|
حكومة بن كيران والتفاحة الفاسدة
سعيد مبشور
الحوار المتمدن-العدد: 3921 - 2012 / 11 / 24 - 16:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تولى حزب العدالة والتنمية قيادة الحكومة المغربية الأولى بعد دستور الفاتح من يوليوز 2011، في ظرف أقل ما يقال عنه أنه حاسم ومفصلي ودقيق، حيث تشتعل المنطقة العربية بحراك اجتماعي وسياسي هائل تغيرت معه الكثير من ملامح القرار في بلدان تونس ومصر وليبيا ومن بعدها اليمن، كما أن باقي البلدان العربية تشهد صراعات وتغييرات متسارعة، سقطت معها كل المقولات التقليدية التي حافظت من خلالها أنظمة الحكم على وجودها وتماسكها، وغدت مبررات الطوارئ والاستثناء وحتى الاستقرار عوامل إضافية لتأجيج الغضب الشعبي العارم وتوسيع مطالب الثورة والإصلاح. وقد تنسم المغاربة كغيرهم من شعوب المنطقة رياح الربيع العربي، وجاشت في أنفسهم مشاعر التوق إلى التغيير، وتعددت تعبيراتهم عن الانخراط في السياق العربي المتحرك، فكثرت الاحتجاجات المطلبية في مختلف القطاعات الاجتماعية، وشكل مجموعة من الشباب حركة العشرين من فبراير، التي وسمت السنة الماضية من تاريخ المغرب بطابع الحراك والسجال والجدال الذي بدأ لكي لا ينتهي إلا على إيقاع إصلاحات باشرتها الدولة، كان أبرزها تعديل دستور البلاد بما فاق في الكثير من جوانبه سقف مطالب القوى السياسية التقليدية. وفضلا عن ذلك جرت انتخابات الخامس والعشرين من نونبر 2011، في شروط مأزومة، اضطرت معها الدولة إلى مسابقة الزمن من أجل الدخول في مسلسل سياسي جديد، يطوي مرحلة مضت من الرتابة والجمود، ويتجاوب مع المشاعر الشعبية المحبطة من جراء توالي عقود الترهل وشيخوخة المؤسسات، ويذهب بالتالي إلى فرز نخب سياسية بديلة، تعطى لها فرصة إدارة الشأن العام وممارسة السلطة وفق معادلة الخصوصية التي تمنح للمغرب وضعا استثنائيا وسط الغليان الذي تعرفه المنطقة. وهكذا أفرزت الانتخابات صعود قوة سياسية تنتمي إلى تيار شعبي، هو التيار الإسلامي، حيث حاز حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية على أغلبية مقاعد البرلمان، بما يمكنه من تشكيل الحكومة وفق قواعد الدستور الجديد. الكتلة الناخبة، على الرغم من محدوديتها، اختارت في معظمها، حزبا حمل جل شعارات المظاهرات في الشارع، ودعمت هذه الكتلة شريحة من المثقفين والمنتمين إلى طبقة وسطى ناشئة، آثرت نهج خيار الطريق السالك، وسط أشواك نباتات الهامش التي تفرعت براعمها بفعل أجواء الحراك الإقليمي. وكان أبرز عنوان قاد به رفاق بن كيران حملتهم الانتخابية هو محاربة الفساد، بل إن بعض الخطب النارية لزعيم الحزب وبعض قياداته إبان الحملة نفسها، كانت تذهب بعيدا في انتقاد الأوضاع القائمة، لدرجة استهداف أسماء بعينها من محيط السلطة المركزية، والإعلان الصريح عن النية في مواجهة مظاهر اجتماعية وسياسية وسلطوية ظلت خارج المحاسبة إلى وقت قريب. وهو ما يعني أن محاربة الفساد كان العنوان الحقيقي للبرنامج الذي تعاقد عليه حزب العدالة والتنمية مع ناخبيه، لكن الذي غاب عن الجميع وسط دوي الشعارات، هو أن حزب بنكيران لم يقدم حدودا لمفهوم هذا الفساد، ولا الأمكنة العلنية والخفية لتواجده، ولا أدوات واستراتيجية الخوض في هذه الحرب، أو السقف الذي سوف تنتهي إليه. لكن الشعارات التي اصطف إليها المغاربة وساندوها، ما لبثت أن تحولت إلى مزيج من بهرجة إعلامية، وفقاعات شعبوية، كان أكثرها تأثيرا الإفراج عن لائحة رخص النقل الطرقي بين المدن، وهو ما تبين أنه مجرد طلقة طائشة، لم يتبعها أي إجراء، وحتى إن تم نشر لوائح الرخص والامتيازات الأخرى، فإن ذلك في الغالب لن يتعدى الاستهلاك الإعلامي. أما التعاقد البرنامجي لحزب بن كيران، فقد أسقطه إعلان "العفو عما سلف" الذي صرح به رئيس الحكومة، على الرغم من التصريحات التي أتت بعده بما يشكل ملحقا لهذا الإعلان، والتي مفادها أن باب الحرب على الفساد مفتوح، ويكفي لإشعال فتيلها توصل الحكومة بملفات تستوفي شروط المحاسبة، وكأن صلاحياتها الدستورية الواسعة لا تكفل لها حتى مراجعة الملفات العالقة المتراكمة في أدراج العديد من المؤسسات ! ثم إن التناقضات المتوالية في تصريحات وزراء الحكومة وقراراتهم باعث على الشك الذي قد يحطم الآمال العريضة التي علقها المغاربة على الوافد الحكومي الجديد، وقد يتسرب هذا الشك حتى إلى الجبهة المساندة لابن كيران، التي ظهرت من داخلها أصوات تدعو بن كيران إلى التحلي بالشجاعة اللازمة للنبش في مخلفات ما قبل تشكيل حكومته، والكف عن تفويت المعركة إلى كائنات من قبيل "التماسيح والعفاريت والساحرات"، مخافة إضعاف مصداقية مسلسل الإصلاح السياسي والمؤسساتي. ويبدو أن النوايا المعلنة لحزب العدالة والتنمية تصطدم بصخرة الواقع الذي يقاوم هذه الأماني، حيث إن الفساد ظاهرة متفشية، ترى بالعين المجردة، تقوض أسس البناء المؤسساتي، وتكبح مسيرة التنمية، وتنمو على هامشها قواعد ركينة من الاقتصاد السري الموازي المبني على المعاملات غير المشروعة، وتحميها لوبيات ومصالح وقوى تنتفع من عوائدها وأفيائها. وهي أجواء ومفاعيل قد تؤشر على أن هذه الحكومة ستستهلك ولايتها الوزارية في الحديث عن الفساد دون تجاوزه إلى مرحلة المواجهة، ما يعني غياب استراتيجية واضحة ومترادفة الخطوات في هذا الشأن، ونفاذ الوقت قد يفرغ شعار إسقاط الفساد من مضمونه المأمول، ويضع أي إمكانية للتغيير على المحك، مما ينذر بتداعيات أخطر على المستقبل السياسي والاجتماعي للبلاد. ومع هذا وذاك، قد يحصل لحكومة الدستور الجديد، ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب الأهلية، في ستينيات القرن التاسع عشر، حين باشر رجال القانون عملية تطهير واسعة، سموها عملية "التفاحة الفاسدة"، انسجاما مع ثقافتهم الأنجلوسكسونية، حيث يقول المثل الإنجليزي: "التفاحة الفاسدة تفسد السلة بأكملها"، لكن الذي حصل أن الولايات المتحدة تحولت برمتها إلى حضارة فساد وغزو ونهب واستعمار لازال مستشريا إلى اليوم. وفي الأسطورة، التي لا دليل عليها في الكتاب ولا في السنة بحسب الفقهاء، أن التفاحة التي كانت سببا في إخراج آدم عليه السلام من الجنة، لم تكن سوى تفاحة فاسدة، فهل يكون بعض التفاح الفاسد، وما أكثره، سببا في خروج ابن كيران من السلطة ؟ أم أن التفاحة الفاسدة هي السلطة نفسها ؟ !!!
#سعيد_مبشور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يصبح -مشعل- رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية ؟
-
في الحاجة إلى -ريدينس داي- .. عربي
-
مفاوضات -عوفاديا يوسف- المباشرة
-
العرب بين البلاك ووتر والبلاك بيري
-
مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية .. ونهاية أسطورة تقر
...
-
حلم قومي
-
فلسطين عربية .. ليس بعد الآن !
-
قراءة هادئة في تداعيات العدوان على غزة
-
مجرد كلام
-
حزب العدالة والتنمية المغربي وتحولات الزمن السياسي
-
الصراع العرقي بالمغرب: بين هدوء الواقع وعاصفة الاحتمال
-
الاستراتيجية الأمريكية بالمغرب الكبير: ملامح وأهداف
-
المشروعان: الجهادي والأمريكي: مواجهة أم تواطؤ ؟
-
على هامش صدور كتاب الأخطاء الستة لفريد الأنصاري: في الحاجة إ
...
-
الحوار مع معتقلي السلفية الجهادية بالمغرب وآفاق المراجعات
-
في الحاجة إلى حكومات الوحدة الوطنية: العراق – لبنان – فلسطين
...
-
مخاض العدوان على لبنان، وميلاد الشرق الأوسط -العنيد-
-
شعوبنا وصعود جبهة الممانعة
-
إنجاز حماس ومهمات المرحلة
-
باكستان والهروب إلى إسرائيل
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|