سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3904 - 2012 / 11 / 7 - 15:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذا المقال ذو طبيعة مغايرة عن مقالاتى السابقة فعادة ما أطرح أفكارى على القارئ قاصداً نشرها وإنتشارها وتأكيدها وتأثيرها وهذا حقى , كما هو ما إعتاد عليه الكتاب فى نشر أفكارهم ورؤيتهم ولكن فى هذا المقال سأنحو إلى منحى آخر ليكون القارئ هو مُحرر الأفكار والمُدافع عن فكره واضعاً إياه على المحك فلا يكون حضوره كمُطلع على فكرة إذا حازت قناعاته ضمها لمفردات ثقافته أو صرفها بعيدا إذا وجدها غير مقنعة بلا معنى ,, وفى أفضل الأحوال سيشارك بالتعليق إما ناقداً أو مؤيداً أو لاعناً .. فدعونا لا نكتفى بدور المُستقبل بل المُشارك فى إنتاج الفكر والرأى .
القضية المطروحة للنقاش لا أعنى منها حث القراء الأعزاء على المشاركة كغاية فأنا أحظى بالفعل على أكبر قدر من التعليقات والمشاركات فى مقالاتى لأتباهى بأننى أعلى كاتب بالحوار المتمدن يشهد حضور وفعاليات كثيفة أتشرف بها من الأعزاء القراء ولكن يكون طرحى لقضية للنقاش تحت تأثير سببين أولهما أننى بصراحة لم أحسم فيها رأى وفكر فلا أستطيع إدعاء أننى حسمت أمرى بشكل قاطع إلا فى بعض الأوجه التى قد نتفق فيها , أما السبب الثانى فإننى أأمل بالفعل أن يكون للجميع رأى وموقف فاعل فلا نكتفى بتفاعلنا بما يثار بل القدرة على تحريك وتفعيل أفكارنا الحرة .
القضية المطروحة للمناقشة هى قضية النقاب , هل هى حرية شخصية أم لا ؟ وهل من حق المجتمع أن يرفض نقاب المرأة ويمنعه أم لا ؟.
القضية شديدة التعقيد ولا تتحمل إجابة سريعة حازمة بالرغم أنها تبدو من الوهلة الأولى أنها تدخل فى إطار حرية المرأة الشخصية فى أن تتنقب بلا منازع .
أؤمن إيمان كامل بحرية الإنسان فى الفكر والإعتقاد والسلوك وإختيار ملابسه وطعامه وشرابه دون أن ينازعه أحد طالما حريته لا تنال من حرية الآخرين وعلى هذا الأساس أرى حرية المرأة فى أن تتنقب دون أن ينازعها أحد أو ينال منها أو من نقابها ولكن هناك إشكاليات فى موضوع حرية النقاب جديرة بالملاحظة والإهتمام ..فالنقاب فى مجتمعاتنا الإسلامية لا يتم تحت تأثير إرادة حرة تبغى النقاب فى الغالب بل هناك قهر وضغط مجتمعى مؤثر ومهيمن , كما لا ننفى أن هناك متنقبات تتنقبن بإرادتهن الحرة وهناك أيضا نقاب أصبح مجرد زى شعبى أى هكذا يجب أن تلبس النساء كما فى دول الخليج .
بالطبع سيتفق أغلبنا فى أن قهر المرأة وإرغامها على إرتداء النقاب رغماً عنها هو إنتهاك لحرية الإنسان , فالإجبار ينتهك حرية وكرامة المرأة حتى لو إتسم بشكل معنوى قهرى من خلال تأثير وضغط الأسرة والعائلة والعشيرة لذا فهذه الحالة محسومة إلى حد كبير فلن يقبل أى إنسان متحضر يؤمن بحق الإنسان فى الحرية على إجبار فتاة على النقاب أو العرى .
قضيتنا فيمن تتنقب بإرادتها ورغبتها كما تُعلن ... فهل يحق للمجتمع أن يرفض نقابها أم لا ؟ أليست حرية شخصية لا يجب أن يتدخل فيها أحد أم من الواجب أن يكون للمجتمع المدنى رأياً وموقفاً تجاهها .
سيتبادر السؤال وما دخل المجتمع فى حرية فتاة تتنقب , ليسترسل المتشنجون أنتم تريدون الفتيات عاريات تنهشها العيون الجوعى وتثير الفتنة والشهوة المحرمة .. بالطبع لن نلتفت لهذه الأقوال السمجة فليس معنى عدم النقاب أن تسير الفتيات بالبكينى لأن للمجتمع الحق أيضا فى إتخاذ موقف من الفتاة العارية كونها تعرض جسدها كسلعة تنتهك من آدميتها وتؤجج مشاعر شباب محبط لديه هوس جنسى .. نحن يعيننا حجب الوجه كظاهرة غير طبيعية .
يمكن أن نجد المبررات الكافية للمجتمع المدنى فى التدخل لمنع النقاب , لا يكتفى بكونه يعطى تضليل عن هوية المرأة مما يفتح لعناصر منحرفة أن تتوارى وراءه وهو ما يحدث بالفعل من جرائم وتجاوزات , كذلك خلق حالة من التمايز المجتمعى يبغى الفرز والتمايز الفوقى , ولكن هناك جانب أخطر من ذلك بكثير وهو الجانب النفسى للفتاة المنقبة .. فالنقاب ينال من الفتاة ليغزوها إحساس بالدونية فوجهها البرئ هو مصدر الفتنة والشر لنجنى نفسية هشة مشوهة تحس بالضعف والتدنى والرغبة فى التوارى لتنظر للعالم من خلال ثقوب .. فهل إحساس الفتاة أن وجهها عورة وعار هو شعور ينم عن شخصية طبيعية متوازنة أم نحن أمام وضعية شاذة ومهترئة لم تعهدها البشرية تجعل المرأة مسخ إنسانى فاقد الثقة بلا هوية لتقتنع الفتاة المنقبة أن ملامحها الإنسانية البسيطة عار وفضيحة تريد أن تواريها لتصل لحالة شبح وظل إنسانة تسير فى الشارع فوجهها مدعاة للشر والخطيئة ليتغلغل شعور بالدونية وفقدان الثقة لمجرد ان ملامح وجهها يمكن أن يلامس الهواء .
قد يقول قائل وماذا يضر المجتمع فى أن فتاة أرادت أن تكون مسخ بلا هوية..وتقتنع فى عمقها الداخلى أن وجهها سيثير الشهوة والفتنة وأنه مصدر الشر فما هو شأنكم.؟!
سؤال ورأى وجيه ولكن فى الإتجاه المعاكس سنجد القول بأن الحرية ليست مدعاة السماح بممارسات تنال من الإنسان ذاته وتدميره فليس من تحضر المجتمع أن يترك إنسان مريض بلا علاج طالما هو مستسلم له أو يرى علاجه بطريقة خاطئة .وعليه لماذا نتوقف أمام مدمنى المخدرات ونعاقبهم على تعاطيهم المخدرات فأليست هى حريتهم الشخصية ؟!.. ولماذا يُدان الرجل عندما يضرب إمرأته وأولاده بعنف فأليست زوجته وأبناءه ؟.. هل لو وجدنا رجل إتخذ من إنسان عبداً له فألا ندينه ؟ لماذا ندين من إستحضر فتاة من موريتانيا أو تشاد ليقول أنها جاريته أو ملك يمينه بالرغم أن الفتاة راضية بتلك الحالة ؟!.. لماذا ندين ونستنكر من يتزوج طفلة بالرغم أن أباها راضى عن ذلك الزواج والشرع لا يحرمه ؟!..لماذا نستقبح فتاة تعلن عن جسدها كسلعة وإعلان ؟!
إذن ليس معنى الحرية الشخصية أن تسير الأمور فى إتجاه الضرر والأذى حتى لو لم يُدرك المضرور ضرره بل قد نراه يريده ويبتغيه ومنهم من يتحمس له! . فالمجتمع يمكن أن يستشف الضرر والأذى الحادث من سلوك لا يفطن له المضرور نتيجة جهله أو قهره أو تشوش وعيه .
هل من هنا نستطيع أن نقول بحق المجتمع فى التوقف أمام ظاهرة النقاب بإعتبار أن الفتاة يتم تشويهها نفسيا وإشباعها بالدونية تحت دعوى أنها عورة ووجه الشيطان .
هنا الإشكالية فنحن نتدخل فى مطاردة ومحاصرة المخدرات ومدمنيها بالرغم أنها حريتهم الشخصية ونعاقب من يضرب ابنه وزوجته بالرغم أنهم أسرته وله الحق عليهم وندين الفتاة والفتى الممارسين للجنس بدون زواج بالرغم انها حريتهم وإرادتهم الخالصة ولم يؤذوا بها أحداًً .!..ونعالج حالات المازوخية والسادية بالرغم أن أصحابها يستطيبونها.
هناك مجتمعات تحترم الحريات الخاصة لأقصى درجة فتسمح لمتعاطى المخدرات أن يتعاطوها بلا مطاردة بل توفر لهم سبل الحصول على المخدرات كما نجد معظم المجتمعات تسمح بالعلاقات الجنسية الحرة خارج مؤسسة الزواج طالما تتم عن حب بلا قهر .. إذن لماذا نتوقف عند المنقبة التى تستعذب هذه الحالة النفسية المتردية فلتكن هى حريتها الشخصية كما مدمن المخدرات حر أن يؤذى جسده ونفسه فالمنقبة حرة فى أن تؤذى نفسها فهى تستسيغ هذا فلماذا نتدخل فى حريتها .!
الموضوع ليس سهلاً فكيف تمنح البشر حريتهم بدون أى إجترار أو مساومة وفى الجهة الأخرى حق ومسئولية المجتمع فى الحفاظ على سلامة أبناءه الذين يعبثون بأجسادهم ونفوسهم نتيجة جهلهم أو وعيهم المشوش الناتج من خلل ونفسية مضطربة , فأليس من حق المجتمع ان يتدخل .. هل لوجدنا أب يضرب ابنه بسادية شديدة ألا ننزع الطفل منه ونعالج الأب نفسيا .. هل نسمح لمضطربى النفسية والسلوك بحريات غير مقيدة .. وفى الإتجاه المعاكس هل نسمح بأن تكون حرية إنسان رهينة بهيمنة أحد سواء فرد أو مجتمع .
هل تستطيع أن تعطى موقف فى قضية النقاب المطروحة ولكن لاحظ أنها بمثابة الجسم الطافى على السطح أو نموذج لرؤيتنا لقضية الحريات كمفهوم ومعنى وآفاق وحدود مجتمعية ودينية ومدى إتساقها مع تطور الإنسان والعصر فكيف تنظر لها وكيف حل إشكالية الحرية والإنسان والمجتمع .؟!
دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.