|
حلُّ مشكلة -حق العودة- بعدم حلها!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3904 - 2012 / 11 / 7 - 09:34
المحور:
القضية الفلسطينية
إنَّهم خمسة ملايين فلسطيني يحتاجون منذ زمن بعيد، وتشتدُّ حاجتهم مع مرور الوقت، إلى حلٍّ نهائي (ولو بالمعنى السياسي لا التاريخي لـ "النهائي") لمشكلتهم، ومأساتهم الإنسانية والسياسية ـ القومية؛ ولقد "نجحت" جهود ومساعي ومفاوضات "السلام" في إثبات وتأكيد أنَّها تضيق، وتزداد ضيقاً، بمشكلة هؤلاء اللاجئين، وبالحلول الحقيقية لها، والتي فيها تتوازَن "الحقوق" و"الحقائق (أيْ حقائق الأمر الواقع)"، التي يكفي أنْ نَنْظُر إليها بعيون لا تغشاها أوهام حتى تَبان لنا الهوَّة الواسعة (والتي تزداد اتِّساعاً) بينها وبين "حقوق اللاجئين"، ولو كانت بحجمها الدولي (لا الفلسطيني) المُتَضَمَّن في قرار الأمم المتحدة الرَّقم 194؛ وإنِّي لأَعْزو جزءاً من هذا الاستعصاء إلى الفلسطينيين أنفسهم؛ فَهُم لم يتواضعوا حتى الآن على حلٍّ لمشكلة اللاجئين تُراعى فيه "الحقائق"؛ لكن من غير أنْ تَذْهَب هذه المراعاة بـ "الحقوق (الجوهرية والأساسية)". الفلسطينيون مَدْعوون أوَّلاً إلى "تسييس" حقوقهم القومية كافَّة، أيْ جَعْلها، شكلاً ومحتوىً، تَضْرِب جذورها عميقاً في العالَم الواقعي للسياسة؛ فبهذه الطريقة ينتصرون لحقوقهم انتصاراً حقيقياً واقعياً؛ وإنَّ خطوتهم الأولى على هذه الطريق هي صَوْغ حقوقهم، و"حق العودة" على وجه الخصوص، بما يجعلها أكثر توافقاً مع "الشرعية الدولية"، أيْ مع ما أصدرته الأمم المتحدة من قرارات في شأن مشكلتهم وحلولها؛ فالفلسطينيون لا يستطيعون اللعب في خارج ملعب الشرعية الدولية. والفلسطينيون ينبغي لهم أنْ يتصرَّفوا سياسياً بجرأة أكبر؛ فإنَّ حقوق أي شعب تبقى ببقائه، وتزول بزواله؛ فلا خشية من أيِّ حلٍّ (سياسي) يرونه الآن مُجْحِفاً بحقوقهم؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ درء المخاطر الواقعية (والمحتملة) عن وجود الشعب الفلسطيني هو وحده الطريق إلى الحفاظ على حقوقه، وإلى جَعْل الاجحاف بها يتضاءل مع مرور الوقت. إنَّ المعاهدات والاتفاقيات، ومهما قويت، لا تقوى (تاريخياً) على إلغاء حقوق أي شعب بقي على قيد الحياة، وظلَّ مستمساً بها ولو في أحلامه. والحقوق لا تُمْنَح؛ وإنَّما ينتزعها صاحبها انتزاعاً؛ فهي والصراع المستمر (بأشكاله وصوره المختلفة) صنوان؛ وينبغي للفلسطينيين أنْ يَزِنوا "الحلول" ليس بميزان الحقوق وإنَّما بميزان الحقائق؛ فمفاوضات السلام ليست بعصا سحرية، ولن تعطيهم، مهما حُسِّنت، شكلاً ومحتوىً، أكثر (أو أكثر كثيراً) مِمَّا يستطيعون أخذه الآن من غير طريق المفاوضات، وهُمْ لا يستطيعون حلاًّ من طريق "الإقناع (أيْ من طريق إقناع إسرائيل به)" يختلف جوهراً عمَّا يستطيعونه الآن من حلٍّ من طريق "الإكراه"؛ فـ "القدرة على الإقناع" هي توأم "القدرة على الإكراه". والمفاوضات "الملعونة"، من ثمَّ، هي كل مفاوضات تعطيكَ (من الحلول) أقل مِمَّا تستطيع انتزاعه من خصمكَ بالقوَّة (والإكراه). والمفاوِض "السيء" إنَّما هو المفاوض الذي يذهب إلى قاعة المفاوضات بـ "عربة" لا تتزوَّد في استمرار "وقوداً" من الصراع الواقعي في خارجها؛ فالمفاوضات كالمرآة لا تُريكَ (من الصور) إلاَّ ما تُريها من الأشياء (أيْ من أصول الصور). "الحق" و"المصلحة (الحقيقية الواقعية)" لا ينفصلان في "المفاوضات"؛ فالفلسطينيون لن ينالوا حقَّاً من حقوقهم من طريق المفاوضات إلاَّ إذا استطاعوا أنْ يهيِّئوا من الأسباب ما يجعل إسرائيل مقتنعة بأنَّ لها (أيْ أصبح لها) مصلحة حقيقية واقعية في أنْ ينال الفلسطينيون حقهم هذا؛ وإنَّ السؤال التفاوضي ـ الإستراتيجي الذي ينبغي له أنْ يستبدَّ بتفكير الفلسطينيين هو "كيف نَجْعَل لإسرائيل مصلحة حقيقية واقعية كبرى في أنْ تعترف بحقِّ كل لاجئ فلسطيني في العودة إليها إذا ما رغب في ذلك؟". يكفي أنْ نصوغ الأمر على هيئة سؤال كهذا حتى يتَّضِح للفلسطينيين والعرب أنَّ كل ما أتوا به حتى الآن من قول وفعل لم يتمخَّض إلاَّ عمَّا جَعَل إسرائيل تزداد اقتناعاً بأنَّ مصلحتها الحقيقية الواقعية الكبرى (الآن) تقضي برفض كل حلٍّ كهذا. وإنّي لأستطيع أنْ أُعرِّف "الغباء التفاوضي"، فلسطينياً، والآن، على أنَّه أنْ يختار الفلسطينون التفاوض الآن مع إسرائيل طريقاً إلى حلٍّ نهائي لمشكلتهم القومية، معلِّلين أنفسهم بوهم أنْ يأتي هذا الحل بما يسمح بعودة القسم الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين إلى حيث كانوا قبل حرب 1948، أو بما يُغْري هؤلاء بتفضيل خيار العودة على ما عداه. وإنَّه، على ما أرى، لإنجاز فلسطيني تاريخي أنْ تتمخَّض مفاوضات السلام مع إسرائيل عن حلٍّ (أو اتفاقية) تبقى فيه مشكلة "حقِّ العودة" بلا حلٍّ يرضي إسرائيل، ولا يرضي اللاجئين الفلسطينيين؛ فاللاجئون الفلسطينيون يرضون الآن عدم العودة إلى ما أصبح جزءاً من إقليم دولة إسرائيل في مقابل حلٍّ (أو اتفاقية) تبقى فيه مشكلة "حقِّ العودة" بلا حلٍّ. وهذا الإنجاز يكتمل (أيْ يمكن ويجب أنْ يكتمل) بـ "نصفه الآخر"، وهو "تغيير موقع اللجوء الفلسطيني"؛ فمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في خارج فلسطين تُنْقَل إلى داخل إقليم الدولة الفلسطينية؛ فاستمرار اللجوء (مع إنهاء "المخيَّم" شكلاً لحياة أهله) على جزء من أرض فلسطين (أيْ إقليم الدولة الفلسطينية) هو خير وأفضل من استمراره في خارج فلسطين؛ وعلى المجتمع الدولي أنْ يُمكِّن الدولة الفلسطينية المُقامة على جزء صغير من أرض فلسطين من أنْ تستوعب سنوياً مزيداً من الفلسطينيين المقيمين عن اضطِّرار في خارج فلسطين، وصولاً إلى جعلها، عملياً وواقعياً، دولةً للشعب الفلسطيني بأسره؛ فإنَّ أسوأ حلٍّ للمشكلة القومية للشعب الفلسطيني هو أنْ "يُصَغَّر" الشعب نفسه بعد، وبسبب، "تصغير" إقليم دولته. السلام الذي للشعب الفلسطيني مصلحة حقيقية فيه إنَّما هو الذي يبقي مشكلة "حقِّ العودة" بلا حلٍّ؛ فاللاجئون الفلسطينيون لا يعودون إلى ما أصبح جزءاً من إقليم دولة إسرائيل؛ لكنَّ مخيماتهم تُنْقَل من خارج فلسطين إلى إقليم الدولة الفلسطينية، ويُنْهى بؤس حياة المخيَّم، ويظل "حق العودة" حيَّاً في نفوس الفلسطينيين، لا يتخلُّون عنه أبداً، ويظلُّون مع العرب أجمعين في سعي دائم إلى تغيير الواقع بما يجعل لإسرائيل نفسها مصلحة واقعية في التصالح (ولو جزئياً) مع "حقِّ العودة (الفلسطيني)".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هكذا أَفْهَم تصريحات عباس!
-
بلفور بأُصوله وفروعه!
-
المكيافلية والصراع في سورية!
-
إسرائيل تَضْرِب في السودان ردَّاً على -طائرة إيران-!
-
الدولار الأردني!
-
وللكويت نصيبها من -الربيع العربي-!
-
إشكالية -الدِّين- و-السياسة- في -الربيع العربي-!
-
الضفة الغربية.. قصة -التِّرْكة والوَرَثَة-!
-
معنى -فيليكس-!
-
الأُسطورة الجريمة!
-
الرَّقم 2.3 مليون!
-
إمبريالية أفلاطونية!
-
متى نتعلَّم ونُجيد -صناعة الأسئلة-؟!
-
حتى يتصالح نظام الصوت الواحد مع الديمقراطية!
-
من يتحدَّث باسم الشعب في الأردن؟!
-
-سؤال الإصلاح- في الأردن الذي ما زال بلا جواب!
-
جهاد -حزب الله- في سورية!
-
المتباكون على -الربيع العربي-!
-
معركة -كامب ديفيد- في سيناء!
-
طهران إذْ غَيَّرت تقويمها للتهديد الذي تتعرَّض له!
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|