وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3912 - 2012 / 11 / 15 - 12:50
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
توطئة :
هل الليبراليون العرب الجدد ساروا على طريق ما بعد الحداثة ؟
ام انهم سائرون على خطى الحداثة فقط ؟
ام تراهم لازالوا في مرحلة ما تحت الحداثة ؟
هل يختلف الليبراليون العرب الجدد بنمط تفكيرهم عن القوميين والماركسيين والاسلاميين ؟
الا يستعمل الليبراليون الجدد نفس اساليب القتل المعنوي والرمزي التي يمارسها غيرهم من القوميين والماركسيين والاسلاميين ؟
تعالوا الى كلمة سواء ,ان نحلل خطاب الليبراليين العرب الجدد وممثلهم الباحث والكاتب والسياسي اللامع الاستاذ الدكتور شاكر النابلس ,له مني كل الود والتقدير والاحترام .
الليبرالية والحداثة :
هذان المصطلحان من اعقد المصطلحات على التعريف ,وليس لهما تعريف واحد محدد .فالحداثةمصطلح استخدم حديثا ومحصورا في الحقل الادبي ,ثم اصبحت الكلمة تطلق على التجديد كاداة للابداع الادبي والرؤى المبتكرة .ثم اخذت تطلق على المجالات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها .
يصف الباحث والكاتب والسياسي برهان غليون حالة مجتمعاتنا المعاصرة : (انها اشبه الى كونها مجتمعات (ما تحت الحداثة ) لا ( ما بعد الحداثة ) . ويقول غليون : ( ان ماتحت الحداثة لاتعني الخروج عن الحداثة ,ولكن فقط في الانحطاط في هذه الحداثة ) .
هذا الانحطاط سنناقشه في خطاب الاستاذ شاكر النابلسي بعد قليل .
ان الليبراليين العرب لم يحصل لهم تغير يذكر في جدوى القيم الفلسفية لنهضتهم الاصلاحية ,لان غلبة الشعارات الدعائية على مجمل اطروحاتهم لايعنيهم مصداقيتها في ارض الواقع او السعي لتحقيقها في المستقبل ,مادامت القبلة والوجهة والمصلحة غربية المصدر والتوجه .المتامل لخطاب الليبراليين العرب الجدد ,يجد ان هناك قواسما مشتركة تقوم عليها سياساتهم ,لخصها د . شاكر النابلسي وهو من مدرسة الليبراليين العرب الجدد في مقالة له بعنوان ( من هم الليبراليون العرب الجدد ..وما خطابهم ؟ ) . والدكتور النابلسي كما هومعروف باحث وكاتب وسياسي اردني مشهور .ومقالته هذه ضمنها في كتابه ( الليبراليون الجدد – جدل فكري )وكتاب النابلسي ينقسم الى قسمين :الاول يتضمن كتابات ومقالات المؤيدين لليبرالية الجديدة من العرب . والثانية تتضمن كتابات المعارضين لكتابات الليبراليين العرب الجدد .
خطاب النابلسي يتضمن الكثير من الايجابيات التي يطالب بها دعاة تجديد المجتمعات العربية – الاسلامية وتطويرها .ولكنه بنفس الوقت يلتقي مع المشاريع الاطلسية في الدعوة الى الاستعانة بجيوش الاطلسي ولو على ظهر دبابة بريطانية ,او بارجة امريكية ,او غواصة فرنسية ,لاسقاط الانظمة الدكتاتورية العربية .
يكتب الدكتور النابلسي في الفقرة (20 ) من خطابه :
عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية لدحر الديكتاتوريات العاتية واستئصال جرثومة الاستبداد ,وتطبيق الديمقراطية العربية ( ذكرني هذا المصطلح ب (الاشتراكية العربية )لدى ميشيل عفلق والبعث ) في ظل عجز النخب الداخلية والاحزاب الهشة عن دحر تلك الديكتاتورية وتطبيق تلك الديمقراطية .وهذه ليست سوابق تاريخية , فقد استعانت اوروبا بامريكا لدحر النازية والفاشية العسكر تاريا اليابانية في الحرب العالمية الثانية , كما قامت بتحرير الكويت والعراق (الشلة الصهيو – ماسونية سترقص طربا لخطاب النابلسي وهم يرددون نفس خطابه ولكن الاستاذ النابلسي لم يخبرنا عن جدوى واهمية ضرب الولايات المتحدة الامريكية لليابان بقنبلتين ذريتين لازالت اثارهما سارية الى الان) . وفي الفقرة (23 )يكتب د .النابلسي :
الايمان بالتطبيع السياسي والثقافي مع الاعداء ,والاعتراف بالواقعية السياسية وما يجري على ارض الواقع العربي السياسي ,وعدم دفن الرؤوس في رمال الصحارى العربية المحرقة والمهلكة .وان التطبيع والتلاقح بين الشعوب والثقافات هو الطريق الى السلام الدائم في الشرق الاوسط . وان اتفاقيات السلام ,كاتفاقية كامب ديفيد 1979 ,واتفاقية اوسلو 1993 ,واتفاقية وادي عربة 1994 يجب ان تصبح اتفاقات شعبية بين الشعوب ,بدلا من ان تكون اتفاقيات دول فقط . وهكذا يدعو النابلسي الى التطبيع مع اسرائيل بغض النظر عن اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .
ماهو الفرق بين خطاب د .شاكر النابلسي وخطاب الاحزاب الشمولية ؟
في مقالته المعنونة ( المحافظون الجدد والليبراليون الجدد بين الواقع ومهاترات الغوغاء ).يصف النابلسي خطاب معارضيه بالكلمات التالية (ارجومقارنتها مع خطاب الشلة الصهيو –ماسونية ومع خطاب الاحزاب الشمولية ) .
يقول النابلسي : ( فكيف نظر ( الغوغاء ) العرب والاعلام العربي (التعتيمي ) والانتلجنسيا العربية (الرثة ) الى المحافظين الجدد ؟.
كعادة كل هؤلاء ,اتهم المحافظون الجدد بانهم (صهاينة ),وبان اللوبي الصهيوني هو الذي يقودهم .ان اسهل فهم لاي ظاهرة تاريخية سياسية غربية لاتتماشى مع المزاج العربي ,ولاتعده بجنات عدن على الطريقة العربية في اطلاق الوعود ونشر الاحلام الزائفة ,هو اطلاق صفة ( الصهيونية ) على هذه الظاهرة ,حتى تستريح الثقافة والانتلجنسيا العربية (الرثة ) والاعلام العربي ( التعتيمي ).. ( المثير لغرائز القتل )و ( سفك الدماء ) , ويريح . لقد ضخمت الانتلجنسيا العربية 0( الرثة ) والاعلام العربي ( التعتيمي ) من قوة ومقدرة المحافظين الجدد الذين يشكلون تيارا سياسيا من ضمن عدة تيارات سياسية داخل الادارة الامريكية ) .انتهى الاقتباس .
نلاحظ هنا ان الدكتور النابلسي وهو المشبع بالثقافة الليبرالية الغربية ,يستعمل نفس المصطلحات والاتهامات التي ترد على لسان خصومه ... ( الغوغاء ) , الاعلام العربي (التعتيمي ),الانتلجنسيا العربية (الرثة ) , وعلى القياس الارسطي يمكن ان يتهم معارضيه والمخالفين له بانهم ( صهاينة )وبان اللوبي الصهيوني هو الذي يقودهم ..كذلك نجد العبارات المقززة ( غرائز القتل ),( سفك الدماء ).انظر الى عدد وكم الكلمات المثيرة للاشمئزاز والتي يستعملها الدكتور شاكر النابلسي ضد مخالفيه في الراي .اليس هو القتل المعنوي والرمزي نفسه ؟ والذي يمهد للقتل الفعلي ؟هذا هو نفس خطاب الشلة الصهيو – ماسونية المعدلة وراثيا .
يكتب د . خالد شوكات وهو باحث تونسي في مقالة له بعنوان :
( الليبراليون الجدد او الليبرالية كما افهمها ):
(... ان اجتهادات الدكتور شاكر النابلسي او الاستاذ العفيف الاخضر او غيرهما من رموز التيار الليبرالي الجديد في الفكر الديني الاسلامي ,هي اجتهادات من صلب هذا الفكر , تمثل جزء من انتاجه وحراكه المطلوب , بصرف النظر عن تقييم هذا الطرف او ذاك لها .وهي بالتالي لاتمثل جزءا من المشروع السياسي للتيار الليبرالي في الوقت الراهن . ويقول في مكان اخر :
( ان ميزة الفضاء الليبرالي خلافا للفضاءات الشمولية انه يسع المتناقضات جميعها ,مادام لدى اهل هذه المتناقضات رغبة في التعايش المشترك ...ان في هذا الفضاء حقا لان يحيا الاسلاميون كاسلاميين والشيوعيون كشيوعيين والقوميون كقوميين,وكل صاحب راي كما يحدثه عقله , .... غير ان الفكرة الليبرالية تشترط في تحقيق رؤيتها السياسية والاجتماعية والفكرية ,ان يعمل كل تيار على اعادة بناء نفسه ,على نحو يكرس قيم التعددية والنسبية والبشرية في مشروعه , وبكيفية تقوده في نهاية المطاف الى ظهور تيارات اسلامية وشيوعية وقوميةوليبرالية .تؤمن بشكل عضوي بمباديء الديمقراطية والحرية ,وترى في وجود الاخر ضرورة حيوية لها ,بحيث تكون معها وجودا وعدما ) .
الحق اقول لكم : اين الشلة من كل هذا الخطاب الليبرالي ؟ وهم يحاولون الاستهزاء بخصومهم وتلويث سمعتهم وتحقيرهم ؟
لقد رفعت الحداثة الليبرالية قاعدة التخلف امام جماهير شعوبنا (اما الاندماج في الاخر او التحلل الذاتي والذوبان ). ان مثل هذا الطرح لم يوجد له مثيل الا في الفاشية الديكتاتورية التي ظهرة كثورة مضادة ضد الحداثة وقيم التنوير ,لكن نراها الان تذبح بايدي الليبراليين من خلال معايير متضاربة ومصالح شخصية براجماتية وسياسة ميكافيلية ,لتحقيق اهدافهم وتصفية خصومهم .
ان مايجري في الغرب من مراجعات فكرية ونقد منهجي لفلسفة الحضارة الراهنة , ينبغي ان تحفز اهل العقل من رموز التيار الليبرالي العتيق والجديد الى البحث في نقد الذات لحقيقة الازمة المعاصرة .
على المودة نلتقيكم ...
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟