|
سيدنا الشيخ بديع مع سيدنا الولي مرسي
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3913 - 2012 / 11 / 16 - 00:59
المحور:
كتابات ساخرة
في القرية من مصر حيث نشأت، على مرمى حجر من قرية محمد بديع، مرشد الإخوان، ثمة منصب ديني متوارث أب عن جد، وابن عن أب، وحفيد عن جد أكبر ربما منذ آلاف ومئات السنين إلى اليوم: "سيدنا الشيخ". سيدنا هذا، في اعتقاد أهل القرية، يقف في مكانة ممثل أو مندوب أو وكيل أو خليفة الله على الأرض؛ لا أحد يرد عليه أمراً، سواء في أمور الآخرة المتعلقة بالجنة والنار، الثواب والعقاب والتوبة والمغفرة، أو في أمور الدنيا من بيع وشراء وزواج وطلاق وتسمية المواليد والحكم في المنازعات والمصالحات وما إلى ذلك. منصب "سيدنا الشيخ" في قريتي الصغيرة المجاورة لقرية المرشد العام للإخوان المسلمين كان ولا يزال يؤدي نفس الدور مثل سلطتي التشريع والقضاء الحديثتين مجتمعتين. ومنذ صغري، ما كانت تخفي عني أبداً تفاصيل العلاقة والمنفعة القوية المتبادلة بين سيدنا الشيخ هذا صاحب السلطتين التشريعية والقضائية الذي عاصرت حتى الآن ثلاثة منه بالوراثة المباشرة، وبين النائب البرلماني وممثل السلطة السياسية، الذي عاصرت منه حتى اليوم ثلاثة أيضاً من نفس القرية، في وراثة داخل العائلة الكبرى في المرة الأولى، ثم من الأب إلى الابن في الحالتين الأخيرتين. قريتي المصرية الصغيرة، بالتأكيد مثل قرية المرشد، تعكس في صورة واضحة طبيعة وتفاصيل شبكة التحالف والتداخل والمصالح المتبادلة بين رجال الدين والسياسية، مع كون المنصبين احتكاريين، إما وراثيين صراحة أو شبه وراثيين.
منذ الصغر أنا أخالف أهل القرية في أمور كثيرة، يناسب الذكر منها في هذا المكان المحدود تقبيل يدي "سيدنا الشيخ" والاعتقاد بالمعجزات منه أو من غيره. مثلاً، كنت دائماً ولا أزال أرى أهل القرية كبيراً وصغيراً، ومنهم أيضاً أجدادي وآبائي وأعمامي وأخوالي وكل أقاربي، يهرولون على "سيدنا الشيخ" فور دخوله أي مكان لتقبيل يديه، بينما أنا كنت أهرب لتفادى الحرج، وإذا وجدت نفسي فجأة وجهاً لوجه معه ولا ملاذ ما كنت أفعل مثلهم أبداً؛ كنت أكتفي بمد اليد له كما أمدها لأي أحد غيره ومصافحته رجل لرجل؛ وكنت دائماً أراه يخصني بابتسامة خفيفة وأظنه كان يبادلني الاحترام بمثله ولم يغضب مني أبداً. لكن حدث في أحد الأيام، حيث من عادة أهل القرية أن يتولى "سيدنا الشيخ" بنفسه عقد القران عرفياً قبل إثباته قانونياً على الورق لدى المأذون الرسمي، أن كنت أنا شخصياً العريس محط العين، ووجدتني من جملة مرات قليلة وجهاً لوجه مع "سيدنا الشيخ" ولا مهرب. كالعادة، اصطف الكبير والصغير ومنهم أبي نفسه الذي يكبر الشيخ سناً وأخذوا يقبلون يده واحداً بعد الآخر؛ أما أنا، كعادتي، اكتفيت بمد يدي والمصافحة رجل لرجل دون انحناء أو أي إيماءة تنم عن عدم المساواة والندية الكاملة. كان هذا في المرة الأولى عند دخول "سيدنا الشيخ" ومرت بسلام؛ لكن في المرة الثانية، بعد إتمام عقد القران وعند الانصراف، نهض الجميع واستووا في الصف ثانية لتحية "سيدنا الشيخ" بقبلة ثانية على يده الكريمة. ثم عندما جاء دوري وكنت قد تهيأت لمد يدي والمصافحة على قدم المساواة التامة كعادتي دائماً، فاجأني صوت مدوي من ورائي يأمرني بكل قوة: "مد يدك يا عبد المجيد وسلم على سيدك الشيخ وبوس (بمعنى قبل) يده." بالفعل كان صوت النائب البرلماني، رجل السياسة ورئس السلطة التنفيذية في القرية. لحظتها عرفت أني على المحك وستكون أزمة ثقة مؤلمة وحرج غائر أمام الملأ إذا لم أنحني مثل الآخرين وأقبل معهم يد "سيدنا الشيح" بعدما كثفت كل العيون أبصارها على المسافة الصغيرة الفاصلة ما بين شفرتي فمي وظهر يده. قبلت يده. لكن تلك الواقعة قوت عزيمتي على التأمل أكثر في طبيعة المصلحة والعلاقة المتبادلة والمتساندة بين رجلي القرية القويين: رجل الدين ورجل السياسة.
على ما يبدو هذه العلاقة الدينية-السياسية تشكل العمود الفقري للحياة اليومية والسنوية والمئوية والألفية للقرية المصرية الصغيرة، وربما للمجتمع المصري عامة وكذلك أغلب القرى والمجتمعات العربية والشرق أوسطية. ثمة تشابك وتضافر وتعاضد عظيم في المصالح والمنافع، والاستبداد والفساد والبطش، بين رجال الدين ورجال السياسة على مر العصور، على مستوى القرية والمدينة والقطر والإقليم والمنطقة كلها. فوق هذه البنية الأساسية الدينية-السياسية التقليدية القديمة والمتخلفة، تسعى جماعة الإخوان المسلمين بزعامة المرشد العام مجسدة دور "سيدنا الشيخ"، ومؤسسة الرئاسة في عهد الرئيس الإخواني د. محمد مرسي مجسدة دور رجل السلطة السياسية لبناء نظام سياسي ليس أقل تقليداً وقدماً وتخلفاً. هم يلعبون نفس اللعبة القديمة، إنما بملابس حديثة وأنيقة.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في فلسفة الدستور (عبثية المادة الثانية)
-
الدين والديمقراطية والديكتاتورية الإسلامية
-
في فلسفة الدستور
-
العلماء الكهنوت
-
وكذب القرآنيون-3
-
وكذب القرآنيون-2
-
وكذب القرآنيون
-
الحكمة الإلهية داء العقل العربي
-
بالدستور، المصريون المسيحيون يدفعون الجزية للمصريين المسلمين
...
-
مشروع دستور لسفك الدماء
-
احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!
-
حرية التعبير..وصحافة البورنو
-
القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
-
إشكالية الدستور والشريعة
-
تعدد الزوجات جريمة
-
حرية الاعتقاد مطلقة في مشروع الدستور المصري!
-
العاهرة والجنرال على ميزان القيمة
-
أسطورة العرب
-
من يكون المتطرف؟
-
مربع سياسة ومربع دين، أيهما فوق الآخر؟
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|