الصلات الثابتة من خلال تشكيل تحالفات مع شركاء بديلين. فكل علاقة ربما تتغير مع التحولات في التكنولوجيا، والأسواق، والزبائن، وإن المنشآت تسعى للحفاظ على خيارها بالتحول نحو شركاء آخرين. ولذلك، فإن مبدأ التعاون ينبغي أن يُعدَّل (أو يُضبَط) بالمبدأ الهام بنفس الدرجة: المشروع الديناميكي.
وهذا يقود إلى لغز محيِّر هام يضع المنظمات في اتجاهات متعارضة: فالتعقيد يتطلب حرية تنظيمية، ولكن ثمة حاجة بنفس الدرجة لتوحيد هذا التنوع في كلٍ إنتاجي متماسك. على المديرين أن يبنوا شراكات ثقة لتشكيل مجتمعٍ على أساس القيم والأهداف المشتركة- رغم أننا نسلّم بأن هذا هو تجمع سائل، ديناميكي، من أعضاء متغيرين. إذ تتطور ثقافة أعمال مختلفة، تسلّم بالحاجة للتغيير، بل وتحتفي به كجزء طبيعي من الحياة- كالطلاب الذين يدخلون الكلية، ومن ثم يتركونها مع ذكرياتهم العزيزة عن زملائهم. رون أوكلفيج Ron Oklewisz، أحد المديرين التنفيذيين في شركة Telepad، يرى بأنه لا ينبغي على المديرين "الزواج" من شركائهم، بل الاكتفاء "بالمواعيد" أو "مصاحبتهم وملازمتهم على الدوام".
المشكلة هي أن فكرة التعاون والمجتمع المحلي community تتعارض مع إيديولوجيا الرأسمالية. والأمريكان بشكل خاص مكرسون لفكرة أن الشركات "يملكها" أصحاب الأسهم، وبالتالي فإن هدفهم ينبغي أن يكون مضاعفة الأرباح.
نشاط الأعمال ينبغي أن يكون مربحاً، ولكن هذا الرأي كثيراً ما يضع المديرين في المشكلة الصعبة وهي تعارض ذلك مع مصالح المستخدَمين، والزبائن، والآخرين، الذين يكون لدعمهم أهمية كبيرة. فمثلاً، إن أجور المستخدَمين والتدريب يُنظر إليها، ببساطة، كتكاليف ينبغي تجنبها. وتقف ضد هذا الرأي شركات مثل Marriott و Motorola التي عملتْ شراكات مع المستخدَمين، وتستمتع بعوائد تصل إلى عدة مئات بالمائة من استثماراتها في التدريب(18).
لننظر بعناية أكثر إلى مسألة تخفيض حجم العمالة downsizing، وهو موضوع يرمز لأزمة الرأسمالية هذه. إن الحالة المشهورة لدونلاب Al Dunlap تكشف الكثير بشكل خاص(19). وكمدير تنفيذي رئيسي لمنشأة Scott Paper، فإن Dunlap نجحَ في إعادة هيكلة المنشأة بشكل فعال بحيث أن رأسمال الشركة قد زاد بنسبة 225 %. وهذا إنجاز هائل، كوفئ عليه عن استحقاق. ولكنه كان إنجازاً هائلاً من زاوية الإيديولوجيا الرأسمالية بشكل رئيسي، التي ذُكرت قبل قليل. أما من زاوية مجتمع الأعمال، الناشئ، فالقضية تبدو مختلفة جداً.
المستخدمون. قبضَ المدير التنفيذي 100 مليون دولار مقابل عمل سنتين، وربحَ المديرون الآخرون مبلغاً يتراوح بين10 - 20 مليون دولار لكل واحد منهم. ومع ذلك، فقدَ 12,000 فرد عملهم، مما شكّلَ صدمة كبيرة للبعض منهم أدت إلى إصابته بالسكتة القلبية وأمراض خطيرة أخرى. وقد جرى، فيما بعد، تسريح 8,000 فرد عند بيع المنشأة. فما هو المتوقع منطقياً بالنسبة للأخلاق، والضغط stress، والإنتاجية؟
الزبائن. هبطت المبيعات بسبب نوعية المنتجات التي أثارت دهشة الزبائن، وبسبب معاملة الشركة أيضاً. والمقتطف التالي يبّين ما قالته إحدى السيدات :" Dunlap يبدو كتجسيد للرأسمالية الهائجة- من دون قلب، أو روح، أو ضمير. ولن أستعمل إلاّ منتجات منافسيّ منشأة Scott، قدر المستطاع".
المورّدون. هجرَ Dunlap الاجتماع السنوي مع المورّدين الذي يهدف إلى تحسين علاقات العمل، وتحسين النوعية، وتخفيض الأسعار. ورغم حقيقة أن تقريباً كل المنشآت المُدارة جيداً اليوم تطوّر نفس هذا النوع بالضبط من العلاقة التعاونية مع مورّديهم، فإن منطقه كان ببساطة:"هذا هراء".
وكانت هناك دهشة قليلة، مما أثارته وضعية منشأة Scott من مشاعر، لدى الزملاء المديرين، والعلماء، والصحافيين، والناس العاديين. فقد كان لدى بيتر كابيلي من مدرسة وارتون Wharton التفسير التالي:" Dunlap لم يخلق أي قيمة. فهو أعادَ توزيع الدخل من المستخدَمين والمجتمع لصالح أصحاب الأسهم(20)."
والسخرية هي أن هذه الطريقة الغبية في جمع الثروة لا ينجم عنها سوى قيمة تافهة لاسترداد ما يضيع. فكسب الملايين لا يجعل الناس أكثر سعادة، ولا يلبي الحاجة للصلات الاجتماعية ومغزى أننا جميعاً نكافح حتى النهاية. فبعد نجاحه، اعترفَ Dunlap بشعوره بالكآبة: "لا أشعر بأي شيء. ثمة خواء، كأني فقدتُ قطعة من نفسي". وأنا أفترضُ بأن الحل هو في مباركة التغيرات الحاسمة التي تُدخلها ثورة المعلومات حالياً. فمجتمع الأعمال لا يمثل مسئولية اجتماعية بمعنى "عمل الإحسان". بل هو ميزة تنافسية.
ولكن أفعالنا ومعتقداتنا لم ترقَ بعد إلى هذه الحقيقة الجديدة. فإذا كان العمل مع المستخدَمين، والمورِّدين، والزبائن، وحتى المنافسين، مربحاً، فهذا يعني بأن مهمة الأعمال ينبغي، نوعاً ما، أن تشمل كل هذه المصالح بدلاً من مجرد تحقيق الأرباح لأصحاب الأسهم. وقد لخّصَ دان ميهان Dan Mehan، نائب الرئيس للشئون الدولية في شركة AT&T، هذا الرأي كما يلي في حوار شخصي:" بعد تحقيق برامج النوعية، وإعادة الهندسة، وتحقيق الابتكارات الأخرى، فإن القضايا الأخيرة التي تهم هي: "هل سيستمر زبائننا بتفضيلنا لأنهم يحصلون على قيمة؟ وهل سيرغب مستخدَمونا في أداء عملهم بصورة جيدة؟ وهل سيقبلنا المجتمع كمواطنين صالحين"؟
يترتب على المشروع الحديث أن يكون مؤسسة شبه ديمقراطية تخدم مجتمعاً متغيراً من الأطراف المعنية changing community of stakeholders. وكما تُثبت الشركات الرائعة الكثيرة، المذكورة في هذا الكتاب، فإن المصالح المالية والاجتماعية يمكن ليس فقط أن تكون منسجمة كلياً مع بعضها، بل وأن تعزز بعضها بعضاً، أيضاً.
وتبين مقابلاتي بأن معظم المديرين يفهمون الآن بأن عليهم أن يتعاونوا مع مختلف الأطراف stakeholders وأن يعملوا على خدمة مصالحهم لأن علاقات الثقة هي مفتاح النجاح الاقتصادي. وهذا ما تؤكده أيضاً مراجع بارزة أخرى كالقائمة السنوية لأفضل الشركات في أمريكا، التي تعدّها مجلة Fortune، والتي تضع المنشآت في سلمٍ وفقاً للمنفعة التي يحصل عليها المستخدَمون، وخدمة الزبائن، وسمعة المنشأة في البلاد(21).
جدول 3 - 2 أمثلة على مجتمعات أعمال Corporate Community
كونسورتيوم البحوث: تم في الولايات المتحدة تشكيل 350 مجموعة بحث و 1,600 اتفاقية بحوث بين قطاع الأعمال والحكومة. وتملك صناعة السيارات لوحدها 12 مجموعة يعمل فيها أكبر ثلاثة من مصمِّمي السيارات معاً على تطوير كل شيء بدءً من السيارات التي تعمل بالوقود الجديد إلى السيارات الالكترونية.
اتحاد المورِّدين والموزعين: قامت الشركات Nike, Dell, Chrysler, Caterpillar, Novell بتحسين عملياتها من خلال إقامة علاقات مع المورِّدين والموزعين.
التعاون بين المستخدَمين: تعتبر الشركاتRaychem, Intel, Motorola, ، وأخرى غيرها، العلاقات التعاونية بين المستخدَمين مفتاح استراتيجية الأعمال. وهي توفر التدريب، والحرية للمستخدَمين، ومكافآت مغرية بقصد تخفيض التكاليف وتحسين المبيعات وتقديم المعرفة.
نسج العلاقات: تقيم المنشآت التقدمية علاقات ثقة مع الزبائن، تركّز على أهمية تسليم السلع وزج الزبائن في الشركة. وكمثال جيد على ذلك هو النزهة التي أقامتها شركة Saturn ل 20,000 من مالكي الشركة.
الشراكات بين المتنافسين: بينما تتنافس الشركات GM, Ford, Chrysler مع Toyota, Renault, Fiat، فهي تقوم أيضاً، معاً، بتصميم وصنع وبيع السيارات مع نفس هؤلاء الخصوم. كما إن مزيجاً مماثلاً من التنافس والتعاون يميّز العلاقات بين IBM و Apple، Nucor و USX، Texas Instruments و Hitachi. وبالمثل، فإن شركة America Online هي شريك للشركات Netscape, Sun, Microsoft, AT&T, Sprint إضافةً إلى منافسيْها Prodigy و Compuserve.
تحالفات اقتصادية/ نظم بيئية: تقوم شركات مثل Microsoft و Netscape بتنظيم تحالفات، أو نظم بيئية ecosystems، وذلك لتوحيد المورِّدين، والصناعيين، والموزعين، وآخرين غيرهم، في شبكة من المنشآت المتعاونة في مجال سلعة ما أساسية.
الشراكات بين قطاع الأعمال والحكومة: تقوم المدن الأمريكية Baltimore و San Antonio و Indianapolis، وكذلك 40 ولاية، بعمل شراكات مع قطاع الأعمال، والعمل، والمجموعات المدنية. كما قدمّت حكومة الولايات المتحدة قرضاً بقيمة بليون دولار لشركة Aeroflot مقابل قيام الروس بإزالة الحواجز التجارية على بيع الطائرات.
مجتمع أعمال: قامت بعض الشركات بتوحيد كل هذه التحالفات في "مجتمعات أعمال" كاملة complete corporate communities. كما تطوّر الشركات GM Saturn و The Body Shop و IKEA علاقات ثقة مع الزبائن، وتُشرك العاملين في السلطة، وتتعاون مع المورِّدين والتجار، وتعمل شراكات مع الحكومة- إلى جانب إنها تحقق أرباحاً ممتازة لمستثمريها.
المصدر: تم تكييف المعلومات من: William E. Halal, The New Management (San Francisco: Berrett-Koehler, 1996)..
تعزيز المعرفة بواسطة بنية تحتية ذكية
إن أهمية المعرفة تزداد وضوحاً بفضل حقيقة أن قيمة مختلف أصول المعرفة قد زادت من % 38 من أصول قطاع الأعمال العام 1982 إلى % 72عام 1992. ويُقدر بأن رأس المال البشري وحده، أي القيمة التي تنتج براعة ومهارة قوة العمل، مسئولة عن % 70 من كل الثروة في الاقتصاديات الحديثة. وإذا أضفنا الملكيةَ الفكرية (براءات الاختراع، وغيرها)، وأسماء الشهرة، والأشكال الأخرى للمعرفة، فإن المجموع يصل إلى 80 % من أصول قطاع الأعمال. والمشكلة هي أن المديرين يعتقدون بأن حوالي 20 % فقط من هذا الأصل الاستراتيجي يُستخدم بالفعل(22).
ولمزيد من الدقة، فإن "بنية تحتية ذكية" intelligent infrastructure هي أمر ضروري لدعم المجتمع التنظيمي. ولكن هذه البنية التحتية تستلزم أكثر من التعلم التنظيمي من جانب الأفراد أو الفرق، فالمطلوب هو تعلم نظام أعمال كامل لإنتاج ذكاء تنظيمي organizational intelligence (OI)، كمعادل أعلى من الذكاء الإنساني.
ومن الممكن الآن جمع شبكات المعلومات المتقدمة وبنى التنظيم الديناميكي لإنتاج قدرة غير مألوفة على تكديس المعلومات الأولية من مصادر متنوعة، وحفظها في خزائن البيانات databases، وتحويل البيانات إلى معرفة قيّمة، وتمكين الوحدات من استردادها من أي جزء من الشبكة. إن أسس المشروع والتعاون يمكنها أن تجّهزَ النظام الإداري، ويمكن للحاسوبات الشخصية PCs التي تعمل ضمن شبكة داخل مشروع ما أن تجهز نظام المعلومات.
لاحظْ أن بنية تحتية ذكية ينبغي أن تتضمن ليس فقط أنظمة معلومات قوية. فما هو ضروري بنفس الدرجة هو النصف الإنساني من التنظيم- كل النشاطات التنظيمية والتعاونية التي تتحقق عندما تلتقي مجموعات صغيرة من الأفراد لحل مشاكل، ولتبادل أفكار، ولمساعدة بعضهم بعضاً. إن هذه التفاعلات الإنسانية غير المرتَّبة كما ينبغي تشكل "المعرفة الضمنية" tacit knowledge بالمقارنة مع "المعرفة الصريحة أو الرسمية" المرتَّبة جيداً والمخزونة في أنظمة المعلومات. المعرفة الضمنية لا غنى عنها لأنها تمثل الطريقة التي يفكر بها الناس عملياً، سواء كانت هذه التفاعلات الإنسانية تشمل المستخدَمين وهم يؤدون عملهم، أو الزبائن وهم يقومون بمشترياتهم، أو المديرين وهم يحلون المشاكل التنظيمية.
ولذلك، فإن البنية التحتية الذكية الملائمة تتألف من نظام معلومات لمجتمع أعمال- واسع وشبكة من علاقات العمل الوثيقة التي تربط الوحدات التنظيمية بالمصادر العامة للمعرفة المشتركة. والحصيلة هي "نظام عصبي مركزي" "يرفع" التعلم العادي إلى مستويات قوية جديدة لبناء منظمة ذكية. وإذا حملنا هذا الخط من التفكير مسافةً أبعد، فإن كل فرد يصبح نقطة مفصلية a node في هذه الشبكة، تشكّل فيما بعد "عقل أعمال" له قدرات الذكاء الجماعي. ويقدم الجدول 3 - 3 بعض الأمثلة.
بعيداً عن الأشياء التكنيكية
وبعيداً عن هذه النقاط التكنيكية، فإن نطاق المعرفة مروّع بشكل خاص لأنه لا يمكن فهمه دون تبني غرض ما. وإذا شاء قطاع الأعمال أن يكون قابلاً للحياة، فعليه أكثر من أن يكون إنتاجياً، وأن يكون قادراً على التكيف مع التغيير، وتعاونياً، وباحثاً عن المعرفة. كما ينبغي عليه أيضاً أن يشكل نظاماً اقتصادياً متحضراً يعكس طريقة أفضل للحياة. وباختصار، عليه أن يخدم بعض الأهداف الاجتماعية: إنتاج منتجات وخدمات قيّمة، وتقديم حياة ذات معنى للناس، وحماية البيئة، والحرص على نظام عالمي منسجم. وإذا فشلَ قطاع الأعمال في هذا الاختبار، فمن المؤكد أن تكون هناك مقاومة من جانب الحكومة، ونقابات العمال، والمصالح الأخرى.
والمثال الجيد هو صناعة السجاير. فالنيكوتين يفرض الآن تكاليف سنوية، في مجال الصحة، تصل إلى 100بليون دولار، إضافة إلى أنها تقّصر حياة 400,000 فرد في الولايات المتحدة سنوياً- وهذا يزيد كثيراً على ما تفعله المخدرات، غير الشرعية، مجتمعةً. ولكن شركات السجاير تقاوم المحاولات التي تُبذل للحد من المخاطر الصحية، وهي الآن تتمدد عالمياً. وقد توصلتْ دراسة لمدرسة الصحة العامة في هارفارد إلى أن التدخين هو السبب الأكبر الوحيد للعجز والموت المبكر: "إن وباء التدخين هو حالة طوارئ عالمية(23)." وبعبارة اقتصادية، فإن هذه الصناعة تحطم ما قيمته مئات البلايين من الدولارات بالنسبة للقيمة الاجتماعية وذلك من أجل خلق أرباح للمستثمرين. فهل يجدر بالرجال والنساء الناضجين أن يفعلوا ذلك؟
الجدول 3 - 3 أمثلة على أنظمة المعرفة
محرك المعلومات لشركة McGraw-Hill: خلقت شركة McGraw-Hill شبكة معلومات أعمال-واسعة، وحوافز على الأداء، وبرامج تدريب، وذلك لتوحيد كل الوحدات في "منظومة فكرية"، تشبه الجامعة أو مركز أبحاث. والعنصر المركزي هو عبارة عن خزين معلومات knowledge base أتاحَ المعلومات التي جمعتها الوحدات، والتي يمكن للوحدات الاعتماد عليها فيما بعد لخدمة زبائنها على نحو أفضل- وأحسن اسم لهذه العملية هو "محرك معلومات" information turbine لأنها تحوّل البيانات الأولية إلى دفق من المعرفة التي "خلقت القوة" للشركة.
أنظمة معلومات لشركة Hewlett-Packard : طورّت شركة HP "منظمة تسويق أنظمة حاسوب" لتقاسم المعلومات المتعلقة بالسلعة، وبيانات السوق، والأفكار الاستراتيجية. تقوم وحدة "أنظمة معلومات الأعمال" Corporate Information Systems بوضع كل الإجراءات الإدارية والممارسات الشخصية في موقع الكتروني و Lotus Notes. وهناك نظام اسمه "رابط معلومات" Knowledge Links يقدم معلومات عن أصناف السلع، وخدمات مشتريات، وبيانات هندسية، ومعلومات عن السوق، وأفضل الممارسات العملية. وكل ذلك يجري توحيده بواسطة "شبكة ابتكارات عالمية" تسمح للمستخدَمين بالإطلاع على تجارب بعضهم بعضاً بشأن الأعمال.
خزينة بيانات شركة ميرل Merill Lynch s Data Base: يقوم أكبر وسيط تأمين في العالم بمساعدة 18,000 من مديريِّ حساباته الذين يعملون في 500مكتب على خدمة ملايين من الزبائن وذلك من خلال شبكة حاسوبية تخزن رصيد المنشأة من المعارف المتعلقة بالتأمينات، والتوقعات المالية، وما شابه.
خدمات IBM s IS: يستعمل مدير المعلومات الرئيسية في شركة IBM الشبكة الداخلية للشركة corporate intranet لتزويد الوحدات بتقييمات عن المورِّدين ولربط المشترين من الشركة بمن يبيعون لها. فكل مشتريات شركة IBM تتم من خلال الشبكة، مما يوفر بليون دولار سنوياً.
المصدر الاستشاري لشركة أندرسين Andersen Consulting s Practice Pool: تستعمل شركة أندرسين شبكة عالمية اسمها "تبادل المعرفة" Knowledge Xchange لتكوين، والاستفادة من، الخبرات والتجارب وأفضل الأشياء العملية من سياستها الاستشارية المنتشرة عالمياً. وقد قال مديرها التنفيذي:" زبائننا ينبغي أن يحصلوا على أفضل معرفة في المنشأة، وليس مجرد الأفضل عند الاستشارة".
المصدر: تم تكييف المعلومات من: ‘Some Principles of Knowledge Management, Strategy Business (Winter 1996): 34-41, James Quinn et al., anaging Professional Intellect, Harvard Business Review (March-April 1996):71-83, ‘Jack Welch s Cyber-Czar, Business Week, August 5, 1996, 82-83.
ورغم أنني أحبذ فكرة الهدف الاجتماعي، بيد أنني لا أدافع عنها على أساس أخلاقي، بل لأن المعرفة تتطلب ذلك. ومما يبعث على السخرية أن امتلاك المزيد من المعرفة غالباً ما يتركنا مربكَين أكثر بسبب النقص التام فيها كلها. وهذا اللغز المحيِّر يجعل المعلومات غير ذات معنى ما لم تقودها قيم، رؤية، وهدف معين. وهذا يفسر لماذا نشاهد زيادة الاهتمام بهذه النوعيات من جانب المنظمات، وحتى رجال الدين.
إن التركيز على الهدف مطلوب بإلحاح للحد من المشاكل الناجمة مباشرةً عن تركيز المنشآت على النقود فقط. فالصناعة المسئولة عن رعاية الصحة، مثلاً، ازدرت البلدَ في الآونة الأخيرة بحديثها عن تقليل المصروفات بدلاً من أن تتحدث عن زيادة الأرباح بدون رحمة. وكما هو متوقع، فإن الكونغرس ومعظم الولايات تبطل سريان الفقرات التي تحظر على أطباء منظمات المحافظة على الصحة (HMOs) إبلاغ المرضى عن العمليات باهظة الثمن، وتمنع (HMOs) من إكراه الأمهات الجديدات على الخروج من المستشفى بعد يوم واحد من الولادة، وتفرض إجراءات مماثلة من هذا النوع.
كيف أمكن لمهنة عظيمة، كانت مكرسة لخدمة الإنسانية ذات يوم، أن تقع في هذا المأزق؟ الجواب يبدو سهلاً نوعاً ما: ففي محاولة للأخذ بالفكرة المنتشرة هذه الأيام عن الأعمال الجيدة، فإن (HMOs) فقدتْ الرؤية بالنسبة لمهمتها الرئيسية. وكما هو واضح، فعلينا كلنا أن نسيطر عل المصروفات، ومن الضروري مكافأة المستثمرين على مخاطرتهم برأسمالهم. ولكن الهدف النهائي للأعمال هو خدمة المجتمع بطريقة ما. فإذا أمكن لـ (HMOs) أن تنظر إلى أبعد من القاع، فستجد فرصاً هائلة لتلبية الاحتياجات الصحية الملحة.
وبدلاً من معالجة الأمراض فقط، فإن الأنظمة الصحية التقدمية تعمل على الوقاية منها بواسطة مساعدة الناس على تبني أنماط الحياة الصحيحة، وتجنب العادات الضارة كالتدخين، والوقاية من الأحداث، والأخذ بالإجراءات السليمة الأخرى. إن زيارة المرضى من جانب العاملين في (HMOs) من شأنها أن تساعدهم على تحسين عاداتهم الحياتية لأن ذلك أرخص من دفع ثمن العمليات الغالية فيما بعد. وهكذا تقل التكاليف وتتحسن الصحة في وقت واحد. ويتفق جون غلاودمانس، المدير العام للعمليات الصحية في Aetna، على: " أنه لتحقيق التوفير في التكاليف في المستقبل، يترتب علينا أن نُبقي الناس أصّحاء(24)."
وتنزع كل الصناعات والمهن الأخرى، تقريباً، نحو تحول مماثل، وإن شركات بارزة كثيرة أثبتت القدرة على تبني بعض الأغراض الجديرة. وقد حولّت أنيتا رودِك Anita Roddick، صناعة التجميل عن طريق تلبية حاجة الناس المتزايدة في العالم كله إلى الوسائل الآمنة، والرخيصة، للحفاظ على صحتهم، مع حماية البيئة. كما ابتكرت سكب ليفاو Skip Lefauve مشروعاً ذا توجه إنساني عن طريق تصميم شركة الساتورن Saturn كفرق من العاملين مُدارة ذاتياً، تقوم بإنتاج سيارات ذات نوعية رفيعة، ورخيصة، تُباع من دون أعباء وقيود البيع.
وإذا فحصنا مجدداً بشكل جدي المشاكل الكثيرة جداً التي تبرز اليوم، فيمكننا أن نقول بأنها تقّدم بنفس الدرجة فرصاً واسعة للأعمال الناجحة. إن هذه المشاكل يمكن إعادة النظر إليها بتبصر كحقل واسع لمشروعٍ من نوع جديد، مشروع يخلق القيمة من خلال العمل مع كل مكوناته لخدمة احتياجات الجميع على نحو أفضل.
التحول الاقتصادي القادم
دعوني أمثل دور محامي الشيطان هنا من خلال إثارة الشكوك التي تستقر في أذهان معظم الناس. لماذا ينبغي على المديرين أن يصارعوا لتبني هذه الإجراءات القاسية؟ فلو تركنا السوق تعمل عملها، فإن الشركات سوف تبقى تتنافس من دون كل هذه التغيرات المثيرة وغير المؤكدة. فالمديرون التنفيذيون لن يتخلوا عن سلطتهم أبداً، ولا ينبغي عليهم ذلك لو شئنا أن نحافظ على عالم منظَّم. ومن السذاجة أن نفكر بأنه لا يتعين علينا سوى تحويل المنظمات إلى نوع مختلط من نظام المشروع، والتعاون مع أي فرد ذي علاقة، واستعمال المعرفة لتحسين الرفاهية الاجتماعية.
القواعد القديمة لم تعد تسرِ
إن آفاق التغير الهائل تثير دائماً هذه الاعتراضات. فمن كان يتصور بأن الشيوعية يمكن أن تنهار؟ وبأن حكومة الولايات المتحدة سوف "تعيد تكوين" نفسها؟ وبأن المنشآت الأكثر قوة سوف يتقلص نشاطها، وتُجبر على إعادة الهيكلة، وإعادة الهندسة، والإصلاح؟
إن الرسالة التي أريد التأكيد عليها هي أن العالم يدخل حيزاً مجهولاً جديداً، عصراً مختلفاً بشكل أساسي بحيث أن القواعد القديمة لم تعد تسري. وإن معرفة الماضي التقليدية ينبغي استبدالها بمفاهيم تنسجم مع الحقائق الجديدة للمعرفة التي لا تنضب: النجاح يتحقق على نحو أفضل من خلال حرية التنظيم؛ والقوة تأتي عبر المجتمع التعاوني، والوفرة تتدفق من الوعاء الدقيق للفهم، والمعنى، والروح غير المحدودة.
هذه ليست مجرد نظريات، بل أوصاف للممارسات الأساسية التي تمثل المصدر الرئيسي للقوة الاقتصادية اليوم. وسوف يكون هناك مجال ضئيل للخطأ. وإن نظرة حادة على بعض الاتجاهات الكبرى تكشف بسرعة بأن ثورة كبرى تلوح في الأفق. وقد أحسن صياغتها أندي غروف Andy Grove من شركة Intel: "شبكة المعلومات العالمية Internet تشبه موجة من المد، ونحن في زورق جلدي kayaks(25)."
قفزة النمو القادمة، المضاعفة عشر مرات
هل مضت سنوات قليلة فقط منذ أن أصبحت شبكة المعلومات العالمية Internet الشبكة الفعلية للاتصالات في نظام عالمي جديد؟ إن Internet بات يستعملها حوالي 50 مليون فرد و 500,000 شركة في العالم كله، إضافة إلى أن الشبكة الموجودة في داخل كل منشأة والشبكات الخارجية فيما بين المنشآت أصبحت هي الأساس في الاتصالات التنظيمية. ومن المتوقع وصول Internet إلى 250مليون فرد بحلول عام 2000 - وهذا كله ما يزال يشكل نسبة ضئيلة بالنسبة لما هو ممكن منها كخدمة عالمية للاتصالات الرئيسية.
ويُتوقع حصول مثل هذا النمو المضاعف (الأُسي) في الهواتف، والتلفزيونات TV، والاتصالات اللاسلكية، وتكنولوجيا الاتصالات الأخرى. كما أن الأقمار الصناعية satelites يستعملها الآن 1,2 بليون فرد، ويُتوقع قريباً استعمالها من قبل معظم ألـ 4 بليون فرد المتبقية الأخرى. وقد تزايدت الخدمات اللاسلكية للصوت، والفاكس fax، والبيانات، والفيديو video، بنسبة 50 % سنوياً، ومن المتوقع وصولها لمعظم البلدان الصناعية والكثير من البلدان النامية بحلول عام2000 .
وهناك حتى تقنيات أكثر ثورية تركن في الزوايا. شركة الحاسوب Dell Computer بينّت كيف يمكن بيع ما قيمته بليون دولار من الحاسوبات الشخصية كل يوم. وفي الطريق، الكثير من المشاريع لتدشين مئات من الأقمار الصناعية satelites التي ستوفر "شبكة معلومات عالمية internet في السماء" لكل فرد في المعمورة. ومن المؤكد مجيء النقل المباشر عبر internet: ebcasting، والبرنامج المشتق Java Applets، والوكلاء الأذكياء intelligent agents، والمجتمعات العملية، والحاسوب- الفيديو video PC، والابتكارات الأخرى غير المألوفة.
وترسم هذه الاتجاهات لوحة جريئة، ولكن واقعية، لما سيحدث من عام 2000 ولغاية عام 2005 عندما يكون من الممكن تسيير كل النشاطات الاجتماعية والاقتصادية إلكترونياً. إن المسكن أو المكتب العادي يُرجَح ربطه بنظام عالمي يمكن فيه للأفراد أن يتسوقوا، ويعملوا، وينجزوا عمليات لهم مع المصرف، ويلعبوا، ويتعلموا، وحتى يتعبدوا، من خلال شبكات الإعلام المتنوعة والفعالة. إن ثراء هذا النظام يجمع، كما يُفترض، ذكاء الحاسوب، واتصالات الهاتف، وواقعية التلفزيون المفعمة بالحيوية. وبدلاً من الجلوس والانكباب خلف لوحة الأزرار في الحاسوب، يمكن للمرء استعمال الأوامر الصوتية لكتابة الوثائق، والمكالمات الهاتفية، أو عقد المؤتمرات من خلال الفيديو، ومشاهدة الأفلام وبرامج التلفزيون- وكل ذلك على شاشة حائط، مع صور بالحجم الطبيعي.
وإذ تحرّك هذه التقنيات المتقدمة رأس المال، والمعرفة، والتقنية، وحتى العمل، في أرجاء العالم بحثاً عن أعلى عائد، فإن رشة من المنافسة تنهال على الحكومات، والشركات، والأفراد، لتحقيق التغيير في هذه الاتجاهات العامة.
قصارى القول، إن عملية العولمة هذه يُرجَح أن تضاعف النمو الاقتصادي عشر مرات. وإضافة إلى الغرب المتخم، فإن معظم بلدان العالم تتوق إلى نفس وسائل الرفاهية المادية التي تستمتع بها الآن قلة من البلدان الغنية. وعلاوة على ذلك، فإن السكان في البلدان المتخلفة يبلغ خمسة أضعاف مثيله في البلدان المتطورة- ومن شبه المؤكد أن يتضاعف هذا الرقم عند تصنيع تلك البلدان. وهكذا، فإن الحقيقة القوية هي أن كل الأزمات الكبرى في وقتنا الحاضر يحُتمل أن تتزايد بمعامل يصل إلى 10 تقريباً على المدى البعيد.
وعلى وجه التحديد، فإن مستوى الإنتاج الصناعي، والمنافسة الدولية، والتغير والابتكار، الطلب على الموارد النادرة، وتخريب البيئة، والتنوع الحضاري، ستنمو كلها بعشر مرات تقريباً. فتصنيع الصين وحده ينبغي أن يضاعف هذه الأزمات، على الأقل. كما أن الهند ستضاعفها مرة أخرى.
وباختصار، فإن العالم يواجه تحدياً غير مسبوق في خلق نظام جديد من الاقتصاد السياسي يمكنه أن يدير هذه القفزة في النمو في قارة تعاني أصلاً من الازدحام، والنزاعات، والندرة، والضغط على البيئة، والتعقيد. إن الاعتقاد بأن توسيع نظامنا الحالي من شأنه أن يخلق شيئاً من التشوش والإرباك هو من قبيل التمّني.
إن العالِم الكبير، مؤلف الخيال العلمي، والمستشرف للمستقبل، أرثر سي. كلارك، درسَ العقبات أمام التغير: إن الخبراء الكثيرين الذي يدعّون دائماً، كما يبدو، بأن "الإنسان لن يطير أبداً "، وكل التحسينات العظيمة الأخرى في التاريخ كانت مستحيلة. وجدَ كلارك بأن كل الأدلة على توقع حدوث نقاط التحول هذه كانت متوفرة على الدوام، وأن تأثيرها الثوري كان مفهوماً جيداً. ولكن المشكلة كانت في فشل الخيال والجرأة: في عجز الناس الناشطين عن إدراك الاحتمال القوي بأن العالم سيتصرف على نحو مختلف جداً حالاً، ونقص الشجاعة لديهم للاعتراف بما كانوا يشكون به(26).
ويفشل معظم المديرون في القيادة لأنهم يعانون من فكرة فشل الخيال والجرأة، لدى كلارك. والكثير من النقاش الدائر اليوم هو ببساطة بعيد عن ملامسة التحدي الضخم الذي يلوح في الأفق. من الممكن التفكير بها "كأزمة نضوج". على الناس في كل البلدان تعلم إدارة التحول الحتمي نحو عالم تكنولوجي، فيه تعقيد ونمو لم يُسبر غورهما؛ فليس هناك من بديل.
التقدم نحو التحول
إذا صحّتْ هذه الحجج، فإن الاقتصاديات تمر بمجموعة معقدة من ثورات ثلاثة تستجمع قواها بهدوء: فالتعقيد المتفجر يحّد بشدة من مركزية أشكال السيطرة المؤسسية، ومنافع التعاون تجتذب أطرافاً متنوعة وتحوّلها إلى جيوب مجتمع أعمال، والمعرفة تقود على الدوام للبحث عن المعنى والهدف. إن الدور المتزايد للمرأة في حقل العمل، والمواقف المختلفة للشباب، والتحول العام في القيم، لابد أن يمارس تأثيراً قوياً في هذا الاتجاه العام.
ومن المؤكد أن شيئاً كهذا مطلوب. فإذ تقوم الأسواق الحرة بإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، فإن كل هذا الهدم البناّء يمّزق شبكات الأمان المريحة لدولة الرفاهية، تاركاً الناس دون دعم المجتمع المدني. إن الفرق بين دخول طبقات القمة وطبقات القاع في الولايات المتحدة قد عاد إلى مستوياته التي كان عليها قبل الكساد العظيم، علماً بأن الكساد فيها يتجاوز مثيله في كل الدول الصناعية الأخرى. وعلى العموم، فإن مؤشرات الرفاهية الاجتماعية قد هبطت إلى مستويات جديدة(27).
في لقاء العام 1996 للمنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا، حذّرَ وليم بينيت William Benett وروزابيث موس كانتر Rosabeth Moss Kanter من أن فقدان الدعم الحكومي يتسبب في "ارتداد اجتماعي ضد الرأسمالية". وحتى جورج روس، الذي قد يكون أشهر رأسمالي في عصرنا، أصدرَ تحذيراً في مقالة عنوانها: "التهديد الرأسمالي". كما أن انتخابات العام 1997 للقادة الاشتراكيين في فرنسا وحزب العمل في بريطانيا ألقت الضوء على المشكلة، وبينّت أيضاً بأن هناك أكثر من طريق واحد لتنظيم الاقتصاد العالمي(28).
يعرف الأوروبيون، واليابانيون، وكل البلدان تقريباً، بأن عليهم تشجيع الأسواق الحرة لتحقيق النمو الاقتصادي. "نتخلف نحن أكثر في السباق من أجل الحفاظ على وضعنا التنافسي في اقتصاد عالمي"، قالها أحد السياسيين الألمان. ولكنهم يقبلون أيضاً حقيقة أنهم لا يستطيعون ترك مواطنيهم لأهواء الأسواق. فقد قال مدير أعمال تنفيذي ألماني:"نعرف بأن الفقر والأمراض الاجتماعية الأخرى غير مقبولة أخلاقياً، وضارة اقتصادياً". وقال نوريو أهغا، المدير التنفيذي لشركة Sony:" لا نستطيع ببساطة تسريح العاملين. فهذا ليس من شأنه سوى جعل الوضع الاقتصادي أسوأ، ونحن لا نستطيع بالفعل أن نعرض ذلك(29)."
الطريق الوحيد الذي يمكنني تخيله لحل هذا الخلاف هو التقدم نحو التحول- باستعمال الطاقات الكامنة لهذا الانقلاب الذي يقترب. والمفتاح هو الإدراك بأن المشروع الحر ليس هو "الرأسمالية" بالضرورة. وكما ذكرتُ سابقاً، فإن قوة المشروع لم تعد تكمن في رأس المال أساساً، بل في المعرفة.
إن قبول هذه الحقيقة يفتح الطريق لنظام جديد من الاقتصاد السياسي يلائم النظام العالمي القائم على المعرفة- أي النموذج الذي بينّتُ معالمه، والذي تشكلُ فيه المشروعات الصغيرة، المُدارة ذاتياً، جيوباً من مجتمع أعمال، تقود المعرفةُ فيه الجميعَ لخدمة أهداف جديرة. توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، اقترحَ نفس هذا المزيج من اليمين واليسار:"الأسواق الحرة والرفاهية الاجتماعية ليستا على غير انسجام(30)."
ثمة إجراء واحد، رمزي، وحاسم، من شأنه أن يبيّن أهمية هذه الثورة المؤسسية، ويساعدنا على فهمها، وعلى أن نرتقي إلى مستواها. على الأمريكان التوقف عن تسمية نظامهم الاقتصادي بـ "الرأسمالية". أنا أعرفُ مكانة الأسواق الحرة لدى الأمريكان، ولكن الرأسمالية هي نوع واحد فقط لنظام السوق، مكرس لهدف رأس المال: الربح، والعوامل المادية الأخرى التي عملت في الماضي. على الأمريكان، الذين يريدون الاعتماد على طاقة المستقبل، تسمية النظام الاقتصادي من خلال موارد المستقبل- الطاقة التي لا تنضب للمشروع، وللمجتمع، وللمعرفة. وأرى بأن الاسم الأكثر دقة وملائمة هو المشروع الديمقراطي.
ومن شبه- المؤكد أن الأحداث تثير دهشتنا، وأعجبُ لو أننا نقّدرُ الصعوبات التي تنتظرنا. إن قيم وأنظمة العصر الصناعي قد تخُلي مكانها لما يعادلها في عصر المعلومات، ولكن ليست هناك وجبة طعام جاهزة بعد. إن المكافأة على هذه المكاسب هو أن الحياة التنظيمية ربما تشبه تلك النافذة الكبيرة لتكنولوجيا المعلومات، شبكة المعلومات العالمية Internet- الديناميكية، والمتفِّجرة بطاقة مترابطة، ولكن المتوحشة، غير المروَّضة، والخارجة قليلاً عن السيطرة.
ومع ذلك، ففي لحظة ما، قريباً، سوف تدرك الجماهير المتبصرة منطقَ هذا العالم الناشئ، وستحّقق التحولَ التاريخي من عالم القوة إلى عالم الحرية، من الشقاق إلى الوفاق، من المادية إلى الروح. وتبين مقابلاتي أن معظم المديرين يدركون أن التحول آت، ويعتقدون بوقوعه في لحظة ما بين العام 2000 وعام2005 (31). وما كان يعتبر، لحد الآن، أمراً متخيلاً دون أمل، قد يصبح عندئذ حقيقة صلبة وقائمة.
النوعية الغامضة، والصعبة بشكل غير معهود، والأكبر من الحياة، للتحول القادم تذكّرني بعبارة ترد في الإنجيل، نعرفها جميعاً عن قرب ولكن لم نرقَ لمستواها بسبب صعوبة زماننا: "إن دخول البعير في ثقب الإبرة أسهل من دخول الغني للجنة". إن شيئاً من هذا النوع يقبع أمامنا. وخلال السنوات القليلة القادمة، سنتعرض لاختبار عسير، في بوتقة الأزمة، لتحويل أنفسنا ومؤسساتنا. وستكون معاناتنا شديدة وكأنها المرور بثقب إبرة، كما وردَ في الإنجيل.
هوامش
(1) مقتطف من: William E. Halal (ed.), The Infinite Resource (San Francisco: Jossey-Bass, 1998).
(2)Freeman Dyson, Infinite in All Directions (New York: Harper &Row, 1989).
(3) يجري الاستشهاد بغروف Grove في: A Conversation with the Lords of Wintel , Fortune, July 8, 1996 .
(4) Nicholas Negroponte, Being Digital (New York: Alfred A. Knopf, 1995).
(5)John Micklewait and Adrian Woolridge, The Witch Doctors: Making Sense of the Management Gurus (New York: Time Books, 1996). Jeffrey Pfeffer, Barriers to the Advance of Organizational Science, Academy of Management Review 18, no. 4 (October 1993): 599-621.
(6) ظهرَ تعقيبي في: William E. Halal, The New Capitalism (New York: Wiley 1986), 128.. وهامل Hamel مقتطف من:
Gary Hamel, Strategy as Revolution, Harvard Business Review (July-August 1996): 69-82.
(7) ‘’Executive Pay, Business Week, April 21, 1997.
(8)William E. Halal, The New Management (San Francisco: Berrett-Koehler, 1996).
(9)William E. Halal, et al., Internal Markets: The Power of Free Enterprise Inside Your Organization (New York: Wiley, 1993).
(10) Charles Handy, Understanding Organizations (New York: Oxford University Press, 1993).
(11) Halal, Infinite Resource
(12) ‘’Defending Big Blue, Newsweek, September 30, 1996, 50.
(13) Betsy Moris, Big Blue, Fortune, April 14, 1997.
(14) ‘’Going Toe Toe with Big Blue, Business Week, April 14, 1997.
(15) Peter Lynch, The Upsizing of America, Wall Street Journal, Septemer 20, 1996.
(16)Peter Behr and David Segal, Finding New Ways to Carve Up the Rewards, Washington Post, August 16, 1996.
(17) James Moore, The Death of Competition (New York: HarperCollins, 1996).
(18)Bruce Pasternack et al., People Power and the New Economy, Strategy & Business 7 (Second Quarter 1997).
(19) ‘’The Shredder, Business Week, January 15, 1996, 56-61.
(20) ‘’Backlash,’’ Across the Board, July/August 1996, 24-29.
(21)Halal, New Management, 77. Frederick Reichheld, The Loyalty Effect (Cambridge, Mass.; Harvard Business School, 1996).
(22)Thomas Stewart, Trying to Grasp the Intangible, Fortune, October 2, 1996, 157-161; Polly LaBarre, The Rush to Knowledge, Industry Week, February 19, 1996.
(23) Joseph Califano, The Tobacco Talks, Wasgington Post, June 3, 1997.
(24) مقتطفة في: David Hilzenrath, What is Left to Squeeze? Washington Post, July 6, 1997, H1.
(25) غروف Grove مقتطف في ’’ A Conversation ‘’
(26) Arther C. Clarke, Profiles of the Future (New York: Holt, Rinehart, and Winston, 1984).
(27) 1996 Index of Social Health (Tarrytown, NY: Fordham Graduate Center, 1996).
(28)Karen Pennar, A Helping Hand, Business Week, March 24, 1997, ‘’A Continent at the Breaking Point, Business Week, February 24, 1997.
(29) مقتطف في: William Drozdiak, German Economy Lags, Washington Post, May 7, 1997 quoted in Brenyon Schendler,’’ Japan : Is It Changing? Fortune, June 13, 1994.
(30) مقتطف في: Paula Dwyer, Tony s Labour Party Business Week, April 31, 1998, 25.
(31) Halal, The New Management.
اقتصاد القرن الحادي والعشرين: الآفاق الاقتصادية- الاجتماعية لعالم متغير،
تحرير وليام اي. هلال (و) كينيث ب، تايلور،
ترجمة: د. حسن عبدالله بدر (و) د. عبدالوهاب حميد رشيد،
المنظمة العربية للترجمة- بيروت- ISBN: ISBN 978-91-633-2084-2
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟