|
29 تشرين الثاني 2012!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3910 - 2012 / 11 / 13 - 13:58
المحور:
القضية الفلسطينية
أصبح في حُكْم المؤكَّد الآن أنَّ السلطة الفلسطينية (وبإصرار جلي من رئيسها محمود عباس) ستتقدَّم إلى الأمم المتحدة بطلب انضمام "فلسطين" إلى المنظَّمة الدولية عضواً مراقِباً (أيْ دولة غير عضو، أو دولة غير كاملة العضوية) وأنَّ هذا الطلب (الذي يحظى بتأييد جامعة الدول العربية) سينال (في التاسع والعشرين، أو حتى التاسع والعشرين، من تشرين الثاني الجاري) موافقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة؛ فالعضوية الكاملة تحتاج أوَّلاً إلى موافقة مجلس الأمن الدولي؛ والولايات المتحدة، على وجه الخصوص، ما زالت متشدِّدة في اعتراضها على كل ما من شأنه تمكين الفلسطينيين من الحصول على العضوية الكاملة لدولتهم. حتى العضوية بصفة مراقِب اعترض عليها الرئيس أوباما في محادثته الهاتفية مع الرئيس عباس؛ ولقد مورِس كثير من الضغط (الذي جاء معظمه من الولايات المتحدة وإسرائيل) على "السلطة" لمنعها من المضي قُدُما في هذا المسار، الذي يرونه، مع نتائجه وعواقبه، ضربة في الصميم للمسار التفاوضي (والسياسي) الذي تستمسك به إسرائيل (وتؤيِّدها في ذلك الولايات المتحدة). والسلطة الفلسطينية، في سعيها إلى ذلك، وإصرارها عليه، إنَّما تخشى في المقام الأوَّل ضغوط الكونغرس، لا ضغوط إدارة الرئيس أوباما، التي لا تريد الدخول في مواجهة مع الكونغرس الآن، وفي هذا الأمر على وجه الخصوص، وإذا ما افتَرَضْنا أنَّ لها، أو تسعى في أنْ يكون لها، وجهة نظر مغايرة، ترضي، ولو قليلاً، الفلسطينيين. لكن ثمَّة ما يجعل "السلطة" أكثر ثقةً بقدرتها على مواجهة ومقاومة هذه الضغوط، وأكثر إصراراً، من ثمَّ، على المضي قُدُما في مسار "طلب العضوية غير الكاملة"؛ فإنَّ إسرائيل، وعلى ما تعتقد "السلطة"، وعلى ما أوضحت، لا تستطيع (أيْ ليس لها مصلحة في) ممارسة ضغوط على "السلطة" من نوع وحجم يمكن أنْ يتسبَّب بانهيارها؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ "السلطة" تفكِّر وتَعْمل وُفْق "فرضية" مؤدَّها أنَّ بقاءها، مع درء عواقب وتبعات انهيارها، هو مصلحة إسرائيلية إستراتيجية وأمنية، وأنَّ هذه "المصلحة" هي التي ستضغط في اتِّجاه تحجيم الضغوط الإسرائيلية على "السلطة". و"السلطة" تبدو مطمئنة إلى أنَّ مناخ "الربيع العربي" لن يكون ملائماً للولايات المتحدة وإسرائيل إذا ما تطرَّفتا وتشدَّدتا في ضغوطهما على "السلطة"، وفي اعتراضهما على العضوية غير الكاملة لـ "فلسطين" في الأمم المتحدة؛ ويبدو أنَّ "السلطة" أكثر اطمئناناً، هذه المرَّة، إلى أنَّها ستلقى من الدعم المالي العربي ما يعينها على مواجهة ومقاومة الضغوط المالية التي تمارسها (أو ستمارسها) عليها الولايات المتحدة وإسرائيل (ودولاً أخرى). اليوم التالي للتصويت هو الأهم (ومن وجهة نظر "السلطة" أيضاً) من يوم التصويت نفسه؛ فالفلسطينيون يفهمون "اليوم التالي" على أنَّ "يوم تغيير قواعد اللعبة (التفاوضية والسياسية)" بما لا يرضي إسرائيل، التي ظلَّت تفهم التفاوض السياسي (المباشِر) مع الفلسطينيين على أنَّه الطريق الوحيد إلى حلول (انتقالية أو نهائية) توافِق، من حيث الجوهر والأساس، مصالح وأهداف إسرائيل الإستراتيجية والتي لها سيادة شبه مطلقة حتى على الحدِّ الأدنى من الحقوق والمطالب القومية الفلسطينية. وفي شأن أهمية "اليوم التالي"، قال عباس: "إذا أمكن بدء حوار أو مفاوضات مع إسرائيل في اليوم التالي فسوف نبدأ"؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ بدء المفاوضات في اليوم التالي لن يكون سهلاً (لأسباب إسرائيلية في المقام الأوَّل) وأنَّ "السلطة"، مع ذلك، تريد العودة سريعاً إلى طريق المفاوضات؛ لأنَّها تَفْهَم قبول "فلسطين" عضواً مراقِباً في الأمم المتحدة على أنَّه تأكيد، لا نفي، لاستمساك الفلسطينيين بخيار "الحل (النهائي) من طريق المفاوضات". أمَّا "التغيير في قواعد اللعبة (التفاوضية والسياسية)"، بعد، وبفضل، قبول "فلسطين" عضواً مراقِباً في الأمم المتحدة، فلن يكون بأهميته الفلسطينية المتوقَّعة والمأمولة إلاَّ إذا عومِلَت الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة، دولياً، على أنَّها إقليم دولة تحتله إسرائيل، وينبغي لها الانسحاب منه (ولو من طريق التفاوض والاتِّفاق مع هذه الدولة). إسرائيل في "اليوم التالي"، ومن وجهة نظر الأمم المتحدة، هذه المرَّة، لا يحقُّ لها أنْ تُفاوِض الفلسطينيين توصُّلاً إلى حلٍّ لمشكلة "أراضٍ يتنازع الطرفان ملكيتها"؛ فهذه الأراضي إنَّما تعود ملكيتها حصراً إلى "الدولة الفلسطينية" التي قُبِلَت عضواً مراقِباً في الأمم المتحدة، وإنْ كان هذا لا يتعارض مع تبادُل أراضٍ في سياق التعيين النهائي والدائم للحدود بين الدولتين؛ وهذا "التبادل" إنَّما يعني الآن أنَّ جزءاً طفيفاً من أرضٍ تعود ملكيتها الشرعية إلى الدولة الفلسطينية يمكن أنْ تتنازَل عنه هذه الدولة لإسرائيل التي ينبغي لها، في المقابل، أنْ تتنازل عن جزءٍ مساوٍ من أراضيها للدولة الفلسطينية؛ ولن تكون القدس الشرقية ضمن هذا الجزء المتنازل عنه فلسطينياً؛ لأنَّ الاعتراف الدولي بالقدس الشرقية على أنَّها عاصمة الدولة الفلسطينية هو جزء (لا يتجزَّأ) من معنى قبول "فلسطين" عضواً مراقِباً في الأمم المتحدة؛ وهذا "القبول" إنَّما يعني، أيضاً، أنَّ استمرار إسرائيل في الاستيطان والتهويد والضَّم وتغيير الوقائع ما عاد بالسهولة التي كان عليها من قبل، أيْ قبل قبول "فلسطين" عضواً مراقِباً؛ فمفاوضات السلام الجديدة (أيْ التي ستبدأ بعد "اليوم التالي"، إذا ما بدأت) إنَّما تستهدف اتِّفاق الطرفين على حلول نهائية للمشكلات الجوهرية؛ لكن بما يؤكِّد، ولا ينفي، أنَّ الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة، هي إقليم دولة تحتله إسرائيل التي ليس لها أي حقٍّ من حقوق الملكية فيه، أو في أيِّ جزء منه. إسرائيل، ومن طرف واحد، ومن دون تفاوض أو اتِّفاق، مع السلطة الفلسطينية، قد تلجأ إلى تعيين وترسيم حدودها مع الدولة الفلسطينية، وبما يناسبها هي؛ وقد يترتَّب على ذلك أنْ تتحوَّل "فلسطين"، "دولة الأمر الواقع"، و"العضو المراقِب"، إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، مع استمرار المعنيين بالسلام في الحديث عن أهمية وضرورة توصُّل الدولتين إلى حلول تفاوضية نهائية لا نعرف متى تتوصَّلان إليها.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذَهَبَ الذَّهبي وبقيت -الدَّجاجة التي تبيض ذهباً-!
-
اغتيال عرفات لم يَنْتَهِ بَعْد!
-
المرأة في ثقافتنا الشعبية!
-
أوباما الثاني والأخير!
-
حلُّ مشكلة -حق العودة- بعدم حلها!
-
هكذا أَفْهَم تصريحات عباس!
-
بلفور بأُصوله وفروعه!
-
المكيافلية والصراع في سورية!
-
إسرائيل تَضْرِب في السودان ردَّاً على -طائرة إيران-!
-
الدولار الأردني!
-
وللكويت نصيبها من -الربيع العربي-!
-
إشكالية -الدِّين- و-السياسة- في -الربيع العربي-!
-
الضفة الغربية.. قصة -التِّرْكة والوَرَثَة-!
-
معنى -فيليكس-!
-
الأُسطورة الجريمة!
-
الرَّقم 2.3 مليون!
-
إمبريالية أفلاطونية!
-
متى نتعلَّم ونُجيد -صناعة الأسئلة-؟!
-
حتى يتصالح نظام الصوت الواحد مع الديمقراطية!
-
من يتحدَّث باسم الشعب في الأردن؟!
المزيد.....
-
لوحة لكلب قد تُحقّق أكثر من مليوني دولار في مزاد علني
-
ملابس ملطخة بالميثامفيتامين داخل أمتعة سفر.. والقبض على صاحب
...
-
هجوم -ردع العدوان-.. أول تعليق من وزارة الدفاع السورية على م
...
-
ما هي قصة نهر الليطاني الأطول والأكبر في لبنان؟
-
نزوح بلا نهاية.. مئات الفلسطينيين يهربون من شمال غزة في ظل
...
-
بعد يوم واحد من وقف إطلاق النار.. سكان النبطية يعودون إلى دي
...
-
سوريا ـ قصف قوات معارضة شنت -هجوما كبيرا- في شمال غرب البلاد
...
-
مقتل قائد للمستشارين الإيرانيين في حلب السورية
-
لافروف يؤكد أن ممثلي الناتو لم -يشموا بعد رائحة البارود- كما
...
-
قادة دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي يوقعون على 14 وثيقة
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|