محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 3908 - 2012 / 11 / 11 - 10:11
المحور:
الادب والفن
على مبعدة خمسة فراسخ من الجليل الغربي الفلسطيني المحتل وعند الحافّة الدنيا ( لجب سويد ) حيث يحتضن نهر العزّية فيما ينازعه ضفة النهر الاخرى جبل الحنيّة ، ترتمي بسلام هادئة قرية العزيّة بساكنيها المعدودة والحالمين بغدٍ زاهٍ سعيد لأطفالهم .
تكاد تكون العزيّة منسيّة ، ليس لها من طموحات ، ولا يتطلع ساكنوها لأبعد من توفير لقمة العيش ، وتعليم اطفالهم صنوف المعرفة .
لم تكن للقرية ولا لساكنيها أجندات ، فهم وفي معظمهم اميون تماما لا يحسنون القراءة والكتابة ( المعرفة ).
وكعادة اهلها كلّ ليلة بعد العشاء يتجدد السمر وتتنوع الاحاديث في ديوان ابو فخري الخوري ، تتجمع الصبايا والشباب حول يرغوله حيث كانت الحانه تصل قرية الحنيّة ، كانت ليالِ السهر تطول ويذهب بهم الوقت الى مداه ، وحين يشعرون بالتعب ، يذهب كل الى فراشه ، تتجدد الحياة في اليوم التالي .
انفضّ الجلاّس تلك الليلة ، وختم البعض حديثه بضحكات والبعض الآخر بابتسامة ، على أمل ، فالأمل طائر سيحط يوماً فوق أرضهم ، كانت بساطتهم هي مبعث تفاؤلهم ، انفضّ جلاّس تلك الليلة ، وغادروا المكان الذي سيحطّ عليه طائرهم .. كانوا على موعدة مع كل شيء ، بسيطة هي احلام الفقراء وتطلعاتهم ، لكنهم لم يكونوا ابداً على موعد مع الذي حدث .
موعدهم كان مع موت جماعي ، لفّ اجسادهم بقماشة بيضاء ، كبارهم ، رجالاً ونساء ، الا اطفال المدارس فقد غادروا القرية باكرين كعادتهم الى المدرسة ، مدرسة الحنيّة الابتدائية ، قبل أن تفرغ الطائرات الصهيونية حمولتها من حمم وقنابل الموت لا لسبب لتحيلها الى ركام .. لم يبق من القرية شاخص سوى الطين ، اساس البيوت ... واطفال المدرسة الذين نجوا من مجزرة العزيّة بأعجوبة ، الطفل ياسر كلّم من اعلى درب البياضة كان يراقب المشهد ويشرف عليه ويودع العزيّة الوداع الأخير والى جانبه شقيقته انتصار .
فاندثرت القرية ولم تسرِ الحياة على مدارجها مرة اخرى .
ومنذ ذاك الزمن(9-11-1977 م ) لم يذكرها الا قلة ، صار أيمن كامل علوان كلمات في شعر الشاعر شوقي بزيع ( من أين ادخل في الوطن ) وغناء لمارسيل خليفة .
فمات ( أيمن ) ، بكت الشجرات ، بكت السروة في السر ، بكى النرجس في الساحات ، قرع النهر الأجراس المنسية في الأحلام ، ...
بودابست - محمود كلّم
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟