|
قرار عودتي
بن ورقلة نادية
الحوار المتمدن-العدد: 3909 - 2012 / 11 / 12 - 18:20
المحور:
الادب والفن
فوق الحروف الهاربة من معتقدات اللغة عاد وهج الكتابة الى مريضتي التي أسعفتها بعد أن خرجت معها في نزهة على شاطئ بعيد . هنا ارتدت لباس الصمت الشتوي و اعتذرت من سباتها اللغوي و لكني عذرتها فليست الوحيدة التي آويتها و سقتها من منحدرات الهوى الذي ابتاعته خلسة في إحدى الحفلات الرسمية . لا أدري كيف لهذه المرأة الجميلة الني لطالما شهدت لها على شجاعتها و إقدامها على الحياة كيف لها أن تصل الى هذه الحالة بعد أن امتحنتها الحياة فأهدتها مغامرة غرامية كادت أن تعصف بها و تحيلها الى التقاعد بعد أن إستعصت عليها الحيل للخروج من معتقلها الذي سلبها هويتها و منحها شخصية انتحلتها مرغمة و ها هي اليوم أمامي أراقبها عن قرب. بعد أن زرتها و أخرجتها عنوة و جئت بها الى هنا علها تستعيد جزءا من ماضيها الذي لم تعثر عليه بعد . ها هي الآن تجلس بمفردها تضع كتابها الى جانبها و تتحدث في صمت . فأردت أن أجلس بالقرب منها و النظر اليها ،فتحدثت لي قليلا ثم صمتت ، فليست كل التجارب ناجحة و لا كل النتائج عادلة . لم أتمكن في البداية من تشفير سجلات الحياة و تعديل البعض من أجزاءها . لم أتمكن من مواصلة الحديث معها بعد أن صدتني في صمت لأعود و أغفو قليلا .فلم اتمكن من النوم منذ أيام أغالب نفسي لأبقى مستيقظة طوال الليل لأهدئ من روعها بعد أن ألمت بها نوبات البكاء الشديد في عرض الظلام و ها أنا اليوم أضمد جروحها التي لم تلتئم بعد . عدت اليوم أزوال هواية الكتابة على مضض فقد طويت كتبي و أودعت ملفاتي التي تحوي أوراقا مهترئة لطالما جابت معي أماكن مختلفة ووضعتها في درجي مكتبي و أحكمت عليها الغلق و عدت الى مدينتي أمارس هواية التمثيل لأنسى الكتابة التي غمرتها بود كبير ثم خرجت منها بعد تردد طويل و بحثت لي عن هواية أخرى . كيف لي أن أزاول أكثر من هواية و أنا التي كنت مشحونة بألق الكتابة و حبها المحموم فكنت أطيل المكوث في مكتبي لساعات طوال أبتعد فيها عن موطني ، عالمي و أذهب لأعبر مدنا أخرى لأعود محملة بالأشواق ، ثم أعانق الأوراق في اشتياق ،أضع رأسي على مكتبي و أغمض عيناي لأنام جالسة على الكرسي أرفض فكرة المغامرة حتى لا يغادرني هوس الإبداع . سألت نفسي ماذا حل بي لماذا تغيرت بهذا الشكل لماذا عدت الى هناك و عزلت نفسي عن حياة كنت قد ألفتها و إعتنيت بها و رغبت في أن أزاولهاالى الأبد . أهذه النكسة التي أصابت صديقتي جعلتني أعود بها الى هنا أو أنني أنا من كنت بحاجة للعودة من جديد بعد مرور وقت طويل لأجدني هنا . أخفيت وجهي في كتابي و استلقيت على أريكتي و بكيت بعد أن استبدت بي الظنون . هل طالني هذا الجنون الذي جاءني من مكان مجهول فأغمضت عيناي . لا أدري كم من الوقت أمضيت و أنا على هذه الحال ثم استيقظت على صوت يوقظني بهدوء . أسرعت في العودة الى طبيعتي محاولة إخفاء شكوكي على صديقتي التي لطالما فهمت أفكاري . جلست بجانبي فنظرت اليها . فوجدتها مبتسمة فرأفت لحالها و أنا أحدث نفسي في صمت أظنها قد تعافت بشكل جزئي . فمسكت بيدي و شكرتني على فكرة المجيء بها الى هذا المكان الذي ساعدها على استعادة رشدها بعد أن استعبدها رجل لا يفقه في الحب الا حكايات زمان . و اقتربت مني فاحتضنهتها و بكيت لبكائها . و عادت لتواصل الحديث بصعوبة فدعوتها للخروج من مكتبي و الذهاب بها الى غرفتها . فرفضت لأنها رغبت في التحدث الي في هذا المكان الذي لطالما أبديت رغبة ملحة في العودة اليه من جديد . ربما يستعصى علي الشفاء من تجارب الحياة القاسية الا بالرجوع الى هذا المكان الذي يؤمن لي السكون و الهدوء . شعرت و أنا أستمع اليها أنني أنا من كنت أتألم و أنها هي من جاءت بي الى هذا المكان لتعود بي الى هنا و ها هي اليوم تحدثني في غمرة السكون الذي يوشك أن يقطع الصمت ليتحدث هو . علها اكتشفت أمري بعد أن رأفت لحالي فيبدو أنني كنت أغالب ضعفي بعد أن انفصلت عن هذا البيت الذي لطالما ملئته بصيحات الفرح بعد أن أنتهي من انجازكتاب . منذ متى لم أكتب ؟، كم من القصص التي بترتها و أبقيتها رهن الحجز؟ .كم من النهايات السريعة التي اكتوت بالعجز بعد أن جرحتها و سكبت عصارة توهمي و مضيت لأتركها تنزف؟ . ففقدت وهجهها وطالها الهزال .لعد أن استبد بها الآلم . كم من القصص تحدثت اليها و عدت لأمارس غضبي عليها فلم تنمو و تكبر و بقيت نصف فارغة و رجوتها بعد أن عدت اليوم فوجدتها قد أينعت ثمارا كنت قد أسقطتها . و لم أعد لإستردداها فبقيت عالقة لم تسقط و لم تنضج ، فالتزمت الصمت .هنا جاء دوري لأراجع نفسي و عدت لأقلب دفاتر عمري ,و أتصفح روايتي و قصصي التي لم أمهلها الكثير من الوقت فوجدتها قد تلونت و هاهي اليوم ماثلة أمامي أنظر اليها في استحياء . أطلت مدة مكوثي و عدت أحدث صديقتي التي عاد اليها بريقها .و في إحدى الأمسيات دعوتها للخروج للتنزه بعد أن فرغت من إرسال ما أريد ، فقبلت . فأغلقت البيت و ألقيت عليه نظرة حب و امتنان كبيرين . في هذه الأثناء تلقى مدير المسرح رسالة استقالتي ليمعن في النظر إليها ،وهو يقرأها ببطئ و عندما انتهى منها عاد ليمسك بها ثم ابتسم فقد سعد بقراري بعد أن عدت الى حياتي . فلا يمكنني بعد اليوم أن أطيل المكوث في مكان كنت أتوهم بأنه يحتويني و لكنني كنت أغالي في الخطأ ,
#بن_ورقلة_نادية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة فتاة تشبهني
-
مكانة الشباب في الفضاء الإعلامي
-
درس لقنتني إياه الحياة
-
نبضي ينزف
-
ليلة عتق
-
رجل غريب
-
إندماج الشباب الإجتماعي على طرفي نقيض
-
عندما أتحدث عن نفسي
-
تجربتي مع مرضى السرطان
-
تبعات العولمة الهجينة على مجتمعاتنا العربية
-
على دفة الحنين
المزيد.....
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|