|
عن المسيحية والبالتوك - 4
هشام آدم
الحوار المتمدن-العدد: 3912 - 2012 / 11 / 15 - 08:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تطرقنا حتى الآن إلى أربعة أوجه للتشابه بين المسيحية والإسلام، وغرضي من هذه المقارنة أن أكشف عن ازدواجية المعايير لدى المؤمن فعندما ننتقد الإسلام يصفق المسيحيون مباركين المنطق في كلامنا بينما يتهمنا المسلمون بعدم الفهم الصحيح للنصوص، وعندما ننتقد المسيحية يتبادلون الأدوار فالذي كان يصفق أصبح يتهمنا بعدم الفهم الصحيح للنصوص، والذي كان يتهمنا أصبح يبارك منطقنا. يقول أهلنا: "الجمل ما بيشوف عوجة رقبتو" أي الجمل لا يرى إعوجاج رقبته، والمعنى أننا نرى عيوب الآخرين ولا نرى عيوبنا. إنه مثال حي ومتجسد للمقولة المشهورة: "أنت لست معي إذن أنت ضدي" هذه المقولة الإقصائية التي لا تتقبل الآخر وإن كان مخالفا معك في الرأي لأن الأصل أن اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية هذا ما نقوله نحن البشر، ولكن الرب يسوع يقول: "من ليس معي فهو علي"(لوقا 23:11) وهي طبيعة العقائد التي لا تحتمل ولا تتقبل الاختلاف، فكيف يمكن تقبل فكرة الاختلاف حول كلام الإله؟
وحتى لا يعتقد البعض أنني بترت العدد متعمدا فأنا إنما فعلت ذلك للتدليل على نقطة محددة وهي أن مقولة: "أنت لست معي إذن أنت ضدي" التي نرفضها جميعا لكونها إقصائية هي إنما قالها يسوع الذي قال كذلك: "أحبوا أعداءكم" ولا أدري كيف نجمع ونوفق بين الاثنين! عموما فالعدد الكامل يقول: "من ليس معي فهو علي.ومن لا يجمع معي فهو يفرق." إذن فهو جاء ليجمع ومن لا يجمع معه فهو يفرق ولهذا فإن من ليس معه فهو بالضرورة ضده أو عليه، ولكن ألم يقل من قبل إنه جاء ليفرق بالسيف (كلمة الله)؟ ألم يقل: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً. فَإِنِّي جِئْتُ لِأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ وَالاِبْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا"(متى 10: 34-35) فهل جاء ليجمع لنجمع معه أم جاء ليفرق؟ كيف يمكن أن نفهم هذا التناقض في الكتاب المقدس الذي يقال عنه أنه وحدة واحدة ويفسر بعضه بعضا؟ وكيف نفسر قوله: "لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ"(لوقا 52:12) على ضوء قوله: "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب.وبيت منقسم على بيت يسقط"(لوقا 17:11) فإذا كان يعلم أن كلمة الله سوف تقسم البيت الواحد وكان معترفا بأن البيت المنقسم يسقط، فإنه ....!!!
ولكن للحق والإنصاف فإنني توقفت عند قول يسوع: "لان من ليس علينا فهو معنا"(مرقس 40:9) وحاولت فهم الأمر بمجمله، فوجدتها جملة انتهازية لا أكثر لاسيما في السياق الذي وردت فيه. فيوحنا وجد شخصا يخرج الشياطين باسم يسوع ولكنه ليس من التلاميذ فمنعه يوحنا عن ذلك وأخبر يسوع بالقصة فأمرهم ألا يمنعوه ببساطة لأنه يفعل ذلك باسمه أي أنه كان مؤمنا حتى وإن لم يتبعه، ودعونا نقرأ النص كاملا: "فاجابه يوحنا قائلا يا معلم راينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا.فمنعناه لانه ليس يتبعنا. فقال يسوع لا تمنعوه.لانه ليس احد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعا ان يقول علي شرا. لان من ليس علينا فهو معنا. لان من سقاكم كاس ماء باسمي لانكم للمسيح فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره."(مرقس9: 38-40) إذن فليس المهم أن تكون تابعا طالما أنك تفعل ما تفعل باسم المسيح، ولكنه في موضع آخر يقول: "ومن لا ياخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني"(متى 38:10) وفي مكان آخر يقول: "ان كان احد يخدمني فليتبعني"(يوحنا 26:12) إذن فالاتباع مهم وشرط أساسي للخدمة وهذا ما فهمه يوحنا وجعله يمنع الرجل الذي يخرج الشياطين لأنه لا يتبعه، ولكن يسوع فاجأه وفاجأني بأن قال: الاتباع ليس مهما طالما أنه يخدم باسمه! عموما أترك الكلام عن تناقضات الكتاب المقدس إلى وقت آخر.
خامسا: الدجل والشعوذة نضحك على الدجل والشعوذة الذي يمارسه شيوخ الإسلام تحت مسمى (الرقية الشرعية) مدعيين قدرة القرآن على إخراج الجن من أجساد البشر وننسى أن هذا الدجل موجود في المسيحية ويسوع المعلم نفسه يقول: "اشفوا مرضى.طهروا برصا.اقيموا موتى.اخرجوا شياطين.مجانا اخذتم مجانا اعطوا."(متى 8:10) ونقرأ كذلك في مرقس (34:1) "فشفى كثيرين كانوا مرضى بامراض مختلفة واخرج شياطين كثيرة ولم يدع الشياطين يتكلمون لانهم عرفوه" وكذلك في مرقس (15:3) "ويكون لهم سلطان على شفاء الامراض واخراج الشياطين" والشياطين هنا لا تعني أي شيء آخر غير الشياطين التي نعرفها (كائنات شريرة محتجبة عن الرؤية) وليست هي الآثم أو الخطايا كما أخبرني أحد الأخوة المسيحيين عندما استفسرت عن المعنى، لأننا نقرأ في لوقا (41:4) "وكانت شياطين ايضا تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول انت المسيح ابن الله.فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لانهم عرفوه انه المسيح" إذن فلا يوجد أي رمزية في هذه الأعداد. وإني لأتساءل عن إمكانية التصديق بوجود مثل هذه الكائنات في القرن الواحد والعشرين، وما الفرق بين شخص يؤمن بوجود الشياطين وآخر يؤمن بوجود البعبع أو العنقاء أو البيجاسيوس أو أي كائن خرافي آخر خلقه الخيال البشري المبدع؟
الدجل والشعوذة ثيمة أساسية لكل دين لأنها جميعا وبلا استثناء تتمتع بعقلية أسطورية تجعلها قابلة لاستيعاب وتقبل اللامعقوليات تحت بند المعجزة. كثيرا ما قرأنا وسمعنا وشاهدنا محاولات بعض المسلمين للتدليل على صحة معتقداتهم: مرة بمقطع فيديو لظهور ملاك فوق الكعبة، ومرة بصورة لسمكة مكتوب على ظهرها عبارة "لا إله إلا الله" باللغة العربية، ومرة لمنظر جوي لجبل أحد يكون اسم محمد، ومرة بصورة لفتاة سخطت لكائن غريب لأنها استهزأت بالقرآن والكثير جدا من النماذج المفبركة التي توضح ميكانيزم العقل الديني ومدى قابليته لتصديق الخرافات. وفي الوقت ذاته تؤكد على ضعف العقيدة، وحاجتهم إلى معجزات مفبركة لتدعيمها. وربما نتذكر ما كان يتناقله بعض عن الهالة النورانية التي تشع من وجه الإمام الخميني واكتشاف مصدر ذلك النور إذ لم يكن سوى مصباح بقوة 2000 شمعة مثبت في مكان ما في سيارته تنعكس على وجهه فيبدو مشعا* وكذلك نتذكر جميعنا قصة تجلي السيدة العذراء مريم في الزيتون 1968 وتجليها في العصافرة 2008 وكذلك أعلى كنيسة في الوراق 2009** وما تبعته من ضجة إعلامية واكتشاف خديعة الكنيسة لرعاياها واستخدام تقنية الليزر لفبركة هذا الحدث. وهنالك مئات القصص عن كنائس تقوم بشفاء المرضى والممسوسين باسم يسوع الرب المخلص، وظهور النور المقدس من قبر السيد المسيح*** وهو يذكرنا بما يفعله شيوخ الإسلام كذلك باسم الرقية الشرعية، فما الفرق؟ وماذا يعني لنا كون هذه المعجزات مفبركة؟ إنه الوهم الذي يملأ قلوب الخائفين والمحبين، لأن كلاهما يتمتع بالثيمة ذاتها (العقلية الأسطورية)
قبل أيام حدث نقاش بيني وبين شخص على البالتوك، وكان يخبرني أنه يتوجب علي أن أصلي بإيمان ليسوع الرب حتى يريني نفسه بالطريقة التي يختارها، وكان بكلامه ذلك يعني أن أؤمن بالمسيح كخطوة أولى قبل أن يعمل الروح القدس عمله فيني. حاولت إقناعه بأن الإيمان بشيء يتطلب التجريب أولا وليس العكس، ولكنه أصر على ضرورة الإيمان أولا وأهمية أن يكون الطلب بحب لأن يسوع يحبني. أخبرته أنني لا يمكن أن أحب شخصا لم أره، ناهيك عن وجود خلافات تاريخية حول وجوده أصلا (بصرف النظر عن صحة تلك الروايات من عدمها)، ففاجأني بقوله: "يسوع شخصة حقيقية وأنه رآه وتكلم إليه" فاندهشت من ذلك، ولكنه راح يصف لي روحانية ذلك اللقاء الأبوي الخاص الذي لم يتحقق إلا بعد ثلاث سنوات على طلبه رؤيه. كانت فكرته الأساسية من هذه القصة التأكيد على أن استجابة الطلب لا تكون فورية غالبا، فأصبت بالخيبة لأن ذلك كان يعني أن أؤمن بالمسيح وأظل مؤمنا ربما لسنوات قبل أن أتمكن من رؤيته. الصدمة الكبرى لي كانت اكتشافي أن ذلك اللقاء الأبوي لم يكن سوى رؤية منامية، فقلت في سري: "فليتمجد اسمك يا فرويد!"
وكالإله الإسلامي فإن أسباب ودوافع استحقاق الإله المسيحي للعبادة واهية رغم الاختلافات الجوهرية بينهما، ولكن تظل الثيمة الأساسية واحدة: (الإله مستحق للعبادة لأننا مدينون له.) في الإسلام الله خلقنا لعبادته. هل هو محتاج لعبادتنا؟ هل يهمه فعلا أن تعبده كائنات مجهرية بالنسبة لهذا الكون؟ بالطبع لا، فهو مستغن عن عبادتنا، ولكنه سيعذبنا إذا لم نعبده، سيعذبنا إذا لم نفعل شيئا لا يريده وليس بحاجة إليه. ومن قال إنه لا يريدنا أن نعبده؟ ألم يقل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)؟ نعم هو يريدنا أن نعبده ولكنه غير محتاج لعبادتنا، هنالك فرق بين الإرادة والحوجة! منطق مستدير ومنغلق وغير مفهوم إلا إذا حيدت عقلك. الإله المسيحي أيضا يريدنا أن نعبده ولكنه في الوقت ذاته ليس محتاجا لعبادتنا، نحن مديونون له لأنه تعذب وصلب لأجلنا، لأجل خطايانا. سيدي المسيح، ومنذ أكثر من ألفي عام على ميتتك البشعة على الصليب مازالت الخطيئة موجودة ومنتشرة، ومازلنا نخطئ. حتى المسيحييون المخلصون يخطئون. أتدري لماذا؟ ببساطة لأننا بشر، والخطأ أو الخطيئة هي طبيعتنا. اسأل أباك المتمجد في لاهوته الأزلي لماذا جبلنا على الخطيئة إذا كان يحبنا ويحب أن يرانا بلا خطيئة؟ واسأله بالمرة: إذا كان خلقنا لنكون خالدين فلماذا يعاقبنا بالموت، ونحن لم نأكل من الشجرة! اسأله: "هل الخطيئة تورث؟" لن أسألك أن تسأله هل كانت خطيئة آدم بإرادة الله أم لا، ولكني اسأله: لماذا تموت الحيوانات والكائنات الحية رغم أنها لم تأكل من الشجرة؟
أي إيمان بأي إله في أي ديانة يشترط استبعاد العقل تماما وتغييبه، لأن الإيمان والعقل لا يجتمعان. حجة المؤمنين معروفة: "الإله الحقيقي لا يمكن معرفته بالعقل لأنه خارج حدود إدراكنا وفهمنا، وإلا لم يكن مستحقا للعبادة" هذه الحجة يقول بها المسيحييون والمسلمون على حد سواء، ورغم أن الإله المسيحي تواضع ونزل وعاش بيننا كإنسان إلا أنه مازال مستعصيا على الفهم، ولا أدري لماذا بقي أكثر من ثلثي سكان العالم غير مؤمنين بهذا الإله، بل ولماذا نسبة كبيرة من مسيحيي العالم مسيحيون بالاسم فقط أو لأسباب اجتماعية كما ذكر ريتشارد دوكينز في كتابه المسمى (وهم الإله - The God Delusion) لماذا ديانة كالبوذية هي الأكثر انتشارا في الكرة الأرضية من ديانة هذا الإله المحب؟
---------------- * مقطع يوضح مصدر الهالة النورانية التي تشع من وجه الإمام الخميني http://www.youtube.com/watch?v=7AQpBHWLVMo
** تجلي السيدة العذراء مريم في الوراق 2009 http://www.youtube.com/watch?v=aXfcXTGDwAI
*** ظهور النور المقدس من قبر السيد المسيح http://www.youtube.com/watch?v=ATBKM7_leJw
#هشام_آدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن المسيحية والبالتوك - 3
-
عن المسيحية والبالتوك - 2
-
عن المسيحية والبالتوك - 1
-
لماذا الله غير موجود؟
-
في نقد شعار: الإسلام هو الحل
-
المادية التاريخية للجنس – 3
-
المادية التاريخية للجنس – 2
-
المادية التاريخية للجنس - 1
-
عنّ ما حدِّش حوَّش
-
نقد العبث اليومي(*)
-
تهافت رهان باسكال(*)
-
خطوطات مادية نحو تفكيك الإيمان
-
يوم مهم
-
تأملات مشروعة 2
-
تأملات مشروعة
-
آلهة اسمها الصدفة
-
الرسم القرآني وإشكاليات الإملاء - 2
-
الرسم القرآني وإشكاليات الإملاء - 1
-
إضاءات على الإسلام
-
سقطات الأنبياء 2
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|