|
مسلسل جريمة الختان 93 : علاقة الختان بالزواج
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 3912 - 2012 / 11 / 15 - 12:28
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
ختان الذكور كإعداد وشرط للزواج --------------------- رأينا في مقال سابق أن كلمة "ختان" ذات صلة بكلمة "الختن"، وهو الزوج. وفي بعض الجماعات، يتم الختان قَبل الزواج مباشرة. وبالرجوع إلى المعتقدات القبليّة البدائيّة نرى علاقة بين ختان الذكور والزواج. فقد برّر شيخ من قبيلة «نسو» في «الكمرون» عمليّة الختان كما يلي: «إن القضيب غير المختون شديد الحساسيّة. فبمجرّد دلك القضيب يمكن لغير المختون أن يجد اللذّة التي أجدها أنا وأنت في العلاقة الجنسيّة مع المرأة. وهذا الرجل غير المختون قد لا يحس الحاجة للزواج وإذا ما حدثت محنة فإنه قد يفضّل الإختفاء لدلك قضيبه بدلاً من الإندفاع لدفع الخطر. وقد يصبح مثل التيس يشم رائحة الأنثى من بعيد ويندفع نحوها بصورة جنونيّة».
ويعتقد بعض الباحثين أن ختان الذكور مرتبط بمنع الزواج بين المحارم. فهناك أساطير بدائيّة إبطالها رجال أو نساء يتزوّجون مع محارمهم. ثم ما يلبث أحدهم أن يكسر هذا الطوق العائلي بالزواج مع إمرأة من خارج المحارم، ويصاحب ذلك تعدّي على قضيب القريب حتّى يخسر المعركة في مواجهة الغريب. وفي بعض القبائل، تحتفظ الأخت بغلفة أخيها مجففة في عنقها وكأن ذلك برهان على تحرّرها من سلطة أخيها وحرّيتها في الزواج من غير أخيها. ورفض نساء بعض القبائل الزواج من رجال غير مختونين هو، في رأيهم، من متبقّيات ذلك التحوّل.
وهناك من يرى في «خاتم» الزواج الذي نستعمله اليوم تعبيراً عن «الختان». فكان الرجل يهب لزوجته غلفته هديّة منه لها تضعها في إصبعها. وعندما إكتشف الإنسان المعدن، إستمر في إستعمال الخاتم ولكن على شكل معدن بدلاً من الغلفة. وفي بعض القبائل الإفريقيّة كان المقاتل يرسل أجزاء من ضحيّته لمحبوبته. وتذكر لنا التوراة طلب شاول من الملك داود تقديم 200 غلفة فلسطينيّة كمهر لزواج إبنته.
وفي الأوساط التقليديّة لدولة «البنين»، يعتبر الختان أهم حدث في حياة الشاب. فبعد ختانه تتغيّر حالته الإجتماعيّة. وغير المختونين يعتبرون من الطبقة السفلى. ولا تقبل إمرأة الزواج من شاب غير مختون. وفي قبيلة «كزهوسا» في جنوب إفريقيا، لا تقبل فتاة تحترم نفسها الزواج من شاب غير مختون. وفي تلك القبيلة يتم الختان بين عمر 18 و22 وقد يتأخّر الختان بعد هذا العمر.
ويقول المؤلّف اليهودي «فيلون» إن المصريّين كانوا يختنون كل من الذكر والأنثى عندما يبلغون سن الرابعة عشر، أي عندما يبدأ «الخطيب» بالإمناء و«الخطيبة» بالعادة الشهريّة.
وقد ذكرنا في الجزء الثاني كيف أن اليهود يحرّمون زواج اليهوديّة من غير المختون. ونحن نجد صدى لهذا الفكر اليهودي عند بعض الفقهاء المسلمين. فهم يحرّمون زواج المسلمة من مسلم غير مختون، كما يحرّمون على المسلم غير المختون الزواج من الذمّية ويرفضون ولايته في تزويج نفسه أو في تزويج إحدى نسائه. وما زال بعض الكتّاب المسلمون يعيدون علينا هذه القاعدة ويسمحون للمرأة المسلمة التي تتزوّج من مسلم غير مختون أن تطلب من القاضي طلاقها منه.
وتشير بعض الأنباء أن الإرهابي كارلوس أحب فتاة سودانيّة وأراد التزوّج منها فاشترطت عليه أن يختتن. فدخل المستشفى لإجراء تلك العمليّة وبينما هو هناك ألقى البوليس السوداني القبض عليه وسلّمه للفرنسيين. ويقول المؤلّف المغربي عبد الحق سرحان: في المخيّلة التقليديّة المغربيّة من غير الممكن تخيّل إقامة علاقة جنسيّة بين إمرأة ورجل غير مختون. فالختان يعطي للرجل الطهارة. والعلاقة الجنسيّة مع غير المختونين يساوي التجديف.
ويذكر عبد الوهاب بوحديبة: «تقبّلت تونس في السنوات الأخيرة إحتمال زواج المسلمة بغير المسلم، والغريب أن ما إستهجنه البعض إنحصر في كيفيّة مضاجعة رجل غير مختن لامرأة مسلمة». ويضيف أن ختان الذكور والإناث عادة يتّبعها المسلمون وليست فرضاً إسلامياً ويبدو ذلك جليا من الأهمّية المضفاة على مغزاها الإجتماعي الذي يجعل وجهها القدسي أمراً ثانوياً. فالختان يصاحبه إحتفالات صاخبة تشبه إلى حد بعيد حفلات الزفاف، فأسلوب الإستعداد يكاد يكون واحداً. بل تحمل الأيّام نفس الأسماء فيطلق على الليلة السابقة للختان في تونس ليلة الوطية إشتقاقاً من الوطء. وكذلك الإحتفالات التي تسبق يوم الختان مثل يوم الحناء والذهاب إلى الحمّام وزيارة الحلاّق ويوم الراحة. ويبدو الأمر وكأن إحتفالات الختان محاكاة لتلك المزمع إقامتها في يوم العرس، لتضاهي التضحية بالغرلة إفتضاض بكارة العروس. وكلمات الأغنية الشعبيّة الخاصّة بهذه المناسبة تبيّن ذلك: «ديالك مطاهر وعقبال العروس وحصانك يولول ما بين الغروس». ويشار هنا إلى أن الصحف الجزائريّة تطلق على إحتفال الختان تعبير «إحتفال زواج الختان».
ختان الإناث كإعداد وشرط للزواج -------------------- بالرجوع إلى المعتقدات والممارسات القبليّة البدائيّة نرى علاقة بين ختان الإناث والزواج كما هو الأمر مع ختان الذكور.
تقول أسطورة لقبيلة «دوجون» الإفريقيّة أن الإله «أمّا» قبض على مصران مليء بطين فخّاري ورماه. فتكوّنت الأرض على شكل إمرأة مضطجعة على ظهرها، وجهها إلى السماء. وكانت أعضاؤها الجنسيّة شبيهة بوكر نمل يعلوه البظر. وعندما أراد الإله «امّا» مضاجعة مخلوقته المرأة، إستقام بظرها وكأنه قضيب يوازي قضيب الإله مانعاً العلاقة الجنسيّة. فقام الإله بقطعه ثم جامعها. وهذا الإعتقاد هو أساس لعمليّة ختان الإناث في تلك القبيلة التي ترى فيها شرطاً للزواج.
وقد شرح إفريقي سبب ختان الإناث قائلاً بأن الله خلق بظر المرأة لكي تتمتّع به جنسيّاً قَبل الزواج من خلال الإستمناء. وعندما تكبر وتصلح للزواج، يقطع بظرها حتّى تتوقّف عن الإستمناء. وعند ذلك تحس بنقص في اللذّة فتميل للزواج بحثاً عن لذّة الجماع مع زوجها. ولذلك يرى أن بتر البظر يعمل حسب قصد الله. وعندما سئل لماذا تقطع بعض القبائل البظر، بينما تنفخه قبائل أخرى لتعطيه مظهراً كبيراً؟ أجاب لأن كل قبيلة لها آلهتها ولذلك تختلف العادات باختلاف الآلهة.
وهناك مجتمعات في كينيا وأوغندا وغرب إفريقيا تستطيع فيها الفتاة الإنجاب خارج العلاقة الزوجيّة لإثبات خصوبتها. وبعد الإنجاب، يتم ختانها إعداداً للزواج. وفي نيجيريا يتم ختان الإناث عامّة ما بين اليوم الثامن وبضعة شهور من عمر الفتاة. ولكن هناك من يقوم بهذه العمليّة قَبل الزواج أو في الشهر السابع من حملها.
وقد أوضحت ممثّلة لجنة النساء الغينيّات في مؤتمر دكار لعام 1984 أن الفتيات المختونات تبقى سويّة في غرفة واحدة أو في الغابة المقدّسة لمدّة شهر حتّى يشفى الجرح. وتقوم إمرأة عجوز أو ذات خبرة بمراقبتهن وتعليمهن النظام والقصص والأغاني الشعبيّة ودور المرأة كربّة بيت وأم عائلة. وبعد خروجهن من هذه العزلة، يتقدّم لهن من يطلب يدهن فيتزوّجن.
وإن كان ختان الإناث هو شرط للزواج في المجتمعات التي تمارسه، فإن المجتمعات التي تمارس مد البظر والشفرين وتوسيع الفرج تعتبر ذلك أيضاً شرطاً للزواج كما ذكرنا في الفقرة الخاصّة بالجمال. فلا يقبل أحد التزوّج من فتاة لم يتم عليها هذه العمليّة. وكلّما طال بظرها وشفراها، كلّما زاد نصيبها في الزواج.
وإذا إنتقلنا إلى مصر، نجد علاقة بين ختان الإناث والزواج في برديّة كتبها باليونانيّة كاهن مصري يرجع تاريخها إلى عام 163 قَبل المسيح. وذكرنا أعلاه نص «فيلون» حول ختان الذكور والإناث عند المصريّين. كما ذكرنا رواية الرحّالة الإسكتلندي «جيمس بروس» حول محاولة المبشّرين الكاثوليك في مصر في القرن السابع عشر منع ختان الإناث على أتباعهم ولكنّهم تراجعوا عن هذا المنع عندما رفض الرجال الزواج من النساء الكاثوليكيات غير المختونات. هذا وقد أفادت دراسة أجريت على قرية دير البرشا ذات الأغلبيّة المسيحيّة التي تخلّت عن ختان الإناث أن أكثريّة الناس كانوا يرفضون مساعدة الغير في عدم ختان بناتهم وكان سبب رفضهم هذا ما يلي: «كل واحد يحكم على بيته. لنفرض أنني نصحت أم بعدم ختان بنتها ثم لم تتزوّج فماذا سيكون موقفي؟» وهناك من يعيد عليك قصّة الفتاة التي أعادها زوجها إلى أهلها بعد الزواج لأنها لم تكن مختنة».
وفي السودان، تلقّن الفتاة منذ صغرها عبارات تفيد بأن لا أحد سيقبل الزواج منها إن لم تختن. وتلبس إستعداداً لختانها أجمل ثيابها وحليّها وتحنّي كفّيها وقدميها وتتعطّر، ويطلق عليها في بعض الأحيان لقب «العروسة». وتشير المؤلّفة «لايتفوت كلاين» بأن أحد زعماء القرى السودانيّة قد طالب الناس هناك بإجراء «ختان السُنّة» بدلاً من «الختان الفرعوني». ولكنّهم رفضوا ذلك لأن الرجال لا يقبلون الزواج بامرأة غير مغلقة الفرج.
وتقول الصوماليّة «واريس ديري»: «إن المرأة غير المختونة تعتبر غير طاهرة، يسيطر عليها الجنس ولا يمكن تزويجها. في ثقافة بدويّة كالتي تربّيت فيها لا مكان للعزباء. وتظن الأمّهات أن من واجبهن عمل كل ما يمكنهن حتّى يكون لبناتهن أكبر حظ تماماً كما تفعل العائلات الغربيّة التي تصر على إرسال فتياتهن إلى أفضل المدارس».
هذا وإن كان الزواج هو الهدف المقصود من ختان الإناث، فقد يستخدم كوسيلة لحصر الزوج في إطار محدود. فقد أخبرت مهاجرات صوماليات سيّدة سويسريّة أن ختان الإناث ضروري لكي يقبل الرجل الزواج من بناتهن. فالرجل يريد أن يكون أوّل من يدخل إمرأته. فأشارت السويسريّة بأن الفتيات الصوماليات قد تتزوّج من شباب سويسريين لا يشترطون ذلك. عندها خيّم سكوت على الصوماليات وشحبت الوجوه وكأن هذه الحجّة أعطتهن سبباً إضافيّاً لختان بناتهن حتّى لا يتزوّجن من سويسريين بل من صوماليين.
------------------------ يمكنكم تحميل كتابي ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131&action=arabic وطبعتي للقرآن بالتسلسل التاريخي مع المصادر اليهودية والمسيحية http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315&action=arabic اذا أردتم المناقشة أو وجدتم صعوبة في تحميل كتاب اكتبوا لي على عنواني التالي [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يسوع مجنون الناصرة
-
إنا انزلنا إليك كشكولا
-
مسلسل جريمة الختان 92 : ختان الإناث كعملية تجميل
-
مسلسل جريمة الختان 91 : الختان كعمليّة تجميليّة جاذبة جنسيّا
...
-
دين خفيف على المعدة
-
هل يحق لنا انتقاد الأنبياء؟
-
الأفكار العبقرية لله
-
الصينيون ينسفون مكة بقنبلة نووية
-
الحج والدوران حول حجر اسود
-
مسلسل جريمة الختان 90: الختان كعمليّة تمييز بين الذكور والإن
...
-
مسلسل جريمة الختان 88: الكبح الجنسي ببتر الغلفة والبظر والشف
...
-
مسلسل جريمة الختان 88: الكبح الجنسي بشبك الفرج أو إخاطته
-
سامي الذيب أستاذ أصول الشريعة؟
-
خروف إبراهيم الخرفان
-
مسلسل جريمة الختان 87: الكبح الجنسي وحزام العفّة
-
مسلسل جريمة الختان 86: الختان وكبح النزوات الجنسيّة
-
مسلسل جريمة الختان 85: الختان والدين من وجهة علم الاجتماع
-
سامي الذيب، حدد موقفك
-
ما زرعناه في مدارسنا نجنيه اليوم حصرما مر المذاق
-
احتجاج من احد قرائي على مقالاتي اليومية عن الختان
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|