أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف غنيم - عندما كنت شجرة















المزيد.....

عندما كنت شجرة


يوسف غنيم
(Abo Ghneim)


الحوار المتمدن-العدد: 3909 - 2012 / 11 / 13 - 01:14
المحور: الادب والفن
    



هل تصدقونني إذا قلت لكم أنني كنت شجرة؟ نعم كنت شجرة! لا أذكر إن كنت زيتونة أم لوزة، ما أتذكره أنني كنت أحمل أغصاناً تغطي ضوء الشمس، و كان ظلي يغطي الأرض، كثيراً من الأحيان كنت أرجم بالحجارة و كنت أتسائل دوما بأي ذنب أعاقب؟ لثمري؟ فقد سمعت أن الأشجار المثمرة ترجم دوماً من قبل البشر، إعتقدت أن عقوبة الرجم التي نادت بها بعض الديانات للسبب ذاته، لكنني علمت بعد إستماعي لبعض المقرئين أن الرجم يكون لخطيئة.
كان علي الإجابة على تساؤل ظل يلاحقني، ما فائدة الإستمرار بهذا الشكل؟ وهل العلاقة السلبية مع الواقع ستساهم في تغيير تصرفات البشر؟ لم أستطع التوصل إلى إجابات منطقية، فعملت على لي حقائق الواقع لتشكيل واقع يتناسب مع ضعفي وعدم قدرتي على الرد على مجمل الإساءات التي أتعرض لها على مدار اليوم، لقد تعدى إعتداء البشر كل وصف، فمن الرجم إلى تكسير الأغصان المثمرة إلى رسم عبارات حب المراهقين على جذعي وأنتهاءاً بإشعال النار حولي لسبب كنت أجهله يرتبط بعادات غذائية لدى البشر، تتمثل بإصطياد بعض الحيوانات البرية و وضعها على النار، كانت الروائح تعبق أغصاني وتلهب جذوري الممتدة في باطن الأرض، مما يخلق إهتزازات في جذعي لا تتوقف إلا بإنتهاء هذه الطقوس.
سئمت هذه الوضعية وقررت إنهاء هذا الفصل من حياتي، بدأت أفكر هل أعمل على التحول؟ ولأي شكل من أشكال الحياة أنتقل؟ إستمر بي التفكير لزمن طال، وصل على ما أذكر إلى عشر سنين، عندها خرجت جذوري عن طاعتي وأوقفت عني الغذاء فتساقطت اوراقي ولم أعد قادرة على التنفس، حينها فقط قررت التحول بسرعة حرصاً على حياتي. تحولت إلى إنسان!
كان أول شيء إستوقفني، من أنا ؟ هل أنا نتاج حالة التحول التي تمت بهذه اللحظة؟ إذا كان الجواب نعم لن أستطع مواجهة التحديات التي باتت تواجهني منذ لحظة التحول الأولى، لم أعرف ماذا سيكون إسمي، هل يمكنني إطلاق زيتونة على ذاتي؟ أم أحتاج إلى إسم ذو دلالة حيوانية، أسد مثلاً أو فهد؟ سيكون للإسم دلالة عن القوة والجبروت قد تبعد عني بعض المخاطر نتاج تعارض المصالح بين البشر، بحثت طويلاً وقررت أن يكون إسمي الأول إنسان. عندما ذهبت إلى دائرة تسجيل النفوس هذا ما كان يطلق على الداخلية في الزمن الذي خلقت فيه، أخبروني بأن هذه المفردة غير مستخدمة في قاموس الأسماء، لأن له دلالات بعيدة ستجلب الكثير من الإحراج للعديد من السادة في البلاد وخارجها، إنسان يعني العطاء وعدم التوقف أمام مكتوف الأيدي، إنسان يعني التغير لكل شيء لا يتماشى مع الإنسانية مثل الإضطهاد، الإستغلال، التمييز العرقي والطائفي ....الخ ، إنسان يعني أنا وأنت وكل من يدافع عن الحق ويرفض الظلم، إنسان إنسان، إنها الكارثة التي تحدق في المجتمعات الطبقية.
لم أفهم كل ما قاله لي مسجل النفوس بنبرة كانت تعلو كلما قدم إلينا رئيسه وتخبو عندما نكون وحدنا، فاجئني سلوك الموظف سئلته لماذا تتصرف على هذا النحو ، لماذا تحاول إرهابي كلما حضر ذاك الموظف ذو الكرش الممتد كأنه سنام جمل وتعود للحديث بشكل ودي بعض غياب وجهه . أقترب مني الموظف يهمس في إذني الكلمات التالية أنا إنسان يخاف ،يكذب يحب ، يكره ،أنافق ،أتذلل ،أقتل ،أسرق . لم أفهم ما علاقة كل هذه الكلمات بالإنسان وهل يمكن أن يحمل أسمي كل تلك العبارات المتناقضة قبل أن أتوصل إلى إجابة عالجني الموظف بعبارة ما زالت تعيش معي إلى اللحظة "إن الواحد منا يحمل في الداخل ضده " ما هو الضد الذي يُسمح لنا أن نَحمله بداخلنا هل يمكن أن نكون صادقين وكاذبين بذات الوقت ، رأت رجلا يدخل المسجد أول المصليين ويخرج أخرهم لا يتوقف عن التسبيح وعندما يبدأ الليل بإحتضان اليوم يدخل إلى بهو فندق يعاقر الخمر ، حبا في التوفيق بين متطلبات الله ومتطلبات الجسد .هل بهذا السلوك ضدية ؟ لا أعرف سمعت أن ندع ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
سئلت على إستعجال أردتُ مغادرت المكان ، كنت مأدبا ، لا وللصراحة كنت ساذجا ، ما هو الأسم الأكثر شيوعاً وتقبلاً بين الناس ؟ قال لي ..محمد ، أو عبد الله فالإسم الأول مرتبط برسول حمل الهداية للناس وما زال يذكر في خمس أوقات في اليوم بكل الدنيا ، والثاني مرتبط بالخضوع الطوعي إلى الله .وهل حاملي هذه الأسماء اليوم تحمل ذات القيم ؟ ضحك الموظف وبادرني بالسؤال أين أباك ولماذا تأخر إلى هذه المرحلة ولم يطلق عليك أي إسم ؟ لم يكن لي أب الأرض هي أمي لم تحتاج إلى الزواج كي تنجبني هكذا ولدت ، لم أصل لهذا العمر متدرجا ولدت كبيرا لذا لا تسألني عن أصدقائي لا يوجد لي أصدقاء ولا تسألني عن ديانتي أو وطني، لا أعرف شيءعن كل هذه المكونات التي تشكل الهوية ، هل تكفي هوية إنسان لأكون أنا .
عدنا إلى إنسان قلت لك لا يمكن أن تُسجل بهذا الأسم ، إذا كنت بكرا أنجبته الأرض من مخاض ريح ستكون عاصفة ستقتلع ما بنيناه ، ستفسد كل شيء لذا أما أن تعود إلى أمك لتحتضنك إلا أن يشتد عودك أو تختار أسم أخر ، ما رأيك مثلا بخادم الحرمين أو ناصر الإسلام أو ملك الملوك او الحاكم بأمر الله .
أنصحك بالأسم الأخير سيمنحك القدرة على التحكم بكل شيء فالحكم لك بأمر من الله ولا أحد يستطيع عصيانك لانه لا يستطيع مخالفة مشيئة الله المتجسد فيك ، ستكون ظل الله على الأرض تأمر فتطاع ، تهب وتمنع ، تميت وتحي .
الحاكم بأمر الله ، أسم جميل ولكن ما علاقة الحاكم بالله ؟ سؤال غبي أضفته إلى مجموع الأسئلة التي طرحتها على الموظف . ماذا ؟ ماذا ؟ العلاقة شرطية حتى تستطيع الحكم عليك أن تحكم بأسم الله حتى تكون صلاحياتك مطلقة بحيث تقصي المعارضين وتقتلهم إن شئت ، تستعبد البلاد والعباد ولا تسمح بأي خروج عن الهداية التي ترسم حدودها للرعايا الفاقدين للأمن والأمان من دون رعايتك وإهتمامك .
حسنا لنتوكل على الله وليكن أسمي الحاكم بأمر الله ، ها .ها .ها لقد عرفتُ منذ البداية أنك تطمع بالإمارة ولذلك طالبتَ بأن تكون إنسان ، لم أطلب شيء أنت قلت لي أن هذا الإسم مناسب لي . كنت أكذب ألم أقل لك أن الواحد يحمل في الداخل ضده ، سيدي هذا المخلوق يدعي أنه ولد من الأرض من دون أب وأنه ولد الأن وهو يطالب بأن يكون الحاكم بأسم الله ، سيدي أكتشفت المؤامرة التي تحاك ضد سيد البلاد ، الذي حمل لنا الأمن والأمان وملىء الأرض عدلا وأخرجنا من ظلال الدنيا إلى هداية السلطان ، سيدي هذا الذي يصر على إسم إنسان عدوا لنا ماذا تأمرنا أن نفعل لنحمي سلطان هذا الزمان .
إذا كان ولد من الأرض من دون أب أعدوه إلى أمه وليشهد دفنه كل سجناءالضمير ليعرفوا إلى أين مصير من يحاول الخروج على سلطان البلاد وقاهر الرجال .
صحت بصوت يخنقه البكاء لا تقتلوني مرتين وإبقوا علي لأعود إلى كينونتي الأولى لأكون الشاهدة والشهيدة على الظلم أهل .



#يوسف_غنيم (هاشتاغ)       Abo_Ghneim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما أجمل أن تعيش القدس بعيون فقرائها
- إلى أين تسير بنا أنظمة العجز العربية
- أبحث عن خطيئة
- حتى نلتقي
- لنوقف إستباحة الوعي
- أسئلة برسم الإجابة
- مشعل قائد للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين
- من أنت
- هل احبك
- لا لكتم الصوت
- الديمقراطية بين الواقع والطموح
- بيت لحم ولجنة التراث العالمي
- قراءة في نتائج الإنتخابات المصرية
- قراءة في تصريحات الرئيس المصري حول سوريا
- الأهرامات ملك للإنسانية
- الوطن دائما الوطن أبدا
- مصر من جديد
- لا صلح مع الدين السياسي
- قطر تشتري القمر
- صفقة أمريكية إخونجية محتملة في الضفة تحفظ مصالح الكيان


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف غنيم - عندما كنت شجرة