|
محمود الأزهري يكتب : قراءة في ديوان - ممر عميان الحروب - للشاعر مؤمن سمير
مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري
(Moemen Samir)
الحوار المتمدن-العدد: 3919 - 2012 / 11 / 22 - 02:20
المحور:
الادب والفن
محمود الأزهري يكتب : قراءة في ديوان " ممر عميان الحروب " للشاعر مؤمن سمير " ممر عميان الحروب " ديوان شعري للشاعر المبدع " مؤمن سمير " ، الذي يعد من أبرز الشعراء الشبان وأكثرهم إنتاجا ونشرا رغم أنه لم يغادر إقليمه " بنى سويف " ، والديوان صادر عن سلسلة " أصوات أدبية " التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة 2005م ، ويقع الديوان في 131 صفحة تحتوى على سبع عشرة قصيدة بعضها قصير ، واغلبها متوسط الطول، وهناك إشارة إلى أن القصائد كلها مكتوبة في عام 2001 ، يقول مؤمن " تم استخراج النصوص من جثة العام المسمى 2001 " والعنوان يفصح عن الديوان كله ، فالعنوان ليس عنوانا حالما رومنتيكيا وليس صاخبا موسيقيا ،وليس قالبا جاهزا يتبع قوالب العناوين التي ألفتها آذاننا واعتادتها أعيننا ... ، إنه عنوان كئيب صادم خال من الموسيقى الباعثة على النعاس .. فالممر كما نفهمه وبعيدا عن القواميس هو منفذ ضيق أو طريق صغير ، أو شريط حدودي قصير لا يوحى بالسعة ولا بالاتساع فإن أضفنا هذا الممر الضيق الخالي من الراحة والبهجة والرجاء إلى كلمة " عميان " زادت الدلالة سوءا أو عتمة وسوداوية ، وما تبقى من أمل يمكن أن نستخلصه من كلمة "ممر " إنه يؤدى إلى المرور والعبور في النهاية ،والنفاذ سوف تغتاله كلمة " عميان " المضاف إليها ممر ، إذن لا مجال للبصر ولا انتظار الشروق أو حدوث الإشراق الداخلي لأن الممر لعميان - وليسوا عميانا فقط - إنهم عميان الحروب ، وهاهنا تكون الرؤية قد أقفلت ، والدائرة اكتملت ، والعتمة أطبقت علينا وسواء كان هذا تسجيلا للحظة الحاضرة ، أم كان تعبيرا عن استسلام الذات وانهزاميتها للواقع المأساوي المعاش فإن هذا لا يغير من سوداوية العنوان وكآبة المشهد ومأساوية الحالة / الحياة / التجربة عبر الديوان كله . والشاعر يعتبر العام الذي كتبت فيه القصائد " جثث" وأن القصائد استخرجت منه هل جثث خرجت القصائد من جثة الزمن حية ؟ ذلك أمر متروك للقارىء الذي تقع عليه مسئولية إحياء القصائد أو إماتتها ؟ وذلك لأنه شريك أساسي في النص / الجريمة .!!
والقصيدة الأولى في الديوان بعنوان " الإعلان " والإعلان في مخيلتنا - وبعيدا عن القاموس كذلك - مرتبط بجعل الشيء - أي شيء - في أحسن وأجمل وأفضل حال ، وبوضع المتلقي في حالة من البهجة والمتعة والخيال العامر بالفرح والسعادة ،وبهذه الطريقة يبدأ مؤمن قصيدته : " ثق أنك معنا في أفضل حال ممكن / إنك الأفضل على الإطلاق ... عند شرائك أربعين ضحكة معتقة أو حتى ثلاثين تحصل على شهادة مختومة تبين كونك الحزين المثالي على مستوى الجيل " بد أمؤمن قصيدته بما هو في مخيلة الناس جميعا عن الإعلان ولكنه لم يرد أن يشارك في خداعهم والتغرير بهم وكان صادقا مع رؤيته الشعرية الخاصة فعند شراء أربعين ضحكة - إذ لا يوجد ضحك طبيعي - سيحصل الواحد على شهادة مختومة بالحزن !! ويتم تصعيد الحالة في المقطع التالي للقصيدة ، يقول مؤمن : " وعند شرائك حضنا واحدا تقليديا تفوز بجثة زاهية تتعلم عليها الحب " ولنا أن نتخيل إشكالية الفوز بجثة وجمالية تصوير الجثة بأنها واهية ، وتأكيد قتل المعاني الفاضلة والقيم النبيلة حين نتصور أن هذه الجثة يمكن أن نتعلم عليها الحب ، أي حب هذا ؟ وأية إنسانية معذبة ومعذبة نعيشها الآن ؟ ويستمر مؤمن في عرض تصويري متصاعد لحالة الحزن والكآبة الحياتية التي تحيط بنا وتسكننا ، ويتراوح نص مؤمن بين السخرية السوداء إلى تصوير السواد حقيقة ناصعة بلا رتوش ولا مجاز " في كل الأحوال أنت معنا عميل مميز / نخرج عقدك المتأصلة فينا / ونحبك من قلوبنا / قلوبنا السوداء اللامعة " ونلاحظ أن هذه العقد ليست موجودة في فرد بل هى متأصلة في روح الجماعة بدليل " نا " الفاعلين ، وينهى مؤمن سمير قصيدته بهذه الصورة الخبرية اليقينية القاطعة : " في كل الأحوال أنت الأكثر سوادا من كل نجوم الصور ..." !! وفى قصيدة " صداقات هوائية " نرى من العنوان ملمح السخرية والعبث فبعد أن تشيع في النفس معاني الصداقة الجميلة ، وبعد أن تتشبع بكثرتها إذ هى ليست صداقة واحدة بل هى صداقات عديدة متعددة نكتشف أو نصطدم بحقيقة كون هذه الصداقات صداقات هوائية مبنية على غير أساس إلا الوهم أو التوهم ، والمعنى هنا مستفاد من مجاز الجملة ، فالتعبير بأن هذا الشيء هوائي ، أو الشخص هوائي معناه أنه غير راسخ ولا ثابت بل هو متقلب ومتغير ولا بقاء له على حال إنها علاقات طائرة ومع أن هذه المعاني كامنة في قلب الشاعر إلا إن الشاعر يبدأ قصيدته بقوله : " طول عمري أصادقهم " لماذا ؟ وأنت تدرك أنها علاقات وهم وخداع ، لقد رضى الشاعر بعبثية الحياة ولذلك فهو يلتمس لنفسه العذر في الاستمرار في مثل هذه الصداقات " طول عمري أصادقهم/ الطيور البعيدة هناك / على أمل وحيد أن يصير فمي وعاء للموسيقى / أرسم له فضاء تأكله الأجنحة / وتحاصرنا الألوان / " إنه يحلم بوجود الجمال المجرد / الموسيقى / الرسم / الأجنحة / الألوان ولو لمرة واحدة ثم ينول النص من حالة التجريد العلوية إلى رسم ملامح واقع عنيد " الرجل ذو القبعة / صديق الأجنحة المخلص / هو المثال الضاغط طول الوقت على مرآتي ... " ومؤمن سمير مغرم بالمتضادات التي تنتج صورا شعرية دالة فمعنى الرجولة في مخيلتنا يتضاد مع معنى ذي القبعة - في مخيلتنا أيضا - فالرجولة قوة في نبل وسمو في يد الحق ، وذو القبعة قوة بطش واستبداد واستغلال نفوذ واستثمار واستعمار ، وحين يصف مؤمن الرجل ذا القبعة ب " صديق الأجنحة المخلص " تنقلب المعاني الحرفية للجملة الشعرية التصويرية إلى معاني مجازية ، ساخرة وعبثية ، وهناك -أيضا - تضاد بين " هو المثال " وبين كلمة " الضاغط " الأولى بما توحي به من عالم علوي ، وخفة وارتفاع ، والثانية لدلالتها على الثقل والغلظة والانجذاب باتجاه الطين ، ومؤمن يصور شعرا بالكلمات ، ويستدرجنا برفق للانزلاق في محيط الغواية وبحار العبث ومنحدرات السخرية ، فكيف تتحمل المرآة الضغط طول الوقت من المثال صديق الأجنحة المخلص الرجل ذي القبعة ؟! ومع ذلك فالشاعر لا يهرب من المواجهة هناك دائما محاولة التشبث بالأمل - أي أمل - والتماس العذر للذات - أي عذر - :" لكن الحل الحكيم ما زال يناوش / أن تصير عيني فجوة خادعة / تنقلب في لحظة مدفعا كاريكاتوريا / يصطاد قلوبهم بثقة أقوياء النظر " فهو يحلم أن تصير عينه فجوة خادعة - كشكل من أشكال مشاركة الآخرين لا في الحلم بل فلا الخداع - ثم تحدث المفاجأة وتنقلب عينه في لحظة إلى مدفع له القدرة على مجابهة الواقع على ما هو عليه ، ولا يتخلى مؤمن عن رغبته في السخرية " ثقة أقوياء النظر " ، "قسوة الخائفين " ،" الريش النادر " ، " الجيران الشبحيون وكراهيتهم المضمونة " إذن فالسخرية ملمح أساسي من ملامح وسمات كتابة مؤمن- كما أرجو ألا ننسى أن كثيرا من الأمهات يعتقدن أن شخصا ما طيب بينما هو شرس وسيء وعنيد وصعب ولكن على الورق فقط ، إنهن أمهات مخدوعات فينا أو في أوراقنا - ، ومن ملامح كتابة مؤمن عشقه للمجاز - كما تبين لي حتى الآن ولو اكتشفت أنه يكره المجاز فلن أتردد في أن أذكر وأشرح حقيقة هذه الكراهية فمؤمن يكتب عن " إفريز الظل المرتعش " ، " ولا يسدون حنك الهواء " ، " وأسحب أنا مناقير النوم " فهذه كلها مجازات واستعارات بحسب ما تعلمنا في المدرسة فهو يجعل من الظل إنسانا مرتعشا ويجعل للهواء حنكا وللنوم مناقير فوجود المجاز مؤكد في قصائد مؤمن مع أنني اقرأ لنقاد كبار مقولات غريبة ومنها : أن قصيدة النثر تخلت عن المجاز وقذفت به خارج سمائها، ولا اعرف كيف لقصيدة أن تخلى عن المجاز ؟! ، وأي المجازات يمكن أن تتخلى عنها القصيدة ؟ بالطبع صدق النقاد الكبار ولو وجدت مجازات كثيرة في الشعر الحديث ، وفى قصائد مؤمن سمير التي أقرؤها الآن !!
والرؤية الساخرة المصورة لعبثية الحياة موجودة - أيضا - في قصيدة " حفنة من الكومبارس غير المجيدين " فبداية من مفردة " حفنة " والتي تعنى ملء الكف أو الكف الممتلئة بشيء ما ، هذه المرة ممتلئة بكومبارس وكأن كلمة حفنة حين أضيفت إلى كلمة الكومبارس نزعت منها آدميتها وإنسانيتها ... هل يستحق الكومبارس هذه الصورة المهينة لأنهم غير مجيدين لأدوارهم ؟ ومن هم الكومبارس ؟ إنهم جماعة ، صوت الشاعر واحد منهم ، لذا يبدأ الشاعر قصيدته بدعوة باقي أصوات الجماعة / الكومبارس للدخول في اللعبة : " دعونا نتقمص يا إخوة / نشرب وننتشي ثم نبتلع العظام " ومؤمن سمير يستخدم تقنية الابتداء بصورة شعرية تجريدية ثم يتنزل منها إلى صور شعرية متتالية واقعية أو محاكية للواقع ليصل في نهاية القصيدة - إذا كان لها نهاية - إلى صورة شعرية مجردة أو تجريدية ، لتتشكل من المجموع الرؤية الكلية للنص الشعري لذا فهو يقول بعد المقطع الأول السابق : " نتقمص الأولاد الذين يخرجون من بيوتهم المثلثة الرأس ليلعبوا في الغابات ... " ويستمر في نصه مغرقا في التفاصيل الصغيرة ،وكأنه وهو الشاعر يريد أن يتقمص حالة السرد ويريد أن يوقعنا في فخ تماهى القصيدة بالحقيقة الواقعية ،وبنفس هذه التقنية تأتى " جولة " ، ويبدؤها بهذه الصورة التجريدية المركبة : " الطفل على حافة الشرفة أبه يحذر الرياح والملاك يقبل رأسه ولكنه لا يسمع أحدا " فالطفل هنا كائن مجرد وكذلك أبوه والملاك - والشرفة التي على حافتها الطفل شيء مجرد - وكذلك الرياح والرأس ، !! ثم يبدأ مؤمن في التنزل لمستوى قريب من الواقع في المقطع الثاني من القصيدة " بعد ثوان سيصير المميز الذي يملك بالونات الحكايا الخطير في الشارع كله " في هذا المقطع نحس أن الطفل ليس قطعة مجردة فى الخيال الواسع ، أو الفضاء المطلق إنه يمكن أن يكون واحدا منا يملك بالونات ، ويتنزل النص في المقطع الثالث تنزلا كاملا لدرجة الاندماج الكلى فى الواقع المعاش أو الحياة الفعلية :" أحكى لهم فيضيء رأسي / كلما انبهروا يضيء أكثر / ويخرجون الحلويات من الجيوب " سيكتشف للقارىء أن الطفل المجرد في بداية القصة هو نفسه الشاعر وتخلى عن تجرده وبدأ يتحدث بضمير المتكلم الواقف على الأرض ، وبعد اندماج النص في التصوير الواقعي الحياتي يعود ليقدم الواقع في رؤية تجريدية لها ، بمعنى أن تكون مفردات الحياة ووقائعها وشخصياتها مكتوبة على سبيل التعميم بحيث تصلح أن تنطبق على كثيرين يقول مؤمن :" الأمهات اللاتي يتركننا على أطراف أصابعهن ليذهبن للآباء الذين يخافون الظلام / ويكتمن ضحكاتهن كيلا نكتشف الخيانة " فهنا نجد : أمهات وآباء / وأصابع يليها الظلام ، وضحكات تليها الخيانة ، ولن ننجرف هن لتذكر عقدة أوديب -ويستمر النص في تجريده حتى النهاية فنقرأ : الوحوش والأفاعي والهواء والروح والجنة والآخر والجيران والسيارات ويختم أو ينهى مؤمن نصه بالمقطع التالي الذي يستعيد تجريد وطلاقة بداية النص : " الطفل اليوم / لا يشبه أحدا / إلا سحابة الجد الكبير " ولعلك تلاحظ معي مفاجأة نهاية النص الشعري المتدفق لمؤمن سمير ، فقد تم استحضار الجد الكبير رغم أنه لم يسبق ذكره فى النص كله ودون سابق إنذار ليحقق دهشة للقارىء غير متوقعة ، أو لتأكيد استمرار سلسلة النسب أو عدم حدوث قطيعة أو انقطاع جيني أو معرفي أو ليحقق صدمة للقارىء فبعد التأكيد على أن هذا الطفل مميز وعجيب وشجاع وذكى مثل نسر الحديقة، وانه لا يشبه أحدا نفاجأ بأنه مجرد ظل على الأرض لسحابة الجد الكبير في السماء ... !!من هو الجد الكبير إذن في هذا الزمن ؟! وفي قصيدة " بلاغة السقطة " تتجلى تقنية أخرى من تقنيات الكتابة عند مؤمن سمير فتبدأ القصيدة بتناص غير مباشر مع قصيدة أمل دنقل يقول مؤمن " "وقع الجدار فانكشف ظهري /وعرفوا أنني بلا أفراح ولا عزيمة ولا ظل " وفى هذه القصيدة ثلاث مقاطع موضوعة بين علامتي تنصيص ولا أعرف هل هي مأخوذة عن الغير أم وضعها مؤمن بهذه الطريقة لتأكيد المعنى الباطن فيها ، وعلينا ألا ننسى أن مؤمن سمير صدر ديوانه بمقطع كبير دال لهاينرش بول - وكذلك في قصيدة " معاول " مقطع بين علامتي تنصيص مجهول بالنسبة لي فإذا وصلنا إلى اصغر قصيدة في الديوان وهى قصيدة " المتواطئون " فإننا سنجدها تحمل الخط العام للديوان كله ورؤيته السوداوية والعبثية للحياة وإذا كان مؤمن يبدأ قصائده بداية تجريبية تحمل الكثير من المطلق ليصل تدريجيا إلى الواقعي الملموس والحياتي المعاش فإنه في قصيدة المتواطئون يبدأ بذاته الملموسة ثم يضعها في فضاء التجريد باقتدار شديد وبفارق سطر واحد " كلما مرت جنازتي " فهنا حديث عن الذات بضمير المتكلم - حتى لو كانت جنازة الشاعر المجازية - يمكن لمسها وإدراكها لوجودها بيننا ومعنا وفينا - لكل منا جنازته الخاصة على كل حال - وسرعان ما يقول مؤمن واصفا هذه الجنازة " المشوهة في كل الحروب " لو اكتفى بصفة المشوهة لما حدث شيء ، و لسارت الجنازة سيرا حسنا واقعيا لا غرابة فيه ولكنه أعطاها صفة الاستمرارية في الزمن والعمومية في الحدث " في كل الحروب " بهذه الجملة استقرت الجنازة في سماء التجريد ، ويأتي السطر الثالث والأخير في القصيدة ليشكل حوارا كاشفا مع العنوان " المتواطئون " وهو " يبتسمون نصف ابتسامة " إذن فهم راضون بالمسيرة فرحين بها غير قادرين على إعلان فرحهم بشكل علني ومباشر وواضح ...، المتواطئون من هم ؟ هل هم كائنات أخرى سوانا ؟
وهناك ملمح آخر في ديوان ممر عميان الحروب لمؤمن سمير وهو الرغبة في الحكى والإقدام على مهمة السير قدما في السرد وكأنها محاولة لقهر سلطة الشعر الموروثة والمعتمدة على الغنائية الشديدة والموسيقى العالية والإيقاع الصاخب وللحق فإن هذه السمة هى إحدى سمات القصيدة الجديدة - قصيدة النثر - وليست خاصة بمؤمن وحده ..ز ويتجلى هذا الملمح في كثير من قصائد الديوان ، ومنها قصيدة ط قصة قصيرة ليست ماكرة " وقد اخترت هذه القصيدة لأعلق عليها هذا الملمح - الرغبة في الحكى والإيغال في السرد شعرا - بسبب العنوان المستفز " قصة قصيرة .ز ليست ماكرة " النفى يفيد الإثبات هنا فقط ، فهذا نص ماكر لأنه قصيدة ، وسماه الشاعر قصة قصيرة ، وكان الشاعر يريد أن يوصل لنا رسالة مفادها : أنه غير مستسلم لسلطة الشعر التقليدية ، وغير مؤمن بالمسلمات التقليدية في تصنيف الكتابة - رغم أنه مؤمن بالفعل - ونحن لن ننزلق في فخ إعادة الحكاية الموجودة في النص ، على القاري أن يراجعها بنفسه ، ولكني أنقل هنا عددا من الصور والسطور الشعرية المحملة بطاقة شعورية وانفعالية كبيرة تقف وجها لوجه أمام تصنيف" قصة قصيرة " لتنتصر للشعر رغم عدم وجود الموسيقى بمعناها المتعارف عليه في النقد القديم يقول مؤمن : " خاف من الوحدة / فزرع الأشلاء والصرخات حول حطام البيت / لتصير أشباحا تؤنسه في المساء " ، ونقرأ له - أيضا " الدماء التي حاول أن يسقى بها أحلامه تلك التي تبرع بها كلها " ونقرأ " التماثيل تصير ملائكة / تضمد الجرحى قبل أن يستأنفوا العويل / وتفتح قلبها للنشيج النائم في الحيطان / وتكنس الشوارع من الجثث الثرثارة / وتسد النوافذ على الرياح كيلا تزدحم الحقائب بكل هذا الصمت " إنها طاقة شعورية مبهرة ، وفى الديوان عدد من القصائد كل منها يحتوى على عدد من القصائد القصيرة التي لا تحمل عناوين خاصة بها وهى تمثل مشاهد وصورا شعرية مستقلة - بالطبع هناك رابطة لا مع العنوان الخاص الذي وضعه مؤمن للقصيدة / القصائد بل مع الديوان كله ، ولكنها علاقة ورابطة عامة يمكن أن نجدها وغيرها مع كل قصائد الديوان ، ومن هذه القصائد قصائد " اللقطة الأخيرة " وقصيدة " اصطياد " ، " وعرى " و "رائحة " ولو حاولنا قراءة هذه القصائد القصيرة قراءة تفصيلية فستطول الكتابة منا ، بحيث لن يكون مضمونا بقاء القاريء مرتبطا بقلبه معنا برباط المحبة ، وللأسف فقد اعتاد النقاد الكبار في نهاية نقدهم للأعمال الأدبية - وفى أثناءها - أن يذكروا أو يشيروا إلى بعض مساوىء وعيوب العمل الأدبي المنقود ، وأنا في محاولة فاشلة للتشبه بهم أقول : إنني آخذ على ديوان مؤمن سمير كثرة عدد الصفحات البيضاء ، هناك أكثر من ثلاثين صفحة بيضاء من مجموع مائة وثلاثين صفحة ، إضافة إلى أن هناك صفحات كثيرة لا يوجد بالصفحة الواحدة منها سوى سطرين شعريين ، ولا نريد اعتساف المعاني ولا اغتصاب الكلمات والأشياء لتنطق بدلالات لا وجود لها ، ومع أهمية التشكيل الجمالي فلسنا في حالة ترف فكرى وفني تسمح لنا بأن نكون في بحبوحة من الصفحات ، وفى سعة من الفراغ ، هناك أزمة نشر ومعاناة لكثير من المبدعين في نشر أعمالهم - كما يقال - فكيف يستقيم هذا الأمر ، والكتب المنشورة بها صفحات بيضاء تتسع لاستضافة كتب أخرى بدوارها أو فيها ؟!!
وإذا كانت هذه الملاحظة خارج النص الكتابي لمؤمن فإن الشاعر يقع في بعض الأخطاء الشائعة مثل كثير من المبدعين الشبان كاستخدامه لكلمة " عجوز " بمعنى" شيخ " ، ولعل بعض المبدعين يفضل استخدام الكلمة بدلالتها الشائعة على استخدمها بدلالاتها القاموسية والمعجمية والتي قد لا تحقق رضا الشاعر النفسي ، وقديما قالوا : خطأ مشهور أفضل من صواب مهجور ، وأيضا - قسم مؤمن ديوانه بطريقة توهم أن لهذه القسمة دلالة ، ولكني لن أقع في هذا الفخ ، لقد بحثت عن الدلالة فلم أجدها ، أو لم تظهر لي ، لقد وضع صفحات في الديوان ، ككل صفحة تحمل عناوين القصائد التي تليها ما معنى ذلك ؟ إننا لا نريد إرهاق أنفسنا في استخراج دلالات لا وجود لها ، هي - فقط - شكل من أشكال الإيهام الشعري الحداثي ، أو على أفضل تقدير شكل من أشكال زيادة صفحات الديوان مع ملاحظة أن مؤمن سمير غير محتاج لهذه الحيلة فهو شاعر كبير جدا رغم أنه مازال شابا ، ورغم غزارة إنتاجه من الشعر الجميل الصافي .!!
*ممر عميان الحروب، شعر، مؤمن سمير ، سلسلة أصوات أدبية، العدد : 362 [ الهيئة العامة لقصور الثقافة ] : الطبعة الأولى : 2005 م
#مؤمن_سمير (هاشتاغ)
Moemen_Samir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كريم الهزاع يكتب : - بهجة الاحتضار- * ومراوغات الجثة / القصي
...
-
زينب الغازي تكتب عن ديوان - يطل علي الحواس - لمؤمن سمير: إعا
...
-
خالد محمد الصاوي يكتب عن ديوان - يطل على الحواس - لمؤمن سمير
...
-
ياسمين مجدي تكتب...في الديوان الفائز بجائزة كتاب اليوم : الذ
...
-
د/ ياسر الباشا يكتب عن الشاعرين مؤمن سمير ومحمد فؤاد محمد :
...
-
أحمد عزت مدني يكتب : قراءة تأويلية في ديوان - يطل على الحواس
...
-
- يَفوتُ على التَلِّ.. ويُرَنِّمُ للغابات..- شعر/ مؤمن سمير
-
- على الدوام ، بلا خبز ولا نبيذ -
-
* نفوت على بيت المجنون * شعر / مؤمن سمير
-
* السِكّيرونَ في فرشتهم العريضة * شعر / مؤمن سمير
-
جسارة الجنون وجماله .. في ديوان - كان لازم نرقصها سوا - لمدح
...
-
- الذات تلتقط الجوهرة -.. ديوان ( ريحة ملايكه ) لحاتم مرعي..
...
-
- خيانتان - شعر : مؤمن سمير
-
مونودراما ( بقع الخلاص) بقلم / مؤمن سمير
-
- وهكذا . يقتفونَ أَثَرَنَا - شعر : مؤمن سمير
-
عاطف محمد عبد المجيد يكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - لمؤمن س
...
-
( بروفيل ) لمؤمن سمير: بقلم د/ أشرف عطية هاشم
-
بهاء جاهين يكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - لمؤمن سمير : روح
...
-
قصيدة - مؤمن سمير - شعر/ منى كريم – الكويت
-
د/ أماني فؤاد تكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - للشاعر / مؤمن
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|