|
غزة وعمود السحاب!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3918 - 2012 / 11 / 21 - 09:19
المحور:
القضية الفلسطينية
بدت عملية " عمود السحاب" التي قرر رئيس الوزراء " الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو شنها على غزة وكأنها حرب جديدة بعد حصار شامل ضد القطاع منذ العام 2007 وبعد حرب مفتوحة استمرت 22 يوماً في العام 2008-2009 وسميت بعملية " الرصاص المنصهر" وقصف مستمر ومتقطّع يستهدف البنية التحتية للمقاومة ومواقع عسكرية وناشطين وأماكن تجمع بحجة ملاحقة "الإرهابيين". ولكن إلى أي مدى يمكن لهذه الحرب أن تستمر؟ وهل ستستكمل باجتياح بري شامل شبيه بما حصل في عملية الرصاص المنصهر؟ وإذا كان ثمة أوجه تقارب بين الحربين فهناك اختلافات أيضاً، فالعدوان الجديد يأتي في ظرف مختلف عربياً وفلسطينياً، وخصوصاً بعد موجة الربيع العربي والحضور المصري اللافت، ناهيكم عن تقارب بين حركة حماس وحركة فتح، وبين السلطة في رام الله وحكومة حماس في غزة، على الرغم من التصدع في الوحدة الوطنية الفلسطينية الذي ما يزال مستمراً. ولهذا فإن الاحتلال "الإسرائيلي" لا يمكن أن يهمل من حساباته معادلة المتغيّرات العربية في وضع غزة، ومن هنا فقد تكون عملية عمود السحاب "مجرد" اختبار أول لكنه مهم بعد الربيع العربي، فإسرائيل قد لا تفكّر في الوقت الحاضر في توسيع ساحة المواجهة ورقعة الصراع وكذلك في إطالة أمد المجابهة العسكرية، لأن الأوضاع الجديدة في العالم العربي قد لا تكون لصالحها، ولهذا فقد تكتفي بعمليات عسكرية جوية لاستعادة "قوة الردع" ولمنع حركة حماس من إقامة قواعد جديدة في جبهة المواجهة. وحسب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان فإن " أهداف عمليتنا هي تعزيز قدراتنا على الردع وتدمير القذائف، وحين تتحقق هذه الأهداف ستنتهي العملية". لعل توقيت عملية عمود السحاب جاء مختلفاً عن عملية الرصاص المنصهر، فالأخيرة جاءت في ظل نكوص عربي عام وصراع فلسطيني – فلسطيني حاد وهيمنة مصرية "مباركية" على الوضع الفلسطيني ممالئة لـ " إسرائيل" ووضع اقليمي أقل ما يقال عنه فيه الكثير من السكوت على ارتكابات "إسرائيل"، ووضع دولي ولاسيما من جانب الولايات المتحدة مؤيد لسياسات " إسرائيل" ومزاعمها بشأن "إرهابية" حركة حماس والمقاومة بشك عام ، وإن كانت " إسرائيل" استغلت في العام 2008-2009 وحاليا فترة ما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، مثلما استغلت غياب سوريا عن المواجهة وانشغالها بحرب داخلية، لكن الوضع العربي هو اليوم أكثر حساسية ورهافة من السنوات السابقة احتضاناً للفلسطينين، خصوصاً مصر بعد الثورة، ناهيكم عن صعود قيادات جديدة بعد الثورات العربية مختلفة عن سابقاتها التقليدية. من جهة أخرى أظهرت " عملية عمود السحاب" والعدوان على غزة مفاجآت فلسطينية لم تكن بالحسبان، وهكذا وصلت صواريخ حماس إلى القدس بعد صواريخها وصواريخ حركة الجهاد إلى تل أبيب وأطيح بطائرة " إسرائيلية" وتم أسر اثنين من طاقمها. لعل من جملة أهداف "إسرائيل" من هذا العدوان اختبار قدرات المقاومة الفلسطينية، مثلما تريد اختبار رد فعل القيادة المصرية المنتخبة بعد الثورة، إضافة إلى إمكانية الدعم العربي، فقد بدت زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى غزة خطوة استفزازية، حتى وإن كانت في إطار المساعدات الإنسانية، فما بالك بعد العدوان أن قام الرئيس المصري محمد مرسي بتكليف رئيس الوزراء المصري هشام قنديل زيارة قطاع غزة بعد العدوان مباشرة، في خطوة هي الأخرى غير مسبوقة لإعلان التضامن والدعم والتنديد بالعدوان الإسرائيلي ومطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن اتخاذ الاجراءات اللازمة لوقفه وإدانته. وحتى الآن فإن حماس استطاعت استيعاب الضربة الأولى، ونقلت جزء من الرعب إلى داخل "إسرائيل"، لاسيما باستخدام صاروخي جديد، ولعلها هذه المرة الأولى التي تفكر "إسرائيل" جدياً بتحاشي الصواريخ الفلسطينية، وهو ما يذهب إليه بعض المحللين العسكريين والباحثين الستراتيجيين من أن هذا يعتبر خطوة جديدة في ستراتيجية الطرفين، خصوصاً وأن نحو ثلثي سكان إسرائيل دخلوا الملاجئ وأن بعض المواقع العسكرية اعتبرت تحت خط نيران المقاومة، وهو الأمر الذي دعا إسرائيل إلى الاعلان عن بدء تجنيد 75 ألف جندي. لقد استفزّت عملية "عمود السحاب" مصر التي استدعت سفيرها من "إسرائيل" ودعت الى عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن، كما وفرت لها سبل البحث عن دورها الإقليمي الغائب منذ اتفاقيات كامب ديفيد العام 1978، لاسيما في إطار القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة وهي تركيا وإيران إضافة الى مجلس التعاون الخليجي ولاسيما المملكة العربية السعودية، وسعت لاستضافة قيادات المقاومة من حركة حماس والجهاد في القاهرة. إن قصف تل أبيب بثلاث صواريخ وكذلك ضرب محيطها بعشرات الصواريخ ومن ثم قصف القدس أدخل الردع "الإسرائيلي" في مأزق، وتخطى الأمر عملية اغتيال أحمد الجعبري ورد الفعل إزاءها، وهو ما دفع "إسرائيل" لشن عملية عمود السحاب وتدمير مقر حكومة حماس وتسويته بالأرض، كما أنها وإن تتعمد إظهار جبروتها وعنفها اللامحدود إزاء شعب أعزل، لكنها بدت أكثر حذراً من حربها المفتوحة في عملية الرصاص المنصهر، خصوصاً في موضوع استهداف المدنيين، وهنا لا بد من الإقرار بدور تقرير غولدستون الصادر في 17 تشرين الأول (اكتوبر) 2009 والمجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي أدان الممارسات "الإسرائيلية" واعتبرها أقرب إلى "جرائم الحرب"، الأمر الذي يستوجب مواصلة الجهود التي بذلتها الكثير من منظمات حقوق الإنسان الدولية، وسعيها لملاحقة مرتكبي الجرائم "الاسرائيليين" بهدف تقديمهم للقضاء الدولي أو للقضاء الوطني ذات الولاية الدولية، وهناك لوائح اتهام جاهزة لهذا الغرض وملفات تكاد تكون كاملة. صحيح أن " إسرائيل" تحاول استعراض عضلاتها، بل هناك من يدعو لإعادة احتلال غزة ولحشد قواتها العسكرية بهدف إظهار جاهزيتها ورفع معنويات الجنود، ولا سيما قوات الاحتياط، لكنها تتصرف تحت هواجس كثيرة ومقلقة، منها التكاليف الاقتصادية الباهظة للحرب، وكذلك قرب الانتخابات "الاسرائيلية" خلال الشهرين ونيّف القادمين، وباستحضار التاريخ فإن صفارات الانذار المدوية في تل أبيب أعادت إلى الأذهان الذعر الذي اصاب إسرائيل في العام 1991. من السذاجة بمكان اعتبار عملية عمود السحاب رد فعل لإطلاق صواريخ من قطاع غزة على "إسرائيل"، ولاسيما بعد اغتيال أحمد الجعبري، كما أن السعي للتوظيف الانتخابي هو غير كاف لشن حرب بحجم عملية عمود السحاب، وليس هناك من مبررات كافية القول أن هذه العملية العسكرية كانت رد فعل مسبق إزاء توجه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على عضوية دولة فلسطين وفقاً لحدود العام 1967 وما يرتبه ذلك من اعتبار الأراضي الفلسطينية " أراضٍ" محتلة وفقاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977. ولكن كل ذلك يمكن أن يدخل في الحساب "الإسرائيلي" على خلفية تعزيز نظرية الرعب بتحطيم البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية واختبار ما بعد الربيع العربي من ردود فعل. يضاف إلى ذلك أن عملية "عمود السحاب" هي محاولة جديدة لتعزيز الثقة بين "إسرائيل" وأوباما الثاني بعد فوزه بالانتخابات، خصوصاً وأن العلاقة "اهتزّت" بين الطرفين على خلفية التأييد "الإسرائيلي" إلى ميت رومني الذي كان منافساً للرئيس أوباما، ومعلوم أن خلافا نشأ بين "إسرائيل" وأمريكا على خلفية الملف النووي الإيراني، ففي حين تريد "إسرائيل" تنفيذ عملية عسكرية ضد المفاعلات النووية الإيرانية، تذهب واشنطن إلى تأييد الحلول الدبلوماسية وممارسة الضغط السياسي والاقتصادي ولاسيما بفرض الحصار على إيران، بهدف إحداث تغيير داخلي يؤدي إلى الاقلاع عن فكرة صنع القنبلة النووية وينقل إيران إلى ضفة أخرى خارج الاستقطابات الراديكالية، ومن عدو لواشنطن إلى حليف لها. واستهدفت إسرائيل من حربها على غزة دفع الولايات المتحدة للمزيد من التطابق معها، لاسيما إزاء الموقف من الفلسطينيين ومن الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة، خصوصاً وأن شعار الدولتين الذي تبنّاه الرئيس بيل كلينتون في السنتين الأخيرتين من ولايته، إضافة إلى تأييد الرئيس جورج دبليو بوش في الأشهر الأخيرة من ولايته الثانية، والذي كان الرئيس بارك أوباما متحمّساً له منذ توليّه المسؤولية في البيت الأبيض، لكن هذا الشعار تراجع في الواقع العملي حتى أن واشنطن استمرت في ضغطها على السلطة الفلسطينية للامتناع من التقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على موافقتها لعضوية فلسطين، والتي من المقدر أن يصوّت لها نحو 150 دولة من مجموع 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. ولكن ماذا بعد عملية عمود السحاب؟ هل ستكون نتائجها مثل نتائج عملية الرصاص المنصهر، التي لم تحقق فيها " إسرائيل" أهدافها الأساسية؟ حتى وإن دمّرت البنى التحتية وألحقت خسائر بشرية مادية ومعنوية بسكان غزة؟ كل ذلك سيكون اختباراً ومجسّاً جديداً لدول الربيع العربي، ولاسيما في مدى استعدادها لتحقيق أهداف ثوراتها الشعبية التي انتفضت بسببها على الأنظمة السابقة، وبضمنها الموقف من القضية الفلسطينية وعدوان " إسرائيل" المتكرر على الأمة العربية.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غوته وسحر الشرق
-
اعتراف هولاند الخجول بجرائم قتل الجزائريين
-
دلالات الديمقراطية وحقوق الإنسان في فكر أمين الريحاني
-
عن تونس والدين والدولة
-
العدالة الانتقالية والعدالة الانتقامية
-
الشبيبي والبنك المركزي: قضية رأي عام!
-
برزخ العنف والوعي الشقي
-
ما ينتظره مسلمو ميانمار
-
- اللاعنف-: هل هو منتج غربي؟
-
الأقليات في الدول الإسلامية المعاصرة - المسيحيون والصابئة ال
...
-
الصندوق الأسود!
-
عن فيتو الفقهاء في العراق!
-
حوار باريس 3
-
بين قلم الأديب وحبر السياسة!*
-
رياح التغيير: الوعي والسياسة
-
الطريق الوعر إلى الحرية: أوروبا الشرقية نموذجاً
-
الثورة وسؤال اللاعنف!
-
قبل وبعد الربيع العربي - الجيوبوليتيك ومفترق الطرق
-
الاستيطان
-
بغداد- أربيل : البيشمركة والجيش العراقي حدود الوصل والفصل
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|