|
مصر وبلاد النوبة تأليف: والتر إمرى، ترجمة: تحفة حندوسة مقدمة بقلم: خليل كلفت
خليل كلفت
الحوار المتمدن-العدد: 3904 - 2012 / 11 / 7 - 19:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مصر وبلاد النوبة تأليف: والتر إمرى، ترجمة: تحفة حندوسة مقدمة بقلم: خليل كلفت بلاد النوبة، كما نعرفها اليوم، منطقة تمتد جنوب مصر وشمال السودان؛ بين الشلال الأول جنوبى أسوان والشلال السادس شمالى الخرطوم، وهناك أيضا جبال النوبة فى كردفان. والنوبيون، كما نعرفهم اليوم، أعنى الناطقين باللغة النوبية (أو بالأحرى باللغتين النوبيتين الموجودتين فى وادى النيل)، يعيشون على أرض هذه البلاد، فى منطقتين متمايزتين؛ النوبة السفلى أو المصرية، والنوبة العليا أو السودانية. على أن هذا التطابق بين منطقة جغرافية تحمل اسم النوبة منذ وقت طويل وسكان يحملون اسم النوبيين وينطقون باللغة أو اللغات النوبية الحالية، لم يكن موجودا منذ فجر التاريخ بل إنه لم يتحقق إلا منذ القرون الأولى بعد ميلاد المسيح. وقبل ذلك كانت المنطقة تسمى النوبة أو "تا-سيتى" Ta-Seti: "كوش" للنوبة السودانية الحالية، و"واوات" للنوبة المصرية الحالية. وكان السكان نوبيين نسبة إلى اسم المنطقة الجغرافية غير أنهم لم يكونوا ناطقين بلغة تمثل اللغة أو اللغات النوبية الحالية امتدادا لها، بل كانوا يشكلون مجموعات سكانية متباينة إثنيًّا وقوميًّا ولغويًّا ما يزال رسم خريطة لتعاقبها الإثنى أو القومى أو اللغوى أمرا بعيد المنال. وتتمثل المجموعة الإثنية ethnic group أو الإثنوس ethnos فى جماعة من البشر تكونت تاريخيا تجمعها وحدة اللغة والثقافة والأرض وتميز نفسها باسم إثنى ethnonym خاص بها. وعلى هذا يمكن القول إن النوبيين الحاليين يشكلون مجموعة إثنية أو قومية تشمل بصورة خاصة النوبيين النيليِّين بخلاف النوبيين الجبليِّين الذين لا تجمعهم بالنوبيين فى الوادى وحدة الأرض كما يختلفون عنهم من نواحٍ ثقافية ولغوية ولهجية متعددة. وإذا كانت بلاد النوبة قد شهدت، وفقا لعلماء الآثار، تعاقب أربع مجموعات بشرية منذ الأسرة الأولى فى العصر التاريخى المبكر حتى نهاية الأسرة العشرين والدولة الحديثة فى مصر القديمة، واستمرت إحداها، الأخيرة، حتى القرون الميلادية الأولى، فإن النوبيين الحاليين ليسوا امتدادا إثنيا أو قوميا أو لغويا لتلك المجموعات البشرية التى لا يمكن إلا افتراض اختلاف وتباين حضاراتها وثقافاتها ولغاتها فيما بينها من جهة وبينها وبين المجموعة الإثنية النوبية الحالية من جهة أخرى، ولا سبيل إلى الآن، وربما إلى الأبد، لاكتشاف التسلسل الزمنى للغاتها على وجه الخصوص. وفى مقابل هذا التاريخ الغامض للطابع الإثنى ethnicity للمجموعات السكانية التى تعاقبت على منطقة النوبة، نجد الاتصال التاريخى الطويل الأمد بالنسبة للجماعة الإثنية المصرية التى استمرت آلاف السنين. ذلك أن اللغة المصرية القديمة استمرت آلاف السنين، على الأقل منذ أن قام ما يسمى بجنس الأسرات بغزو مصر (3400 ق. م)، حية منطوقة لكل سكان مصر، مكتوبة بالهيوغليفية أو بالهيراطيقية أو بالديموطيقية أو بالقبطية ذات الأصل اليونانى مع التعديلات المصرية، ولم تترك مكانها للغة أخرى (اللغة العربية) إلا بعد الفتح العربى، وبصورة تدريجية للغاية استغرقت قرونا طويلة، من خلال عملية غسيل دم لغوى شامل، ولكنْ فى إطار نفس المجموعة الإثنية المصرية الواحدة المستمرة طوال هذا التاريخ الممتد، مهما كانت بوتقة لانصهار وامتزاج شعوب وثقافات أخرى معها، مع قدوم فاتحين جدد من الجنوب النوبى (الكوشى)، أو الشمال الأوروپى (الإغريقى أو الرومانى)، أو الشرق الهكسوسى أو الأشورى أو الفارسى أو العربى أو التركى، أو حتى الغرب الليبى. وبطبيعة الحال فإن فكرة استمرار جماعة إثنية أو قومية واحدة منذ فجر التاريخ إلى الآن، رغم إحلال اللغة العربية محل اللغة المصرية القديمة فى مرحلتها القبطية، ورغم إضافة الانتماء الجديد إلى الثقافة العربية، تثير إشكالية حقيقية. وربما وجدت هذه الإشكالية حلا فى حقيقة أن هذه التطورات والتبدلات لم تحدث من خلال إبادة أو تهجير شعب وإحلال شعب آخر محله بل حدثت فى إطار استمرارية نفس الجماعة الإثنية التى اكتسبت لغة جديدة وثقافة جديدة مما أدى إلى تراكب طبقات الانتماءات الثقافية والقومية داخل الجماعة البشرية الأصلية الواحدة، حيث لا يستبعد التكوين الأصلى الانتماءات الجديدة (العربية) التى لا تستبعد بدورها خصائص وخصوصيات إثنية طويلة الأمد. ولعل ما سبق أن يكون مفيدا فى محاولة استيعاب عنوان هذا الكتاب، فى علاقته بموضوعه، بعيدا عن أىّ التباس ممكن. والحقيقة أن عنوان الكتاب فى أصله الإنجليزى، وهو Egypt in Nubia أىْ "مصر فى النوبة (أو فى بلاد النوبة)"، يختلف بعض الشيء عن عنوانه فى الطبعة العربية "مصر وبلاد النوبة". وقد نفهم من العنوان الأصلى للكتاب (مادام المؤلف عالم مصريات) أنه يتناول آثار الحضارة المصرية فى منطقة النوبة فى العصور القديمة، غير أن الكتاب يتناول إلى جانب ذلك حضارات نوبية مستقلة: حضارات كوش فى ممالك كرما (كرمة)karmah أو Kerma، وناپاتا Napata، ومروى Meroë، وحضارة المجموعة x (س) النوبية المجهولة، وحضارة نوبية مستقلة بالمعنى المتطابق إثنيا ولغويا مع النوبة الحالية وذلك فى النوبة القبطية، بل تعود بنا الدراسات الأحدث إلى الوراء، إلى حضارة قديمة فى منطقة النوبة فى فجر التاريخ (وما قبل التاريخ) ربما كانت نقطة انطلاق الحضارة فى وادى النيل فى زمن سابق حتى على أقدم عهود حضارة المجموعة الإثنية المصرية. على أن عنوان الطبعة العربية لا يقدم حلا يزيل هذا الالتباس. ذلك أنه يوحى بأن موضوع الكتاب يتناول مصر كما يتناول النوبة، على حين أنه لا يتناول الحضارة المصرية فى الواقع إلا من حيث آثارها وتاريخها فى منطقة النوبة، السفلى والعليا، فى مختلف عهود التاريخ المصرى القديم. ومهما يكن من شيء فإننا إزاء حضارة واحدة متفاعلة الأجزاء امتدت على ضفاف النيل بين الشلال السادس شمالى الخرطوم والبحر الأبيض المتوسط شمالا، طوال عدة آلاف من السنين، وهى حضارة واحدة مهما تعددت مراكزها وقواها المركزية الطاردة، ومهما تعددت الهجرات الكبرى لسكانها شمالا وجنوبا، ومهما تعددت الفتوحات والتوسعات الإمپراطورية فى الاتجاهين، ومهما تعددت إسهامات المجموعات الإثنية التى سيطرت الواحدة منها على الأخرى أو خضعت الواحدة منها للأخرى، فى هذا العصر التاريخى أو ذاك، مع التسليم بأن المجموعة الإثنية المصرية الواحدة كانت هى الصانعة الكبرى لحضارة أو حضارات وادى النيل فى أغلب مراحلها. ويكفى دليلا على هذا التفاعل الحضارى الكبير احتمال أن حضارة "قسطل" النوبية (المجموعة A ألِف) قد تكون نقطة انطلاق حضارات وادى النيل، وكذلك واقع أن حضارات كوش كانت فى كثير من مراحلها من صنع مجموعات نوبية متمصرة ثقافة ودينا وأحيانا لغة وكتابة. وبقدر ما يتعلق الأمر بالحضارة أو الحضارات النوبية فإن المقصود بها يتمثل فى الحضارات التى تعاقبت على إقليم أو أرض أو بلاد النوبة، والتى أقامها المصريون مباشرة، أو أقامتها مجموعات سكانية ربما كانت لا تختلف إثنيا عن الجماعة الإثنية المصرية، أو بناها سكان يمكن أن نسميهم نوبيين باعتبارهم سكان النوبة رغم أنهم كانوا يتمثلون فى مجموعات إثنية أو قومية متباينة إثنيا تعاقبت على تلك الأرض، ولم تكن الحضارة بمعنى أن النوبيين الحاليين يشكلون امتدادها القومى إلا فى النوبة القبطية وما تلاها. ويقع الكتاب فى ثلاثة أقسام، أو بالأحرى أبواب وفقا للطبعة العربية. الباب الأول مقدمة (فصلان)، والثانى حول التنقيبات الأثرية فى منطقة النوبة (أربعة فصول)، والثالث بعنوان موجز تارخ النوبة (عشرة فصول). والحقيقة أنه لا مناص من أن يستحوذ على قارئ الكتاب ذلك الإحساس غير العادى الذى كان يسيطر على المؤلف نفسه وهو يكتب عن النوبة باعتبارها موشكة على الغرق، أو حتى "الموت" كما يقول، متحسرا على حياتها الجميلة التى كانت توشك على الاختفاء، متعاطفا مع أهلها، مدفوعا بقوة هائلة إلى الغوص فى أعماق الأسرار التاريخية والحضارية التى أخذت تتكشف مع تواصل التنقيبات الأثرية، فى محاولة مستميتة للتحقق من تاريخ موجز دقيق يقدمه لهذه المنطقة، رغم النواقص والثغرات والألغاز بحكم حدود المعطيات الأثرية المتوفرة. ويبدأ الكتاب فى مقدمته بعرض صورة عامة عن النوبة التى يقول إنها "كانت من أهم مناطق الصراع الرئيسية فى العالم القديم حيث كان الصراع مستمرا بين الأجناس المختلفة، البيضاء منها والسوداء، للوصول إلى السيادة فى شمال أفريقيا" بحثا عن الذهب والعاج والأبنوس والأخشاب والنحاس والحديد والديوريت والزمرد ومختلف منتجات كوش وهو الاسم القديم لشمال السودان، وبين سكان كوش، العدوّ الجنوبى لمصر القديمة، الذين "نزحوا نحو الشمال إلى الأراضى الأكثر خصوبة من وادى النيل حتى شاطئ البحر المتوسط". كما تعرض المقدمة لحياة النوبيين الحاليين وعاداتهم ولغتهم، غير أنه يؤكد أن "الصلة التى تربط سكان النوبة الحاليين بسكان العصر القديم أمر مشكوك فيه"، وأنه "يبدو أنه وُجدت على الأقل فترة واحدة كانت النوبة السفلى فيها غير مسكونة"، على أنه يعود فيشير إلى أن "بعض العادات والفنون والحرف" النوبية الحالية "تؤيد الفكرة القائلة بأن النوبيين الحاليين ينحدرون إلى حد كبير من نسل هؤلاء الذين عاشوا فى هذه المنطقة من وادى النيل فى عصر فراعنة الدولة الوسطى". ويقدم المؤلف، حول حياة وعادات وحرف النوبيين الحاليين، معلومات وملاحظات واستنتاجات سريعة بالإضافة إلى أنها متسرعة، لا يبرر الموضوع الحقيقى للكتاب التعليق عليها. وفى الفصل الثانى من المقدمة يتناول المؤلف مشروع بناء السد العالى الذى اتخذت التنقيبات الأثرية فى المنطقة النوبية، المصرية والسودانية، ذلك الحجم الضخم الهائل بسبب تهديده بإغراق الآثار التى كان من الضرورى إنقاذها والكشف عن المزيد منها قبل الطوفان. ويشير المؤلف إلى مفارقة حقيقية تتمثل فى أننا ندين لبناء خزان أسوان 1899-1902، وتعليته الأولى 1907-1912، وتعليته الثانية 1929-1934، وأخيرا بناء السد العالى الذى توَّج هذه الإنشاءات التى دمرت آثار النوبة وحياتها، بمعرفتنا ومعلوماتنا عن آثار وتاريخ النوبة. فلولا التهديد المتعاقب بالدمار الذى تعرضت له منطقة النوبة بسبب مشروعات الرى هذه لما حدثت تلك التنقيبات والمسوح الأثرية على ذلك النطاق الواسع فى سباق مع الزمن "الآن أو أبدا"، كما يقول. ويتعاقب البابان الثانى (التنقيبات) والثالث (موجز تاريخ النوبة) ليرويا نفس القصة الواحدة ولكن بطريقتين مختلفتين. ففى فصول الباب الثانى يروى المؤلف قصة التنقيبات التى قامت بها بعثات أثرية حكومية وغير حكومية مختلفة، قبل كل من التعلية الأولى لخزان أسوان (المسح الأثرى الأول) والتعلية الثانية (المسح الأثرى الثانى)، بمختلف مواسمهما، فى مختلف مناطق النوبة المصرية والسودانية، ثم التنقيب العالمى الواسع النطاق استجابة لنداء اليونسكو قبل بناء السد العالى فى أوائل الستينات. وفى سرد هذه القصة فى هذا الباب لا وجود لتسلسل زمنى لتاريخ النوبة بل تتتابع الكشوف الأثرية مع تقدم أعمال المسح، حيث يلقى هذا الكشف أو ذاك الضوء على فترة أقدم أو أحدث من تاريخ المنطقة. ولا يقوم المؤلف بتقديم معلومات إدارية وتنظيمية عن البعثات وخطط عملها بطريقة تقريرية جافة بل يقف عند هذا الكشف الأثرى أو ذاك لتوضيح طبيعته والحضارة التى ينتمى إليها والضوء الذى يلقيه على التاريخ وكذلك اللغز الذى قد ينطوى عليه، فتتكشف هذه المعلومات والأسرار والألغاز بترتيب التوصل إليها والذى لا يتطابق بطبيعة الحال مع تعاقب مراحل تاريخ المنطقة. وإنما فى الفصل المعنون "موجز تاريخ النوبة" سنجد القصة ذاتها مسرودة بالتسلسل الزمنى لمختلف مراحل هذا التاريخ، بالاعتماد على الكشوف الأثرية وبالعودة المتواصلة إليها بالإضافة إلى مختلف مصادر التاريخ المكتوب. ولا شك فى أن القارئ سيجد إلى جانب المعرفة التاريخية والحضارية متعة غير متوقعة إلا فى رواية شائقة، خاصة فى باب التنقيبات الأثرية. ذلك أن هاجس "الآن أو أبدا" الذى تمت به تلك التنقيبات على أيدى مختلف بعثات وفرق المسوح الأثرية ينتقل، من خلال السرد الحى، من المؤلف إلى القارئ، حيث يعيش مع الكتاب دراما حقيقية. ذلك أن الخيار الذى كان مطروحا أمام مصر كان قاسيا حقا: بناء السد العالى (وقبله بناء خزان أسوان وتعليته مرتين) بحكم الضرورة الاقتصادية القصوى وبالتالى التضحية بكل ما لا يمكن إنقاذه من الآثار والتاريخ والماضى، أم العكس؟ أىْ التضحية بالحاضر؟ وكما يقول المؤلف فإن "الحاضر لا يمكن أن يُضَحَّى به من أجل الماضى". وكان لا مناص من الاختيار: بناء السد العالى مع إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ونحن نعرف ما تم إنقاذه، ونعرف جانبا مما تم دماره، ولكننا لا نعرف بالطبع كل ما تم دماره، فهناك آثار وأسرار ضاعت إلى الأبد، كما ضاعت حياة خاصة حميمة عاشها الإنسان النوبى فى تلك المنطقة كموطن تاريخى، ولكنْ ربما ليس إلى الأبد، فربما حقق المستقبل نبوءة المؤلف الذى يقول"إن كثيرا من هؤلاء النوبيين سيرجعون إلى هذه الأراضى". أما المادة التى يقدمها موجز تاريخ النوبة، وهو موضوع الفصول العشرة التى يتألف منها الباب الثالث، فإنه يمكن تصنيفها إلى: أولا، وقبل كل شيء، الآثار المصرية منذ فجر التاريخ وطوال التاريخ المصرى القديم فى النوبة السفلى (واوات) والنوبة العليا (كوش)، وما تدل عليه هذه الآثار وكذلك مصادر التاريخ الأخرى بشأن الفتوحات والحروب المصرية (وكذلك الأشورية والفارسية والبطلمية والرومانية) فى النوبة. ولا شك فى أن هناك فارقا حقيقيا بين منطقتين نوبيتين متمايزتين، فالنوبة السفلى ليست مركز حضارة مصر، كما أنها ليست مركز حضارة كوش، كما أنها فى أكثر الأحيان ليست مركزا لحضارة مستقلة، بل كانت ساحة صراع بين الحضارتين المصرية والكوشية، وهو صراع يمتد فى أكثر الأحيان جنوبا إلى أعماق كوش من كرما إلى نپاتا إلى مروى، كما يمتد فى بعض الأحيان شمالا إلى الحدود الجنوبية لمصر وحتى إلى أعمق أعماقها فى طيبة ومنف وحتى البحر المتوسط. ثانيا، حضارة كوش فى ممالك كرما ونپاتا ومروى، التى امتدت منذ بداية الدولة الوسطى فى مصر حتى القرن الرابع الميلادى. ثالثا، حضارة المجموعة (س) النوبية المجهولة، أىْ حضارة بلانة (وقسطل)، فى القرون الميلادية الرابع والخامس والسادس. رابعا، حضارة نوبية مستقلة يعتبر النوبيون الحاليون جميعا فى النوبة الحالية (المصرية والسودانية معا) امتدادا مباشرا لمجموعتها الإثنية اللغوية، والمقصود بذلك حضارة ممالك النوبة القبطية الثلاث من القرن السادس الميلادى إلى القرن الرابع عشر الميلادى، وهى المجموعة المستمرة بعد ذلك إلى الآن. على أننا سنشير فى النهاية إلى حضارة قسطل (المجموعة A "ألِف") التى ربما كانت أقدم حضارات وادى النيل كما سبقت الإشارة. ويقدم الكتاب هذا التاريخ من خلال استعراض مراحله على أساس المجموعات السكانية النوبية التى عاصرت مراحل تاريخ مصر القديمة، وهى – كما يقرر علماء الآثار – أربع مجموعات ويمكن تلخيصها من قائمة وردت فى الكتاب كم يلى: المجموعة النوبية الأولى: وقد عاصرت فى مصر العصر التاريخى المبكر – الأسرات 1-3 (3200-2680 ق.م). المجموعة النوبية الثانية: وقد عاصرت فى مصر الدولة القديمة – الأسرات 4-6 (2680-2258 ق.م) وعصر الانتقال الأول – الأسرات 7-10 (2258-2052 ق.م). المجموعة النوبية الثالثة: وقد عاصرت فى مصر الدولة الوسطى- الأسرتان 11 و 12 (2052-1786 ق.م) وعصر الانتقال الثانى – الأسرات 13-17 (1786-1600 ق.م). المجموعة النوبية الرابعة: وقد عاصرت فى مصر – الأسرات 18-20 (1600 1085 ق.م). على أننا سنرى أن هذه المجموعة النوبية الأخيرة عاصرت أيضا العهد التاريخى المتأخر – الأسرات 21-31 (1085-332 ق.م) ومنها أسرة ليبية (22) وأسرة كوشية (25) وأسرتان فارسيتان (27 و 31)، كما عاصرت العصرين الپطلمى والرومانى واستمرت حتى نهاية مملكة مروى فى القرن الرابع الميلادى. ويقدم الباب الثالث موجزا لتاريخ النوبة فى مسارين؛ يتمثل أحدهما فى رسم صورة صارت أوضح ، بفضل الكشوف الأثرية خلال القرن العشرين، لانتشار حضارة مصر فى مختلف مناطق النوبة (المعابد، الحصون، مناجم الذهب والنحاس والحديد، إلخ.)، وكذلك معارك وحروب السيطرة على النوبة أو التصدى لاعتداءاتها. ويتمثل المسار الآخر فى محاولة لاستكشاف المجموعات البشرية التى شغلت أرض النوبة، بحثا عن حضاراتها وثقافاتها ودولها وممالكها وإمپراطورياتها من حيث خصائصها وأسرارها وقيامها وانهيارها. وسأحاول رسم "هيكل عظمى" لتعاقب المجموعات السكانية الأربع السالفة الذكر، بما يساعد القارئ على استيعاب المادة الغنية التى يقدمها المؤلف. حضارة المجموعة النوبية الأولى: يؤكد المؤلف أن سكان هذه المجموعة الأولى وهى التى عاصرت العصر التاريخى المبكر فى مصر القديمة "لا يختلفون فى مميزاتهم الجسدية عن المصريين فيما قبل الأسرات وفى الحقيقة لا شك فى أنهم هم السكان أنفسهم الموجودون فى بيئة لا اختلاف بينها". ولأن النوبة كانت قليلة السكان قبل أن يغزو جنس الأسرات مصر (3400 ق.م)، ثم شهدت زيادة السكان ودخول حضارة جديدة، فإن الاحتمال الوحيد كما يرى المؤلف لتفسير هذه الزيادة السكانية هو "تسرب عدد كبير من سكان ما قبل الأسرات منسحبين تحت ضغط الشمال نتيجة غزو المتقدمين من فراعنة مصر الأُوَل". وقد تمتع "قوم" المجموعة الأولى فى النوبة السفلى بعصر انتعاش نسبى، كما يقول. على أن حضارة المجموعة الأولى لم تتطور فيما يبدو تحت السيطرة المصرية لأن اختفاءها يعاصر غزو المصريين الأوائل للمنطقة واستعمارها. وقد حدث الاختفاء المفاجئ لحضارة المجموعة الأولى عند غزو النوبة فى أواخر عصر الأسرة الثانية. حضارة المجموعة النوبية الثانية: مع أن المجموعة الثانية كانت تنحدر إلى حد ما من المجموعة الأولى إلا أنها كانت تنطوى على نواحى اختلاف كثيرة ربما كانت ترجع إلى تدهور عام أو إلى ظهور عناصر سلالية جديدة آتية من الجنوب. وقد عاصرت هذه الحضارة الفقيرة الدولة القديمة فى مصر، وكذلك عصر الانتقال الأول. وفى هذا العصر "ضاعت قوة الحكم المركزى وأعقب ذلك عصر فوضى فى الوطن مما أدى إلى نتيجة حتمية وهى أن مصر ضيعت كل ممتلكاتها فى الجنوب". وبالتالى نشأت حضارتان هما حضارة المجموعة النوبية الثالثة وحضارة المجموعة النوبية الرابعة. حضارة المجموعة النوبية الثالثة: أعطى الفراغ الناشئ عن انسحاب القوة المصرية من النوبة، فى العصر الانتقالى الأول، الفرصة للنوبيين لكى يُنشئوا حضارة مستقلة عُرفت بالمجموعة الثالثة عاصرت الدولة الوسطى والعصر الانتقالى الثانى. "ولا يزال اسم وأصل هؤلاء المهاجرين غير معروف ولكن يبدو أن لهم علاقة – من ناحية الشكل والحضارة – بسكان النوبة السفلى الأوائل. فالمهاجرون والسكان القدامى ينتمون أساسا إلى المميزات الزنجية فى المادة التشريحية المكتشفة فى مقابرهم". على أن "هذا العنصر الزنجى القليل جعل السكان الجدد يختلفون تشريحيا عن سكان المجموعتين الأولى والثانية إلا أنهم ورثوا حضارة أجدادهم وعملوا على تنميتها". ذلك أن "فخَّار المجموعة الثالثة يشبه إلى حد كبير فخَّار مصر فى عصر ما قبل الأسرات ولعل هذا يمكننا من أن نرى فى حضارتهم الرعوية ما يمكن أن يكون تطورا للحضارة ‘النيوليثية‘ [حضارة العصر الحجرى الحديث] المتأخرة التى وُجدت فى كل وادى النيل الشمالى، إلا أن هذه الحضارة سرعان ما انتهت بغزو المصريين فى آخر الألفية الرابعة ق.م." ولكنْ "ما زالت معرفتنا بهؤلاء الناس قليلة ومع أننا نستطيع أن نتقصى آثار تطور حضارتهم منذ أقدم عصورها فى عصر الانتقال الأول (2258 ق.م.) حتى انتهائها فى أوائل الدولة الحديثة (1570 ق.م.) فهناك سؤال حيوى عنهم لم يجد جوابا، وهو حدود حضارتهم الجنوبية: هل انتهت عند الجندل الثانى أم امتدت فى النوبة العليا، وإنْ كانت قد امتدت جنوبا فإلى أىّ مدى وصلت؟ وترجع أهمية الإجابة على هذا السؤال إلى أنها سوف تجلو لنا ستمائة عام من تاريخ النوبة الغامض". وقد وصلت حضارة المجموعة الثالثة إلى ذروة نضجها، فى النوبة السفلى(واوات)، التى لم يشملها النشاط العسكرى المصرى للدولة الوسطى، فظلت بعيدة عن تأثير الحضارة المصرية. وكان أهل النوبة السفلى عندئذ "أكبر عددا منهم فى أىّ عصر أثناء الحكم المروى أىْ بعد حوالى ألف سنة"، ومع أن بقايا المجموعة الثالثة "تشبه ما عثر عليه فى كرما [أولى ممالك وعواصم كوش] إلا أنها تختلف تماما عنها وتُنسب إلى قوم آخرين". وبعد تحرير مصر من الهكسوس بدأ أحمس (الأسرة الثامنة عشرة) الحروب الجنوبية التى أسفرت عن استعادة السيطرة على النوبة وتعمير المصريين لها. وبتأثير المرور المتواصل الطويل للجيوش المصرية عبر النوبة السفلى فى طريقها إلى ساحة القتال مع كوش فى الجنوب، إلى جانب زيادة عدد المستعمرين المتصلين بالجيش والمحطات التجارية، على معتقدات وأسلوب حياة سكان هذه المنطقة اختفى "كل ما تبقى من حضارة المجموعة الثالثة". وهكذا فإن "النوبة، بعد غزوها، كان يسكنها جنس فقير يعتمد على الأشياء الرخيصة المستوردة من مصر" ولم تكن لهم ثقافة خاصة بهم. ولم يرد ذكر للنوبة السفلى (واوات) فى سجلات الحملات المصرية باعتبارها عدوَّة، "ومن الواضح أن هذه الأرض كانت تعتبر جزءا من مصر. وكان أهلها متمصرين إلى حد كبير وكان لزعمائهم ونبلائهم أسماء مصرية". حضارة المجموعة النوبية الرابعة (كوش): أظهرت الحفائر الأثرية فى "كرما"، فى النوبة العليا، "حضارة نوبية أخرى تشبه حضارة المجموعة النوبية الثالثة وفى نفس الوقت تختلف عنها وتنتمى إلى شعب آخر" – "ولم نعرف بعد حدودها الجغرافية ولا تتابعها التاريخى، مثلها فى ذلك مثل حضارة المجموعة الثالثة". وقد صار من الممكن بفضل الكشوف الأثرية "تأكيد الصلة بين حضارة أصحاب المقابر ‘الناقوسية‘ وأهل ‘كرما‘ واستبعاد صلتهم بحضارة المجموعة الثالثة. وبذلك يظهر أن الفرق السمراء التابعة للجيش المصرى [أىْ أصحاب المقابر الناقوسية] كانت تأتى من النوبة العليا". ويضيف المؤلف أنه "يبدو أن المجموعة الثالثة لم تكن قد انتشرت جنوبا حتى الجندل الثانى ولكنها اقتصرت (على) النوبة السفلى (واوات) تاركة النوبة العليا (كوش) لجيرانها المحبين للحروب. والتشابه الشديد بين الحضارة المعروفة بالمقابر ‘الناقوسية‘ فى مصر العليا والمادة التى عُثر عليها فى كرما واختلافها الواضح عن المجموعة الثالثة تجبرنا على أن نصل إلى نتيجة هى: أن المصريين لم يجمعوا المرتزقة من النوبة السفلى، وأن ‘واوات‘ و‘كوش‘ كانتا تختلفان جنسيا وحضاريا. وعلاوة على ذلك فإن المادة التشريحية فى المقابر الناقوسية المصرية زنجية العنصر، أكثر بلا شك، من المجموعة الثالثة النوبية". إذن، فيما بعد الشلال الثانى، فى النوبة العليا، وأثناء الفترة التى ساد فيها الضعف فى مصر، "تكونت قوة عسكرية هائلة فى الجنوب سماها المصريون ‘كوش‘ ومنذ ذلك الحين أصبحت كوش قوة دائمة التهديد للحدود الجنوبية – ولمصر نفسها- إلى درجة أنه عندما اتحدت مصر مرة أخرى تحت حكم فراعنة الأسرة الثانية عشرة العظام، وجد حكامها أنه من المحتم إنفاق جزء كبير من الثروة القومية فى بناء مواقع حماية كبيرة". ويؤكد المؤلف أن الإشارة إلى عدوّ مصر الجنوبى باعتباره "الزنجى" كانت مضللة لأن أهل كوش لم يكونوا زنوجا، وكان المصريون يستعملون كلمة ‘زنجى‘ (‘نحسى‘) "للإشارة إلى كل قاتمى اللون الذين يأتون من الجنوب مهما كانت أجناسهم". ويعبر المؤلف عن اعتقاده أن ما عُثر عليه فى المقابر الناقوسية فى مناطق عسكرية متفرقة من مصر "يرجع قطعا إلى أهل كرما ولا صلة له بحضارة المجموعة الثالثة ". ومن الجلى أن المجموعتين الثالثة والرابعة متعاصرتان خلال مرحلة طويلة وليستا متعاقبتين كما قد يبدو من الترتيب العددى فى تسميتهما غير أنهما مختلفتان جغرافيا، فقد كانت إحداهما (الثالثة) فى النوبة السفلى (واوات) بينما كانت الأخرى (الرابعة) فى النوبة العليا (كوش). على أن حضارة المجموعة الثالثة اختفت على حين استمرت حضارة المجموعة الرابعة، التى لم تكن على كل حال المجموعة الإثنية الأخيرة، فمع تطور واستمرار حضارة كوش فى كرما ثم نپاتا ثم مروى، ومع هجرات وغزوات لكوش من الغرب (النوباتاى) والشرق (أكسوم)، وفى سياق انهيار حضارة مروى ، تأتى مجموعات إثنية متعددة ستكون أشهرها مجموعة البليمى Blemmae (أو البليمز Blemmyes كما ترد فى هذه الترجمة وفقا للصيغة الإنجليزية) ومجموعة النوباتاى Nobatae اللتين يختلف علماء الآثار حول مسألة كون هذه أو تلك هى المجموعة النوبية المجهولة (س) التى أقامت حضارة "بلانة" فى النوبة السفلى خلال القرون الميلادية الرابع والخامس والسادس. ومنذ أواخر الأسرة الثانية عشرة (الدولة الوسطى) تسرب الهكسوس إلى مصر ومع ضعف الأسرة الثالثة عشرة قاموا بغزوها وامتد نفوذهم فيها حتى "قوص" جنوبا، وصارت مصر كلها تحت حكم ملوك الهكسوس بينما اتخذ الحكام الأصليون فى الجنوب من طيبة عاصمة لهم وحكموا محليا دافعين الجزية للمنتصر الأجنبى فى الشمال. وهكذا لم تبق لمصر قوة فى النوبة العليا فامتدت سلطة الحكام الكوشيين إلى منطقة واسعة من النوبة، مع أن جزءا كبيرا من النوبة السفلى (واوات) كان لا يزال تحت السيطرة المصرية أو تحت تأثير المصريين إلى حد كبير ولم يمتد إليها سلطان كوش، فيما يعتقد المؤلف استنادا إلى "تبنى أهل المجموعة الثالثة لطقوس الدفن المصرية التى ترجع إلى ذلك العصر" إلى درجة أن هذا "يمكن أن يدل على وجود عدد كبير من المهاجرين المصريين الذين هربوا من ضغط الهكسوس". أما كوش فقد صارت نصف مستقلة، وفى نپاتا تكونت حكومة منفى فى عام 950 ق. م.، عندما كانت مصر تحت سيطرة ملوك الأسرة الثانية والعشرين الذين كانوا من أصل ليبى، وترعرعت الحضارة الكوشية المصرية وأصبح لها طابع مميز لها، وانقلبت الأوضاع وكانت كوش "هى التى ستغزو مصر". وقد توطد سلطان ملوك الأسرة المالكة الكوشية قبل أن يحاولوا تأكيد سيادتهم على مصر، واستقبلت الجبانة الكبرى فى "كورو" موتاهم منذ عام 860 ق.م. أىْ قبل قيامهم بغزو الشمال بأكثر من مائة سنة. على أن أسلاف الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية التى حكمت مصر فى العصر التاريخى المتأخر (الفترة بين نهاية الدولة الحديثة وبداية الحكم البطلمى) يمتون بالصلة إلى جماعة أخذت بالحضارة المصرية مع أنها تنحدر من أصل كوشى، لعله يرجع إلى رؤساء مدينة كرما. وكانت "الطبقة الحاكمة فى كوش قد أصبحت بصفة عامة منذ عصر ‘كاشتا‘ والد ‘بعنخى‘ مصرية الفن والعمارة والديانة والثقافة والجنس، إذ نتجت روابط وثيقة بزواج أجيال من المستوطنين المصريين بأهل المنطقة". وكما هو معروف فقد دخلت مصر، بعد نهاية الدولة الحديثة، عهود العصر المتأخر، التى شهدت تدهور وانهيار الحضارة المصرية وقلتْ فيها فترات الازدهار. وخلال الألفية الأولى قبل الميلاد، وحتى الفتح العربى، تعاقب على مصر والنوبة فاتحون كثيرون: الليبيون (الأسرة الثانية والعشرون الليبية 952-749 ق.م)، والكوشيون (الأسرة الخامسة والعشرون الكوشية 715-672 ق.م)، والأشوريون الذين غزوا مصر وهزموا الأسرة الكوشية ووضعوا نهاية لحكمها فى القرن السابع قبل الميلاد، والفرس (الأسرتان الفارسيتان السابعة والعشرون 525-404 ق.م والحادية والثلاثون 341-332 ق.م)، ثم جاء المقدونيون (فتح الإسكندر الأكبر مصر وطرد منها الفرس فى 332 ق.م) ثم الرومان (30 ق.م) واستمر حكم البطالمة (332-33 ق.م) والرومان (30 ق.م-642 م) على مدى قرابة ألف سنة منذ الفتح المقدونى فى القرن الرابع قبل الميلاد حتى الفتح العربى فى القرن السابع الميلادى. وفيما يتعلق بكوش فقد كانت حضارة مملكة مروى مرحلتها الأخيرة وقد دامت هذه المملكة قرونا عديدة، فقد انتقلت عاصمة كوش جنوبا إلى مروى بعد أن قضى الغزو المصرى على العاصمة نپاتا فى عام 591 ق.م. وإنْ كانت نپاتا قد استمرت كمركز دينى. ويقول المؤلف إن الحضارة المصرية فى الجنوب تقهقرت وحلت محلها حضارة غير أصيلة سماها الأثريون باسم العاصمة الجديدة مروى. "ومع أن التأثير المصرى الدينى والفنى بقى هو الغالب على الحضارات المروية الجديدة إلا أن التأثير الأفريقى والإغريقى كانت لهما مكانة أيضا". ومكان الهيروغليفية ظهرت "هيروغليفية المروية مكتوبة بخط مختصر وأصبحت فيما بعد طريقة الكتابة فى لغة أهل المنطقة. وهذه الكتابة المروية ‘المختصرة‘ حللها بعد جهد كبير عدة علماء ولكنها لم تزل غير معروفة لنا لأنها كتبت فى لغة غير معروفة أيضا". ومع نمو إمپراطورية مروية قوية بقيت النوبة السفلى –رغم أنها صارت تحت حماية الرومان- جزءا منها فى الوقت نفسه. وبعد أن صارت مصر ولاية رومانية مُنيت الإمپراطورية المروية بهزيمة ساحقة لم تفق منها على أيدى الرومان فى عام 23 ق.م. على أن مملكة مروى بقيت قرونا أخرى إلى أن استولى جيش أكسومى على مدينة مروى ودمرها فأنهى بذلك الوجود المستقل للمملكة. حضارة المجموعة النوبية (س) أو حضارة بلانة: مع أن النوبة السفلى تمتعت بفترة من الرخاء تحت حكم الرومان والحكم الاسمى لمملكة مروى فى الجنوب، جاءت فترة تغير كبير "وهى الفترة التى احتلتها فيها مجموعتان من المحاربين والتى شهدت أيضا النزاع الأخير بين المسيحية والوثنية، وتعرف حضارة هذه الفترة، التى انحدرت من الحضارة المروية، عند رجال الآثار، بالمجموعة (س) [X-Group] لأننا ما زلنا لا نعرف إلى أىٍّ من الشعبين المقاتلين ترجع هذه الحضارة". ولا شك فى أنه حتى أواسط القرن الثالث الميلادى كانت النوبة جزءا من الإمپراطورية المروية المتدهورة. ومع ذلك فقد كان يحتل جزءا كبيرا منها شعب عرفهم الرومان باسم البليمى أو البليميين Blemmae (بالإنجليزية Blemmyes). "ولا زالت معرفة أصل هؤلاء الناس وكيف دخلوا النوبة ومن أين أتوا موضوع جدل". وفى العصر الواقع بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين الذى انتعشت فيه حضارة المجموعة (س)، كان يحتل النوبة شعبان مختلفان هما البليمى والنوباتاى. ورغم أن الرأى السائد هو أن المجموعة (س) يجب اعتبار أنها تنتمى إلى "النوباتاى" فإن المؤلف يرى أن هذه الحضارة كانت تنتمى إلى خصومهم "البليمى". ويقول المؤلف إن "جنس النوباتاى غير مؤكد ولا يمكننا إلا أن نرضى بما يقوله ‘پروكوپيوس‘ من أنهم كانوا قوما محاربين يحتلون منطقة الواحة (الخارجة) فى الصحراء الغربية. ويرجح البعض أنهم فرع من قبائل ‘النوبا‘ الذين انتقلوا من كردفان، وطنهم الأصلى، نحو الشمال قبل بداية العصر المسيحى بقليل. فاستقروا فى الواحة تاركين الجزء الأكبر من جنسهم يغزو منطقة الجزيرة ويقضى فى النهاية على الإمپراطورية المروية فى القرن الرابع الميلادى. وبالإضافة إلى ذلك فقد عُرفوا بالبربر الليبيين كما اعتبر أنهم من نپاتا العاصمة الأصلية لكوش". وهناك نظرية (توردها مصادر أخرى) تقول بأن النوباتاى أو النوبا غزاة متنقلون قادمون من الغرب فرضوا ثقافتهم ولغتهم على الشعوب المستقرة، كما توجد نظرية أخرى تقول بأنهم سكان محليون فى منطقة نپاتا تحت سيطرة مروى لعدة قرون وأن كلمة "نوباتاى" Nobatae مرتبطة مباشرة باسم مدينة "نپاتا" Napata. ومهما يكن من شيء فقد هزم شعب النوباتاى شعب البليمى فى عام 540 م عندما تحول ملك النوباتاى إلى الدين المسيحى، فكانت النتيجة المحتومة هى الحرب ضد البليمى، الذين اختفت بهزيمتهم المعتقدات الدينية الفرعونية. ويضيف المؤلف: "وإذا اعتبرنا أن المجموعة (س) هم ‘البليمز‘ [أىْ: البليمى أو البليميين بالصيغة الإنجليزية] فيلاحظ أنه فى وقت غزو [الملك النوبى] ‘سلكو‘ تشير الأبحاث الأثرية إلى أن حضارة هذه المجموعة كانت تتقهقر واختفت أخيرا واستبدُلت بالحضارة النوبية المسيحية التى اختلفت عنها تماما". ويعود المؤلف إلى "سؤاله المحير": "من هم أهل المجموعة (س) ‘البليمز‘ أم ‘النوباتاى‘؟"، ويستدرك قائلا "ليس فى نيتى أن أكتب بالتفصيل عن هذا الموضوع الذى لا يزال موضع جدل لكثير من رجال الآثار. وهو موضوع يمكن أن تطرأ عليه دلائل جديدة فى أىّ وقت عن طريق معول الحفار". على أنه يفحص عددا من نتائج الحفائر الحديثة المتصلة بأهل هذه المجموعة منها: انحدار أجناسهم من أصل مختلط قريب من المرويين ولكن من عنصر زنجى أقوى، واحتلالهم الجزء الأكبر من النوبة العليا والنوبة السفلى فى الفترة 250-550 م، وطريقة دفن ملوكهم فى بلانة وقسطل، وكونهم وثنيين عبدوا آلهة مروى ومصر القديمة، ومجيئ حضارتهم بعد حضارة مروى مباشرة وعدم الشك فى انحدارهم منها، واتخاذ ملوكهم تيجان ورموز الملكية المروية، وعلاقة تصميم مقابرهم بالشكل المروى، وتأثر فخّارهم بالفخّار المروى، وتأثر أثاثهم بالطراز المروى والبيزنطى، ونوع أسلحتهم، وعدم معرفتهم الكتابة، وغير ذلك. ويُنهى المؤلف كتابه مؤكدا نظريته: "وفى تقريرى الرسمى عن كشف المقابر الملكية فى ‘بلانة‘ و‘قسطل‘ والذى نُشر فى عام 1938 وضحت أسبابى لاعتبارى مجموعة (س) أنهم ‘البليمز‘ والحفائر فى عام 1962-1963 فى جبانة (ابريم) "بريمس" لم تعطنى أىّ سبب لتغيير رأيى. ونظرا لأن الإسهاب فى هذا الموضوع بعيد عن هذا الكتاب فإنى أعتقد أن الحقائق التى أجملتها فيما سبق هى فى نظرى، الدليل لاعتبار حضارة المجموعة (س) تابعة للقوم الذين سماهم الرومان ‘البليمز‘" الذين يعتبرهم المؤلف الأبطال الأخيرين للعقائد الدينية البائدة لمصر القديمة. الحضارة النوبية القبطية: وقد امتدت هذه الحضارة أو الثقافة بين القرنين السادس والرابع عشر. ذلك أنه بحلول القرن السادس الميلادى تكونت ثلاث ممالك مسيحية نوبية جديدة على الأراضى التى كانت تحت سيطرة مملكة مروى، وهى مملكة نوباتيا Nobatia وهى معروفة أيضا باسم بلانة وكانت عاصمتها فرس، ومملكة المقرة أو المغرة Maqurra وعاصمتها دنقلا القديمة، وألوا (أو: علوة) Alwa فى عمق مروى القديمة فى الجنوب وعاصمتها سوبا، وفى الممالك الثلاث جميعا حكمت الأرستقراطية المحاربة سكانا مرويين. أما البجة Beja الذين كان البليميون (البليمى) أسلافهم فقد طردهم ملوك النوبة إلى الصحراء حوالى عام 450 م. وكانت هذه الدول ناطقة باللغة النوبية التى كانت تكتب بالحروف القبطية المعدلة عن الحروف اليونانية مع إدخال تعديلات نوبية عليها (لإضافة حروف تقابل الأصوات اللغوية النوبية الزائدة عليها وحذف حروف تقابل الأصوات اللغوية غير الموجودة فى النوبية). ويبدو أن المروية وكتابتها قد اختفتا تماما. وقد بلغت هذه الحضارة أوج ازدهارها فى القرنين التاسع والعاشر. وكما هو معروف فقد تحول سكان النوبة إلى الإسلام بصورة تدريجية ولم يشكل المسلمون الغالبية الدينية إلا فى القرن الخامس عشر أو السادس عشر. وبطبيعة الحال فإن هذه الحضارة أو الثقافة النوبية هى التى تتميز وحدها بالصفة النوبية بمعنى أننا إزاء جماعة لغوية واحدة مستمرة إلى الآن. ومن المحتمل بالطبع أن هذه الجماعة اللغوية كانت موجودة منذ زمن طويل للغاية قبل فترة ظهور النوباتاى منذ العصر الرومانى فى مصر والنوبة. على أننا نجد أنفسنا أمام لغز كبير: إذا كان النوباتاى، أىْ أسلاف النوبيين الحاليين، جماعة لغوية مختلفة تماما عن الجماعة اللغوية التى تمثلها حضارة كوش وعن اللغة المروية التى يُعتقد أنها كانت لغة الممالك المتعاقبة لحضارة كوش، فكيف حدث أن حلت اللغة النوبية محل لغة حضارة كوش أو اللغة المروية فى كل المنطقة النوبية السودانية؟ هل حدث هذا من خلال غسيل دم لغوى شامل للشعب المروى بالطريقة التى حلت بها اللغة العربية محل اللغة المصرية القديمة فى مرحلتها الأخيرة: القبطية؟ وإذا صحت، على العكس من ذلك، فرضية أن اللغة النوبية هى ذاتها اللغة المروية، فكيف نفسر هذا العجز المتواصل عن فك شفرة الهيروغليفية المروية بافتراض أن الحروف اليونانية القبطية حلت محلها كما كانت قد حلت قبل ذلك محل الهيروغليفية (فى شكلها المعاصر لفترة التحول إلى الكتابة القبطية) فى مصر؟ عودة إلى حضارة المجموعة النوبية الأولى: استعرضت فى الصفحات السابقة المجموعات النوبية الأربع التى يتحدث عنها علماء الآثار، كما يقدمها الكتاب الذى بين يدى القارئ. والحقيقة أن هذا ليس بالتصنيف الوحيد للمجموعات النوبية، وفى أكثر الأحيان يتركز حديث علماء الآثار على المجموعتين النوبيتين "ألِف" A-Group و"ج" C-Group اللتين تناظران المجموعتين الأولى والثالثة فى تصنيف الكتاب الحالى، فأين المجموعة "ب" B-Group التى تناظر المجموعة الثانية فى هذا التصنيف؟ إنها مجموعة افتراضية عند علماء الآثار لملء الفجوة الزمنية بين المجموعتين الأولى والثالثة (أو "ألِف" و"ج") ولإيجاد استمرارية بينهما ومن المحتمل أنها لم توجد أصلا باعتبار أن النوبة السفلى كانت خالية من السكان خلال مئات السنين التى استغرقتها هذه الفجوة الزمنية بين اختفاء المجموعة الأولى وظهور الثانية. ويتحدث الكتاب، كما رأينا، عن مجموعة نوبية رابعة تختلف ثقافتها عن الثالثة عاصرت حضارتها فى النوبة العليا حضارة المجموعة الثالثة فى النوبة السفلى واستمرت بعدها طويلا حتى نهاية مملكة مروى. غير أن أغلب المصادر لا تتحدث عن مجموعة رابعة أو مجموعة "د" D-Group، بل تتحدث فقط عن مجموعة ثالثة أو "ج" تشمل حضارتها النوبة العليا (كوش) والسفلى (واوات) معا باعتبارها حضارة شعب واحد. وهكذا تتنوع التصنيفات والآراء وتتسع الخلافات أحيانا بين العلماء حول تصنيف المجموعات المعنية، وقد سبقت الإشارة إلى الخلاف حول المجموعة (س) X-Group فى النوبة السفلى بين القائلين بأنهم شعب النوباتاى والقائلين بأنهم شعب البليمى. وإذا عدنا إلى المجموعة الأولى (أىْ المجموعة "ألِف") فقد أضافت المعطيات الجديدة المكتشفة فى أوائل الستينات قبيل بناء السد العالى حضارة مملكة قسطل التى كانت حضارة متطورة فى إطار دولة ملكية أعلى من مستوى الحضارة النيوليثية وقد عاصرت أقدم مراحلها الحضارة النيوليثية فى كل من مصر والسودان، وكانت أقدم من أقدم عهود الحضارة المصرية فى عصر الأسرات، وربما كانت نقطة انطلاق مختلف حضارات وادى النيل. وبالتالى يبرز احتمالان لا يستبعد أحدهما الآخر، الأول إسهام حضارة قسطل فى نشأة الحضارة الفرعونية فى مصر العليا قبل توحيد مصر، والاحتمال الثانى هو هجرة حضارة قسطل إلى النوبة العليا مع هجرة المجموعة الأولى من النوبة السفلى إلى النوبة العليا تحت ضغط الغزو المصرى فى عصر الأسرات للنوبة السفلى، وبالتالى الإسهام الذى قدمته المجموعة النوبية الأولى فى تكوين حضارة كوش فى كرما رغم الفجوة الزمنية بين اختفاء حضارة المجموعة الأولى فى النوبة السفلى وبداية حضارة كرما الكوشية فى النوبة العليا. وهذا الكتاب، الذى ترجمته بدقة واقتدار أستاذة المصريات الدكتورة تحية حندوسة، من تأليف والتر برايان إمرى Walter Bryan Emery (يوليو 1903-مارس 1971) الذى كرس حياته بكاملها، باستثناء ست سنوات فى الجيش البريطانى أثناء الحرب العالمية الثانية، وأربع سنوات فى السلك الدپلوماسى بالقاهرة، لتنقيب المواقع الأثرية على طول وادى النيل. وقد عمل فى مجال التنقيبات الأثرية فى مصر منذ 1923، وساعد فى تنقيب تل العمارنة (مدينة أخناتون). وفى 1924 أصبح المدير الميدانى لتنقيبات السير روبرت موند Mond التابعة لجامعة ليڤرپول فى طيبة، وبين 1924 و 1928 عمل مديرا ميدانيا لبعثة موند فى تنقيبات النوبة والأقصر وطيبة. وفى 1929 عُيِّن مديرا ميدانيا للمسح الأثرى للنوبة تحت إشراف مصلحة الآثار المصرية لاستكشاف وتنقيب كل المواقع القديمة فى النوبة والتى كانت توشك على الغرق فى مياه التعلية الثانية لخزان أسوان. وعمل فى قبان وبلانة وقسطل وقام بتنقيب مقابر المجموعة (س) المجهولة الملغزة. وانتهى عمله فى النوبة فى تلك الفترة بتنقيباته فى حصن بوهن ثم صار مديرا للمسح الأثرى فى الأقصر وأرمنت. وبين عامى 1935 و 1939 عمل مديرا للمسح الأثرى للنوبة. وخلال تلك الأعوام قام إمرى أيضا بتنقيب عدة مقابر للأسرات المبكرة فى سقارة، حيث قام هناك باكتشافه البارز لحديقة حيوانات لبقايا حيوانية محنطة. وفى أعقاب سنوات من الانقطاع بسبب الحرب وخدمته كدپلوماسى عمل إمرى فى السودان (بوهن، قصر أبريم). وفى 1964 عاد مرة أخرى إلى سقارة حيث اكتشف حظيرة الحيوانات المقدسة. وفى 1970 جاء إعلان اكتشاف ضريح للبقرة المقدسة وهو أحد أهم الاكتشافات فى حوليات علم المصريات. وقد عمل إمرى أستاذا للمصريات بجامعة لندن 1951-1970 واختير لزمالة الأكاديمية البريطانية فى 1959. ومؤلفاته الرئيسية هى: المقابر العظيمة للأسرة الأولى Great Tombs of the First Dynasty (ثلاثة مجلدات) 1949-1958، مصر العتيقة Archaic Egypt 1961، مصر وبلاد النوبة Egypt in Nubia 1965. وأخيرا فإنه لم يكن بوسعى أن أتحدث عن خصائص الحضارات النوبية المعنية، وقد اكتفيت بالحديث عن إشكالية المجموعات السكانية التى تنتمى إليها تلك الحضارات. وبهذا أعفيت نفسى من مهمة شاقة فوق قدراتى، وأعفيت القارئ من عرض مبتسر لا حاجة إليه لمن يقرأ هذا الكتاب البالغ الأهمية. 7 أبريل 2008
#خليل_كلفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصير العالم الثالث تحليل ونتائج وتوقعات توما كوترو و ميشيل إ
...
-
الأساطير والميثولوچيات السياسية(1) راؤول چيرارديه عرض: خليل
...
-
تفسير الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى لآية الله والعلماء
-
زيارة جديدة إلى -مزرعة الحيوانات- رواية -مزرعة الحيوانات- چو
...
-
عوالم عديدة مفقودة
-
الشرف والغضب لا يكفيان [مراجعة لكتاب: نعوم تشومسكى:-الحيلولة
...
-
الكتب معرفة ومتعة - الجزء الأول
-
حول الأسلوب فى السينما - أندريه بازان
-
جنوب أفريقيا عصر مابعد سياسة الفصل العنصرى (الأپارتهيد)
-
إلا الرسول الكريم
-
هل انتصرت الثورة المضادة فى مصر؟
-
حروب القرن الحادي والعشرين مخاوف وأخطار جديدة
-
بورخيس - كاتب على الحافة
-
عالم جديد - الجزء الرابع - فيديريكو مايور
-
عالم جديد - الجزء الثالث- فيديريكو مايور
-
عالم جديد - الجزء الثاني - فيديريكو مايور
-
عالم جديد - الجزء الأول - فيديريكو مايور
-
بدلا من صَوْمَلَة سيناء
-
طبيب الأمراض العقلية - ماشادو ده أسيس
-
سوريا: الطريق إلى الجحيم
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|