أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ريهام عودة - خادمة جارتي السمراء














المزيد.....

خادمة جارتي السمراء


ريهام عودة

الحوار المتمدن-العدد: 3909 - 2012 / 11 / 12 - 22:19
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


سكبت دلو الماء على أرضية درج المنزل المعلق و أخذت بكل نشاط تدعك الأرض بقطعة القماش البالية المبتلة بسائل الكلور الحارق ،غير مكترثة برائحته المنفرة و تمسح عرق جبينها بكفتيها المنهكتين من خشونة مساحيق التنظيف و في ذات الوقت تبتسم بصمت ، بسبب نجاحها في إزالة بقعة القهوة البنية اللون وبسبب المبلغ الزهيد الذي ستحصل عليه كأجر لها في نهاية اليوم ،فقد وعدت ابنتها الصغيرة بأن تحضر لها سندوتش الشاورما وعلبة الكولا من أشهر مطعم شاوراما في غزة.
نظرت اليها جارتي قائلةً لها : " الله يعطيكي العافية ، هل ترغبين بأخذ استراحة قصيرة لشرب كأس من الشاى " فردت عليها ذات البشرة السمراء والتي تعمل في تنظيف منزل الجارة مرة في كل أسبوع : " نعم أرغب بالاستراحة لكن بعد قليل عندما أنهي شطف الدرج " فابتسمت الجارة وقالت لها :"على راحتك يلا هانت كلها كم سنه و تستريحي من شغل البيوت و أولادك يكبروا ومن بعدها يتحملوا المسئولية عنك"
تعجبت السيدة السمراء من تعليق جارتي حول امكانية ترك العمل عندما تكبر سناً وقالت لها بكل ثقة:
"لا مستحيل أن أترك العمل ،سأظل أعمل حتى أخر لحظه في حياتي ،الشغل مش عيب المهم يكون شغل شريف أحسن من الشحده و التسول أمام أبواب الجمعيات الخيريه " ومن ثم أردفت بالقول "أنا سعيدة جدا بعملي فهو يوفر لي مبلغ محترم في نهاية كل شهر وجميع النساء يتهافتن بالاتصال على ،لكي أذهب لتنظيف منازلهن حتى جوالي سكرته من كثرة الطلبات " .

كنت في تلك اللحظه في زيارة سريعة لمنزل جارتي ،حيث كنت عائدة منهكة من عملي الذي كنت أتذمر منه أحيانا ، ولكنني اندهشت عندما استمعت لحديث تلك السيدة حول شغفها وحبها لعملها بالرغم من أن وظيفة خدمة تنظيف المنازل تعد من أكثر الوظائف المرهقة ،وهي من الوظائف التى تترفع عنها معظم النساء العربيات و ينظر اليها بعض الأفراد بنظرة سلبية و عين من الشفقة تسودها أحياناً شعور بعدم الاحترام لتلك المهنة الشريفه البسيطة ،و ذلك بسبب ثقافة السيد و الخادم الموروثة من عصر الباشاوات و الاقطاعيين،
فقد كان قصر الباشا يعم بالخدم و الحشم و كان لا يسمح لأبناء الخدم مجالسة أبناء السادة ،و كانت الخادمة ملك لسيدها يتصرف بها كما يشاء ويحق له بيعها أو الاحتفاظ بها ،وقد تعرضت الكثير من الخادمات اللواتي تعملن في الدول العربية للكثير من الانتهاكات لحقوقهن الأساسية ،حيث عانين من عدة أشكال من التمييز و العنصرية و الإهانة بحقهن ،و للأسف بسبب تلك الممارسات السلبية تجاه وظيفة الخدمة بالمنازل ، أصبح هناك انطباع سلبي و سيئ في نفوس الكثير من النساء المتواضعات نحو تلك المهنة ،الأمر الذي أدى الي شعورهن بالخوف من العمل بذلك المجال ، خوفاً من انتقاد المجتمع و هروباً من الإهانة المحتملة لهن من قبل أرباب العمل الأثرياء فأصبحن يفضلن الجلوس متنكرات بالنقاب، أمام أبواب البنوك المحلية ليتوسلن شيكلا من رواتب الموظفين في نهاية كل شهر ،على أن يعملن بشرف في مهنة تنظيف المنازل و يتقاضين نقود تأتي من عرق جبينهن.

و عندما استمعت لحديث الخادمة التى ألقبها أحياناً بالسيدة السمراء ،تذكرت في حينها وزيرة العدل الفرنسية السابقة السيدة رشيدة داتي، التى افتخرت أمام أشهر الصحف الأوروبية بأنها كانت تساعد أمها في تنظيف منازل الفرنسيين و عندما أصبحت داتي وزيرة للعدل لم يعايرها أحد بماضيها المتواضع بل نظر اليها معظم أفراد المجتمع الفرنسي الراقي بعين من الاحترام و التقدير ،كونها امرأة عصامية بدأت حياتها منذ الصغر بعمل متواضع وشريف ، فهي لم تتسول و لم تنحرف للعمل في الوظائف الغير شريفة و الغير شرعية ؛ بل بالعكس من ذلك فكرت بالمنطق ولم تستسلم لظروف الفقر و الحاجة وخططت لحياتها جيدا حتى وصلت الي أعلى الرتب و المناصب في دولة تعد من أعرق الدول الأوروبية في مجال الحضارة و الثقافة و حقوق الانسان.

إن سبب ذكري لموقف الخادمة أو عاملة التنظيف هذه ،هو ليس من باب تشجيع النساء للعمل في خدمة المنازل لكن من أجل طرح إحدى الحلول العملية التي قد تحاول أن تخفف من مشكلة الفقر و البطالة التي تعاني منها بعض النساء المهمشات ،اللواتي يشعرن باليأس و بقلة الحيلة في توفير لقمة عيش لأطفالهن واللواتي لا يرون حل لمشكلاتهن إلا باستقبال المعونات و المساعدات من أموال الزكاة و الصدقات أو التسول في الشوارع.
فلماذا النساء الغير متعلمات و الفقيرات والغير مؤهلات للعمل في مجال الوظائف العامة لا يتم تشجيعهن للعمل ضمن نطاق شركات خدمية مرخصة ، تقوم باستقطابهن من أجل الذهاب للعمل في مجال تنظيف مكاتب المؤسسات و الشركات التجارية و المنازل و ذلك ضمن عقود عمل قانونية و بيئة عمل مناسبة ومحترمة لا تقلل من كرامة المرأة و مقابل أجر عادل يوفر لهؤلاء النساء و لأطفالهن عيش كريم و دخل مستمر .

لذا أؤكد هنا أن حقوق المرأة لا تمنح من قبل الرجال للنساء ، بل تؤخذ ويطالب بها من قبل النساء أنفسهن في حين كانت لديهن الشجاعة و الجرأة للمطالبة بها فالمرأة التي تخشى من ثرثرة نساء الجيران عليها و تخجل من العمل المتواضع الشريف ستبقي ضحية للأبد وستستمر معاناتها مع الفقر و صعوبة العيش ، فالإهانة ليست في تنظيف المنازل بل في محاولة استجداء عطف الناس و التسول من أجل بضعة شواكل من راتب موظف حكومي يكاد هو نفسه أن يتسول بسبب احتمالية انقطاع راتبه جراء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها حكومة بلاده. و أخيرًا أكرر مرة أخرى قول خادمة جارتي السمراء و أقول الشغل مش عيب.....



#ريهام_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها اللبنانيون ...... الأمن أولاً
- غزة بين طبول الحرب على إيران و الانقسام الفلسطيني
- اتفاقية أوسلو و التفكير في البديل الثالث
- المرأة الفلسطينية و المشاركة السياسية
- غزة عام 2020 ، ناقوس يدق في عالم النسيان ...
- أبعاد انضمام فلسطين كعضو مراقب بالأمم المتحدة
- العرب في عيون يابانية
- تناول العشاء مع أوباما مقابل 3 دولارات فقط
- حلمي أن أكون وزيرا


المزيد.....




- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
- -مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
- اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ريهام عودة - خادمة جارتي السمراء