أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - نقطة ومن أول السطر














المزيد.....

نقطة ومن أول السطر


سها السباعي

الحوار المتمدن-العدد: 3904 - 2012 / 11 / 7 - 11:15
المحور: الادب والفن
    


عبارةٌ معروفةٌ لنا جميعًا، من تعرضوا لحصة "الإملاء" الرهيبة في المدرسة الابتدائية، تلك الحصة التي كانت تفضح ضعفنا اللغوي وجهلنا بكيفية رسم الكلمات وربما بمعانيها. ولصغر سني ، ولضحالة معرفتي باللغة بالفعل في الصف الرابع الابتدائيٍ، وربما لإهمال معلمة اللغة العربية للأمر وانعدام تقديرها لأهميته، لم أكن أعرف وقتها أن "نقطة ومن أول السطر" تعني بداية فقرة جديدة، ولم أكن أعرف ما هي الفقرة، ما هو معناها ولماذا نبدأ فقرةً جديدة. وكل ما كان يجب عليّ فعله عندما أسمع هذه العبارة هو أن ألمس السطر الحالي بسن القلم لمسةً واحدة، ثم أهبط إلى السطر الذي يليه. كانت النقطة بالنسبة لي وسيلةً متوحشةً برغم ضعفها وضآلة حجمها لكسر السطر الذي تم كتابته، وإهدار المساحة المتبقية الفارغة من سطر الكراسة الذي كنت أكتب عليه بلا طائل. لقد أرغمت النقطة السطر على الانتهاء، وتركته وراءها واستقبلت فقرةً جديدةً مبدوءةً بسطرٍ جديد، لتجذب إليها الاهتمام، لموضوعها المختلف ولو قليلاً عن الفقرة السابقة. أما ذلك السطر المهجور، المنقوص حجماً لا معنى، لم يعد أحد يلتفت إليه.

لذلك كنت أحب الفاصلة أكثر، إنها لا ترغم جملة على الانتهاء، بل تربطها بالجمل التي تليها بروابط لا تنفصل ، بتسلسل المعنى، وتتابع الأفكار، وانسجام الكينونة، ووحدة الفكرة.

الفاصلة تفصل ظاهريًّا، فتتيح للقارئ بعينيه أن يرمش جفنه، وتسمح للقارئ بلسانه على مسمع من نفسه أو آخرين أن يتوقف في سكتة لطيفة فيحلو الإلقاء، لكنها أبدًا لا تشتت شمل الجمل وتفرقها، لا تباعد بينها ولا تغربها. وفهمتُ فيما بعد، أن النقطة هي إذْنٌ لبداية الكتابة عن فكرة جديدة، لكنها مرتبطةٌ بما سبق، إضافةٌ مثريةٌ للموضوع في إطار وحدته وتكامله.

من المفترض عند وضع النقطة والانتقال إلى سطر جديد، أن يصاحبك هذا التجديد في كل كلمةٍ تخطها على هذا السطر الجديد؛ في المعنى، في نطقك لها، في رسم الخط. أما أن تنتقل كما أنت، بلا تغييرٍ ولا تطويرٍ لإدراكك لمعنى الكلمات، وبلا معالجةٍ لثأثأتك وتلعثمك في نطقها، أو حتى بلا تحسينٍ أو تجميلٍ لخطك الرديء، فأنت بهذا لم تحقق شيئًا يذكر؛ بل على العكس، فقد خسرت التكاليف والوقت الذي استغرقه انتقالك، وقاسيت من اغترابك عن نفسك التي عرفتها في مكانها المعتاد الذي تعايشت معه.

أنت الآن مضطر للتعايش مع جيران آخرين على هذا السطر الجديد، طبائع وأهواء متباينة، مشاهد متنوعة، أصوات ونداءات دخيلة. تعددت المصاعب التي يجب أن تواجهها في مستقرك الجديد، واستُحدِثَتْ مصاعب أخرى لم تحسب لها حسابًا، واكتشفت متأخرًا أن انتقالك لم يضف إلى رصيدك شيئًا، بل أنك ستضطر مجددًا إلى الاستدانة من مخزون عواطفك واحتمالك الذي قارب على النفاد وأصبحت مهددًا بالسحب على المكشوف ومن ثمَّ الإفلاس.

يصبح أمامك أحد حلَّيْن، إما أن تتماهى وتتكيف مع مكانك الجديد كما تكيفت من قبل مع القديم، وتتعايش بأيّ طريقةٍ كانت، وعلى أي شكلٍ سيفرضه عليك من سبقوك إليه وسحبوك معهم بكامل إرادتك الحرة، عندما أيقنت أن الانتقال أفضل. وإما أن تعود من حيث أتيت، فتستعيد سلامك الداخلي الذي بنيته حجرًا حجرًا على أساسٍ متين من الاعتياد.

تختار الحل الأخير لأنه يبدو لك أسهل، فتسرع إلى سطرك القديم، لتجد أن البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل، وتجد حكيمًا ما يخبرك أنك يجب أن تتحمل مسؤولية قراراتك.

ولأنك لا تجد في نفسك القدرة على التوجه مرة أخرى لسطرك الجديد، تبقى واقفًا على النقطة التي كانت السبب في هذا الانتقال الدرامي؛ فنفسك تعافُ ما مضى، وترفضُ ما حدث، فقد أدركتَ متأخرًا أنك لم تكن في الحالتين سوى قلمٍ منكسرٍ بيد من يكتبون السطور، وتشعر أن النقطة الصغيرة أكثر حنانًا وتفهمًا من السطرين الحادَّيْن كالسيف، الذي يريد كل منهما أن يرتوي بدماء إذعانك لشروطهما القاسية.

وهكذا، تظل حبيس النقطة، اخترت موقعك، وتمسكت به، ورفضت التحرك. والسطور أعلاه تنظر لك بسخرية، والسطور أدناه تتوالى وتتعدد وتمضي حتى نهاية الكراسة بلا اكتراث لوقفتك المتجمدة. وتقف أنت عاجزًا عن التصرف في حدود مساحتك المتناهية الصغر، مًمِنَّيًا نفسك بفرصة أفضل، في كراسةٍ أخرى.

فقط همسةً في أذنك: تذكر أن الكلمات والسطور، ليست إلا نقاطًا صغيرة تجمعت وتلاصقت معًا!



#سها_السباعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البجعة السوداء - من دار الأيتام إلى خشبة المسرح
- الضباب ومقر البرلمان
- في انتظار الحُكم
- وماذا بعد يا مصر؟
- قسَم الملعب وقسَم الميدان
- نهضة مصر - مسيرة تمثال
- كاتمة الأسرار – مصر والمرأة المصرية في أعمال محمود مختار
- إنها ليست كراهية، إنه حب امتلاك


المزيد.....




- شاهد.. مشاركون دوليون يشيدون بالنسخة الثالثة من -أيام الجزير ...
- وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح ...
- مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد ...
- أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه ...
- وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا ...
- عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب ...
- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...
- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - نقطة ومن أول السطر