|
الشعر والشاعر
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 3908 - 2012 / 11 / 11 - 23:22
المحور:
الادب والفن
الشعر والشاعر ************
الشاعر هو هذا الانسان الحالم الممسوس بفكرة تغيير العالم ، وتنقية هوائه من تلوثات المصالح الجيبية والقبلية ، والاخلاص للهوية دون الانغلاق على العالم ، فهو شجرة ظلالها تفترش التاريخ القديم والأقدم وتنتشر أغصانها في سحيق المستقبل القادم . والشعر ان تملأ مزهرية الوقع العربي الفارغ بورود الأمل ، وبتربة الوجود ، وليس بورود بلاستيكية ، لايقربها الا الذباب . لقد قرأت على صفحة أحد الأصدقاء من المغرب انه بصدد الاعداد لدراسة حول الشعر المغربي الرديئ . ونحن نعيش مرحلة ارتداد شعري خطير ، نعيش في عالمنا العربي اليوم حالة شعرية يرثى لها ، وليس في المغرب فقط ، الا من قليل ممن امتلأوا بشعرية ذات طاقات موهبية عالية . وهنا يحضرني ما كتبه أحد الاخوة المصريين عن شاعر مصري يعتبر من المخضرمين تسلق بفعل فاعل أو بفعل ظروف ملتسبة سلم الشعر دون موهبة أو اقتدار شعري ، وقد سماه باسمه ، وهو ما أتحاشاه الى اليوم ، ربما كان يمتلك جرأة أكثر مني أغبطها عليه ، لكنني لم أعتبر نفسي يوما وصيا على الشعر الا ضمن أسواري الضيقة . الشعر كائن وجودي له ثقله الرمزي في حياة الانسان ، ولا يمكن تجاهله أبدا ، يمكن محاربته علنا وقطع رؤوس الشعراء ، الذين يناوئون مشاريع الظلام والانحطاط ، ويمكن تهميشهم كما يحدث اليوم ، عبر طرق ووسائل متعددة ، تختلف عن ظروف الأمس ، لكن لا يمكن قتله أبدا ، انه العود الأبدي الهيدجيري ، أو العنقاء اليونانية ، أو الروح المشردة التي سرعان ما تؤوب الى جسدها كما جسدتها الأساطير الهندية . والشعر يعود اليوم بقوة ، ليس عدديا وكميا ، فالجميل والفاتن دائما غريب ، لا يحدسه الا الغرباء . لكنه يعود بقوة شعريته وجماليته التي طالما افتقدتها الذائقة الشعرية . سيحارب الشعراء الموهوبون ، المتخمون بدماء الحقيقة والجمال والسمو ، لأنهم يشبهون من تحدث عنهم يوما ما في عز الاستعمار الانجليزي المهاتما غاندي فقال قولته الشهيرة " سيتجاهلونك ومن ثم سيحاربونك و من ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون و في النهاية ستنتصر ". هذه نهاية صراع الجمال والقيم السامية . الابداع والمبدع الحقيقيان يجيئان دائما في غير وقتهما ، ولكي يثبتا جدارتهما وأحقيتهما في الوجود ، عليهما أن يستعدا بكل ما أوتيا من قوة لفرض رؤيتهما على العالم ، وان لم يتبنها ، تماما كما فعلت جماعة "شعر" ، في العالم العربي ، والسوريالية في فرنسا ، انه نمط جديد لكينونة راهنت على الجمالية وحساسية مغايرة ، فليس سهلا أن تخلخل عروشا نسج عليها العنكبوت خيوطه ، أو أن تدحرج حجرا في جبال يرونها في أتم انبساطاتها . الشعر راهنا في العالم العربي تتكالب عليه مجموعة من طواحين الهواء ، والشاعر كالقابض على الجمر ، اما أن ينزل الى درك الهشاشة العظمية فيرتل تعبيرات ليس لها مع الشعر الا علاقة الاندساس والتطفل ، أو يعتزل الناس ليكتب لسواد ليله ما يخبره به النهار . اننا اذا أعدنا طرح مفهوم الشعر ، سنجدنا أمام ركام هائل من التعريفات ، لكن جوهر الشعر يظل هو هو ، واذا ما تساءلنا عن وظيفة الشاعر ، فلن نخرج عن مفاهيم النبوءة الجبرانية ولسان القبيلة ، وبوق السلطان ، وصورة المجتمع ، وبؤرة الجمالية . لكن صيرورة التطورات الانسانية كما تفعل مع جميع المكونات الانسانية والكونية تلغي هذا ، وتعلي من هذا ، ألغت من حسابها مفاهيم القبلية ، نحو كيان انساني شامل ، كما شطبت على بوق السلطان نظرا لما يتوفر عليه السلطان اليوم من أدوات أكثر تأثيرا وأقدر على تجميل صورته ، لتحافظ لنا هذه الصيرورة على ثلاث مفاهيم ، هي النبوءة وصورة المجتمع وبؤرة الجمالية . واذا ما حاولنا تشريح هذه المفاهيم سنجدنا أمام مفاهيم راقية وعالية ، تروم احداث تغيير جذري في حياة الانسان ، فهي تحاول حدس المستقبل الكريم والحر للانسان ، وتسليط الضوء على جميع مكامن الخلل والقوة في المجتمع ، والبحث عن جمالية مفقودة ومتعذرة بفعل انشغال الانسان الاضطراري بالمعيش الضيق وباليومي الزائل . انها اذن قيم عليا وسامية ، تلك التي يراهن عليها الشعر والشاعر ، ولأن القيم النبيلة لها عكسها ونقيضها ، فان الصراع بينهما مال كثيرا للنقيض والضد ، ولم تنصف مختلف التقاطعات الاجتماعية والتاريخية الشعر والشاعر ، فبؤر الفساد والاستغلال والظلام سادت لزمن طويل، وان كانت الحداثة قد استطاعت خلال العقود الأخيرة أن تحدث اختراقات مهمة ، وتنتصر على كم العبث والفساد الذي يعم الكون الشعري بعامة
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشريعة الاسلامية والهوية الضائعة
-
قدر نائم...
-
الدستور المغربي أو التقليدانية الدستورية
-
التربية السياسية والمجتمع الناضج
-
عبد الله العروي وانكشاف المثقف اليساري
-
هذا فراق بيني وبينك
-
سوريا وخروج اللعبة من يد النظام
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|