أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم النجار - ابو مازن سكة الوعي المتأخر















المزيد.....


ابو مازن سكة الوعي المتأخر


سليم النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1135 - 2005 / 3 / 12 - 11:19
المحور: القضية الفلسطينية
    


اذا كان الطغاة في العصر القديم قد اساءوا استخدام السلطة باسم الديانات القديمة فقد فعل طغاة العصر الوسيط الشيء نفسه مستغلين هذه المرة الديانات السماوية, وأما في عالمنا العربي وفي عصرنا الحديث كان وما زال الطغاة يستثمرون فعلا سياسيا لا علاقة لهم به وما يعرف بالتحرر الوطني الذي تلاه اقامة الدولة الوطنية, باسم هذا المنجز الوهمي يستغلون السلطة حتى تحول المواطن العربي الى منافق ينافق السلطة المتمثلة بالطاغية, كما تنافقه الجماهير ايضا وفي الحالتين انهيار واضح للأخلاق! فلا أخلاق بدون "شخصية انسانية متكاملة" نالت حقوقها السياسية واصبح لها قيمة وكرامة يعترف بها المجتمع اعترافا واضحا يتجلى في السلوك اليومي.
واعجب ما في الأمر ان بعض المثقفين العرب لا يمانعون في الحديث عن ايجابيات الطاغية ويمتدحون اعماله الجليلة, والسؤال: من اين استقى هؤلاء المثقفون هذا الكلام؟! بالتأكيد ليس من الثقافة الانسانية استقوا هذا المديح بل من أنانيتهم وبحثهم الدؤوب عن المنافع الشخصية لذواتهم المتضخمة ومصالحهم الضيقة والا ما المبرر على سبيل المثال لا الحصر ان يذهب كبار شعراء العرب هرولة الى المربد للتغني بمناقب الطاغية, وأنا هنا لا اقصد العراقيين وحدهم- فقد يكون لهؤلاء عذرهم فباعثهم الرعب من الحاكم- ولكني اقصد من اسرع من الشعراء والادباء والمفكرين العرب للمشاركة في مهرجان التبجيل والتقديس, مجدوه ووضعوا منه صنما يعبد لأنه "مخلص العرب"! والسؤال اين هو مخلص العرب؟ وما هي النتيجة التي وصلت اليها الأمة العربية على يد المخلص؟
وما ينطبق على المفكرين والأدباء ينطبق على رجال الدين, فكم من شاعر عربي جعل من الطاغية "ظل الله على الأرض" ثم تبارت مجموعة من رجال الدين تشرح وتحلل وتفسر وتبرر؟ وكأن الطاغية هو السلطة والدولة كما كان في الماضي, التي تختلف اختلاف اشخاص وحكام فهم يجسدون هذه السلطة ويمارسونها على انها امتياز شخصي يكتسبونه بفضل مواهبهم واشخاصهم, ومن هنا لم تكن العصور القديمة تفرق بين الحاكم والسلطة وقد تغير الوضع في الدولة الحديثة تغييرا جذريا, اذ اصبحت السلطة ملكا للدولة وليس للحكام, ولم يعد الحكام الا ممثلين للسلطة وممارسين لها باسم الدولة ذلك لأن اندماج السلطة في شخص رجل واحد يعني زوالها بزواله, كما يجعلها نهبا للأطماع ومحلا للتنافس بين القوى المحلية والدولية فيكون الاحتفاظ بها رهنا بقوة صاحبها وما يتمتع به من بطش وجبروت, وهذا ما حصل تحديدا في العراق عندما سقط الطاغية سقطت الدولة العراقية برمتها, وبالمناسبة هنالك العديد من الدول العربية مرشحة لهذا المسلسل الدرامي الدامي.
قصدنا من هذا المدخل قراءة فوز مرشح فتح تحديدا في رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية, ومن هذه الزاوية التي ارى فيها قراءة نقدية معقولة فهذا الرجل جاء محمولا على زعامة طاغية, بكل ما تحمل هذه الطاغية من سمات ومكونات, بالرغم من الديكورات التي حاول الرئيس الراحل عرفات التحلي بها للبحث عن شرعية شعبية عرجاء, صحيح أنه استطاع اتقان فنون اللعبة عندما كسر قاعدة 99% وحصل على نسبة لا تتجاوز 73%, الا انه بقي يحكم معركة التحرير بمفردات ومؤسسات الطاغية التي شكلها بنفسه شخصيا, ونجح عرفات آنذاك في تغيير مزاج الشعب الفلسطيني الرازح تحت حراب الاحتلال الاسرائيلي تجاه سلطته الفلسطينية حين كرس الاستبداد السياسي من خلال تنظيم واحد يتمتع بكل المزايا داخل السلطة الفلسطينية, ويتبوء جميع المناصب القيادية داخل السلطة بالرغم من هشاشتها في ظل سيادة مطلقة للمحتل الاسرائيلي, وفرض ايديولوجية عادة ما تتسم بالانغلاق الفكري ومصادرة حرية الرأي.
هذا الفساد السياسي ساهم في فتح الباب للنخب السياسية التي تؤمن بالثقافة الغربية التابعة للارادات السياسية الحاكمة للغرب, وهنا تحديدا علينا التفريق بين ثقافة الغرب السلطوية وثقافة الجماهير, وبكل أسف الذين يؤمنون بالثقافة الغربية من النخب السياسية العربية والفلسطينية تؤمن بالثقافة الغربية السلطوية, من هذه الارضية جاء محمود عباس (ابو مازن) الذي يعتبر من القيادات التاريخية والمؤسسين لحركة فتح, قبل على نفسه ان يبقى في الظل وان لا يخضع للعبة الاعلام التي استطاعت استنزاف معظم قادة حركة المقاومة الفلسطينية, وعندما انتهت ادوارهم بدءنا نفقدهم واحدا تلو الآخر, اما بحادثة اغتيال مباشر او عن طريق تفجير مفخخ, وللتوضيح هنا قصدت انتهاء الادوار وليس الارتباط بالغرب عبر مؤسسات امنية او انحياز عن وعي مسبق بالآلة الاعلامية الغربية, بل المقصود ان هؤلاء انحازوا بلا وعي سياسي الى آلة الاعلام الغربية فأصبحوا بين ليلة وضحاها أبطالا, لكنهم أبطال على شاشات وصحف الغرب وبالتالي للاعلام العربي, وهنا يجب ذكر حادثة لها دلالاتها انه عندما تسلم جابر الاحمد امير الكويت الحالي الحكم في الكويت في آواسط السبعينات كان اول شيء مارسه في الحكم انه طلب لقاء الشهيد ابو اياد, الذي اغتيل في تونس, وكان سبب اللقاء انه منذ سنوات حصلت مشادة بين الشهيد ابو اياد وجابر الاحمد الذي كان وقتها وليا للعهد وسبب هذه المشادة اوضاع الفلسطينيين في الكويت الذي وصل عددهم عندما طردهم من الكويت 400 ألف فلسطيني, وقتها بدأت حكومة الكويت تمارس بعض المضايقات على الفلسطينيين من خلال فرض قوانين عمل تطالهم, لم يجرؤ انذاك جابر الاحمد التغاضي عن هذه الحالة وبالفعل تم اللقاء لتخرج الصحافة الكويتية في اليوم للقاء بعناوين ترحب وتبجل القائد ابو اياد وتذكر وتتذكر متانة العلاقات الفلسطينية الكويتية.
هذه الحادثة كما اشرت سابقا تعطي العديد من الدلالات الخطيرة في خلق أبطال صنعهم فعليا الاعلام الغربي وتجاوب معهم الحكام العرب بطاعة عمياء!
اما محمود عباس الذي فضل ان يبقى في الظل رفض سياسة الأبطال ومارس دوره في الظل خلف القائد ياسر عرفات وكانت محطاته الفكرية اللافتة التي بدأت تثير الانتباه عما كتبه عن علاقة الحركة الصهيونية بالنازية (قنطرة الشر) الامر الذي ألب عليه في بداية الأمر الآلة الاعلامية الغربية بتحريض من الحركة الصهيونية لدرجة ان تهديدا شخصيا وجه له من قبل اسرائيل مباشرة اذا لم يتوقف عن هذا النهج في الكتابة, وخمدت العاصفة ليخرج بعد سنوات ابو مازن بمشروع لافت لأوساط حركة المقاومة الفلسطينية, والذي اثار جدلا واسعا في أروقة المجلس الوطن الفلسطيني, فقد طرح الاخير مشروع اللقاء مع اليسار الاسرائيلي, وقتها كان يتحدث بصوت عال جدا لدرجة انه اثار الكثير من اللغط في تلك الاجتماعات للمجلس الوطني الفلسطيني, وقتها تدخل عرفات اكثر من مرة لاسكاته, لكن ابو مازن كان يرفض الصمت ويستمر في طرح مشروعه معلنا انه آن الآوان للحديث مع اليسار الاسرائيلي ليكتشف بعد ذلك الشعب الفلسطيني برمته ما كان يدور في الكواليس على الرغم من الاشارات التي ارسلها الشهيد صلاح خلف في كتابه الشهير "فلسطيني بلا هوية" الصادر عن دار كاظمة وقتها كان يترأس الدار عبد العزيز السيد الذي اصبح فيما بعد من معارضة فتح التي عرفت "بالانتفاضة" وهذه مفارقة تستحق التوقف قليلا عندها.
فهذا الرجل- اي عبد العزيز السيد- الذي عرف تاريخيا انه من المعارضة التي ترفض اي لقاء مع الاسرائيليين بغض النظر عن انتماءاتهم العقائدية.
استطاع الشهيد ابو اياد ان يسوق كتابا اخذ شهرة واسعة عند صدوره واعطى اشارات واضحة في كتابه "فلسطيني بلا هوية" بأن هناك لقاءات ما بين الفلسطينيين والاسرائيليين, ولم يثر انتباه هذا الاعلامي الفلسطيني المخضرم الذي كان من قادة تنظيم فتح في الساحة الكويتية, بل كان مسؤول الاعلام في اقليم فتح في الكويت لسنوات! هذا الغياب لدى النخب الفلسطينية سواء كانت سياسية او اعلامية او ثقافية يدلل على قدرة الابطال "القادة" على تمرير اي مشروع يريدونه دون اثارة اي ضجة تذكر.
وهذا بالضبط ما فعله محمود عباس (ابو مازن) في وقتنا الحالي عندما قام بتوقيع اتفاقية عرفت في الاعلام الغربي "وثيقة عباس- بيلين", ولكن قبل الخوض في هذه الوثيقة علينا التعريج ولو قليلا على حادثة اخرى لها دلالاتها العميقة والخطيرة وتكشف في خفاياها زيف ادعاء البعض من الحكام "الثوريين" زيف ادعائهم وعدم تشكل خطر حقيقي للحركة الصهيونية على العالم العربي وليس على فلسطين التي اصبحت مرمى رماية لهم وليست دولتهم فقط كما يتوهم البعض.
ابو مازن بعد صمت ليس بطويل خاصة بعد ان كتب عن علاقة الحركة الصهيونية بالنازية كما ذكرنا سابقا, قام بتشكيل فريق نخبوي فلسطيني من اهم اعضاءه الدكتور عصام السرطاوي الذي اغتيل على يد حركة فتح المجلس الثوري التي يتزعمه ابو نضال, كما زعمت في بيان لها انها قامت بتصفية احد رموز التسوية الفلسطينية أنذاك!
ابو مازن من خلال هذا الفريق استطاع ان يقوم بزيارات مكوكية لملك المغرب الراحل واقناعه بتبني مشروع عودة اليهود من اصل عربي لبلدانهم وقد تحمس في وقتها ملك المغرب لهذا المشروع وقام باجراء اتصالات مع الامريكيين الذين رحبوا بالفكرة لكن كان لهم شرط غريب ولافت في وقتها وهو ان يوافق العراق تحديدا.
واعتقد للوهلة الاولى الملك المغربي الراحل ان امريكا تضع العصا في الدواليب, وكان خافي عن الملك المغربي مغزى امريكا الاستراتيجي, وعندما ابلغ ملك المغرب وقتها الوفد الفلسطيني المتحمس وافقوا على الفور, بل اعتبروا هذا المطلب معقولا وذهب ابو مازن مع الدكتور عصام السرطاوي للعراق وتمت مفاوضات مع الرئيس السابق "القائد المناضل" صدام حسين ووافق على الفور ويقال انه تم فتح مكتب فلسطيني في بغداد مهامه فقط متابعة هذا المشروع.
وللعلم فإن الدكتور عصام السرطاوي فلسطيني من سكان العراق, وبالتالي فمن يعرف العراق وقيادة حزب البعث العراقي يتأكد تماما ان هذا الرجل لم يكن خارج الضوء البعثي العراقي.
وتفاجأ ملك المغرب بموافقة "القائد الملهم" والسماح لليهود من اصل عراقي العودة للعراق, واعتقد ان المشروع في طريقه للنجاح لكن وللمرة الثانية يتفاجأ ملك المغرب ان امريكا طلبت منه التوقف عن هذا المشروع واستغرب وقتها الرجل, سبب هذا الطلب, خاصة ان هناك اتفاقات بين المغاربة والفلسطينيين من جهة, والامريكان من جهة اخرى يدعم مرشح اليسار الاسرائيلي ضد مرشح الليكود مفاهيم بيغن لرئاسة الوزارة الاسرائيلية.
والذي حدث فعليا ان امريكا اوقفت المشروع برمته لأسباب كان يجهلها ملك المغرب والفلسطينيون لكن كان الامريكان يعرفون ماذا يريدون؟! ليشتعل بعدها سعير الحرب بين العراق وايران لتستمر ثماني سنوات, وقتها التقط الخيط ابو مازن وكان ضد موقف العراق في حربها مع ايران.
البعض اعتقد وقتها ان موقف ابو مازن كان محسوبا على الغرب لكن في حقيقة الأمر ان الحرب عطلت مشروعه وبقي المشروع في ادراج الوفد الفلسطيني وفي ارشيف الملك المغربي الراحل والذي حتى هذه اللحظة لم يكشف عن كامل تفاصيل هذا النشاط.
ولم ييأس ابو مازن من مشاريعه فبعد اتفاقات اوسلو والذي يعتبر هو احد مهندسيها, صرح تصريحا له دلالاته في قناة "الجزيرة" القطرية قائلا ان هذه الاتفاقات ليست نصرا فلسطينيا, لكنه ضرورة ولا نعرف بالضبط الى اين يؤدي بنا هذا الاتفاق, وبالفعل بعد سنوات تشتعل الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عرفت بانتفاضة الاقصى وتستمر سنوات وان خفتت الآن ليقوم ابو مازن بمشروعه الشهير وثيقة "عباس بيلين" التي وقعت رسميا عام1995 في الاسبوع الاخير من شهر اكتوبر في مقر المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وبحضور مراقبين من وزارة الخارجية الفرنسية.
هذه الوثيقة تناولت كافة تفاصيل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وتطرقت لكل القضايا الصغيرة منها والكبيرة.
وتتكون الوثيقة من سبع عشرة صفحة اضافة الى ثلاثة ملاحق تتضمن خرائط تفصيلية بالتعديلات التي ادخلت على حدود 1967 وعلى حدود بلدية القدس الكبرى, وتنص الوثيقة على اقرار الطرفين بأن اتفاقيتي اوسلوا"1" واسلوا "2" الاساس الذي يقوم عليه الحل النهائي, وفي موضوع القدس جاء في نص الوثيقة كما هو مترجم في العربية: يشير النص الى انه سيصار الى توسيع حدود المدينة الكبرى لتشمل احياء وقرى "ابو ديس- العيزرية- وسلوان-" وتستطيع السلطة الفلسطينية فيما بعد ان تتخذ من الاحياء الجديدة المستحدثة عاصمة ومركزا اداريا لها يصبح اسمها القدس, بينما تسمى بقية انحاء المدينة بحدودها البلدية القائمة حاليا "اورشليم" منعا لأي التباس ويعترف بها كعاصمة ابدية لاسرائيل, وتشكل الاحياء الجديدة المستحدثة من "ابو ديس وسلوان والعيزرية" وحدة جغرافية وسياسية مستقلة تشكل عاصمة للدولة التي ستعلن عقب انقضاء فترة اختبار النوايا المنصوص عليها في هذه الاتفاقية, وتجسيدا للتطلعات الروحية والتاريخية للشعب الفلسطيني, وفي حال وجود معارضة فلسطينية كاسحة لهذا التطور يتم وضع الخيار البديل للعاصمة الفلسطينية المقترحة هو "مدينة رام الله" التي تقع كأحدى ضواحي مدينة القدس شمالا, اما بالنسبة للسكان العرب في العاصمة اورشليم يتم تشكيل مجلس بلدي محلي يدير شؤونهم المحلية تحت اشراف مجلس البلدية الاسرائيلي المسؤول عن كامل المدينة ولا يتواجد في محيط مسؤولية هذا المجلس الا الشرطة الاسرائيلية فقط "ويمكن الاستعانة الفنية بالوثيقة التي اعدها رئيس بلدية اورشليم السابق يتدي كوليك لهذه الغاية".
اما فيما يتعلق بالأماكن الاسلامية والمسيحية المقدسة في المدينة فيرفع عليها احدى العلمين الفلسطيني او الاردني "وفق ما يتفق عليه الجانبان".
ان نظرة متفحصة لهذا النص تكشف للمرء ان هناك ثلاث نقاط تنازل عنها الوفد الفلسطيني, الاول: الحدود الجغرافية لمدينة القدس واستبدالها بجغرافيا مستحدثة, ثانيا: الاماكن المقدسة اقترنت بإحدى العلمين الفلسطيني والاردني ولم يتم رفع اي من العلمين الا بموافقة الطرفين, ويعني هذا الكلام تأجيج الصراعات الاقليمية بين الفلسطينيين والاردنيين وهذا ما سيتم فعليا لأن من مصلحة اسرائيل لاحقا ان يستعر هذا الخلاف نظرا لما تمثله مدينة القدس للفلسطينين, عرفنا مصلحة اسرائيل لكننا لم نعرف ما هي مصلحة الوفد الفلسطيني الذي وقع الاتفاقية برئاسة محمود عباس, ثالثا: ورد في النص كلمة عرب وليس عرب فلسطين وهذه مفردة في غاية الخطورة لأن اسرائيل ضمنيا لم تعترف بالسكان على انهم عرب فلسطين, بل عرب, ومن يعرف ابجديات التاريخ الفلسطيني يدرك تماما ماذا تقصد اسرائيل بذلك فهي تعي تماما ان كلمة عرب تعني بالنسبة لها ان هجرات كانت قد وصلت لمدينة القدس من العرب واستوطنوا مدينة القدس وعلى ضوء هذا الفهم يمكن القول ان اول من سكن القدس هم الاسرائيليون وبعدها حضر العرب لهذه المدينة المقدسة, والسؤال هل هذا هو هدف الوفد الفلسطيني المفاوض بأن يشارك الاسرائيليون لعبة التزويير في التاريخ, اما بالنسبة للمستوطنات فقد قسمت الوثيقة هذا الموضوع الى ثلاثة اقسام, اولا: المستوطنات ذات الكثافة السكانية (وتشكل حوالي 20% من الاراضي) يتم ضمها نهائيا لاسرائيل ومبادلتها بأراض دون الشرط بالتساوي بمساحة المناطق ذات التدخل الجغرافي والطبيعي للسكان.
والمفارقة هنا عندما يتبادر لأسماع المواطنين الفلسطينيين من سكان بلدة ام الفحم الواقعة في اراضي عام 1948 والمقام عليها دولة اسرائيل رفض هذه المبادلة وكانوا اكثر وضوحا عندما صرح البعض منهم, انهم يرفضون ترك الديمقراطية الاسرائيلية والانضمام لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.
بتعبير دقيق رفض الفلسطيني ان يعيش تحت سيادة ثقافة الطاغية وفضل العيش تحت الاحتلال الديمقراطي حسب قناعاته, ثانيا: المستوطنات الاقل كثافة (وتشكل 30%) من الاراضي" فتبقى تحت السيادة الفلسطينية فترة الحد الاقصى لاختبار النوايا 20 سنة بعد انقضاء تلك المدة انتقال السيادة عليها الى السلطة الفلسطينية مع اعطاء قاطنيها حق الاختيار بين العيش تحت السيادة الفلسطينية او الانتقال الى اسرائيل مقابل تعويضات مالية مقبولة ويحظر تفكيك اي مستوطنة خلال المدة المشار اليها, ثالثا: المستوطنات الواقعة في الاغوار والمدرجة في خانة الكثافة السكانية الاقل والتي ستوضع تحت السيادة الاسرائيلية خلال فترة اختبار النوايا فانه يحظر على اي فلسطيني استعمال طرقها الالتفافية, رابعا: اما باقي الاراضي الواقعة تحت ادارة جيش الدفاع الاسرائيلي (وهي تشكل 50%) الباقية من الاراضي بما فيها المدن, والتي سيتم اعادة الانتشار في المناطق المتبقية منها فتخضع مباشرة للسيادة الفلسطينية المنصوص عليها في هذه الوثيقة وفق المراحل المنصوص عليها في اتفاقيتي اوسلوا "1-2".
نخلص من هذا النص حول المستوطنات, ان الوفد الفلسطيني وافق على تجزيء المجزأ, والاعتراف ان اسرائيل وهبت الفلسطينيين الاراضي في الضفة وهذا يدلل على عدم وعي تاريخي اجتماعي لعقلية الوفد الفلسطيني المفاوض, فهل يعقل ان تقام دولة مجزأة جغرافيا؟! وان تكون في داخلها دولة خاضت معها صراعات مريرة, هذا اذا حاكمنا النصوص ضمن زاوية غربية ولن نقول عربية.
ومن ثم الحديث عن التعويضات المعقولة التي وردت في النص, لم يذكر من الذي سيدفع؟! وما هي المعقولة في رأي الاسرائيليين؟! ومرة اخرى يقع الوفد الفلسطيني في مغالطة تاريخية عندما يوافق على نص "جيش الدفاع الاسرائيلي" فاذا كان هذا الجيش- جيش دفاع, ماذا يكون الفدائي الفلسطيني- تحصيل حاصل ارهابي- فهل كان هذا هو مراد الوفد الفلسطيني المفاوض؟! واذا انتقلنا لموضوع اللاجئين نعرف جيدا لماذا فاز ابو مازن, وسقط حسام خضير في بدايات نيته للترشيح, ورفضت فتح اعتماده كمرشح, علما انه اسير داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي وهو عضو المجلس التشريعي, وفاز في المجلس التشريعي عن حركة فتح ورغم كل هذه الامتيازات في نظر الفلسطينيين الا انه لم يغفر له انه لاجئ فلسطيني ومن سكان مخيم بلاط.
كما يفسر ايضا لماذا رفضت فتح ترشيح البرغوثي رغم الاختلاف الكلي بينه وبين خضير فالبرغوثي من مدرسة ما يسمى "السلام" وله علاقات متميزة مع ما يعرف باليسار الاسرائيلي, لكن لا يشكل البرغوثي ثقلا كثقل ابو مازن حتى يتم تمرير موضوع اللاجئين الذي جاء في النص كما يلي: "ينبغي العمل على ان تحل هيئة دولية جديدة محل وكالة الغوث الحالية (الأنروا) عملية اعادة تأهيل اللاجئين والنازحين وتأمين استيعابهم في دول واماكن اقامتهم الحالية على تطوير حياتهم الاجتماعية, اما فيما يتعلق بدخول هؤلاء الى اراضي السلطة الفلسطينية فان لهذه الاخيرة حق اصدار تصاريح الدخول المؤقتة وتأشيرات الزيارة اللازمة لهؤلاء بغرض زيارة ذويهم المقيمين شريطة الا يمنح لهؤلاء حق المواطنة داخل حدود السلطة".
ان من يقرأ النص يعرف ان اللاجئين لا عودة لهم وان اعادة التأهيل قضية ليست بالجديدة, فعندما قامت الانروا وأنشأت العديد من المعاهد الفنية المتوسطة كقلنديا في رام الله والتي خرجت آلاف الفنيين الفلسطينيين الذين هاجروا لدول الخليج للعمل فيها هربا من الجوع والفقر والعوز, فالأنروا لعبت دورا جوهريا في تفريغ اراضي 67 وهذه المرة تأتي عملية التهجير على يد اصحاب من يمثلون الشعب الفلسطيني.. اما اخطر ما في هذا النص انه لا يحق للسلطة الفلسطينية اعطاء حق المواطنة وهذا يعني عمليا اسقاط الهوية الفلسطينية عن الفلسطينيين, والسؤال هل استبدل شعار التحرير لحركة المقاومة الفلسطينية الى شعار من هو فلسطيني ومن هو غير ذلك حسب المواصفات الاسرائيلية؟ اما اغرب ما في النص موضوع الدولة الفلسطينية فجاء في النص: "ان اقامة دولة فلسطينية وفق مرتكزات محددة هو الحل السياسي الذي سيرسخ دعائم السلام ويضع خاتمة للنزاع بين الجانبين وفق تفاهم مشترك يحتفظ فيه الفلسطينيون بحقهم في السيادة التي تتطابق مع تلك التي يتمتع بها الفاتيكان او تلك التي تتمتع بها دولة كوستاريكا!" ومرة اخرى في صورة الحكم الشمولي الذي طبقه عرفات, قتل الانسان الفلسطيني, في الوقت الذي تكمل فيه الديمقراطية مسيرتها وتمكن لنفسها في الارض كتجربة انسانية وحيدة واساسية يحكم بها الانسان نفسه بنفسه لنفسه وتصحح اخطاءها وتعالج ما يظهر امامها من مشكلات, وتتنوع اشكالها وصورها وتتعدد الوانها واتجاهاتها وتختلف تطبيقاتها من بلد الى بلد لكن يبقى الاساس واحدا وهو "ان يحكم الشعب نفسه" لكن التجربة الفلسطينية الديمقراطية ليست على هذه الصورة, انها ديمقراطية القدرة على التلاعب بعواطف وجوع الناس!
في القراءة الجديدة سنتناول مقاطعة الاسلاميين لانتخابات الرئاسة الاسباب والظروف, وما هو المبرر لرفضهم المشاركة في انتخابات الرئاسة ومشاركتهم في انتخابات البلدية.



#سليم_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جندرما فتح.. اليمين الفلسطيني سلطنة على زعامة فلسطين
- السياسة الفلسطينية في عالم متغير فشل اليسار الفلسطيني في انت ...


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم النجار - ابو مازن سكة الوعي المتأخر