|
الشعر والشاعر
خالد اللصعي
الحوار المتمدن-العدد: 3908 - 2012 / 11 / 11 - 02:15
المحور:
الادب والفن
الشاعر هو هذا الانسان الحالم الممسوس بفكرة تغيير العالم ، وتنقية هوائه من تلوثات المصالح الجيبية والقبلية ، والاخلاص للهوية دون الانغلاق على العالم ، فهو شجرة ظلالها تفترش التاريخ القديم والأقدم وتنتشر أغصانها في سحيق المستقبل القادم . والشعر ان تملأ مزهرية الوقع العربي الفارغ بورود الأمل ، وبتربة الوجود ، وليس بورود بلاستيكية ، لايقربها الا الذباب . لقد قرأت على صفحة أحد الأصدقاء في الفيسبوك من المغرب انه بصدد الاعداد لدراسة حول الشعر المغربي الرديئ . ونحن نعيش مرحلة ارتداد شعري خطير ، نعيش في عالمنا العربي اليوم حالة شعرية يرثى لها ، وليس في المغرب فقط ، الا من قليل ممن امتلأوا بشعرية ذات طاقات موهبية عالية . وهنا يحضرني ما كتبه أحد الاخوة المصريين عن شاعر مصري يعتبر من المخضرمين تسلق بفعل فاعل أو بفعل ظروف ملتسبة سلم الشعر دون موهبة أو اقتدار شعري ، وقد سماه باسمه ، وهو ما أتحاشاه الى اليوم ، ربما كان يمتلك جرأة أكثر مني أغبطها عليه ، لكنني لم أعتبر نفسي يوما وصيا على الشعر الا ضمن أسواري الضيقة . الشعر كائن وجودي له ثقله الرمزي في حياة الانسان ، ولا يمكن تجاهله أبدا ، يمكن محاربته علنا وقطع رؤوس الشعراء ، الذين يناوئون مشاريع الظلام والانحطاط ، ويمكن تهميشهم كما يحدث اليوم ، عبر طرق ووسائل متعددة ، تختلف عن ظروف الأمس ، لكن لا يمكن قتله أبدا ، انه العود الأبدي الهيدجيري ، أو العنقاء اليونانية ، أو الروح المشردة التي سرعان ما تؤوب الى جسدها كما جسدتها الأساطير الهندية . والشعر يعود اليوم بقوة ، ليس عدديا وكميا ، فالجميل والفاتن دائما غريب ، لا يحدسه الا الغرباء . لكنه يعود بقوة شعريته وجماليته التي طالما افتقدتها الذائقة الشعرية . سيحارب الشعراء الموهوبون ، المتخمون بدماء الحقيقة والجمال والسمو ، لأنهم يشبهون من تحدث عنهم يوما ما في عز الاستعمار الانجليزي المهاتما غاندي فقال قولته الشهيرة " سيتجاهلونك ومن ثم سيحاربونك و من ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون و في النهاية ستنتصر ". هذه نهاية الصراع ، انتصارالجمال والقيم السامية . الابداع والمبدع الحقيقيان يجيئان دائما في غير وقتهما ، ولكي يثبتا جدارتهما وأحقيتهما في الوجود ، عليهما أن يستعدا بكل ما أوتيا من قوة لفرض رؤيتهما على العالم ، وان لم يتبنها ، تماما كما فعلت جماعة "شعر" ، في العالم العربي ، والسوريالية في فرنسا ، انه نمط جديد لكينونة راهنت على الجمالية وحساسية مغايرة ، فليس سهلا أن تخلخل عروشا نسج عليها العنكبوت خيوطه ردحا طويلا من الزمن، أو أن تدحرج حجرا من جبال يرونها في أتم انبساطاتها . الشعر راهنا في العالم العربي تتكالب عليه مجموعة من طواحين الهواء ، والشاعر كالقابض على الجمر ، اما أن ينزل الى درك الهشاشة العظمية فيرتل تعبيرات ليس لها من الشعر الا علاقة الاندساس والتطفل ، أو يعتزل الناس ليكتب لسواد ليله ما يخبره به النهار . اننا اذا أعدنا طرح مفهوم الشعر ، سنجدنا أمام ركام هائل من التعريفات ، لكن جوهر الشعر يظل هو هو ، واذا ما تساءلنا عن وظيفة الشاعر ، فلن نخرج عن مفاهيم النبوءة الجبرانية ولسان القبيلة ، وبوق السلطان ، وصورة المجتمع ، وبؤرة الجمالية . لكن صيرورة التطورات الانسانية كما تفعل مع جميع المكونات الانسانية والكونية تلغي هذا ، وتعلي من هذا ، ألغت من حسابها مفاهيم القبلية ، نحو كيان انساني شامل ، كما شطبت على بوق السلطان نظرا لما يتوفر عليه السلطان اليوم من أدوات أكثر تأثيرا وأقدر على تجميل صورته ، لتحافظ لنا هذه الصيرورة على ثلاث مفاهيم ، هي النبوءة وصورة المجتمع وبؤرة الجمالية . واذا ما حاولنا تشريح هذه المفاهيم سنجدنا أمام مفاهيم راقية وعالية ، تروم احداث تغيير جذري في حياة الانسان ، فهي تحاول حدس المستقبل الكريم والحر للانسان ، وتسليط الضوء على جميع مكامن الخلل والقوة في المجتمع ، والبحث عن جمالية مفقودة ومتعذرة بفعل انشغال الانسان الاضطراري بالمعيش الضيق وباليومي الزائل . انها اذن قيم عليا وسامية ، تلك التي يراهن عليها الشعر والشاعر ، ولأن القيم النبيلة لها عكسها ونقيضها ، فان الصراع بينهما مال كثيرا للنقيض والضد ، ولم تنصف مختلف التقاطعات الاجتماعية والتاريخية الشعر والشاعر ، فبؤر الفساد والاستغلال والظلام سادت لزمن طويل، وان كانت الحداثة قد استطاعت خلال العقود الأخيرة أن تحدث اختراقات مهمة ، وتنتصر على كم العبث والفساد الذي يعم الكون الشعري بعامة .
#خالد_اللصعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
-
روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم
...
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
-
“نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma
...
-
مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|