وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3903 - 2012 / 11 / 6 - 15:18
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ايهما الساحر وايهما المسحور ؟
ليبرالي جديد بوجه اخواني ؟
ام اخواني بوجه ليبرالي جديد ؟
انها الشيطنة والصعلكة والكذب والنفاق والتدليس التي يمارسها الاخوان المسلمين على ابواب الليبراليين الجدد في عواصمهم العالمية , توصلهما الى تحالف جهنمي واجهته اسلامويون ,وباطنه ليبراليون جدد , اصابت المجتمعات العربية بمرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز ) في وعي مجتمعاتنا الجمعي ...
واليكم القصة كاملة :
قال نعوم تشومسكي في كتابه (الهيمنة او البقاء ) حول السعي الامريكي للسيطرة على العالم بتقديم عروضا ضخمة وحماسية في تملق الذات , مصحوبا بتهليل مخيف لقادة عالم جديد عاكف على وضع حد نهائي ل (البربرية ) , ومنذور لخدمة (المباديء والقيم ) .ثمة رسالة واضحة يحملها هذا التملق الكبير للذات , مفادها بناء عالم جديد مثالي يضع حدا للبربرية ,وهذه الرسالة منوط حملها بابناء الله من الامريكيين ( نحن جيش الله , في بيت الله ) . هكذا صرح الجنرال الامريكي وليم جيري بويكين نائب وزير الدفاع في وقته لشؤون الاستخبارات , والذين عليهم محاربة ابناء الشيطان من (البرابرة ) , الذين في غفلة من الزمن , استطاعوا ان يروعوا ابناء الله في عقر دارهم .
رسالة التنوير الامريكي الجديد الى العالم , وبخاصة الى العالم العربي الاسلامي الموسوم ب ( الارهاب ) والذي يعج بالالاف من الاولاد المشاكسين , تستعيد هذه الرسالة معظم بواعث التعبير عن نفسها من اطروحة صدام الحضارات لهنيتغتون كما كتب الان غريش في الليموند ديبلوماتيك في سبتمبر 2004 م . فهي تنحي ماهو سياسي مع انه جذر المشكلة ,لتدفع بما هو ثقافي الى الواجهة . من هنا مصدر تشبيه الاخر بالبربري وابن الشيطان حيث يقتضي الامر سحقه وتدميره واعادة تربيته ( تعديله وراثيا ) ليلحق بابناء الله . من هنا ليس غريبا كما يرى تزفيتان تودوروف في بحثه عن تاريخ الفتح الامريكي :
(ان كل محاولة لتمدين الاخر او تنويره او الاعتراف به كانت تنتهي بالاستيلاء عليه وتدميره ! ) . الاهم والاخطر , ان رسالة التنوير لابناء الله من الامريكيين تنطوي على رغبة حقيقية بالعودة الى عصر الاستعمار ) .
يكتب تشومسكي ( ان الصيغة الاخرى الدارجة حاليا لرسالة الدول المستنيرة مفادها ان الحاجة الى الاستعمار ماسة اليوم مثلما كانت في القرن التاسع عشر ,لحمل مباديء النظام والحرية والعدالة الى باقي انحاء العالم , المباديء التي تعتنقها وتعتصم بها في مجتمعات (ما بعد الحداثة ) وهي الصيغة التي تقدم بها روبرت كوبر كبير مستشاري توني بلير في السياسة الخارجية ). هذه الحاجة الى الاستعمار تلهب مخيلة كثير من المحافظين الجدد ,والذين يدعون الى انضباط الاولاد المشاكسين من ابناء العالم الرابع في الصف .فقد ظلت نغمة الانضباط تتردد بقوة على مر السنين .واصبحت جزءا من العقيدة الجديدة للمتنورين الامريكيين الذين عليهم ان يحملوا انجيلهم التنويري الجديد بيدهم اليسرى ,بينما تظل يدهم اليمنى على الزناد مهما كانت الالام التي ترافق رسالتهم التنويرية. فلابد من ( يد قاسية , يد حازمة ) بشان كل المقاومين لرسالة امريكا التمدينية والديمقراطية في العالم ,او اولئك المشككين بها .وما على الاولاد المشاكسين الا ابداء الطاعة والخضوع ,شانهم في ذلك كما يقول تشومسكي ,شان المشمولين بالوصاية .
مايقلق حقا ,ليس تلك الرغبة عند ابناء الله بالعودة الى عصر الاستعمار ,بل تلك القابلية للاستعمار عند بعض المثقفين العرب ممن يطلق عليهم ( الليبراليون الجدد ) , الذين يرون,بان الاستعمار التقليدي هو الحقيقة الوحيدة في تاريخنا المعاصر . ففي كل مرة ياتي الاستعمار يحركنا من جمودنا التاريخي ويدخلنا الى التاريخ مجددا ,وهذا ما تفعله امريكا هذه الايام التي تريد ان تدخلنا ( جنة التاريخ ) عنوة , ولكننا لانقر لها هذا الصنيع كما يتهمنا هؤلاء . لذلك ليس غريبا ان يتزايد عدد المبشرين بالرسالةالامريكية والداعين عبر رطانتهم الخطابية , الى اللحاق بركب الحضارة الامريكية باتجاه سقف التاريخ ,والتنديد بكل اشكال المقاومة والتي لاتزيد عن كونها ( كما يرى هؤلاء ) خربشات في مؤخرة الركب يقوم بها الهنود الحمر , او هنود هذا الزمان من العرب الذين لم يقدروا بعد قيمة الرسالة الامريكية في الاستيلاء عليهم وتمدينهم او تدميرهم .
يقول صلاح المختار عن الليبراليين العرب الجدد المسوقين للخطاب الامريكي المعلب (انهم مارينز الاعلام ) العرب ...لانهم في الواقع مسوقو ومبررو الابادة الجماعية .البراغماتية الواقعيةهذه تقذفنا الاف السنين الى الخلف ,الى مرحلة ماقبل الانسانية , حينما كان الحيوان المسمى الان (انسان ) يعيش كما يعيش الخنزير البري او الضبع , بلا قيم او روادع , وهدفه غريزي صرف , حفظ البقاء .
يكتب باتر وردم عن الليبرالين العرب الجدد قائلا :
( تم تعديل ادمغة الليبراليين العرب الجدد في مختبرات وزارة الدفاع والاستخبارات الامريكية بعد 11 سبتمبر , في مخطط مبرمج لنشر هذه الكائنات المعدلة في الوسط الثقافي العربي , والترويج للسياسات الامريكية الاستعمارية في المنطقة تحت شعارات ليبرالية . ان الليبرالي المعدل وراثيا ,يستخدم نفس مصطلحات ومباديء الليبرالية عندما يدعو الى الديمقراطية وحرية التعبير وفصل الدين عن الدولة , والتعددية الثقافية والسياسية .ولكنه يصل في النهاية الى مبتغاه من خلال الترويج للسياسات الامريكية , خاصة في نشرفكرة ان السياسة الامريكية ترغب في دعم الديمقراطية في العالم , والتغاضي التام عن انتقاد الجرائم الامريكية ضد العرب والمسلمين , وتبرير دعم الاحتلال الاسرائيلي بحجة عدم وجود قيادات فلسطينية متعقلة .واخيرا الترويج لفكرة ان الارهاب ( منتج ثقافي اسلامي وعربي )بمعزل عن اسبابه الحقيقية في الاحتلال والاستعمار والجرائم الاميركية – الاسرائيلية .
سوف يفشل الليبراليون العرب المعدلون وراثيا في نشر هذه الافكار البلهاء , ولكن المشكلة انهم سيقضون على مصداقية الليبراليين العرب الوطنيين ,الا اذا استجمع هؤلاء قوتهم في مواجهة الكائنات المعدلة وراثيا وحافظوا على انفسهم من الانقراض ! ) .
تشابه الخطاب المعلب بين الليبراليين العرب الجدد وبين الاخوان المسلمين في مصر !!!
ان استعراضنا لواقع الليبراليين العرب الجدد يبين انهم لايملكون برنامجا يتماشى مع الواقع ومع عادات وموروثات شعوبنا ,وانما برنامجهم يمثل نسخة مستوردة ومعربة من الخطاب الليبرالي الغربي والامريكي منه على وجه الخصوص .يقوم خطاب الليبراليين العرب الجدد على نسف كل الاسس التي قامت عليها المجتمعات العربية , وبنائها وفق مصالح الغرب الامريكي المهيمن على المنطقة .الاخوان المسلمون , والذين يحكمون مصر حاليا يقومون بنفس الدور في نشر ثقافة تخريبية .فهم يبثون يوميا وعبر الفضائيات المصرية الاناشيد والاغاني التعبوية والثورية للمرحلة الناصرية . وبتنا نرى الاعلامي احمد منصور وهو يقدم برنامجا عن الحماسة الثورية ,تقوم على بث هذه الاناشيد والاغاني في محاولة ملفقة للحصول على الشرعية الشعبية التي يفتقدها الاخوان المسلمون الحاكمون الان في مصر , تضاف الى شرعيتهم عبر صناديق الانتخاب التي اختطفوها في غفلة من الزمن , في محاولة منهم لتاسيس قاعدة مكينة لحكمهم الاسلاموي وتهيئة اجهزتهم الامنية والاعلامية والقيام بتبديل جهاز الدولة بملاك جديد من الموظفات والموظفين على طريق (اخونة مصر ), على نمط ما فعله البعثيون في العراق بعد استيلائهم على السلطة في عام 1968 م بانقلاب عسكري . تراهم يمجدون اغاني المرحلة الناصرية , بينما كان الاخوان يقبعون في معتقلات وسجون عبد الناصر . يبثون الحماسة الثورية ضد الاستعمار والصهيونية , وهم يؤكدون في نفس الوقت التزامهم بالاتفاقيات الدولية وعلى راسها كامب ديفيد بالطبع .
ترى الاخوان يرفضون البنوك الربوية الحكومية , ولكن حكومةالاخوان تاخذ قرضا من صندوق النقد الدولي بعدة مليارات من الدولارات ,وهو بنك ربوي ,مخالفين بذلك الشريعة الاسلامية والقران ! وبعد سنوات ستصل فوائد القرض الى اصل قيمة القرض نفسه !. وبعد ذلك يقولون ان الربا حرام والقران دستورنا والاسلام هو الحل ,تراهم عن اي اسلام يتحدثون ؟
ان الليبراليين الجدد من العرب والاخوان المسلمين في مصر هم ( المهرجين الجدد ) على الوعي الفكري لمجتمعاتنا ,تحت وابل الشعارات البراقة والكاذبة .
يشبه خالد جمال المطوع الليبراليين العرب الجدد بخطر انتشار مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز ). ان الاخوان في مصر بالتحالف مع الليبراليين الجدد يمثلون الايدز الفكري المنتشر بصورة فعالة في اوساط النخبة والعامة على حد سواء . هذا التحالف غير المعلن هدفه العبث بالاسس الصلبة ومقومات المناعة في العقل العربي , بحيث يتحول عبر كثافة الخطاب الاعلامي المهاجم الى شذرات متناثرة تذروها الرياح , فيسهل اختراق وعي الناس واعادة صياغة اتجاهات تفكيرها ,بحيث يصبح مطواعا ,قابلا للهجمة الامريكية والصهيونية .
على المودة نلتقيكم ...
المصدر
( الليبراليون الجدد – جدل فكري ) ,للباحث والكاتب شاكر النابلسي – ط1- 2005 م – دار الجمل – كولونيا – المانيا
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟